لماذا لم تتنازل بريطانيا عن دارفور لفرنسا ؟
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
لماذا لم تتنازل بريطانيا عن دارفور لفرنسا ؟
لم أجد تفسيرا واضحا لإصرار بريطانيا لإبقاء دارفور داخل جغرافيا الحكم الثنائي من 1899م حتى 1916م.
لم تكن دارفور عريقة الإنضمام لحكمدارية سودان عهد ما قبل دولة المهدية ، فقد تم ضم دارفور لحكمدارية السودان في 1874م ولم تمض سبع سنوات حتى اندلعت الثورة المهدية في 1881م.
لم يحكم المصريون ولا السودانيون دارفور خلال السبع سنوات التي سبقت المهدية فقد تعاقب على حكمها نمساوي وإيطالي وألماني وجنسيات أوروبية ، وحده سلاتين الذي صار مشهورا.
وخلال هذه السنوات السبع لم تتوقف ثورات سلاطين الظل من الأسرة الحاكمة لاستعادة استقلال السلطنة ، وخلال دولة المهدية سالموا تحت تأثير الخطاب الديني ومع ذلك قاتلوا جيوش دولة المهدية في نزاعات الحدود أي أنهم حاولوا الجمع بين تبعية العاصمة في أم درمان والحفاظ على درجة من الاستقلال والسيادة على حدودهم التاريخية.
وخلال السنوات من 1883م حتى 1898م أتعبت دارفور الخليفة عبد الله أكثر من أية مكان آخر ومع إنطلاق أول رصاصات معركة كرري يوم 2 سبتمبر 1898م كان علي دينار يشق طريقه نحو الفاشر لاستعادة السلطنة وكانت القبائل قابلة للتسليم لأول أمير قادم من السلالة الحاكمة فكان علي دينار.
وخلال سنوات حكم علي دينار من 1899م حتى 1916م لم تحاول خرطوم الحكم الثنائي التدخل في شئون السلطنة ولم تقدم لها أية مساهمات تنموية ولا تعليمية وتركت أمرها لعلي دينار الغارق في صراعات لا تنتهي مع القبائل والسلطنات الجديدة التي انتهزت فرصة الضم في 1874م للبروز مثل سلطنة دار مساليت وحروب عديدة مع القبائل العربية.
اكتفت خرطوم الحكم الثنائي منه بإعلان التبعية ورفع علمي بريطانيا ومصر وربط سنوي متواضع.
وفي 1916م سيروا حملة قضت عليه وبعدها مباشرة حضر للفاشر أول مدير بريطاني ومن يومها حتى استقلال السودان في 1956م حكم البريطانيون دارفور وتركوها تسير أمورها كما كانت من خلال زعماء القبائل.
كانت فرنسا قد أكملت سيطرتها على جغرافيا تشاد الحالية وأفريقيا الوسطى وقضت على السلطنات التاريخية ، وداي ، باقرمي ، وغيرها ، وقضمت نصف مساحة دار مساليت وتبقى للمساليت النصف الذي ظل في السودان ليحمل اسم دار مساليت وليكون مقرا لسلطان المساليت.
كانت فرنسا راغبة وطامعة في دارفور ، وكانت فرنسا وبريطانيا تعلمان جيدا أن دارفور وتشاد متشاركتان في التركيبة السكانية إذ لا تكاد توجد قبيلة إلا ونصفها هنا ونصفها الآخر هناك وأن التماثل السكاني والثقافي بين دارفور وتشاد أكثر بكثير جدا منه بين دارفور وسودان الشريط النيلي الذي تعودت مكوناته على الخضوع لسلطة الحكم المركزي منذ أن حطم جيش إسماعيل باشا ممالكهم في 1821م.
الصراع بين الحق التاريخي في الأرض وترسيم دولة ما بعد الاستعمار في 1924م : المستوطنون الجدد والأجنبي في أرضه التاريخية !
لم يكن صعبا على بريطانيا وفرنسا الإتفاق على تتبيع دارفور لفرنسا ومن ثم تقرر فرنسا أن تشكل دارفور وتشاد وحدة سياسية واحدة تحت أي مسمى كان تختاره الإدارة الاستعمارية الفرنسية فإسم دولة تشاد نفسه مستحدث ، ربما كان اسم البحيرة ، نعم ، مثل جبل كينيا الذي صار إسم دولة صنعها البريطانيون في شرق أفريقيا.
