هل وصلت تقنية الذكاء الاصطناعي لذروة تطورها الحالي؟
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
شهدت السنوات الماضية قفزات عديدة في قطاع الذكاء الاصطناعي وتحديدا نماذج اللغة العميقة التي تصدرت "أوبن إيه آي" الساحة فيها عبر نموذجها "شات جي بي تي"، ورغم أن النسخة الأولى المتاحة للعامة من "شات جي بي تي "صدرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فإن الشركة بالفعل أطلقت عدة تحسينات عليها ووصلت إلى النسخة الثانية مع "جي بي تي- 4" في مارس/آذار 2023.
تسبب النجاح الكبير الذي حققته نماذج "شات جي بي تي" في إطلاق عدة نماذج أخرى من شركات منافسة، ورغم أن كل نموذج منها يتمتع بمزايا مختلفة وفريدة عن النماذج الأخرى، فإن "شات جي بي تي" يتمتع بشعبية جارفة أوصلته لأن يصبح الوجه الرسمي لنماذج الذكاء الاصطناعي لدى عديد من المستخدمين.
وبفضل هذه المكانة الكبيرة، أصبح الجميع الآن ينتظر ما تنوي "أوبن إيه آي" الكشف عنه مع الجيل الجديد لهذا العام من نموذج "جي بي تي" الذي يحمل رقم 5، وإن كان هذا الجيل قادرا على تقديم جديد في عالم الذكاء الاصطناعي -ولكن حسب بعض التقارير التي تسربت من داخل الشركة- فإن "جي بي تي 5" لن يقدم قفزة كبيرة في الأداء مثلما حدث مع "جي بي تي 4″، فلماذا ذلك؟
تطور أبطأخلال الأسابيع الماضية، ظهر تقرير من موقع "ذي إنفورميشن" يتحدث عن الجيل الجديد من نماذج "جي بي تي" التي يتم تطويرها داخل "أوبن إيه آي"، وقد استند التقرير إلى بعض المعلومات الواردة من مصادر داخل الشركة، وحسب هذه المصادر، فإن الجيل الجديد من النموذج لن يقدم قفزة في الأداء مثلما حدث مع الجيل السابق.
أشار موقع "ذي إنفورميشن" إلى أن مصدر المعلومات كان موظفا مسؤولا عن اختبار النموذج الجديد الذي يشار إليه داخل الشركة باسم "أوريون" (Orion)، والذي من المخطط طرحه نهاية هذا العام ضمن التحديث السنوي لأنظمة "جي بي تي".
ولكن حسب بيان "أوبن إيه آي" الرسمي، فإن الشركة لا تنوي طرح أي نموذج ذكاء اصطناعي يحمل اسم "أوريون" هذا العام، وقد تعني الشركة أن النموذج في النهاية لن يحصل على هذا الاسم أو أن طرحه لن يكون هذا العام.
في كلتا الحالتين، تضارب التقارير بين طرح النموذج وعدمه يشير إلى عدم جاهزيته، أو على الأقل إلى أن الشركة غير راضية عن الأداء الناتج منه، وهو الأمر الذي يتسق مع تقرير موقع "ذي إنفورميشن"، وذلك رغم أن التقرير أشار إلى سرعة أعلى في الاستجابة للأوامر وتحسن النتائج الكتابية من النموذج، ولكن هذه الأمور في الماضي لم تتطلب طرح نموذج جديد كامل، إذ قامت بها الشركة سابقا مع "جي بي تي 3o" وغيره من التحديثات الصغيرة، فضلا عن أن القفزة بين "جي بي تي 3" و "جي بي تي 4" كانت كبيرة في الأداء والسرعة والدقة.
رغم أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ما زالت واعدة بشكل كبير، إذ لم نصل بعد إلى ذروة استخداماتها، فإنها مرتبطة بشكل مباشر بالتقنيات الأخرى التي تعمل على تشغيل وتطوير الذكاء الاصطناعي، فمهما تطور الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، لن يصبح قابلا للاستخدام من دون خوادم سحابية قادرة على تشغيل هذه التقنيات المتطورة.
