الاحتراق الوظيفي والاستقالة الصامتة
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
بين التزام الموظف بعمله المطلوب منه في أقل مستوياته وسعيه لتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة بون شاسع، وضمن هذه المساحة بين الحالتين ظهرت مصطلحات جديدة عرفها القرن الماضي لم تكن مُعرّفة من قبل رغم وجودها كمفاهيم وممارسات قبل ذلك بكثير، بل لن تكون مبالغة إن قيل بأنها مرتبطة بالمنظومة الوظيفية في كل مكان، لكن بنسب متفاوتة وفقا لعوامل الظاهرة وتداعياتها، وبين تلك المصطلحات يأتي الاحتراق الوظيفي والاستقالة الصامتة، وما ارتباطهما هنا إلا مؤشر مقصود لارتباطهما الفعلي سببيا أو دلاليا، فما الاحتراق الوظيفي؟ وما الاستقالة الصامتة؟
الاحتراق الوظيفي أو الإرهاق الوظيفي (بالإنجليزية Job Burnout) هو حالة نفسية تُصيب الموظفين في بيئة العمل، يفقدون على إثرها الرغبة والشغف في ممارسة العمل لتقل إنتاجيتهم في الأداء الوظيفي، وعادة تُصيب هذه الحالة الأفراد العاملين مدة طويلة في الوظيفة نفسها دون تغيير، ظهر هذا المصطلح على يد عالم النفس الأمريكي هربرت فرودنبرجر في سبعينيات القرن الماضي، إذ كان استخدامه في البداية لوصف آثار الإرهاق والإجهاد النفسي على العاملين في المهن المساعدة، مثل الأطباء والممرضين، للضغط النفسي الشديد الذي يمرون به، بعدها أصبح يُستخدم لوصف حالة الإرهاق والتشبع في المهن والوظائف الأٌخرى على اختلاف مجالاتها.
وهنالك مؤشرات وأعراض وضعها الباحثون ومنظرو الحالات الصحية لحالة «الاحتراق الوظيفي» من بينها: الإرهاق الشديد والتعب ونفاد الطاقة، السخرية من العمل وانخفاض الإنتاجية، صعوبة التركيز والبدء في العمل، عدم الرضا عن الذات وضعف الثقة بالنفس، نفاد الصبر والطاقة اللازمة لإكمال العمل، كثرة الخلافات مع الزملاء في العمل، الصمت وعدم المشاركة في الاجتماعات، وتجنب المناسبات الاجتماعية، ولهذه الأعراض آثارها المباشرة وغير المباشرة على بيئة العمل، التي نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- تفشي الحالة بين العاملين إن لم تكن على شكل احتراق وظيفي مباشر فعلى أشكال إحباط وسلبية ونفاد الرغبة في الإبداع والتحدي، عدم القدرة على إدارة الوقت وتراكم المهام على الأفراد وعلى المؤسسة ذاتها كنتيجة طبيعية، زيادة تكلفة التدريب والتعويض إذ تضطر المؤسسة إلى تعيينات جديدة تكلفها مبالغ مالية إضافة إلى تكلفة التأهيل والتدريب، معاناة الموظفين من الشعور بالذنب لعدم القدرة على الموازنة بين مسؤولياتهم الاجتماعية ومهامهم الوظيفية، إضافة إلى إحباطهم الناتج عن شعورهم بعدم التقدير وانعدام الحوافز مما تنتج عنه أمراض عصبية وأخرى عاطفية، وليست هذه نتيجة تقديرية ذاتية فقد أدرجت منظمة الصحة العالمية (الإجهاد النفسي الوظيفي) أو (الاحتراق النفسي المهني) Occupational Burnout ضمن قائمة التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض، حيث تم الاعتراف بهذه المتلازمة عالميا في عام 2022 «منظمة الصحة العالمية، 2022» ورغم أن هذا المفهوم عرض ونوقش مع سبعينيات القرن العشرين فإنه لاقى شيوعا وتداولا مع جائحة كورونا وبعدها، حيث تزايدت أعداد المتقدمين باستقالات وظيفية بشكل ملحوظ مع إدراك هؤلاء عدم جدوى الاستنزاف الوظيفي لجهد الأفراد دون حوافز وأشكال تقدير ذاتي مقابل التضحية بوقت العائلة والأهل وحتى الاستجمام النفسي المحفز على العطاء المجدد للطاقة، ثم صدمتهم في جهات عملهم التي لا تراعي تضحياتهم ولا تقدر كفاءاتهم.