لو فعلوا ذلك لما نشأت في المستقبل ظاهرة المستوطنون الجدد والمرتبطة بترسيم 1924م إذ كانت كل القبائل الكبرى أفريقية كانت أم عربية ستكون داخل نفس الكيان السياسي وكانوا سيكونون حملة نفس الجنسية.
في سودان الشريط النيلي ما كان أحد سيأبه أو يهتم وقتها 1924م بذلك القرار إن حدث فقد كان الوعي القومي لا يزال يحبو طفلا ولم يكن التعصب للحدود قد ظهر في الثقافة السياسية.
تخلى الإنجليز وقتها للحبشة عن بني شنقول ومساحتها أضعاف مساحة مثلث حلايب ودار مساليت ولم يشعر أحد ولم يحتج أحد.
وقايض الإنجليز الإيطاليين بمثلث سارا في ليبيا ولم يهتم أحد بذلك المثلث ومساحته خمسة أضعاف مساحة مثلث حلايب !!
كانت خلافات الزغاوة والعطاوة على الأرض شمال دارفور ستكون خلافات تحسم بقرارات إدارية من إنجمينا ولكن المجموعات التي ظلت تتحرك في أرضها التاريخية منذ أربعمائة سنة وجدت نفسها تصطدم ببرزخ مصنوع إسمه ترسيم حدود 1924م فأطلقوا عليها بين الجانبين لقب المستوطنون الجدد ودارت الصراعات والثأرات ووجدت حكومات الخرطوم نفسها متورطة في إشكالية مزمنة كان بإمكان متخذ القرار البريطاني والفرنسي إعفائها منها ومن تبعاتها من وقت مبكر جدا.
وأنطلق الصدام بين الحق التاريخي المستند على أسبقية الوجود في الأرض في حقبة من الزمن وحق العودة لأرض الأجداد بالجدار الزمني لاتفاقية بريطانيا وفرنسا بترسيم الحدود في 1924م.
فالعطاوي الذي سبق وجوده في أرض شمال كتم باعتراف بعض مؤرخي الزغاوة والذي اتجه غربا في حقبة سابقة جاءت اتفاقية 1924م لتجعله أجنبيا أو مستوطنا جديدا إذا عاد واتجه شرقا لنفس أرض الأجداد بعد 1924م ، وقس على ذلك العديد من الأمثلة.
وفي خضم تلك الصراعات وجدت الخرطوم نفسها تتورط في نزاعات خارج همومها وموروثاتها التاريخية والثقافية ولأية طرف كانت تنحاز الخرطوم فقد كانت تؤلب ضدها ضغائن أطراف مضادة في دوامة لا تنتهي.
حان الوقت لأن تفكر الخرطوم للتخارج من الدوامة التي ظلت تعصف بها وبالسودان وتكاد أن تذهب بريحها وريح السودان.
#كمال_حامد ????
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مراكز البحوث والدكتور النور حمد والإنسانية التاريخية
في هذا المقال سوف أتناول ثلاثة محاور لمفكريين إنطلقوا صوب حقول فكرهم قبل قرن من الزمن بالتمام و الكمال و الغريب الثلاث محاور تنطلق من منصات مختلفة و تتفق في هدف واحد و هذا الهدف لم تصبه جهود النخب السودانية على الإطلاق بل ضلّت منه ضلال بعيد لأسباب تخص إنكفاء النخب السودانية و عجزها عن إدراك مآلات الإنسانية التاريخية.
من الأسباب التي حالت بيننا و بين إدراك كيفية الإنفكاك من فلسفة التاريخ التقليدية إلتواء النخب السودانية و إنكفاءها على تاريخ محلي يخص مناشط النخب السودانية و هي قد نالت قدر قليل من التعليم الذي يأهلها أن تدير رتب دنيا لمساعدة المستعمر الإنجليزي و الغريب حتى اللحظة الراهنة لم تنتبه النخب السودانية أن زمن المستعمر الإنجليزي و تعليم النخب السودانية على أيدي الإنجليز كانت علوم ترتكز على فلسفة التاريخ التقليدية.
و كانت الدول الإستعمارية الأوروبية نفسها تمر بتحول هائل على صعد السياسة و الإجتماع و الإقتصاد و كان فلاسفتها و علماء الإجتماع و الإقتصاديين و الشعراء في إنشغال تام بما يتخلق ليولد من جديد في أوروبا و المولود المنتظر في أوروبا هو لحظة إنقلاب الزمان و أصبح خط تقسيم المياة بين نهرين متعاكسين في إتجاه الجريان.
