لجريدة عمان:
2025-03-06@21:08:51 GMT

نصف نصر ونصف هزيمة لا تصنع شرق أوسط إسرائيلي

تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT

تفصح التطورات العسكرية الأخيرة في سوريا عن تعقيد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. تفصح بالتالي عن تسرع الإعلان الأمريكي - الإسرائيلي أنهما يوشكان على بناء شرق أوسط جديد.

فالهجوم المخطط له بعناية كما يوحي اتساع نطاقه ونوع الأسلحة المتطورة التي استخدمتها قوات تحرير الشام «جبهة النصرة» المنتمية لتنظيم القاعدة على ريف إدلب وحلب وحماة يكشف أولا عن حجم مهول من اختلاط أوراق اللعبة وثانيا عن تعدد اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، وتنازع مصالحهم بصورة قد تجعل المنطقة مقبلة على حالة تصعيد عسكري وفوضى وليس على نظام مهندس أمريكيا وإسرائيليا تستقر فيه الأمور لصالحهم على طول الخط.

لابد هنا من ملاحظة أن عودة الجماعات الإرهابية في سوريا لحالة الهجوم الكاسح بعد سنوات من الهزائم تمت بعد أيام قليلة من إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. والأهم من ذلك بعد إعلان نتنياهو أن إسرائيل ستحقق جزءًا مهمًا من أهدافها منه طالما استمرت في حرية العمل العسكري وضرب طريق بيروت دمشق وكل مسار يربط لبنان بسوريا لمنع حزب الله من إعادة بناء نفسه عسكريا. وهو الطريق الذي يدعي أنه الطريق الأساسي الذي تقوم إيران بتهريب الأسلحة لحزب الله من خلاله. جاء هجوم جبهة تحرير الشام بقيادة الإرهابي المعروف أبو محمد الجولاني ليحقق وبالحرف الواحد هدف نتنياهو بإضعاف النظام السوري وإشغاله في الصراع الداخلي خاصة وأن التحالف الاستراتيجي الذي صنعه حافظ الأسد مع إيران بعد الثورة الإسلامية كما يقول الإسرائيليون يجعل سوريا وبعدها حزب الله في لبنان درة التاج للنفوذ الذي اكتسبته طهران في المنطقة.

يعتمد تنظيم تحرير الشام -كما كشفت اعترافات صريحة لمسؤولين عرب كبار سابقين - ماليا وعسكريا على تحالف قادته واشنطن وشمل دولا إقليمية ودولا عربية وهو بالتالي نموذج لخلط مذهل في الأوراق وكيف تجد دولا -مؤيدة للحق الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية - نفسها منخرطة في عملية تخدم أهداف نتنياهو المعلنة قبل أيام في ضرب جناح المقاومة اللبناني لأنه أعاق مشروعها بعد ٢٠١١ في إسقاط النظام السوري.

كان طبيعيًا أن تقول طهران إن واشنطن وتل أبيب وراء هجوم حلب بعد تسريبات إسرائيلية واضحة أن استمرار الهجوم الحالي لتنظيمات التطرف السورية يصب في مصلحة إسرائيل في منع حزب الله من تعويض خسائره في السلاح وفي استكمال ما تسميه تل أبيب النجاح في كسر حلقة النار التي كانت إيران قد نجحت في تطويق إسرائيل بها.

التطورات الخطيرة في الوضع السوري تفصح عن أن باب المفاجآت في الشرق الأوسط مازال مفتوحا على مصراعيه، وأن مخاطر التوقع والتنبؤ السياسي بما تقبل عليه شعوب المنطقة تزداد صعوبة وغموضا.

