كيف يؤثر تثبيت الدولار بشكل سلبي على الاقتصاد المصري؟
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
منذ تحرير سعر الصرف في مصر، شهد الاقتصاد تحولات كبيرة على مختلف الأصعدة، كان أبرزها التوجه نحو نظام "سعر الصرف المرن"، الذي اتخذته الحكومة كاستراتيجية لتفادي الأزمات الاقتصادية التي واجهت البلاد في الماضي.
وتبنى هذا التوجه رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، الذي أكد في تصريحات له أن تثبيت سعر الصرف في السابق كان سبباً رئيسياً في العديد من المشكلات الاقتصادية التي شهدتها البلاد.
وأوضح أن هذا المسار كان ينطوي على افتراض خاطئ بأن تثبيت سعر الصرف يعزز قوة الاقتصاد، بينما أظهرت التجارب السابقة أن تثبيت العملة يعوق الاقتصاد بشكل سلبي، ويؤدي إلى عواقب اقتصادية غير محمودة.
رئيس الوزراءتأثير تثبيت سعر الصرف على الاقتصاد المصريتثبيت سعر الصرف يعتبر من السياسات الاقتصادية التي تفرض فيها الحكومة أو البنك المركزي سعرًا ثابتًا للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية.
وفي حالة مصر، كان تثبيت سعر الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي يعد أحد أبرز السياسات التي اعتمدتها الحكومات السابقة، غير أن هذه السياسة لم تخلُ من أضرار جسيمة، حيث أثبتت التجارب أن تثبيت سعر الصرف يؤدي إلى تضخم اقتصادي هائل وارتفاع في الأسعار، مما يعمق الفجوة بين العرض والطلب على العملات الأجنبية.
وفي السنوات التي سبقت تعويم الجنيه المصري في 2016، كان سعر الصرف ثابتًا لفترة طويلة، ما دفع العديد من الشركات والمستثمرين إلى إخفاء أرصدتهم من العملة الأجنبية، مما أدى إلى حدوث نقص حاد في الدولار الأمريكي، وفي النهاية، كان لا بد من تعويم الجنيه لتحقيق توازن أكبر في السوق.
وكانت سياسة تثبيت سعر الصرف تشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد المصري في السنوات التي سبقت عام 2016، حيث أدت إلى تراجع قيمة الجنيه بشكل غير رسمي، وعانت البنوك من نقص شديد في الدولار، ما أدى إلى زيادة معدلات التضخم، تزامن ذلك مع تزايد معدلات البطالة وضعف الاستثمارات الأجنبية، بسبب عدم وضوح الرؤية بشأن قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.
وعند تثبيت سعر الصرف، كان البنك المركزي المصري يضطر بشكل دوري إلى ضخ كميات كبيرة من العملة الصعبة للحفاظ على سعر الجنيه، مما استنزف احتياطي النقد الأجنبي، وعندما حدث التعديل المفاجئ في سعر الجنيه بعد تعويمه، شهدت مصر ارتفاعًا حادًا في الأسعار، مما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وأدى إلى تضخم كبير وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
سعر الصرف المرن والاستثمار في مصرنظام سعر الصرف المرن، الذي أقرته الحكومة بعد تحرير الجنيه في 2016، يسمح بتحديد قيمة العملة بناءً على العرض والطلب في السوق، هذا النظام يوفر مرونة أكبر في إدارة الاقتصاد ويعزز قدرة الحكومة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية.
من خلال تحديد قيمة الجنيه بناءً على العرض والطلب، يتيح هذا النظام للمستثمرين تقدير قيمة العملة على المدى الطويل، ما يسهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية، كما أن الاستقرار النسبي في سعر الصرف يعزز الثقة في الاقتصاد المصري، ويشجع الشركات العالمية على دخول السوق المصري.
