حدّدت دراسة بحثية بجامعة السلطان قابوس أولويات الاستدامة في قطاع الرعاية الصحية، وركّزت في توصياتها على تعزيز رضا المرضى، وإعطاء الأولوية للاستثمارات التي تركز على الاستدامة، وتعزيز الممارسات الدائرية في القطاع الصحي من خلال تبنّي ممارسات تقلّل من النفايات وتُعيد تدويرها.

وقالت الدكتورة طيبة بنت عبدالله الكندية، المشرفة على برنامج الباحث الناشئ بمركز البحوث الإنسانية ومدرّسة مقرر المهارات الحياتية والدراسية بجامعة السلطان قابوس: إن مفهوم الرعاية الصحية يشمل مجموعة من الخدمات والإجراءات التي تهدف إلى تعزيز الصحة، والوقاية من الأمراض، وتشخيصها، ومعالجتها، وتحسين نوعية حياة الأفراد والمجتمع ككل.

وتشمل الرعاية الصحية جميع الجوانب التي تؤثر على صحة الإنسان، بدءًا من الوقاية والرعاية الأولية وصولًا إلى العلاج المتخصص وإعادة التأهيل والرعاية التلطيفية. تُقدّم هذه الخدمات من خلال شبكة متكاملة من المرافق الصحية مثل: المستشفيات، والعيادات، والمراكز الصحية، وتُنفّذ من قبل فرق طبية مؤهلة تضم الأطباء، والممرضين، والمختصين الصحيين. وتهدف الرعاية الصحية إلى توفير خدمات طبية عالية الجودة للجميع، بما يضمن تحقيق العدالة الصحية، بغض النظر عن الخلفية الاقتصادية أو الاجتماعية للأفراد.

وأشارت إلى أن المشروع البحثي تضمن مجموعة من المراحل، بدءًا من تحديد المشكلة والأهداف، إذ تم التعرف على التحديات الرئيسية المرتبطة بالاستدامة في الرعاية الصحية، مثل: التأثير البيئي، والاستدامة الاجتماعية، والاعتبارات الاقتصادية. كما شملت المراحل مراجعة الأدبيات من خلال دراسة الأبحاث السابقة المتعلقة بالاستدامة لتحديد الأدوات والمعايير المناسبة، ورصد الثغرات في الدراسات الحالية.

وأضافت: إن تصميم منهجية البحث شمل اختيار أسلوب مناسب مثل عملية التحليل الهرمي (AHP) لتقييم العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وقد تم جمع آراء الخبراء من القطاع الصحي من خلال استبيانات ركزت على عناصر الاستدامة المختلفة، وتحليل البيانات باستخدام أدوات التحليل المناسبة مثل مصفوفة المقارنة الزوجية لتحديد الأهمية النسبية لكل عنصر من عناصر الاستدامة. بعد ذلك، تم تفسير النتائج لتحديد الأولويات بين العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وبيان تأثيرها على استدامة النظام الصحي، ووضع توصيات محددة لصنّاع القرار لتحسين الاستدامة، ومشاركة النتائج مع المجتمع العلمي.

وأكدت الدكتورة الكندية أن المشروع يعزز قطاع الرعاية الصحية من خلال توجيه استراتيجيات الاستدامة، حيث يساعد في تحديد الأولويات من خلال تحليل العوامل البيئية، الاجتماعية، والاقتصادية. ويعزز هذا الفهم التركيز على الاستراتيجيات الأكثر تأثيرًا والتي تدعم تقديم خدمات رعاية صحية مستدامة. كما يسهم المشروع في تحسين كفاءة الموارد من خلال دراسة آليات مثل: إعادة التدوير، والتقليل من النفايات، والشراء المستدام، مما يسهم في تقليل التكاليف التشغيلية وإعادة توزيع الموارد بشكل أفضل، ويخفف العبء على النظام الصحي.

وأوضحت أن المشروع البحثي يركّز أيضًا على تحسين رضا المرضى من خلال فهم العوامل المؤثرة على تجربتهم، مما يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية. وأضافت: إن تعزيز صحة المجتمع يكون من خلال توجيه الأبحاث نحو الوقاية من الأمراض وتشجيع أنماط الحياة الصحية، مما يؤدي إلى نظام صحي أكثر استدامة ومرونة.

وأشارت إلى أن توفير بيانات دقيقة وإحصاءات يُمكّن صنّاع القرار من اتخاذ خطوات مدروسة نحو سياسات صحية مستدامة تتماشى مع رؤية عُمان 2040، كما يشجع المشروع على تبني حلول جديدة وتقنيات متقدمة لتحقيق الاستدامة، مما يؤدي إلى تحسينات مبتكرة في تصميم المرافق وتقنيات الرعاية الصحية.