فالهجوم الأخير لبقايا القاعدة سيستفز أطرافا إقليمية ودولية بدا أنها على استعداد للانحناء لموجة نشوة الفوز الأمريكية - الإسرائيلية العالية في الشهور الثلاث الأخيرة وعدم استفزاز الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب بخطوات مواجهة تعقد العلاقة معه. النشوة الإسرائيلية - الأمريكية تمثلت في أنها تمكنت من التخلص من «إسماعيل هنية وحسن نصرالله ويحيى السنوار» وأضعفت قوة حماس وحزب الله العسكرية والتنظيمية وأنها توجت ذلك بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في لبنان تزعم أنها ترجمت فيه المكاسب العسكرية لإنجاز سياسي يعطي نصرا صريحا لإسرائيل والولايات المتحدة.

على رأس هذه الأطراف القابلة للاستفزاز من احتمال سقوط دمشق والدولة السورية ثم العودة للانخراط في المباشر في المشهدين السوري واللبناني هما إيران إقليميا وروسيا دوليا. كما ستشعر دول مثل مصر التي تقف في مواجهة قوى الإسلام السياسي منذ سنوات بقلق شديد من انتصار جماعات القاعدة في سوريا يمكن أن تحيي جماعات الإرهاب المحلية في سيناء والتي ضعفت وذبلت في السنوات الأخيرة. السعودية أيضا من الدول التي قد يقلقها صعود جماعات العنف في سوريا وكتب صحفي سعودي معروف أن الجولاني، المنسل من تنظيم القاعدة، سيكون من «الكوارث العظمى لو حكم على رقاب السوريين»

من هنا فإن الصراع في سوريا -بعد عودة الطائرات الروسية لشن هجمات على تحرير الشام وإسناد الجيش النظامي السوري بأسلحة جديدة وربما بعودة إيرانية نشطة لدعم الأسد - مرشح للاستمرار لفترة طويلة والبقاء في حالة نصف نصر ونصف هزيمة لطرفيه المتحاربين. وهذا الوضع بصورة أو بأخرى يمكن وصف الوضع على الجبهة اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل به بعد الاتفاق الأخير لوقف النار. فالمقاومة اللبنانية حققت نصف نصر بنجاحها في ألّا يتضمن الاتفاق نزعا لسلاحها أو إقامة منطقة عازلة تحمي إسرائيل في جنوب لبنان. لكنها تلقت نصف هزيمة بموافقتها المؤقتة على كسر وحدة الساحات وإنهاء ربط وقف إطلاق النار في الجبهة اللبنانية بوقف إطلاق النار في غزة وبموافقتها وهذه هي الأخطر على آلية عسكرية يقودها جنرال أمريكي لمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار وهي آلية لها سوابق في الانحياز لإسرائيل في جبهات أخرى. يتذكر الجميع كيف أن مساوئ اتفاقيات أوسلو تضاعفت مئات المرات بعد دخول المنسق الأمني الأمريكي كيث دايتون على الخط بخطته الشهيرة للتنسيق الأمني التي حولت فعليا قوات السلطة الفلسطينية إلى مركز متقدم لحماية أمن إسرائيل وتعقب المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية فيما يعرف بالتنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل.

هندسة الشرق الأوسط على مقاس مصالح أمريكا وإسرائيل على حساب شعوب المنطقة الأصليين إذن ليست بيد واشنطن وتل أبيب وحدهما فهناك أطراف أخرى لها مصالح استراتيجية ولن تتخلى عنها بسهولة إلا إذا نجح ترامب في تقديم صفقات مقايضة مفاجئة لموسكو في النزاع الأوكراني على سبيل المثال.