وبالرغم من أن نظام سعر الصرف المرن قد يساهم في استقرار الاقتصاد على المدى الطويل، إلا أنه قد يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم في المدى القصير. فعندما يرتفع سعر الجنيه بشكل غير متوقع بسبب تقلبات السوق، قد يؤدي ذلك إلى زيادة أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية، كما أن التأثيرات السلبية على التضخم تزيد من ضغوط المواطنين، الذين يواجهون تآكلًا في القدرة الشرائية.
ولكن في المقابل، يرى الاقتصاديون أن النظام المرن في سعر الصرف يساعد على تقليل الضغوط التضخمية بشكل تدريجي، حيث يساهم في تحفيز الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الصادرات والتشجيع على الاستثمارات.
ومن أهم الفوائد التي يوفرها نظام سعر الصرف المرن هو تعزيز التحويلات المالية للمصريين العاملين في الخارج. فعندما يكون سعر الصرف مرنًا، فإن المغتربين يستطيعون تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية بسهولة، مما يزيد من تدفق الأموال إلى الاقتصاد المصري. ووفقًا لتصريحات الدكتور مدبولي، فإن هذا النظام يساهم في زيادة التحويلات المالية، وهو ما يساعد في دعم الاحتياطي النقدي للبلاد.
وتعد قناة السويس أحد المصادر الحيوية للإيرادات في الاقتصاد المصري، ويؤثر سعر الصرف بشكل مباشر على عائدات القناة، عندما يتم تحرير سعر الجنيه، فإن الموارد التي تأتي من رسوم عبور السفن يمكن أن تزيد أو تنخفض بناءً على تقلبات العملات الأجنبية، في حال كانت قيمة الجنيه أقل أمام الدولار، فإن العائدات من قناة السويس تكون أعلى عند تحويلها إلى الجنيه المصري. لذا، فإن النظام المرن يمكن أن يسهم في تعزيز إيرادات القناة، وهو ما يدعم الموازنة العامة للدولة.
ويعتبر الانتقال إلى نظام سعر الصرف المرن خطوة إيجابية نحو استقرار الاقتصاد المصري على المدى الطويل، رغم التحديات التي قد يسببها على مستوى التضخم أو القدرة الشرائية للمواطنين.
وبالرغم من أن هذا النظام قد يؤدي إلى بعض الاضطرابات الاقتصادية في البداية، إلا أنه يوفر فرصة أكبر لاستيعاب التغيرات الاقتصادية العالمية، ويعزز من قدرة الاقتصاد المصري على التكيف مع المتغيرات.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي إسلام الأمين، إن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بشأن التوقعات المتعلقة بتحركات سعر صرف الدولار، تؤكد أهمية فهم الحقائق الاقتصادية بعيدًا عن الشائعات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف «الأمين» في تصريحات خاصة لـ «صدى البلد»، أن تطبيق سياسة مرونة سعر الصرف يمثل خطوة مهمة نحو الحفاظ على استقرار الاقتصاد المصري.
وأوضح الأمين أن تثبيت سعر الصرف في الماضي كان أحد الأخطاء التي تسببت في عدة مشكلات اقتصادية، مثل نقص العُملات الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم.
وأضاف أن مرونة سعر الصرف تساهم في تجنب هذه المشكلات، إذ تتيح للأسعار التكيف مع التغيرات الاقتصادية المحلية والدولية، مما يؤدي إلى بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.
وفي سياق حديثه عن المستقبل الاقتصادي، أشار «الأمين» إلى أن الفترة المقبلة ستشهد زيادة كبيرة في تدفقات الاستثمارات إلى مصر، وهو ما سينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني، مشيدًا بجهود الحكومة لضمان مرونة سعر الصرف، مما يسمح بتقلبات سعر الدولار بناءً على آليات العرض والطلب داخل البنوك الرسمية، بعيدًا عن تأثيرات السوق السوداء.