واختتمت بقولها: إن الدراسة البحثية أظهرت، باستخدام تحليل AHP، أن العوامل البيئية والاجتماعية تحمل وزنًا أكبر مقارنة بالعوامل الاقتصادية. وقد تبيّن أن الممارسات الدائرية تمثل أولوية ضمن جانب الاستدامة البيئية، بينما يتصدر رضا المرضى أولويات الاستدامة الاجتماعية، في حين أن العوامل الاقتصادية جاءت في مرتبة أقل.

وأكدت أن الدراسة خرجت بمجموعة من التوصيات، أهمها إعطاء الأولوية للاستثمارات والتدخلات التي تركز على الاستدامة، وتكثيف البحوث المتعلقة بعناصر الاستدامة المختلفة. كما دعت إلى تعزيز الممارسات الدائرية في القطاع الصحي، وتبنّي سياسات تدعم الاستدامة الاجتماعية والبيئية، مع التركيز على رضا المرضى. وشددت على أهمية الاستثمار في البحث والابتكار لتطوير تقنيات تدعم الاستدامة، وتوجيه الموارد بشكل استراتيجي لتحقيق التوازن بين الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

واختتمت الكندية بقولها: "إن البحث يُعتبر من الدراسات الحديثة في سلطنة عمان، خاصة مع وجود دراسات محدودة في هذا المجال. وجاءت الدراسة بالتزامن مع تبعات أزمة كورونا التي أبرزت الحاجة إلى تحديد أولويات واضحة في القطاع الصحي. ويقدم البحث حلولًا تهدف إلى تقليل التكاليف من خلال إدارة الموارد بكفاءة، وتقليل الهدر، واقتراح سياسات صحية مستدامة تدعم التطوير المتكامل للقطاع الصحي، وتضمن استدامته على المدى الطويل، مع تعزيز الاستعداد لمواجهة الأزمات المستقبلية".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البیئیة والاجتماعیة العوامل البیئیة الرعایة الصحیة القطاع الصحی من خلال

إقرأ أيضاً:

أثناء تكون الجنين.. دراسة تحدد آلية "الإشارات الكهربائية"

تؤكد دلائل علمية متزايدة أن هناك "مجالات كهربائية جنينية" تتحكم في حركة الخلايا أثناء تكون الجنين داخل رحم الأم، من أجل توجيه تطور ونمو الأنسجة والأعضاء، ولكن طريقة تكوين هذه الحقول الكهربائية وآليات عملها ظلت غير واضحة تماما لدى العلماء والباحثين لفترة طويلة من الوقت، إلى أن نجح فريق من الباحثين في البرتغال في سبر أغوار هذه المجالات الكهربائية الحيوية وتحديد دورها في المراحل المختلفة لنمو الأجنة.

ويقول الباحث إلياس إتش. باريغا من معهد غولبنكيان للأبحاث العلمية في البرتغال ورئيس فريق الدراسة: "لقد نجحنا في تحديد نمط التيار الكهربائي الحيوي الداخلي، الذي يشبه الحقل الكهربائي، أثناء عملية نمو الجنين، واتضح لنا أن هذا التيار الكهربائي يقوم بتوجيه حركة مجموعة من الخلايا تعرف باسم العرف العصبي داخل الجنين".

وأوضح الباحثون أن "العرف العصبي" يعتبر من المكونات الأساسية في عملية تكون الجنين، حيث أن هذه الخلايا مسؤولة عن نمو عظام الوجه والعنق، فضلا عن أجزاء من النظام العصبي.

وتوصل الباحث باريغا، في إطار الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية "Nature Materials" المعنية بالأبحاث العلمية، أنه أثناء عملية النمو، يتم توجيه خلايا العرف العصبي بواسطة مجالات كهربائية داخلية، مثل سائق السيارة الذي يستجيب لإشارات رجل المرور.

وتبين للباحثين أنه في إطار هذه العملية التي تعرف باسم "آلية توجيه الخلايا عبر الإشارات الكهربائية"، تستشعر الخلايا اتجاه الحركة الصحيح بواسطة حقول كهربائية يتم توليدها داخل جسم الجنين، وتتحرك بناء على هذه الإشارات.

وتبادر لدى الباحثين السؤال بشأن كيف تستطيع الخلايا فك شفرة هذا التيار الكهربائي وتحويلها إلى اتجاه أو مسار للحركة، ويقول الطبيب باريغا إنه تعرف مع فريقه البحثي على إنزيم داخل العرف العصبي يعرف باسم (Vsp 1) ويحتوي على مادة الفوسفاتيز ويتميز بحساسية خاصة حيال التيارات الكهربائية. وبفضل الخواص الحيوية لهذا الإنزيم، فهو يستطيع استشعار الإشارات الكهربائية وبثها أيضا.

ومن أجل التحقق من دور هذا الإنزيم في توجيه الخلايا، قام الباحثون بتصنيع نسخة معيبة من الانزيم، وتأكد لديهم أن النسخة المعيبة تعطل حركة الخلايا أثناء نمو الأجنة.