أيضا ورغم خضوع النظام الرسمي العربي للإرادة الأمريكية وتحكم مسألة الثأر من تجارب الماضي في سلوكيات بعض وحداتها وقياداتها فإن أطرافًا محلية في الإقليم ستستمر في مقاومة المشروع الصهيوني لابتلاع الضفة وترحيل الفلسطينيين منها ومن قطاع غزة. الشواهد التاريخية تقول أيضا: إن تغيير الشرق الأوسط في اتجاه واحد وعلى طول الخط لصالح قوة عظمى كأمريكا لم يتحقق أبدا بصورة كاملة فحتى أنجح محاولة في التاريخ الأمريكي للهيمنة على الشرق الأوسط التي قادتها إدارة نيكسون - وكيسنجر والتي أخرجت مصر من الصراع وألحقتها بالاستراتيجية الأمريكية- كانت تتوخى تحالفا إقليميا وقتها بين السادات في مصر وشاه إيران في طهران تنسق فيه واشنطن بينهما مع إسرائيل. هذا التحالف المخطط له تلقى ضربة هائلة بسقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية المعادية للغرب. وقس على ذلك محاولة بوش الابن ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس عن بناء الشرق الأوسط الكبير والجديد. والأخطر محاولة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية تماما بما سمي صفقة القرن والتي كان الرد الأولي عليها في معركة سيف القدس ٢٠٢١ والرد الحاسم في طوفان الأقصى ٧ من أكتوبر ٢٠٢٣.

مازال الوقت مبكرا أمام أي رئيس وزراء إسرائيلي أو أي رئيس أمريكي أن يعلن أن فلسطين قد ماتت والعرب قد انتهوا وإيران قد عادت إلى عهد الشاه شرطيا للعم سام في الخليج.

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار الشرق الأوسط تحریر الشام فی سوریا حزب الله

إقرأ أيضاً:

الحريري: التلاقي العربي - التركي يحفظ وحدة سوريا من خطر إسرائيل وإيران

جدد الأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري "المباركة للشعب السوري بالتحرر من نظام الديكتاتور المجرم، وببداية مرحلة جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع لبناء دولة طبيعية تحفظ حرية وكرامة الشعب السوري"، مشيراً إلى أن "ما يقوم به الشرع هو فن الممكن بعد حرب طاحنة، من الحوار الوطني الداخلي، إلى لجان صياغة الدستور، وصولاً إلى الزيارات الخارجية لحشد الدعم، ما يعطي أملاً بأن سوريا تسير على الطريق الصحيح في مواجهة كل التحديات والمخاطر".

وشدد في حديث إلى "تلفزيون سوريا"  على أن "التلاقي العربي – التركي ضرورة لحفظ استقرار سوريا ووحدتها، في مقابل الأطماع الإسرائيلية التوسعية التي تتلاقى مع المصالح الإيرانية في التخريب والفوضى"، داعياً اللبنانيين والسوريين في ضوء كل ما يحصل إلى "التحصن بالوحدة الوطنية لمواجهة كل الأطماع، والتوحد حول فكرة إعادة بناء المؤسسات، والعمل على إعادة الاعمار".

وأوضح رداً على سؤال عن عودة "تيار المستقبل" إلى الساحة السياسية أنها "عودة متدحرجة، والرئيس سعد الحريري ارتأى في الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن يكون له كلمة يخاطب فيها جمهورنا وكل اللبنانيين، ويحدد فيه موقفنا بكل صراحة من كل المتغيرات الحاصلة في لبنان والمنطقة، ولا سيما بعد سقوط معادلة الوهم والسلاح غير الشرعي الذي لم يحم لبنان، ومن ثم السقوط المدوي لنظام الأسد المجرم".ورد أحمد الحريري على سؤال عن زيارة لــ"تيار المستقبل" إلى سوريا بالقول :"نتابع عن كثب تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا، وعندما سألنا الرئيس الحريري عن الأمر، أجابنا بأنه سيكون له زيارة إلى سوريا و"كل شي بوقته حلو"، أي بالتوقيت الذي يراه مناسباً ، واليوم نحن في انتظار إعادة صياغة العلاقات بين البلدين على الصعيد الرسمي، من خلال اللقاء بين الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون والرئيس السوري احمد الشرع، وبين حكومة البلدين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن زيارة الحريري من شأنها أن تلعب دوراً مهماً في تثبيت هذه العلاقات، بفعل مكانته لدى السوريين الذين يقدرون له أنه كان سباقاً في دعم ثورتهم ضد نظام الأسد، سياسياً وإعلامياً ومعنوياً، وبفعل حضوره الشعبي الوازن في لبنان".