وتمثل مرونة سعر الصرف الخيار الأفضل للمرحلة الحالية من أجل تحفيز الاقتصاد المصري وتوفير بيئة أكثر استقرارًا، على الرغم من التحديات التي قد تترتب على تقلبات سعر الدولار، إلا أن السماح بسعر مرن يتيح للبنك المركزي القدرة على ضبط الأسواق وفقًا للعرض والطلب، بما يخدم الاستقرار الاقتصادي في المدى الطويل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدولار تعويم الجنيه سعر الصرف الجنيه سعر الجنيه تثبيت سعر الصرف الاقتصاد المصري المزيد المزيد العملات الأجنبیة استقرار الاقتصاد الاقتصاد المصری مرونة سعر الصرف الجنیه المصری العرض والطلب المدى الطویل على الاقتصاد قیمة الجنیه هذا النظام سعر الجنیه استقرار ا یؤدی إلى
إقرأ أيضاً:
مدبولي: الجنيه المصري قد يرتفع أو ينخفض 5% بالفترة المقبلة
قال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، اليوم السبت، إن سعر صرف الجنيه قد يشهد بالفترة المقبلة ارتفاعا أو انخفاضا في حدود 5 بالمئة، وفقا لحركة الطلب على الدولار.
حديث مدبولي، الذي جاء في مؤتمر صحفي اليوم، كرر فيه التأكيد على التزام مصر بسعر صرف مرن للعملة، قائلا "لن نكرر الأخطاء السابقة".
"نحن كنا نفترض أن تثبيت سعر الصرف يعبر عن قوة ومتانة الدولة.. وأنه لا يصح أن نترك العملة للتحرك المرن.. فكانت النتيجة أن نظل متمسكين (بسعر العملة) لفترة زمنية معينة.. فتحدث مشكلة.. فنضطر نعمل تعويم بأرقام كبيرة تصل إلى 30 و40 بالمئة من سعر العملة"، بحسب ما قاله مدبولي.
وأوضح رئيس مجلس الوزراء المصري أن سعر صرف الدولار تحرك أمام الجنيه ما بين 4 أو 5 بالمئة منذ تعويم العملة في مارس الماضي، وهو الأمر الذي اعتبره "طبيعي ومنطقي"، وأن هذا التحرك وارد أن يستمر بنفس النسب في الفترة المقبلة، بحسب الطلب على العملة الصعبة.
يذكر أنه خلال الأيام القليلة الماضية، هبط سعر صرف الجنيه المصري لأدنى مستوى له منذ التعويم الذي شهده في مارس الماضي، ليصل إلى مستويات 49.8 تقريباً مقابل الدولار.
وكان مدبولي، قال يوم الخميس الماضي، إن مصر ملتزمة بسعر صرف مرن للعملة، وإنها لن تقوم بتقييد حركة الدولار.
وبحسب بيان مجلس الوزراء، عن تصريحات مدبولي، يوم الخميس الماضي، فقد قال: "لا يزال هناك قلق وأقاويل بأن قيمة الدولار زادت وما إذا كنا على وشك تجاوُز الـ 50 جنيها للدولار الواحد.. هناك اتفاق بعدم وجود تقييد لحركة الدولار، وأننا ملتزمون بسعر صرف مرن، لكن مع ما حدث في العالم كله، وخاصة مع الانتخابات الأميركية ونتيجتها أدى كل ذلك إلى زيادة قوة الدولار مقارنة بجميع العملات على مستوى العالم أجمع، ومن ذلك اليورو والجنيه الإسترليني وجميع العملات الأخرى، والجنيه المصري هو جزء من منظومة عالمية موجودة، فمن الطبيعي أن تحدث تلك النوعية من الحركة، وبالتالي يجب ألا نقلق من حدوث زيادات مؤقتة في الدولار".
وأضاف مدبولي: "نحن نتحرك في إطار سوق حرة تخضع لقواعد العرض والطلب، وأهم شيء أنه لا يوجد أي تأخيرات لدينا، حيث يوجد حركة وعرض وطلب ويتم صرف احتياجات مستلزمات الصناعة والتجارة".