إدارات الدعم السريع وتقسيم السودان
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
تثير إدارات الدعم السريع المدنية التي أُعلن عن تشكيلها في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات، مثل الخرطوم ودارفور، تساؤلات حول أهدافها وتأثيرها على وحدة السودان، لا سيما في ظل سيناريو التقسيم الذي يلوح في الأفق.
وبدأت قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، كقوة شبه عسكرية ذات دور محدود، لكنها تحولت تدريجيًّا إلى لاعب رئيسي في المشهد السوداني.
وتُعَد الخرطوم من أبرز المناطق التي شهدت تأسيس إدارة مدنية بإشراف الدعم السريع، تضم مجلسًا تشريعيًّا ومجلسًا قضائيًّا. برغم الادعاء بأنها تسعى لتقديم الخدمات للمواطنين وتخفيف وطأة الحرب، يرى مراقبون أن هذه الخطوات تعكس طموحات سياسية تهدف إلى شرعنة سيطرة الدعم السريع في مناطق نفوذها، وهو أمر قد يؤدي إلى انقسام فعلي في السودان.
وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم أنحاء ولاية الخرطوم، بينما يظل الجيش محاصَرًا في بعض الجيوب. أما في دارفور وجنوب السودان، فالوضع لا يقل تعقيدًا، حيث باتت مناطق النفوذ العسكري تحدد طبيعة الإدارة. وهذا الوضع يذكّر بتجارب مماثلة في دول مثل ليبيا واليمن، حيث أدى النزاع المسلح إلى تقسيم واقعي وتأسيس حكومات متوازية.
ورغم إعلانها عن نجاحات خدمية مثل إعادة تشغيل مستشفيات ومحطات مياه، تواجه إدارات الدعم السريع تحديات كبرى، أبرزها غياب الأمن وثقة المواطنين. فالكثيرون يرون هذه الإدارات امتدادًا لعنف الميليشيات، ما يجعلها غيرَ قادرة على كسب الشرعية الشعبية.
ولا يمكن فصل الأزمة السودانية عن التدخلات الخارجية. فالدعم الذي تحصل عليه قوات الدعم السريع من جهات إقليمية ودولية يعزز موقفها العسكري، لكنه يفاقم أيضًا من الأزمة الوطنية. وهذه التدخلات تهدف غالبًا لتحقيق مصالح اقتصادية وچيوسياسية في السودان، مستغلة موارد البلاد وموقعها الاستراتيچي.
وفي ولاية الجزيرة، تسعى قوات الدعم السريع إلى ترسيخ إدارتها المدنية. ورغم بعض النجاحات الإدارية المعلنة، يرى مراقبون أن الهدف الحقيقي هو تقديم نموذج لإدارة بديلة يمكن استخدامُها كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية مع الجيش.
ومع تزايد الإدارات المدنية التي تنشئها قوات الدعم السريع، يخشى كثيرون من سيناريو تقسيم البلاد إلى حكومات متوازية، كما حدث في ليبيا. هذا السيناريو يهدد بإضعاف الدولة المركزية، ويفتح الباب أمام صراعات طويلة الأمد.
ومن خلال إدارتها المدنية، تسعى قوات الدعم السريع لإثبات قدرتها على إدارة العمل المدني والعسكري، في محاولة لاستمالة المجتمع الدولي وإظهار الجيش السوداني كطرف غير قادر على الحفاظ على الأمن أو تقديم الخدمات.
والتقسيم الفعلي لمناطق النفوذ في السودان يعمّق من الانقسامات الاجتماعية، ويزيد من حدة التوترات العِرقية والإثنية، خاصة في مناطق مثل دارفور والجزيرة، مما قد يؤدي إلى صراعات أهلية تهدد النسيج الاجتماعي.
وختامًا، يواجه السودان تحديًا وجوديًّا يتمثل في خطر الانقسام بسبب إدارات الدعم السريع واستمرار التمرد.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
كمبالا: أحمد يونس: الشرق الأوسط: قبل معارك منطقة «جبل موية» بولاية سنار جنوب شرقي السودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تكن «قوات الدعم السريع» قد خسرت معركة كبيرة منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
لكن خسائرها توالت بعد استعادة الجيش تلك المنطقة الاستراتيجية، وتراجعت مناطق سيطرتها تدريجياً في وسط وشرق البلاد، كما أصبح وجودها في العاصمة الخرطوم مهدداً. فهل تعني انتصارات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتراجعات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن حرب «الجنرالَين» على وشك الانتهاء؟
يؤكد الجيش أنه حقق انتصارات كبيرة وألحق هزائم فادحة بـ«قوات الدعم السريع»، متوعداً باستمرار الحرب حتى القضاء عليها تماماً. من جانبها، تنفي «قوات الدعم السريع» تعرضها لهزائم، وتؤكد أنها انسحبت من المناطق التي دخلها الجيش من دون معارك، وذلك بسبب «تكتيكات قتالية جديدة»، مشيرة إلى عدم استطاعة الجيش توثيق الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي يتحدث عنها.
