بين “خفض التصعيد” و “السلام”: القائدُ يثبِّتُ معادلاتِ واقع المواجهة ويُسقِطُ تصوراتِ العدو
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
يمانيون – متابعات
جاءت التحذيراتُ التي وجّهها قائدُ الثورةِ، السيدُ عبدُ الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير، منسجمةً مع حقيقة الوضع الراهن على الواقع، بوصفه وضعَ حرب مُستمرّة مع جميع أطراف العدوان، وعلى رأسها النظام السعوديّ الذي حرص طيلة الفترة الماضية على أن يرسُمَ صورةً مغايرةً حاول أن يستثمرَ فيها غيابُ العمليات العسكرية؛ ليصنعَ انطباعًا زائفًا لدى الجمهور بأنه قد تم تجاوز مرحلة الحرب، حتى ولو لم يعنِ ذلك التوجُّـهَ نحو السلام؛ وهي محاولة خطيرة لتهيئة الرأي العام للقبول والتعايش مع حالة اللا سلم واللا حرب، وبالتالي صرف النظر عن الأولويات وفتح المجال أمام كُـلّ محاولات التلاعب بالمزاج الشعبي وتوجيهه نحو مساراتٍ تخدُمُ توجُّـهاتِ الأعداء.
بين “خفض التصعيد” و “السلام”:
الصورةُ المغلوطة التي كانت دول العدوان، وعلى رأسها السعوديّة، قد حاولت رسمَها طيلة الفترة الماضية، اعتمدت على عدة أفكار وفرضيات مزيفة رئيسية، أهمها فكرة أن التهدئة الراهنة تعتبر في ذاتها أهمَّ إنجاز دبلوماسي إيجابي وأكبر خطوة جوهرية على طريق تحقيق السلام الشامل، وبعبارة أُخرى: أن توقف العمليات العسكرية هو الأهم والباقي مُجَـرّد تفاصيل؛ وهو أمرٌ غير دقيق؛ لأَنَّه وبالنسبة لصنعاء فَــإنَّ العمل العسكري كان ولا زال ضرورةً لمواجهة الاعتداءات على البلد والشعب وممارسات الحصار والتجويع والاحتلال وانتهاك السيادة، وبالتالي فَــإنَّ وقف العمليات العسكرية مع استمرار تلك الاعتداءات والممارسات لا يمكن أن يكون حتى قريباً من مفهوم السلام الفعلي.
قائدُ الثورة كان قد حرص منذ البداية على إعطاء التوصيف الحقيقي والعملي للوضع الراهن من خلال عنوان “خفض التصعيد”، وقد استمر في مختلف خطاباته خلال الفترة الماضية بالتأكيد على هذا العنوان وتوضيحه؛ بهَدفِ إزالة أي التباس، والتحذيرات التي وجّهها خلال الخطاب الأخير من شأنها نسفُ كُـلّ ما تبقى من تضليل أَو مبالغة مقصودة في توصيف الوضع الراهن؛ لأَنَّها تحذيرات انطلقت بوضوح من واقع معركة لم تنته، لا في جانبها العسكري ولا في بقية جوانبها، بل إن القائد حرص على تأكيد حقيقة أن القوة العسكرية لا زالت تمثل ضامنًا رئيسيًّا لانتزاع الحقوق وتحرير البلد، وأن صنعاء عملت على استغلال فترة التهدئة لتنمية هذه القوة؛ استعداداً لاستكمال المعركة ضد عدو كُـلّ التجارب والمعطيات والمؤشرات تستمر بالتأكيد على أنه لا يريد السلام الفعلي مهما كانت الأعذار والمبرّرات التي يروِّجها.
ولهذا لا يمكن القول إن التحذيراتِ الأخيرة، جاءت مفاجئة، أَو أنها انطلقت فقط لمُجَـرّد تحقيق ضغط لحظي في مسار المفاوضات، فهذه من جهة ليست طريقة القيادة الوطنية في التعاطي مع الأمور، ومن جهة أُخرى فَــإنَّ قائدَ الثورة كان قد أعطى سابقًا توضيحاتٍ مهمةً بخصوص الوضع الحالي تنسجمُ تماماً مع التحذيرات الأخيرة، ومن تلك التوضيحات حديثه عن “الهامش” الذي سمحت به أمريكا لدول العدوان؛ مِن أجل الدخول في تهدئة، والذي أكّـد فيه أن دولَ العدوان أرادت من خلال الهُدنة وما تبعها من خفض للتصعيد أن تتفرَّغَ لتنفيذ مشاريعَ عدوانية أُخرى ضد الشعب اليمني؛ وهو ما يعني أن السلام لم يكن في حساباتها أصلاً.
