بوابة الوفد:
2025-03-10@17:28:01 GMT

الاقتصاد السوري وآفاق التعاون العربي

تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT


في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية، أصبح من الضروري فهم العلاقة الاستراتيجية بين سوريا والدول العربية في إطار أكثر تكاملاً. فلا يكفي أن ننظر إلى سوريا باعتبارها دولة تعاني من الأزمات، بل يجب أن نتناولها كجزء لا يتجزأ من الكيان العربي، وندرك أن استقرارها الاقتصادي والسياسي يشكل ركيزة ضرورية لاستقرار المنطقة برمتها.

طاولة النقاشات يجب أن تتجاوز فكرة الدعم الآني، ليصل إلى تكوين رؤية أشمل تتبنى مسارات تنموية طويلة الأمد، تتيح لسوريا تجاوز أزماتها وإعادة بناء اقتصاد قادر على المساهمة بفاعلية في المنظومة الاقتصادية العربية.
ولطالما شكّلت العلاقات بين سوريا ودول الجوار العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، نموذجاً للشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين التاريخ المشترك والمصالح الاقتصادية الحيوية. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تطوير هذه الشراكة على نحو يُسهّل انتقالها من مرحلة التعاون التقليدي إلى مستوى أكثر عمقاً يعتمد على الاستثمارات طويلة الأمد. ورغم أن المبادرات الوطنية مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية الإمارات 2071 تهدف إلى تحقيق تحولات اقتصادية كبرى، إلا أن استراتيجياتها يمكن أن تتسع لتشمل دعم إعادة الإعمار الاقتصادي في سوريا، من خلال مشاريع مشتركة تخدم مصالح كافة الأطراف. إن نموذج التعاون الاقتصادي العربي - إذا ما تم تبنيه بجدية - قادر على تحويل المشهد الاقتصادي لسوريا من الاعتماد على الدعم الخارجي إلى بناء اقتصاد مُنتج، يساهم في تقليص الفجوة الاقتصادية في المنطقة.
وتعد قضية التضخم في سوريا من أكثر التحديات إلحاحاً، حيث أدت الصراعات المستمرة والفساد واحتلال بعض أراضيها التي تحتوي على موارد زراعية ونفطية إلى ارتفاع معدلات التضخم، وتدهور قيمة العملة المحلية، وأثر سلباً على قدرة المواطنين على تحمل الأعباء المعيشية. 
تشير التقارير إلى أن معدل التضخم في سوريا قد وصل إلى أرقام غير مسبوقة وليعكس عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد. فقد بلغ التضخم في أبريل 2024 120.4%، مع تضخم شهري بنسبة 7.6%.. وبحسب تقرير البنك الدولي في مايو 2024، بلغ معدل الفقر في سوريا 69% من السكان في عام 2022، مع وصول معدل الفقر المدقع إلى 27%.
معالجة مشكلة التضخم تتطلب استعادة السيطرة على الموارد الوطنية وإعادة توجيهها لدعم الاقتصاد المحلي، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى كبح جماح الفساد، والذي سيعيد بدوره الثقة للمواطن ويعزز من فرص النمو.
ورغم أن التحديات الحالية تبدو مُعقدة، إلا أن الحلول ليست بعيدة المنال. النهوض بالاقتصاد السوري يتطلب توفير بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية، وتحسين الإطار القانوني الذي ينظم الاستثمارات، ويضمن حماية الحقوق المالية للمستثمرين، ويوفر آليات واضحة وشفافة لحل النزاعات التجارية. تشير الدراسات العالمية إلى أن البيئات الاستثمارية المحفزة قادرة على اجتذاب رؤوس الأموال التي تساهم في رفع الإنتاجية وتوفير فرص عمل جديدة، والإسهام في الحد من التضخم وتحقيق استقرار اقتصادي على المدى البعيد. لا يمكن التغاضي عن أن رؤوس الأموال تسعى إلى البيئات المستقرة والمنظمة، وحينما تتحقق هذه المعايير، ستصبح سوريا قادرة على جذب الاستثمارات التي يمكن أن تساهم في إعادة بناء بنيتها التحتية وتنويع اقتصادها.
كما تقدم العديد من الدول تجارب ناجحة في تجاوز الأزمات الاقتصادية من خلال سياسات تدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتحرص على توسيع القاعدة الإنتاجية. تعد كوريا الجنوبية نموذجاً مُلهماً، حيث اعتمدت سياسات اقتصادية متكاملة شملت دعم الصناعات الناشئة، وهو ما أتاح لها التحول من اقتصاد نامٍ إلى قوة اقتصادية عالمية. إن تطبيق نموذج مشابه - بعد تكييفه مع الواقع السوري - يمكن أن يشكل أساساً لتعزيز الاقتصاد السوري، وتوفير فرص عمل للشباب، وفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة. دعم هذه الصناعات سيمثل ركيزة أساسية لإعادة بناء الاقتصاد من القاعدة الشعبية، ويمنح المواطنين فرصاً للنمو والمساهمة في بناء وطنهم.
ختاماً، يمكن القول إن الاقتصاد السوري بحاجة إلى رؤية شاملة تتخطى المعالجات المؤقتة وتركز على بناء مؤسسات قادرة على استيعاب التحديات وتحقيق التنمية. التغيير الحقيقي لن يتحقق من خلال المساعدات الخارجية وحدها، بل عبر إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، واستقطاب استثمارات تعزز من التكامل الإقليمي وتعيد لسوريا مكانتها في قلب الاقتصاد العربي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الاقتصاد السوري الاقتصاد السوری فی سوریا

إقرأ أيضاً:

بوريطة يدعو دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعميق الشراكة الاقتصادية مع المغرب

دعا ناصر بوريطة، وزير الخارجية، دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعميق الشراكة مع المغرب واستغلال الفرص الاستثمارية التي يوفرها المغرب المقبل على تنظيم كأس إفريقيا وكأس العالم.