وقد قاد الاحتراق الوظيفي مصطلحا ومفهوما إلى «Quiet quitting الاستقالة الصامتة» وهو مصطلح ظهر في أمريكا، لكن الظاهرة -التي تعني قيام الموظفين بالحد الأدنى من العمل- أصبحت عالمية، إذ يستقيل الموظف أو العامل ذهنيا فقط أو في صمت دون إعلان، ويتحول دوره إلى تقاضي راتبه بتنفيذ ما يطلب منه فقط، وقد ربطها الكثيرون بتداعيات جائحة كورونا كذلك، لكن الحقيقة أنها موجودة قبل الجائحة بكثير، وإنما أظهرتها الجائحة كنتيجة طبيعية إما للاحتراق الوظيفي أو للترف الاجتماعي الذي يريد أصحابه من الوظيفة مجرد الراتب الدوري، مع التمتع بكافة جوانب الحياة بعيدا عن تحديات بيئة العمل من تنافس وطموح وسعي لإنتاجية أعلى، وليس من الضرورة أن تكون الإقالة الصامتة ناتجة عن سوء نية أو تكاسل الموظف، بل تأتي نتيجة طبيعية للعمل المضني لسنوات دون شعور بالتقدير أو المكافأة، أو استشعار مهام تكليف دون مستوى كفاءة ومهارة الموظف، مع غياب التفاعل الشخصي المفضي إلى تعرّض الموظفين للتهميش والإهمال وعدم التقدير نتيجة لإدارة سيئة منشغلة بأمور تتعلق بمنافعها مع تجاهل مهام إدارة الفريق لتنتج عن ذلك حالة من الإحباط العام وعدم إنتاجية مع الانفصال عن الانتماء للمكان، وقد يتوهم بعض المديرين أن الإقالة الصامتة خيار أفضل من إقالة الموظف التي تكلف جهة العمل تعويضات ومكافأة نهاية الخدمة، غافلين عن تكلفة الاستقالة الصامتة التي قد تكلفهم أضعاف ذلك على المدى الطويل كسمعة المؤسسة، وقدرتها على استقطاب وجذب الكفاءات والمواهب.
ختاما؛ يمكن تجنب الظاهرتين عبر التعود على الموازنة بين الحياة الشخصية والحياة الوظيفية، إضافة إلى اعتماد الاجتماعات الدورية التي تتيح الحوار بين أطراف العمل بشفافية ووضوح فإما الوصول إلى حلول توافقية ترضي الجميع أو السعي للتدوير أو الانتقال إلى وظائف أكثر مرونة وأكثر قدرة على تحقيق الرضا الوظيفي مع معدل أفضل للإنتاجية، كما ينبغي السعي لتحديد الأدوار والصلاحيات بوضوح مع ضرورة الاستثمار في تدريب وتحفيز الموظفين بالممكن من التعزيز ماديا ومعنويا حرصا على تنمية وتطوير مهارات المؤسسة عبر تطوير مهارات منتسبيها ورعاية لإنسانيتهم وفضاء طموحهم المرتبط بالعمل.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاحتراق الوظیفی
إقرأ أيضاً:
الحكومة توجه بالنظر لمعالجة الملاحظات بشأن الإجازة بدون راتب
سرايا - استمع مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها اليوم السبت برئاسة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان لعرض قدمه وزير دولة لتطوير القطاع العام حول المواد المتعلقة بالإجازة بدون راتب التي تضمنها نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام بناء على تكليف سابق من رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان .
ووجه المجلس بالنظر بتعديلات على نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام بما يعالج الملاحظات والتغذية الراجعة التي وردت حول موضوع الإجازة بدون راتب بحيث يتم الأخذ بها عند تعديل النظام قبل نهاية العام الحالي .
كما وجه المجلس بالاستمرار بتلقي التغذية الراجعة بشان النظام بهدف تجويد مواده والبناء على الإيجابيات الموجودة به لتطوير أداء القطاع العام ليتمكن من تقديم الخدمة الأفضل للمواطنين .
وتشمل التعديلات المقترحة، تعديل مواد الإجازة بدون راتب في نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام على السماح لمنح بالإجازة بلا راتب وفق ضوابط وشروط تراعي التوازن بين مصلحة القطاع العام ومصلحة الموظف وبما يحقق المصلحة العامة بحيث تسري أحكام الإجازة بدون راتب على جميع الموظفين المدرجة وظائفهم على جدول التشكيلات والذين أكملوا خمس سنوات من الخدمة في القطاع العام.
وتحدد التعديلات المقترحة الحالات التي يجوز فيها منح الموظف إجازة بدون راتب وهي : مرافقة الزوج أو الزوجة إذا كان أحدهما يعمل أو يدرس أو معاراً خارج المملكة شريطة تقديم المعززات لذلك، والدراسة لغايات الحصول على مؤهل علمي، شريطة تزويد الدائرة بالمعززات التي تثبت الاستمرارية في الدراسة، والعمل داخل المملكة أو خارجها بموجب عقد عمل ساري المفعول .