ومن أجل تشغيل الخوادم السحابية المتطورة والقادرة على مواكبة تطور الذكاء الاصطناعي، يجب على الشركات تطوير بطاقات رسومية ومعدات تشغيل ملائمة لقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو أمر ما زالت بقية الشركات -ما عدا "إنفيديا"- تعاني في تطويره، فضلا عن أن هذه المعدات الأقوى تحتاج إلى مصادر طاقة ملائمة لتشغيلها.
في الوقت الحالي، تواجه مراكز البيانات التابعة للذكاء الاصطناعي تحديات عدة متمثلة في حجم استهلاك الطاقة الذي تحتاجه هذه المراكز وأثرها البيئي، وربما كان هذا السبب الذي دفع الشركات لتسخير الطاقة النووية بشكل أساسي لتصبح ملائمة للاستخدام مع مراكز الذكاء الاصطناعي.
ورغم وجود عديد من المبادرات لتطوير خوادم جديدة وأكثر قوة للذكاء الاصطناعي، فإن الشركات ما زالت تواجه تحديات في تنفيذ هذه المبادرات وتطوير مصادر طاقة جديدة أو حتى شرائح جديدة ملائمة لهذه المتطلبات، وهو الأمر الذي يحد من قوة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير.
نقص في بيانات تدريب الذكاء الاصطناعيتمثل هذه المشكلة تحديا آخر يواجه شركات الذكاء الاصطناعي، إذ إن هذه الشركات قد استخدمت مصادر البيانات كافة التي يمكن الوصول لها بشكل سهل، سواء كانت في مواقع عبر الإنترنت أو حتى منصات تواصل اجتماعي.
لذا لم يعد هناك مزيد من البيانات الجديدة التي يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي عليها، وبالتالي لم يعد بالإمكان تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي والوصول إلى ساحات جديدة. فمع غياب البيانات التي يمكن تدريب النموذج عليها، يصبح تطوير الذكاء الاصطناعي معتمدا على العمل الداخلي في الشركة، وهو ما يستغرق وقتا أطول من التدريب على كميات البيانات الضخمة المتاحة عبر الإنترنت.
بالطبع، بدأت عديد من الشركات في الدخول إلى قطاع توظيف العاملين عن بعد من أجل تدريب بيانات الذكاء الاصطناعي، وذلك من مختلف بقاع العالم، ولكن في النهاية، حتى الأعداد المهولة لهؤلاء العاملين لن تكون كافية لتطوير جميع نماذج الذكاء الاصطناعي المتاحة حول العالم.
هل وصل الذكاء الاصطناعي إلى ذروته؟بشكل عام، لا يمكن القول بأن الذكاء الاصطناعي وصل إلى ذروة تطويره أو استخداماته، ولكن يختلف الأمر عند النظر إلى الإمكانات الحالية، فبينما يمكن تطوير الذكاء الاصطناعي لتقديم مزايا وقدرات جديدة، غير أن هذا التطوير لن يكون سريعا كما كان في الماضي.
ومن المتوقع أن يتراجع معدل طرح النماذج الجديدة من التقنيات المعتادة للذكاء الاصطناعي للأسباب السابق ذكرها، هذا إن لم تجد الشركات حلولا مبتكرة لتخطي هذه التحديات الجديدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی شات جی بی تی أوبن إیه آی هذا العام
إقرأ أيضاً:
%92 من الطلاب يستخدمونه.. الذكاء الاصطناعي يهدد جوهر التعليم الجامعي
أثار تقرير حديث يحذر الجامعات البريطانية من ضرورة "اختبار إجهاد" التقييمات في ظل استخدام 92% من الطلاب للذكاء الاصطناعي، جدلاً واسعاً حول مستقبل التعليم الجامعي ودور الذكاء الاصطناعي فيه.
يشير البروفيسور أندرو موران من جامعة لندن متروبوليتان إلى أن الجامعات، التي كانت تعتبر لقرون مخازن للمعرفة والحقيقة، بدأت تفقد هذا الدور عندما تراجعت قيمة الخبراء وضعف التفكير النقدي واستقطب الخطاب العام بشكل متزايد.