نهر أوربا الفكري جرى بمياه صافية تعكس أفكار فلسفة التاريخ الحديثة و نهر النخب السودانية التي تعلمت أيام المستعمر و بسبب قلة تحصيلها أصبحت محصورة في فلسفة التاريخ التقليدية الى يومنا هذا بل صارت متوارثة في السودان جيل عبر جيل محبوسين في تاريخ السودان المحلي و تاريخ قارته و محاولة تحليله بفلسفة تاريخ تقليدية محبوسة في إحداثيات الوثوقيات و اليقينيات و الحتميات بل ما زالت آفاق النخب السودانية السودانية عالقة في أفق المؤالفة بين العلمانية و الدين لنخب توارثت الترقيع و لم تنتج أدبياتها غير توفيق كاذب يتبدى في ضلالها عن فكرة النيوكانطية و زوال سحر العالم أي أن الخطاب الديني لم يعد له دور بينيوي على صعد السياسة و الإجتماع و الإقتصاد.
لهذا السبب ما زالت النخب السودانية تعيش خيبة آمالها رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود لإنهيار حائط برلين و زوال المنظمومة الإشتراكية و الآن قد خباء بريق الخطاب الديني المنغلق و ها هو ولي العهد السعودي يسدل الستار على إبعاد رجال الدين المزعجين و يقول أن أفكارهم ضد التنمية و ضد الحداثة إلا أن كثر من النخب السودانية تظن أن هناك إمكانية مؤالفة بين الإشتراكية و الرأسمالية كما يظن الدكتور النور حمد و هو يظن أن الإسلام و قيمه تصالح بين الرأسمالية و الإشتراكية و هذا ناتج من ضعف منهج الدكتور النور حمد فيما يتعلق بتطور الفكر الليبرالي في القرنيين الأخريين بشقيه السياسي و الإقتصادي و بالمناسبة غياب مراكز بحوث سودانية تتابع تطور الفكر الليبرالي في العالم هو ما يجعل كثر من النخب السودانية رغم إنتشار فكرهم ضعيفي الوعي فيما يتعلق بتحليل ظاهرة المجتمع البشري كما يتبدى ذلك في جرءة الدكتور النور حمد في طرحه في كتاب حرره الدكتور صديق الزيلعي و كتب الدكتور حمد في حهده فيه بأن هناك إمكانية المؤالفة بين الإشتراكية و الرأسمالية و كما كتب النور في لقاء نيروبي عن المؤالفة بين العلمانية و الدين .
أما في أوروبا فقد أدركت النخب الأوروبية بأن تاريخ الإنسانية و لأول مرة قد أصبح تاريخ واحد و مشترك للإنسانية كافة بفضل نجاح الثورة الصناعية منذ عام 1776 و أصبحت مسيرة الإنسانية التاريخية واضحة المعالم بل أصبح الإنسان التاريخي في حكم المؤكد على ضؤ فلسفة التاريخ الحديثة المنتصرة للفرد و العقل و الحرية و الحرية.
نضرب مثل كيف أن أوروبا و دولها كدول مستعمرة داخل أوروبا كانت تلاحظ بأنها تدخل على تجارب ليست مسبوقة بعهد؟ و تحتاج لفلاسفة و علماء إجتماع و إقتصاديين يواجهون أزماتها السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و بالتالي كانت النخب السودانية التي نالت تعليم متدني أيام الإستعمار لا يسمح لهم وعيهم المتدني برؤية جديدة للعالم الذي يتخلق ليولد من جديد بعد نهاية فلسفة التاريخ التقليدية في أوروبا.
و على بعد خطوات تنتظر أوروبا ميلاد فلسفة تاريخ حديثة و أصبح التفاوت يزداد و هذه التطورات في أوروبا كانت تتخلق و هي مستعمرة للدول مثلما كانت بريطانيا مستعمرة للسودان و لكن كان فلاسفة أوروبا على وعي بأن السياسة قد أصبحت شرط إنساني لتحقيق مفهوم المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و لا تتحقق إلا بفكرة التدخل الحكومي و هذا هو البعد الغائب عند النخب السودانية منذ أجيال النخب التي نالت تعليم متدني أيام الإستعمار ونتج عنه وعي متدني لا يسمح لهم بتحليل ظاهرة المجتمع البشري و للأسف إستمر تدني الوعي جيل عبر جيل في السودان و حتى راهننا الآن لم تدرك النخب السودانية مفهوم الدولة الحديثة التي ترسخ للمسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و بالتالي تصبح السياسة هي شرط إنساني يجسد فكرة العيش المشترك.