كما تقترح التعديلات تحديد المدة الزمنية للإجازة بدون راتب والتي يجوز منحها للموظف خارج المملكة، بحيث لا تتجاوز خمس سنوات بناءً على موافقة المرجع المختص.
أما المدة الزمنية للإجازة بدون راتب التي يجوز منحها للموظف داخل المملكة، فهي سنة واحدة في حال الحصول على عقد عمل، ولمدة سنتين لغايات الدراسة أو لرعاية أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة وفق معززات واضحة.
ونصت التعديلات التي وجه بها مجلس الوزراء على مجموعة من الشروط والضوابط لمنح الاجازة بدون راتب من أبرزها أن لا تؤثر الإجازة على مقتضيات العمل وأن لا ينشأ عن قرار منح الإجازة دون راتب حالات تضارب مع مصلحة العمل، وأن لا تقل المدة الزمنية لخدمة الموظف في القطاع العام قبل اسـتحقاقه للإجازة بدون راتب عن خمس سنوات خدمة فعلية قبل منحه الإجازة.
وبموجب هذه التوجهات لمجلس الوزراء يلتزم الموظف، الخاضع لقانون الضمان الاجتماعي، بتقديم المعززات التي تثبت استمرارية اشتراكه في الضمان الاجتماعي خلال فترة الاجازة، وأن لا تقل مدة خدمة الموظف في القطاع العام المتبقية لاستحقاق الراتب التقاعدي عن خمس سنوات، وأن لا يزيد مجموع الإجازات بدون راتب داخل المملكة وخارجها طيلة مدة خدمة الموظف عن خمس سنوات في جميع الأحوال.
وبشان تصويب الأوضاع للموظفين المجازين قبل صدور النظام بتاريخ 2024/7/1، فيجوز للمرجع المختص تمديد الإجازة بدون راتب للموظف الحاصل عليها قبل تاريخ 2024/7/1 شريطة أن لا تقل مدة الخدمة المتبقية لاستحقاق الراتب التقاعدي عن خمس سنوات، وبواقع ثلاث سنوات حداً أعلى في حال كانت الإجازة خارج المملكة وسنة واحدة في حال كانت الإجازة داخل المملكة.
وبموجب التعديلات المقترحة يجوز منح الموظف إجازة بدون راتب لحالات استثنائية (طارئة) ومبررة لمدة لا تتجاوز ثلاثة شهور في السنة الواحدة وبما لا يتجاوز ثلاث مرات طيلة خدمة الموظف في القطاع العام.
وتهدف التعديلات المقترحة إلى تحسين أوضاع الموظف العام مالياً واجتماعياً، وتحصيله الأكاديمي والعلمي، وتراعي كذلك الظروف الاستثنائية الطارئة التي قد يمر بها الموظف من حيث الحاجة إلى رعاية أحد الوالدين او أحد أفراد الأسرة وغيرها.
كما تهدف إلى إثراء وتنويع الخبرات في القطاع العام من خلال اكساب الموظف الممنوح إجازة بدون راتب لغايات العمل خبرات جديدة من خلال العمل في قطاعات متنوعة، داخل وخارج المملكة وتعزيز الحوالات المالية للمغتربين.
وتعمل التعديلات المقترحة على الحد من الممارسات السابقة المتعلقة بعدم وضع حد أعلى لمدة الإجازة بلا راتب والتي أثرت سلباً على حجز الشواغر على جدول التشكيلات كان يمكن أن تشكل فرصة عمل لأردني آخر، والتي كانت سائدة لسنوات طويلة والتي جاء نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام لمعالجتها.
كما تعمل على الحد من تعيين موظف بديل على وظيفة "عقد بدل مجاز"، حيث أن الموظف المعين على هذا البند قد لا يتمتع بالغالب بالكفايات أو التأهيل اللازم لإشغال الوظيفة بالمقارنة مع الموظف الأصيل، كما أنه لا يتمتع بحقوق الموظف الأصيل، ويتم إنهاء خدماته، في الغالب، عند عودة الموظف الأصيل للعمل.
وتأتي التعديلات المقترحة على نظام ادارة الموارد البشرية في القطاع العام في ضوء دراسة الحكومة لجميع الملاحظات التي أثيرت خلال الفترة الماضية حول موضوع الإجازة بدون راتب علما أن الحكومة مستمرة بتلقي الملاحظات حول نظام ادارة الموارد البشرية لدراستها وتجويد بنود النظام بما يحقق هدف التحديث الإداري بوجود قطاع عام يقدم الخدمة بكفاءة وفعالية لعموم المواطنين والمنشآت.
--(بترا)
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1174
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 30-11-2024 07:36 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...