الموقفُ السعوديّ بين دعايات “الوساطة” وأعذار “الضغوط”:
من الفرضياتِ المغلوطة الرئيسية التي حاولت دول العدوان ترويجَها خلال الفترة الماضية، والتي نسفتها تحذيراتُ قائد الثورة الأخيرة: أن السعوديّةَ قد غيَّرت موقفَها من اليمن؛ وهي فرضيةٌ تم الاعتمادُ عليها في مسارَينِ للتضليل: الأول مسار الادِّعاء بأن المملكة تقوم بدور “الوساطة بين الأطراف اليمنية”، والثاني: ما تحدث عنه نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق جلال الرويشان، في مايو الماضي عندما قال: إن دول العدوان تتحدث عن تعرضها لضغوطات، معتبرًا ذلك أمراً “غير منطقي”.
في المسارَينِ حاولت السعوديّة أن تكرِّسَ فكرةَ أنها قد تجاوزت مرحلة “تعمد” استهداف اليمن، وأن دخولها في حالة التهدئة وخفض التصعيد جاء عن اقتناع بالسلام، وليس كتكتيك مخادع، لكن الواقع لم يكن كذلك، وكما واجه قائد الثورة هذه الفكرة المضللة سابقًا من خلال توضيح طبيعة الهامش الأمريكي، فَــإنَّ تحذيراته الأخيرة قد تضمنت تأكيدات واضحة على أن دول العدوان وعلى رأسها السعوديّة تخضع بشكل طوعي (ومع وعي كامل بالكلفة والتبعات) للتوجّـهات والرغبات الأمريكية، وتصر على تنفيذها في اليمن تحت غطاء التهدئة؛ وهو ما يعني أن الموقف السعوديّ لم يتغير عمليًّا، وهذا كُـلّ ما يهم؛ لأَنَّ صنعاء غير معنية بانتظار اكتمال تأثر الرياض معنوياً ووجدانيًّا بالحقائق التي أدركتها.
وفي هذا السياق أَيْـضاً، فَــإنَّ حديثَ قائد الثورة عن بلوغ الفرصة المتاحة للوسطاء “قدراً كافياً” يأتي في إطار التعاطي مع معطيات الواقع الحقيقي، وإزاحة المبالغات والتضليلات عن المشهد؛ فالقائد هنا يؤكّـدُ أن حالةَ خفض التصعيد استمرت فقط؛ لمنح الوسطاء فرصةَ البحث عن تقاربات وتفاهمات يمكن البناء عليها في مشوار الوصول إلى السلام، من باب الحرص، وليس لأَنَّه تم تجاوز مرحلة الاقتتال العسكري إلى الأبد.
المعادلاتُ الأَسَاسية ثابتة: الاقتصادُ بالاقتصاد:
في محاولاتِ تحالف العدوان ورعاته لرسم صورة مغلوطة عن واقع حالة خفض التصعيد، حرصوا على تناوُلِ مطالِبِ الشعب اليمن؛ باعتبارها مِلفاتٍ “سياسية” شائكة، تتطلب فقط مواصلة النقاشات إلى أجل غير مسمى، بل ذهبوا بعيدًا إلى حَــدّ الحديث عن ضرورة التفاوض بين صنعاء والمرتزِقة فقط، ويمكن بسهولة ملاحظة أن هذا التصور المستفز اعتمد بشكل رئيسي على الفرضيات المضللة السابقة: أنه قد تم تجاوز مرحلة الحرب، وأن السعوديّة لم تعد طرفاً.
لكن تحذيرات قائد الثورة الأخيرة جعلت هذه الصورةَ تتبخَّرُ تماماً، وأعادت كُـلَّ شيء إلى أجواء واقع الحرب المُستمرّة، وذلك من خلال التذكير بمعادلة “السن بالسن” التي يبدو بوضوح أن العدوّ ظن أنه لن يسمعَ عنها مرة أُخرى، حَيثُ حرص القائد بوضوح في تحذيراته على ربط الوضع الاقتصادي والمعيشي في اليمن بنظيره في دول العدوان وفي المملكة بشكل خاص لإزالة أي أوهام يمكن أن تكون قد عششت في رأس النظام السعوديّ بأنه قد غيَّر مسار المواجهة.
لقد جرّب تحالفُ العدوان مواجهةَ مفاعيل هذه المعادلة من قبل فيما يتعلق بالموانئ والمطارات؛ والأمر لن يكونَ أخفَّ وَقْعاً فيما يتعلق بالمرتبات والثروات، بل سيكون أقسى؛ نظراً لتطور القدرات ولأن فشل جهود الوسطاء سيعني ضرورة اللجوء إلى مستوى أعلى من الردع؛ وهو ما حرص القائد على الإشارة إليه من خلال التأكيد على جهود بناء القدرات القتالية، والحديث عن الطموحات الاستثمارية السعوديّة في نيوم وغيرها.