هذا التفاوت في مستوى الوعي جعل النخب السودانية متدنية الوعي مقارنة بالمستعمر الذي كانت بلدانه تتحسس لحظات ميلاد فلسفة تاريخ حديثة ظهرت مع ظهور مؤتمر الخريجيين في السودان و لكن شتان ما بين وعي أتباع مؤتمر الخريجيين و أتباع فلسفة التاريخ الحديثة في أوروبا و بالمناسبة هناك قادة من أتباع الحضارات التقليدية إنتبهوا لهذا التحول من فلسفة التاريخ التقليدية الى فلسفة التاريخ الحديثة نذكر منهم المهاتما غاندي و نهرو لذلك ها هي الهند الآن تصبح من أكبر الديمقراطيات في العالم و بمعدل نمو إقتصادي عالي جدا مقارنة بكساد النخب السودانية في ثمانية عقود الأخيرة.
نعود للدكتور النور حمد في مقاله الأخير في سودانايل بعنوان معضله الشر المحتمي بجهل العامة و فيه يقول الدكتور النور حمد " ولو كان الوعي البشري مستحصدا بحق لما عاش النظام الرأسمالي الى يومنا هذا رغم أن جهود فضح إنسانيته قد تكاملت منذ القرن التاسع عشر" ما هذا يا دكتور النور حمد؟ ما كتبه الدكتور النور حمد في هذا المقال يصلح كدليل على أن أغلب النخب السودانية تجهل فلسفة التاريخ الحديثة التي تتوشح النيوكانطية في فكر ماكس فيبر و هو يتحدث عن عقلانية الرأسمالية في الفكر البروتستانتي و قد فتحت على قيم الجمهورية و مواثيق حقوق الإنسان.
عكس ما يتحدث عنه الدكتور النور حمد بتشنيعه للرأسمالية و هو تشنيع صادر من جهل دكتور النور حمد بأدبيات الرأسمالية في النظريات الإقتصادية و إبداعات تاريخ الفكر الإقتصادي على أقل تقدير في القرنيين الأخرين و يتضح من مقال النور حمد جهله بعقلانية الرأسمالية التي تحدث عنها ماكس فيبر و قال أن الرأسمالية عقلانية و الدليل على عقلانية الرأسمالية لأنها لم تظهر بعد في المجتمعات التقليدية كمجتمعنا السوداني و من هنا ننبه القارئ للبون الشاسع بين وعي دكتور النور حمد و أفكار ماكس فيبر عن عقلانية الرأسمالية و على هذا قس مآسينا مع التنويه أن ماكس فيبر كان عالم إجتماع و إقتصادي و قانوني و مؤرخ و لنترك للدكتور النور حمد أن يختار ألقابه.
على عكس تشنيع الدكتور النور حمد بالرأسمالية نجد إشراقات الدكتور منصور خالد و يظهر أن الدكتور منصور خالد في مراجعاته لمناهجه لم يكن يوما عدمي عدو الإشراق و الوضوح بل كان متجدد الفكر و له الشجاعة النادرة أن يقول أنه كان على خطاء شنيع ليس هو لوحده بل كل نخب العالم الثالث و مجايلي الدكتور منصور خالد عندما إستبد بهم الخطاء في أن طريق الإشتراكية و الحزب الواحد هو الأقرب لتحقيق التنمية و قد تراجع عن ذلك رجل بعظمة منصور خالد بل زاد على ذلك و أعلن عن أسفه و ندمه في مهاجمته لأحمد لطفي السيد و وصفه له بأنه خائن لأنه رفض طلب أن يكون قائد للحكومة في زمن عبد الناصر و احمد لطفي السيد معروف بأنه أب للفكر الليبرالي في مصر و من تلاميذه عميد الأدب العربي طه حسين و الكاتب الكبير نجيب محفوظ و عليه نقول لدكتور النور حمد أنه على بعد ما لا يقاس بما يفصله عن مراجعات منصور خالد لمنهجه و تجدد تدفقاته الفكرية.