ولُحظ أن «قوات الدعم السريع» المنسحبة تتوجه إلى إقليمي دارفور وكردفان حيث الحاضنة الاجتماعية لتلك القوات، فيما يقول متحدثون باسمها إن «المناطق التي انسحبنا منها، انتزعناها من الجيش انتزاعاً في الأشهر الأولى من الحرب. احتفظنا بها لأكثر من عام ونصف العام، ثم تركناها برغبتنا، ونستطيع انتزاعها مرة أخرى متى ما أردنا ذلك». لكن مؤيدي الجيش يرون أن المعركة أوشكت على النهاية، بينما يؤكد مراقبون مستقلون أن «نهاية الحرب لا تزال بعيدة».
استراتيجية جديدة
ويقول المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إن تقدم الجيش ليس سوى «جولة من جولات الحرب التي لا تبدو لها نهاية قريبة»، موضحاً أنه «من المتوقع أن تتخذ الحرب طابعاً أكثر عنفاً ودموية، لكن ليس في المناطق التي استردها الجيش، بل في مناطق رخوة في خاصرة الحاضنة الشعبية للجيش».
وأشار الفاضل إلى التصريح الأخير من قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الذي طالب فيه قواته بعدم التأثر بفقدان بعض المناطق مؤخراً، وأنه ينبغي عليهم التركيز على مناطق جديدة سيسيطرون عليها. وأضاف الفاضل: «يبدو أن (قوات الدعم السريع) ستتبع استراتيجية جديدة، تتخلى فيها عن تكتيك الانتشار الواسع في البلاد. كما أن هجمات المسيّرات خلال الفترة السابقة تشير إلى مناطق المعارك المرتقبة، فبينما تتراجع في الخرطوم، نشهد تقدمها في مناطق أخرى غرب البلاد بالاشتراك مع (قوات عبد العزيز الحلو)».
وتوقع عدد من المحللين أن تنتقل الحرب من العاصمة إلى أقاليم غرب البلاد، وأن «تتخذ شكلاً أعنف إذا تم تشكيل حكومة موازية في تلك المناطق، وإدخال أسلحة نوعية وإضافة إمكانات حربية جديدة، مما سيغير من خريطة الحرب على الأرض».
معارك العاصمة
ميدانياً، تدور معارك «كسر عظم» في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وأم درمان وبحري - حيث يحقق الجيش تقدماً لافتاً، ففي منطقة شرق النيل بمدينة بحري، يقترب الجيش وحلفاؤه من جسر «المنشية» الرابط بين شرق النيل ووسط مدينة الخرطوم، بعد أن استعاد معظم منطقة «الحاج يوسف»؛ وهي من أهم معاقل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
غير أن حدة المواجهات انخفضت في الخرطوم وأم درمان مع بداية شهر رمضان المبارك، فقد تراجعت العمليات في معظم خطوط التماس بين الطرفين المتحاربين، وبقيت مناطق السيطرة كما هي دون تغيرات كبيرة. ويقول شهود إن الجيش ما زال يسيطر على أحياء في جنوب غربي الخرطوم حتى جسر «الحرية» والمنطقة الصناعية، بينما لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء أخرى في جنوب الخرطوم؛ بما فيها القصر الرئاسي ومنطقة «جنوب الحزام»، ومقر القيادة الاستراتيجية التابعة للجيش و«مطار الخرطوم»، والجزء الشرقي من مقر القيادة العامة للجيش.
وفي أم درمان، وسع الجيش من مناطق سيطرته لتشمل بعض الأحياء الجنوبية والغربية من المدينة، خصوصاً منطقتَي أم بدة والفتيحاب، لكن المعارك على حدود المنطقتين تحوّلت إلى كر وفر، من دون تقدم لمصلحة أحدهما.
معارك الغرب
أما في شمال إقليم كردفان بوسط غربي البلاد، فقد حقق الجيش انتصارات باستعادة السيطرة على مدينتَي أم روابة والرهد، وتمكن من الوصول إلى أطراف مدينة الأُبيّض؛ كبرى مدن الإقليم، وفتح الطريق البرية الرابطة بينها وبين وسط البلاد. إلا إن الجيش مُني بهزيمة كبيرة حين حاول التقدم شرقاً باتجاه مدينة بارا، وأعلنت «قوات الدعم السريع» أنها «دحرت القوات المهاجمة وألحقت بها هزائم كبيرة في الأرواح والعتاد»، ولم يصدر تعليق من جانب الجيش.
وتأثرت العمليات العسكرية في ولاية النيل الأزرق بالتحالف الذي نشأ بين «قوات الدعم السريع» وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو»، فقد استطاعت القوتان معاً السيطرة على عدد من مناطق الولاية المتاخمة لجمهورية جنوب السودان، وأصبحت القوات المشتركة بينهما تهدد حاضرة الولاية؛ مدينة الدمازين.
ووقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، على رأسها «حركة عبد العزيز الحلو»، مع «قوات الدعم السريع» في 22 فبراير (شباط) بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً يهدف إلى توحيد العمل السياسي والعسكري ضد الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ لمنافسة الحكومة التي يقودها الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.