ندرة المعرفة وتحديات المصادر التقليديةفي هذا العالم، يتم رفض المصادر التقليدية للمعرفة بشكل متزايد، الكتب والمقالات الصحفية ووسائل الإعلام القديمة تواجه تحديات من خلال التطورات في عرض المعلومات واسترجاعها، وعلى رأسها التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، وأدى ذلك إلى "ندرة المعرفة"، على حد تعبير موران.
قوائم القراءة المنسقة، التي يقضي الأكاديميون وقتًا في البحث عنها وتسليط الضوء على المفكرين والكتابات الرئيسية، غالبًا ما يتم تجاهلها من قبل الطلاب لصالح بحث جوجل.
وإذا لم يعجب الطالب ما يقرأ، يمكنه ببساطة التمرير إلى اليسار، ويمكن للخوارزميات بعد ذلك إرسال الطلاب في اتجاهات غير متوقعة، غالبًا ما تحولهم عن الصرامة الأكاديمية إلى موارد غير أكاديمية.
يؤكد موران أهمية توفير مواد التعلم للطلاب على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، لكنه يتساءل: "هل تصبح المعرفة سلعة استهلاكية أخرى؟" فهي متاحة بلمسة زر عبر الإنترنت، ويتم توصيلها بشكل فعال إلى بابك، وهناك العديد من المنافذ للاختيار من بينها.
قد تكون هناك كمية، ولكن ليس بالضرورة جودة: الذكاء الاصطناعي هو السلعة الاستهلاكية المطلقة.
يثير هذا الأمر تساؤلات جوهرية حول ليس فقط ما نعنيه بالمعرفة، ولكن أيضًا ما سيكون دور التعليم والأكاديميين في المستقبل.
ويقول موران: "أستطيع أن أقدر فوائد الذكاء الاصطناعي في العلوم أو الاقتصاد أو الرياضيات، حيث الحقائق غالبًا ما تكون غير قابلة للشك، ولكن ماذا عن العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث الكثير قابل للطعن؟"
ويحذر من أننا نفقد أرضية بسرعة أمام تغييرات مجتمعية عميقة يمكن أن يكون لها عواقب لا يمكن تصورها على الجامعات إذا لم نستجب بسرعة.
التفكير النقدي في مواجهة الذكاء الاصطناعيمن جهته، يعبر محاضر جامعي في العلوم الإنسانية عن عدم استغرابه من الزيادة الهائلة في استخدام الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أنه يتم الترويج له بقوة من قبل شركات التكنولوجيا باعتباره سلعة موفرة للوقت، والخطاب السياسي الأوسع يعزز هذا الرأي دون التشكيك في قيود الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته.
بينما قد يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا في العديد من السياقات الأكاديمية - في كتابة التقارير الأساسية وإجراء البحوث الأولية على سبيل المثال - فإن استخدامه من قبل الطلاب لكتابة المقالات يشير إلى التقليل من قيمة موضوعات العلوم الإنسانية وسوء فهم ما يتيحه الكتابة الأصلية في تخصصات مثل التاريخ والأدب والفلسفة: التفكير النقدي.
ويستشهد المحاضر بقول الروائي العظيم إي إم فورستر: "كيف يمكنني أن أعرف ما أفكر فيه حتى أرى ما أقول؟" كان يقصد أن الكتابة هي شكل متطور من أشكال التفكير، وأن تعلم الكتابة بشكل جيد، والشعور بالمرء وهو يشق طريقه عبر تطوير فكرة أو حجة، هو جوهر الكتابة.
عندما نطلب من الذكاء الاصطناعي كتابة مقال، فإننا لا نقوم ببساطة بالاستعانة بمصادر خارجية للعمل، بل نستعين بمصادر خارجية لتفكيرنا وتطويره، مما سيجعلنا بمرور الوقت أكثر ارتباكًا وأقل ذكاءً.
في عصر تكنولوجي نيوليبرالي نهتم فيه غالبًا بالمنتج بدلاً من العملية التي تم من خلالها صنعه، ليس من المستغرب أن يتم تجاهل القيمة الحقيقية للكتابة.
فيما يأخذ الطلاب ببساطة إشاراتهم من عالم يفقد الاتصال بالقيمة التي لا يمكن تعويضها للإبداع البشري والتفكير النقدي.