إجمالًا، يمكن القول إن التحذيراتِ الأخيرةَ لقائد الثورة لم تنسفْ فقط الصورةَ المغلوطةَ التي حاول العدوُّ تسويقَها للجماهير بخصوص الوضع الحالي، بل أَيْـضاً التصوُّرات الخاطئة التي حاول تسويقها لنفسه، وخيارات العدوّ الآن هي: إما النظرُ في معادلات الواقع والتعاطي وفقًا لها؛ (لأنها هي المؤثرة على أية حال)، أَو اختلاقُ أوهامٍ وتصوراتٍ مغلوطةٍ جديدةٍ إلى أن تأتي صدمةٌ أُخرى وتبعثِرُها.
ضرار الطيب/ المسيرة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الفترة الماضیة خفض التصعید قائد الثورة دول العدوان السعودی ة من خلال ف ــإن
إقرأ أيضاً:
تواصل العدوان الصهيوني على طولكرم لليوم الـ 48
لليوم الـ 48 على التوالي تواصل قوات العدو الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها، ولليوم الـ35 على مخيم نور شمس، في ظل تصعيد غير مسبوق شمل عمليات مداهمة مكثفة للمنازل وإجبار سكانها على الخروج منها بالقوة، مع استمرار الحصار والاقتحامات وسط تعزيزات عسكرية، وإجراءات تنكيليه بحق المواطنين.
وأفادت مصادر ، بأن دوي انفجارات ضخمة سمع فجر اليوم السبت، في المنطقة المحيطة بالأحراش في مخيم نور شمس، تزامناً مع انتشار مكثف لجنود العدو، وشوهدت ألسنة الدخان تتصاعد من المكان، في الوقت الذي تسببت في تحطم زجاج مركبات ونوافذ المنازل القريبة وتضرر محتوياتها، دون أن يبلغ عن إصابات في صفوف المواطنين.
وأطلقت قوات العدو الرصاص الحي تجاه مركبة إسعاف، أثناء توجهها لمخيم نور شمس لإخلاء حالة مرضية، ومنعتها من الوصول إليها.
وشهدت حارة المحجر في المخيم عمليات اقتحام وتفتيش مكثفة للمنازل نفذها جنود العدو، فيما انتشرت فرق المشاة في حارة جبل النصر، حيث أقدمت على تفجير إحدى بوابات مسجد النصر في المخيم، وسط إطلاق نار كثيف، كما أضرمت النيران في منزل المواطن ياسر مقبل في حارة المنشية، ما أدى إلى احتراق أجزاء من المنزل، وإلحاق أضرار مادية جسيمة.
ودفعت قوات العدو بتعزيزات عسكرية باتجاه المدينة ومخيميها، مرورا بشوارعها الرئيسية، واعترضت حركة تنقل المواطنين والمركبات، فيما عززت من آلياتها وجرافاتها الثقيلة، أمام المباني التي تستولي عليها في شارع نابلس وتحولها لثكنات عسكرية، وفي محيط مخيمي طولكرم ونور شمس، وأقامت حواجز متنقلة لتقييد حركة تنقل المواطنين.
وفي مخيم طولكرم، انتشرت قوات العدو بدورياتها الراجلة في حارتي أبو الفول وقاقون في مخيم طولكرم، حيث داهمت المنازل وخلعت الأبواب وعاثت فيها خرابا، إضافة إلى إطلاق قنابل صوتية لترويع السكان، كما استولت على مزيد من المنازل وحولتها إلى ثكنات عسكرية.
وفي حارة المقاطعة، اعتقلت قوات العدو المواطن نزار الطويل ونجله أحمد، بعد الاعتداء عليهما بالضرب، حيث احتجزتهما لأكثر من 12 ساعة قبل الإفراج عنهما في ساعات الفجر الأولى، بينما تعرض عدد آخر من المواطنين للتنكيل أثناء عمليات المداهمة لمنازلهم.
وفي ضاحية اكتابا، انتشرت فرق المشاة في منطقة حي إسكان الموظفين، وتحديداً المنطقة المقابلة لمخيم نور شمس، حيث داهمت منازل المواطنين وأجرت عمليات تفتيش واسعة داخلها، وأخضعت سكانها للاستجواب الميداني.
وتأتي هذه الاعتداءات في سياق التصعيد المستمر لقوات العدو في مدينة طولكرم ومخيميها، والذي أسفر عن استشهاد 13 مواطنا، بينهم طفل وامرأتان إحداهما حاملا في الشهر الثامن، بالإضافة إلى إصابة واعتقال العشرات، ونزوح قسري لأكثر من 12 آلف مواطن من مخيم نور شمس، و12 ألف آخرين من مخيم طولكرم، مخلفا دمارا واسعا في البنية التحتية ومنازل المواطنين.