وأوضح خلال كلمة في الاجتماع الوزاري المشترك السابع لمجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية، الذي انعقد الخميس بمكة المكرمة، أن شراكتنا الاستراتيجية، فضلا عن الوشائج الأخوية والتاريخية القائمة بين قياداتنا وبلداننا، يجب أن تكون كذلك قائمة على تبادل المنافع الاقتصادية حتى تكون أكثر رسوخا وتجذرا وهو ما يدعونا إلى تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين من الجانبين لنسج علاقات قوية فيما بينهم، من خلال إنشاء إطار مؤسساتي واستكشاف فرص استثمارية مربحة تعزز التنمية وخلق فرص شغل في بلداننا. ورحب في هذا الإطار بعقد المنتدى المغربي الخليجي للاستثمار قريبا.

وقال إن المملكة المغربية، وهي تستعد لاحتضان تظاهرات رياضية ذات صيت قاري وعالمي مثل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، « تزخر بفرص استثمارية واعدة وتوفر مجالا للشراكات الخليجية لتنخرط في الأوراش العديدة التي ستُفتح استعدادا لهاتين التظاهرتين »

كما أن المملكة المغربية تشكل بوابة دول الخليج نحو القارة الإفريقية، والمبادرات التي أطلقها الملك، سواء تلك المتعلقة بأنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب نحو أوربا أو مسلسل إفريقيا الأطلسية أو مسلسل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، كلها تشكل فرصة لتعزيز تعاوننا مع الدول الإفريقية.

واستعرض بوريطة بعض الأفكار لتطوير الشراكة المغربية الخليجية، والتي يمكن أن يعمق النقاش فيها لاحقا، عبر القنوات الدبلوماسية بغية تجويدها وإنضاجها، ومنها « اعتماد القمة المغربية الخليجية كآلية مرجعية للشراكة والتوجيه »، و »اعتماد سفير صاحب الجلالة بالرياض، بصفته سفيرا منسقا للشراكة بين المغرب ومجلس التعاون لدول الخليج العربية وسفيرا لدى الأمانة العامة لدول مجلس التعاون ».

ويتعلق الأمر أيضا بـ »إنشاء مجلس مشترك لرجال الأعمال بين المغرب والدول الخليجية، وترشيد فرق العمل المشتركة البالغ حاليا عددها 15 فريقا، من خلال وضع أقطاب ثلاثة أو أربعة فقط »، ثم « إشراك فاعلين اقتصاديين وثقافيين في تغذية مضمون هذه الشراكة بأفكار ومبادرات ».

وقال بوريطة إن هذا الاجتماع ينعقد والمنطقة العربية تمر بمرحلة دقيقة وفارقة في تاريخها، فالمتغيرات متسارعة ومصيرية، « فبقدر ما نحتاج إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة، نحن كذلك في حاجة إلى الحكمة والبصيرة وعدم الانجرار وراء شعارات جوفاء ومزايدات فارغة لا تؤدي إلا إلى الفرقة ».

وأوضح بخصوص القضية الفلسطينية، أن ما يُثار من أفكار ومشاريع، في علاقة مع تبعات الحرب المدمرة على قطاع غزة، لا يجب أن تبعدنا عن السلام، ليس باعتباره قيمة أخلاقية فقط ولكن كأفق قابل للتحقق وخيار وحيد في مصلحة جميع شعوب المنطقة، وتأسيسا على هذه الرؤية، شدد على حرص الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، على أن تتكثف الجهود للحفاظ على حل الدولتين كأساس لتسوية سلمية تمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، استنادا إلى المرجعيات الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.

أما التطورات التي تعرفها الساحات الأخرى مثل سوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا « فهي تحمل مخاطر وآمال في الآن ذاته، فيجدر بنا تعزيز الأولى والتصدي للثانية، مستحضرين ضرورة الحفاظ على الوحدة الترابية للدول ودعم سيادتها على كامل ترابها، في إطار وحدة وطنية جامعة ورافضة للتدخلات الخارجية ».

وكان الملك محمد السادس قال في خطابه أمام القمة المغربية – الخليجية سنة 2016، « إن المغرب يعتبر دائما أمن واستقرار دول الخليج العربي، من أمن المغرب. ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم ».

كلمات دلالية المغرب مجلس التعاون الخليجي

مقالات مشابهة

  • وزير المالية: نستهدف مخصصات لبرامج ومبادرات تحفيز القطاعات الاقتصادية خلال العام المقبل
  • خطة النواب: السيطرة على التضخم تتطلب زيادة الإنتاج وتحفيز الاستثمار
  • أفكار شريرة يمكن استخدامها فيما بعد.. انتقادات لتعنيف النساء في الدراما العربية
  • بوريطة يدعو دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعميق الشراكة الاقتصادية مع المغرب
  • البرلمان العربي ينوه بالإسهامات التي حققتها المرأة العربية على كافة الأصعدة
  • “التعاون الإسلامي” تدعم الخطة العربية لإعمار غزة وترحب بمباحثات استئناف عضوية سوريا
  • بعد 13 عاما.. سوريا تستعيد عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي
  • سوريا ترحب باستعادة عضويتها بمنظمة التعاون الإسلامي
  • كيف يمكن احتواء المخاطر التي تتعرض لها سوريا؟.. محللون يجيبون
  • البديوي: دول مجلس التعاون تقف مع جميع الجهود والإجراءات التي تتخذها سوريا لحفظ أمن واستقرار شعبها