مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «5»
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
مع التطور الهائل الذي شهدته السينما صناعيًا وتقنيًا فـي انتقالها من عروض البكرة الواحدة إلى الأفلام الروائية الطويلة فإن صورة «الشيخ» قد عرفت، وحددت، وشرحت، وأشهرت، وعمقت «العربي» فـي المتخيل الثقافـي الأمريكي بطريقة لم تفعلها من قبل أي من المقولات، والشخصيات، والتنميطات الاستشراقية والكولونيالية الأخرى على تعددها ووفرتها الباذخة فـي الآداب والفنون الكلاسيكية الأوروبية والأمريكية.
منذ أن خرج «الشيخ حاج طاهر حاج شريف» إلى النور فـي العام 1894 وإلى البرهة الراهنة أنتجت الصناعة السينمائية الأمريكية أكثر من ألف فـيلم تمثل وتعيد تمثيل وتقديم شخصيات، وأزمنة، وأمكنة، وفنتازيات، واستحواذات، واستحضارات استعادية، ومناخات، وثيمات، وموتيفات، ولوازم دلالية (leitmotifs) عربية. وفـي حوالي مائتين (لغاية الآن على الأقل) من تلك النتاجات الثقافـية السينمائية تظهر صورة «الشيخ» البارزة (وأحيانا، الناتئة) بوصفها -- بناء على ما أسلفت-- الشخصية العربية الأكثر إذعانا للتوقع أو عكسه، والأكثر خضوعا للمألوفـية الظاهرية، والأكثر استجابة للاستقبال، والأكثر تكررا فـي الظهور (2).
لكن ينبغي الانتباه هنا إلى أن «الشيخ» العربي الهوليوودي لم يكن ثابتا، أو جامدا، أو راسخا، أو منكفئا، أو مرصودا وموقوفا لغرض واحد فحسب من الناحية التمثيلية (representational) أو الثيماتية على الإطلاق؛ بل إن تحولات وطفرات صورته وتكريساتها الثقافـية، والسياسية، والأيديولوجية قد سارت فـي خط متواز ومثير للاهتمام إلى حد بعيد مع التطورات المهمة والانعطافات الحيوية التي شهدتها الصناعة السينمائية الأمريكية (بدءا من «الشيخ حاج طاهر حاج شريف»). وبالقدر نفسه، فقد حدث ذلك التوازي أيضا مع حدوث متغيرات وتطورات فـي الخطاب الأمريكي فـي أبعاده التاريخية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافـية، فقد سار الاثنان يدا بيد. وبمعنى من المعاني، فإن المرء يستحضر هنا على نحو تلقائي تقريبا صورة مصر القديمة، والتي هي هوس ثيماتي استشراقي كلاسيكي آخر، فقد كانت كتابتها (inscription) السينمائية تسير جنبا إلى جنب مع تطور النظرية والممارسة النقديتين السينمائيتين الغربيتين عموما وفـي الولايات المتحدة الأمريكية بصورة خاصة (3). بكلمات «تمثيلية» أخرى، فإن «الشيخ» (فـي تاريخ العالمين القديم والجديد) قد حل فـي محل منافسة المومياء (فـي التاريخ القديم للعالم القديم).
وحقا فإنه منذ تقديم عمل أدسن Edison «الشيخ حاج طاهر حاج شريف» فـي العقد الأخير من القرن التاسع عشر، فإن «الشيخ» قد ظهر فـي ممارسة التحبيكات وصناعة الشخصيات الأكثر تنوعا، وتطورا إحيائيا، وتباينا، وتناقضا، وخصوبة، والأكثر ترجيعا إشكاليا لصدى ما يدعوه هيدن وايت Hyden White «نمط بناء الحبكة» (mode of emplotment) (4). بكلمات أخرى، فإن «الشيخ» بوصفه دالا (signifier) قد مضى عبر مراحل متعددة من «التمفْصل» (articulation) كانت نتيجتها ما يصفه سعيد Said، فـي سياق آخر ليس مختلفا كثيرا، «تشكيلة عريضة من التمثيلات الهجينة» (5). وحقا، فإن «الشيخ» لم يمثل (represented) فحسب، ولكنه أعيد تمثيله (re-represented) أيضا، وبصورة دائمة يكون مأسورا فـيها فـي حالة مستمرة من الارتداد/ الاسترجاع الدلالي (re-signification).