وتقول الباحثة صوفيا موريرا الحاصلة على الدكتوراة وإحدى المشاركات في الدراسة: "لقد حققنا نتائج مجزية من خلال استهداف التركيب الوراثي لهذا الإنزيم في سياق التحكم في الخلايا بالحقول الكهربائية".

وأضافت في تصريحات للموقع الإلكتروني "سايتيك ديلي" المتخصص في الأبحاث العلمية: "بعكس التوقعات، تبين أن إنزيم Vsp 1 ليس مسؤولا عن حركة الخلايا، بل عن تحويل التيار الكهربائي إلى إشارات لتحديد اتجاه حركة الخلايا أثناء تكون أنسجة وأعضاء الأجنة. وترى موريرا أن هذه الملاحظة العلمية فريدة من نوعها، لأن معظم مستشعرات الإنزيمات تلعب دورا في حركة الخلايا ذاتها، وكان من الصعب دراسة دورها في لية التوجيه.

وعكف الفريق البحثي على محاولة تحديد مصدر نشأة الحقول الكهربائية داخل جسم الجنين من خلال دراسة منطقة تعرف باسم "الطية العصبية"، واتضح لهم أن الخلايا في هذه المنطقة تتمدد مما يؤدي إلى تنشيط قنوات من الأيونات، وهي ذرات أو جزيئات مشحونة كهربائية، وتساعد في توليد المجال الكهربائي، وأن انزيم Vsp 1 هو الذي يقوم بتحويل الإشارة الكهربائية إلى شفرة توجيه لإرشاد الخلايا نحو اتجاه الحركة.

ويؤكد الباحثون أن هذا البحث يقدم أول دليل علمي بالتجربة على أن الحقول الكهربائية تتكون على امتداد مسار الخلايا في العرف العصبي، وأثناء عملية يطلق عليها اسم "هجرة الخلايا"، فضلا عن توضيح مصدر توليد هذا التيار الكهربائي، كما أن هذه الفرضية العلمية الخاصة بدور الحقول الكهربائية في توجيه الخلايا تفتح الباب على مصراعيه أمام إمكانية تكرار نفس هذه العملية البيولوجية في المختبرات العلمية وتطويعها لخدمة مباحث علمية وطبية مختلفة، بدرجة من الدقة تفوق أي تجارب سابقة.

ويقول الباحث فيرناندو فيريراوهو أحد المشاركين في الدراسة، في تصريحات لموقع "سايتك ديلي" إن "هذه الورقة البحثية تجيب عن أسئلة مطروحة منذ عقود في مجال أبحاث الكهرباء البيولوجية، وقد حققت نتائج مجزية للغاية في مجال نشأة علوم الكهرباء الحيوية"، رغم أن الدراسات بشآن آليات التوجيه الكهربائي للخلايا ما زالت مستمرة.

وذكر الطبيب باريغا: "لقد أزحنا النقاب عن لاعب آخر في عملية تكون أنسجة الأجنة، والسؤال يدور الآن بشأن تحديد موقع هذه الآلية في إطار منظومة المؤشرات الميكانيكية والكيميائية أثناء تكون الجنين".

ويرى الباحثون أنه من الممكن أيضا دراسة دور هذه الآلية في مجالات طبية أخرى مثل تطور الأورام السرطانية أو التئام الجروح، كما أن فهم دور الحقول الكهربائية في توجيه هجرة الخلايا يتيح إمكانية وضع استراتيجيات جديدة في مجال هندسة الأنسجة والطب التوليدي، غير أنه مازال ينبغي توسيع مجالات البحث بشأن دور الحقول الكهربائية في مجال السلوك الخلوي، وزيادة الفهم البشري لدور علوم الفيزياء في الأنظمة الحية.

مقالات مشابهة

  • الصحة العقلية للمراهقين في خطر.. دراسة تحدد السبب
  • محمية واحة البريمي ..نموذج فريد في تحقيق الاستدامة البيئية
  • أكثر من 1.9 مليون مستفيد من برنامج “طبيب لكل أسرة” في مراكز الرعاية الصحية بمكة
  • أثناء تكون الجنين.. دراسة تحدد آلية "الإشارات الكهربائية"
  • بحوث الصحراء يعزز جهود تطوير الزراعة في سيوة لمواجهة التحديات البيئية وتحقيق الاستدامة
  • دراسة جديدة تفنّد الفرضيات السابقة حول علاقة صحة الأم باضطراب التوحد
  • وزارة الصحة توقع اتفاقية تعاون مع شركة فرنسية لتطوير قدرات قطاع الرعاية الصحية
  • "بحوث الصحراء" يعزز جهود تطوير الزراعة في سيوة لمواجهة التحديات البيئية وتحقيق الاستدامة
  • دراسة: الجينات المرتبطة بالاكتئاب قد تزيد من احتمالية إصابة الطفل بالتوحد
  • مناقشات لبحث آليات تنظيم استقدام العمالة الفلبينية لدعم قطاع الرعاية الصحية في مجال التمريض