مع تراجع حِـدّة الصدمة التي أحدثها فوز دونالد ترمب، يُـنعِـم الخبراء والسياسيون النظر في الأمر لمحاولة تصور ما قد يحمله ذلك لمستقبل الولايات المتحدة والسياسة العالمية. إن فهم الأسباب وراء فوز مثل هذه الشخصية المثيرة للانقسام وغير المؤهلة مرة أخرى أمر بالغ الأهمية للديمقراطيين. هل بالغوا في التحول نحو اليسار وخسروا الأمريكيين المعتدلين الذين يشكلون الأغلبية؟ أو أن النيوليبرالية الوسطية -التي تبناها الرؤساء الديمقراطيون منذ بِل كلينتون- فشلت في تحقيق وعودها، فأفضى فشلها إلى خلق الطلب على التغيير؟
في اعتقادي، الإجابة واضحة: فقد تركت 40 عاما من النيوليبرالية الولايات المتحدة في حالة غير مسبوقة من التفاوت الشديد، والركود عند منتصف طيف الدخل (وأسوأ لمن هم أدناه)، وتناقص متوسط العمر المتوقع (الذي تُـبرِزه حالات «الموت يأسا» المتزايدة).
كل هذا أسوأ من النيوليبرالية، التي زعمت على الأقل أنها تعزز الأسواق التنافسية غير المشوهة. إن اقتصاد ترمب ليس أكثر من رأسمالية مصطنعة، تُـدار لصالح وبواسطة الأقوياء، ووفقا لمبدأ مفاده أن المال أكثر أهمية من أي شيء آخر. ويبدو أن الأمريكيين فقدوا الثقة في مؤسساتهم وإيمانهم بأن الحكومة سوف تفي بوعودها لهم. إنها النتيجة المتوقعة لخمسة وأربعين عاما من الحملات الجمهورية (والديمقراطية النيوليبرالية)، بدءا من المزحة الشهيرة التي جاءت على لسان رونالد ريجان عندما قال: «الكلمات الأشد ترويعا في اللغة الإنجليزية هي: أنا من الحكومة، وأنا هنا لأساعدكم».
كما لعبت الحروب الثقافية دورا كبيرا في انتصار ترمب. فقد نجحت حملته في الدفع برسالة مفادها أن الديمقراطيين مهووسون بالنوع الاجتماعي، والعِـرق، وغير ذلك من القضايا الاجتماعية في وقت حيث يحاول معظم الأمريكيين مجرد تدبر معايشهم. وخلص كثير من الناخبين إلى أن ترمب سوف يعكس أو على الأقل يبطئ وتيرة التغيرات المربكة التي تحدت التسلسلات الهرمية والأدوار الاجتماعية الراسخة منذ فترة طويلة. مثله كمثل القوميين في كل مكان، يلقي ترمب باللائمة عن المشكلات التي تواجه أمريكا على قوى خارجية، من الهجرة إلى التجارة «غير العادلة». ولكن في حين أنه من الصحيح أن إدارة أي من القضيتين لم تكن جيدة بالدرجة الوافية، فإن الحلول التي يقترحها سَـتُـنـزِل الكوارث بالاقتصاد الأمريكي والعالم. من غير الواضح مدى فهم ناخبيه لهذا الحقيقة. ويبدو أن معظمهم انجذبوا إلى المسرح السياسي. كانوا يريدون إرسال رسالة عدم رضا، والآن فعلوا ذلك.
من منظور الديمقراطيين، يجب أن تكون هذه الرسالة واضحة: التخلي عن النيوليبرالية والعودة إلى الجذور التقدمية من زمن رئاستي فرانكلين روزفلت وليندون جونسون.
يحتاج الحزب إلى تقديم رؤية جديدة لمجتمع يوفر التعليم والفرصة للجميع؛ حيث تتنافس الأسواق على تقديم منتجات أفضل تعمل على تحسين مستويات المعيشة، بدلا من ابتكار طرق أفضل لاستغلال العمال، والعملاء، والبيئة؛ حيث ندرك أننا انتقلنا من العصر الصناعي إلى اقتصاد موجه حول الخدمات، والمعرفة، والإبداع، والرعاية. والاقتصاد الجديد يحتاج إلى قواعد جديدة وأدوار جديدة للحكومة. والفارق كبير بين هذه الرؤية الجديدة والتعديلات الطفيفة التي عرضتها حملة هاريس (زيادة ضئيلة في تمويل التعليم هنا، وبضعة دولارات لمساعدة مشتري المنازل لأول مرة هناك). لن تكون صياغة برنامج قوي بالمهمة السهلة، وسوف يكون تنفيذه أشد صعوبة. لكن مستقبل أمريكا يتوقف على إنجازه.
جوزيف إي. ستيجليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وأستاذ جامعي في جامعة كولومبيا، وكبير خبراء الاقتصاد الأسبق في البنك الدولي (1997-2000).
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الرئيس المصري يتحدّث عن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية
قتل 5 فلسطينيين، “جراء استهداف مسيّرة إسرائيلية لسيارة كانت تقلهم قرب حاجز نتساريم وسط قطاع غزة”.
في السياق، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، “أنه لا يوجد حل للقضية الفلسطينية إلا بتحقيق العدل وإقامة الدولة الفلسطينية”.
وشدد الرئيس المصري، “على أن حل القضية الفلسطينية يتمثل في عدم القبول بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه تحت أي مسمى”.
وقال: “على الرغم من الأحداث المتلاحقة، التي يمر بها العالم ومنطقتنا، والمخاطر والتهديدات التي خلفت واقعا مضطربا، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومساعي مصر الدائمة، لتقديم رؤى من أجل تحقيق الأمن والسلم للمنطقة، كفاعل رئيسى في هذه القضـية والتي أوضحت فيها مصر منذ بدايتها، موقفا ثابتا راسخا، بأنه لا حل لهذه القضية، إلا من خلال العمل على تحقيق العدل، وإقامة الدولة الفلسطينية، وعدم القبول بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، تحت أى مسمى”.
وبحسب موقع اليوم السابع، أضاف: “لم يكن هذا الموقف ليتحقق، إلا بوعي الشعب المصري، واصطفافه حول القيادة السياسية، معبرا وبجلاء عن صدق النية وحب الوطن .. واسمحوا لي، أن أقدم تحية للشعب الفلسطيني الصامد فوق أرضه، مؤكدا أننا سنقدم لهم كل عمل من شأنه أن يساندهم فى معركة البقاء والمصير”.
وكانت أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، “ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي للقطاع إلى 48.503 قتلى، و111.927 مصابا منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023”.