ومن أجل إيضاح هذا الأمر بصورة جلية، علي أن أضرب بعض الأمثلة من غيض فـيض الأوديسا الثيماتية الطويلة والمذهلة التي تصيب بالحيرة والدوار لـ«الشيخ»، وجميع أمثلتي قادم من الإنتاج السينمائي الأمريكي حصرا. إن «الشيخ» هو الذكر الرومانسي الوسيم بصورة مطلقة، الشرقي الفاتن والغامض، والأكثر أيقونية وتأسيسية، لكن من دون التبرؤ من تلميحات خنثوية حاجج لأجلها النقد السينمائي النسوي فـي برهته الراهنة كما، على سبيل المثال الأكبر المعروف، فـي فـيلم «الشيخ» [The Sheik] (من إخراج جورج ملفورد Georg Melford، 1921).
ولكن «الشيخ» ليس على طول الخط شخصية أيروسية تتمثل وتحضر فـي انعكاس ضوء القمر الحالم على كثبان رمال الصحراء الذهبية لأجل غواية النساء الغربيات الباحثات عن تحقق شبق الزمان والمكان فـي تلذذات المخيلة الاستشراقية، والكولونيالية، والإمبريالية الصحراوية فحسب كما قد يدعو فـيلم «الشيخ» للاعتقاد. وهذا الأمر سيكون من اهتمام الحلقة القادمة.
-----------------------------------
(1): اقتبسا فـي:
Shohat and Stam, Unthinking Eurocentrism: Multiculturalism and the Media, 180. .(مصدر مقتبس فـي حلقة سابقة)
(2): الرقم «200» تقريبي بناء على معطيات موضوعية من عندي لعدد الأفلام الروائية الأمريكية التي تظهر فـيها شخصية «الشيخ». وكان جاك شاهين قد توصل إلى أن عدد تلك الأفلام قد بلغ مع نهاية القرن العشرين «أكثر من 160». انظر:
Jack G. Shaheen, Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People (New York: Olive Branch Press, 2001), 19.
(3): لأجل الوقوف على معالجة نافذة ومضيئة لهذه المسألة، انظر:
Antonia Lant, «The Curse of the Pharaoh, or How Cinema Contracted Egyptomania» in Matthew Bernstein and Gaylyn Studlar, eds., Visions of the East: Orientalism in Film (New Brunswick: Rutgers University Press, 1997).
(4): Hayden White, Metahistory: The Historical Imagination in Nineteenth-Century Europe (Baltimore: The John Hopkins University Press, 1973), 5.
(5): Said, Orientalism, 285..(مصدر مقتبس فـي حلقة سابقة) class=»
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
في أي عُمر تتشكل صورة الجسم لدى الطفل؟
أشارت دراسة جديدة إلى أن الناس يبدؤون في تكوين تصورات غير صحية عن أجسامهم في مرحلة الطفولة المبكرة.
يبدأ الأطفال في سن الـ 7 بتقييم أجسامهم بطرق قد تؤدي في النهاية إلى اضطراب في الأكل، وفق "هيلث داي".
الوسائط المرئيةوقالت الباحثة الرئيسية ليندا بوثرويد من جامعة دورهام البريطانية: "لقد كان من الواضح لسنوات عديدة أننا بحاجة إلى توخي الحذر بشأن الوسائط المرئية التي تعرض نطاقاً ضيقاً فقط من صور الأجسام، لأن هذا يؤثر على تصورات البالغين عن الجسم".
وأضافت: "الآن نعلم أن هذا ينطبق على الأطفال أيضاً. حتى الصور المحايدة للغاية يمكن أن تُغير تصوراتهم حول ما هو ثقيل أو نحيف إذا شاهدوا ما يكفي من نفس نوع الجسم".
وفي تجربة البحث، أجرت بوثرويد وزملاؤها سلسلة من التجارب شملت أطفالًا أعمارهم بين 7 و15 عاماً، بالإضافة إلى بالغين. وشارك في الدراسة ما يقرب من 300 شخص.
وعُرضت على المشاركين صور لأشخاص من أوزان متفاوتة، وطُلب منهم تقييم مدى "ثقل" أو "خفة" كل شخص.
تصورات الوزنوأظهرت النتائج أن الأشخاص من جميع الأعمار غيّروا تصوراتهم للوزن بشكل ملحوظ بعد عرض صور لأشخاص يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
وعلى وجه التحديد، قال الباحثون إن الأطفال والبالغين كانوا أكثر عرضة لخفض تقديراتهم لوزنهم بعد عرض صور لأشخاص ذوي وزن زائد.
وخلص الباحثون إلى أنهم "أظهروا أن تصورات وزن الجسم تخضع لآثار لاحقة للتكيف، تشبه البالغين، من سن الـ 7 فصاعداً".
وتقول مؤسسة الصحة العقلية إن صور الجسم غير الواقعية قد تُعزز التقييم الذاتي السلبي، مما يدفع الناس إلى السعي نحو "الكمال". وهذا قد يؤدي إلى اضطرابات في الأكل والمزاج.