وأكد "التعويل على عهد الرئيس العماد جوزاف عون في تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الندية بين لبنان وسوريا، وإيجاد حلول جذرية لكل الملفات العالقة، وفي مقدمها ترسيم الحدود وتنفيذ القرار 1680، ضبط التهريب، تأمين عودة النازحين السوريين، خصوصاً وأن لبنان تحمل أعباءً كبيرة جراء هذا النزوح لم تتحملها أي دولة ثانية، ولم يقصر في حسن استضافتهم، وأي سلوكيات عنصرية حصلت ضدهم لم تكن بالطبع تمثل اللبنانيين، بل تمثل أصحابها".

وإذ رأى أن "كل اللبنانيين شعروا بأن ايران التي استخدمت ورقة "حزب الله" طوال عقود لتحقيق مصالحها، باعت الحزب في الحرب الأخيرة،"، أشار إلى أن "لبنان اليوم أصبح خارج النفوذ الإيراني، بفعل العودة العربية المباركة بقيادة المملكة العربية السعودية، وهي عودة ميمونة وكريمة لحماية لبنان وحفظ استقراره ومساعدته على مواجهة تحديات المرحلة المقبلة، وهذا ما اعتادناه من السعودية منذ رعايتها لاتفاق الطائف الذي أوقف الحريري الاهلية في لبنان".

وإذ وصف الأسد "بأكبر الدجالين الذين عرفهم التاريخ"، شدد أحمد الحريري في رده على أسئلة عما يعنيه سقوط نظام الأسد لآل الحريري وللبنانيين على أن "سقوط نظام الأسد يعني سقوط النظام الذي شارك في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ودعوتنا للإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس الشرع، أن تكشف لنا دور هذا النظام المجرم في اغتيال الحريري وباقي الاغتيالات، كي يكتمل مشهد الحقيقة بالنسبة لكل اللبنانيين والعرب والعالم"، مستشهداً بكتاب الوزير السابق باسم السبع "لبنان في ظلال جهنم"، الذي صدر مؤخراً، وما تضمنه من وقائع سياسية وأمنية تدين نظام الأسد بالاغتيال.

وأكد "أن سقوط نظام الأسد يعني أيضاً سقوط النظام الذي قتل حلم كل اللبنانيين والسوريين ببناء دولة طبيعية في لبنان وسوريا، وقمع كل الطاقات والمشاريع التي كانت تريد الخير للبنان سوريا، كما يعني تحقق العدالة الإلهية، وامتزاج دماء اللبنانيين بدماء السوريين وكل المظلومين الذين خرجوا من سجون النظام على أمل أن يكتمل مشهد المرحلة الجديدة بخروج الموقوفين المظلومين في السجون اللبنانية، ولا سيما الموقوفين الإسلاميين".

 

مقالات مشابهة

  • محلل إسرائيلي: اتفاق السلام مع لبنان يمكن أن يُوقع غدا.. هناك عائقان
  • الجيش اللبناني يندد باعتداءات إسرائيل ويواكب عودة أهالي الجنوب
  • نيوزويك: أكبر حليفين لترامب في الشرق الأوسط على مسار تصادمي في سوريا
  • لا تفاهم على بقاء إسرائيل ولا ضمانات أميركية
  • فى ظل قمة عربية استثنائية.. مبعوث ترامب يجهز لزيارة الشرق الأوسط لتمديد اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة
  • نتنياهو: غيرنا وجه الشرق الأوسط وسنعيد باقي المختطفين إلى إسرائيل
  • هجوم إسرائيلي جديد على جنوب لبنان| تفاصيل
  • الحسيني يكشف عن الدولة التي اغتالت حسن نصر الله| ويؤكد: ليست إسرائيل
  • الحريري: التلاقي العربي - التركي يحفظ وحدة سوريا من خطر إسرائيل وإيران
  • قي قمة القاهرة..مصر تعرض خطتها البديلة لريفيرا الشرق الأوسط التي وضعها ترامب لغزة