على أي حال لم تفاجئني أفكار الدكتور النور حمد في مقاله الأخير و حديثه غير الناضج عن تطور الفكر الرأسمالي و به يعتدي على ميراث العقد الإجتماعي عند كل من جون لوك أب الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الإقتصادي و يهجم بشراسة على العقد الإجتماعي في علم إجتماع منتسكيو و يتجاهل فكرة الديمقراطية عند توكفيل و يخرج لسانه ساخر من نظرية العدالة عند جون راولز و فوق كل ذلك يتخطى الدكتور النور حمد مشروع كانط النقدي في أنثروبولوجيا الليبرالية بعد أن إستفاد من فلسفة كل من ادم اسمث في نظرية المشاعر الأخلاقية و فلسفة ديفيد هيوم التي أيقظت كانط من ثباته الدوغمائي العميق لأن كانط قبل إطلاعه على فلسفة ديفيد هيوم و ادم اسمث في نظرية المشاعر الأخلاقية كان أقرب للأصولي المتزمت و هذا هو حال الدكتور النور حمد الآن في ايمانه بالمؤالفة بين العلمانية و الدين.
و يشجع الدكتور النور حمد على هجومه غير المبرر على أدبيات الرأسمالية و هو لم يستوعبها من الأساس حتى يزعم أنه يدعو لتجاوزها زعمه كأنه قد هضم الكينزية في مزجها لفكرة اليد الخفية مع نظرية المشاعر الاخلاقية لتخرج لنا بتجاوزها لنظرية ساي العرض يخلق الطلب و تتجاوزها بكيفيه خلق الطلب عبر الإنفاق الحكومي و قد خرجت به الرأسمالية ظافرة من الكساد الإقتصادي العظيم عام 1929.
مقال الدكتور النور حمد للقارئ الذي يعرف القليل عن تاريخ الفكر الإقتصادي و نظريات النمو الإقتصادي مقال محيّر لأنه يقول لك بأن الدكتور النور حمد يقتحم مجال بحث هو خالي الوفاض من علومه ليخرج لنا بأن الرأسمالية قد ماتت منذ القرن التاسع عشر و هذا خبر محزن و مضحك لأن بعد تاريخه الذي حدده لموت الرأسمالية نجد جهود جون ماينرد كينز في النظرية العامة و علم إجتماع ماكس فيبر و هو يتحدث عن زوال سحر العالم أي أن الخطاب الديني الذي يريد النور مؤالفته مع العلمانية قد أبعده ماكس فيبر منتصرا للفكر الرأسمالي في عقلانيته بعيدا عن دولة الإرادة الإلهية.
و يقدم ماكس فيبر بدلا عنها الفعل الإجتماعي وفقا لقدرات عقلنا البشري في معادلة الحرية و العدالة و بعيدا عن مؤالفة النور حمد بين العلمانية و الدين أو مؤالفته بين الإشتراكية و الرأسمالية كما يزعم و نجد كذلك بعد خبر النور حمد بموت الرأسمالية ديالكتيك ريموند أرون و هو ينتصر فيه على من ذهبوا للحزب قبل الذهاب للكتب ليعلن لنا ريموند أرون أن ماركسية ماركس لا تخدع غير المثقف المنخدع الذي يعتقد كما يعتقد النور بأن هناك إمكانية مؤالفة بين الراسمالية و الإشتراكية و هيهات.
و بحديثي عن كينز و ريموند أرون و ماكس فيبر أكون قد عدت للمحاور الثلاث للمفكريين و قد تحدثت عن منطلقاتهم في بداية المقال و هم كينز و ماكس فيبر و ريموند أرون و أعيد الكرة لكي أقول أن مثل فكر الدكتور النور حمد في مقاله الأخير الذي تناولناه هنا في مقالنا يدخل في إطار فلسفة التاريخ التقليدية و دعوتنا له بأن ينفتح على فلسفة التاريخ الحديثة و هي ما يحتاجه أفق مفكرينا في السودان و قد غابت أي فلسفة التاريخ الحديثة عن أفق الفكر السوداني طيلة القرن الأخير و بغير إدخال فلسفة التاريخ الحديثة على حقول الفكر السوداني سيظل مشهد الفكر السوداني محشود بفكر المثقف التقليدي و المفكر التقليدي و المؤرخ التقليدي و سيظل مشهد الفكر في السودان يدور في حلقة مفرغة و محكمة الإغلاق و كسرها و الشب عن طوقها لا يكون بغير إدراك فلسفة التاريخ الحديثة.
بالمناسبة أفكار ماكس فيبر بعد نشرها إحتجت لما يقارب الثلاث عقود حتى تتحقق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و أفكار كينز و نظريته العامة قد أحتاجت لعقد لكي تسود بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و إستمرت لثلاثة عقود أخرجت أوروبا من ظلال الليبرالية التقليدية و فلسفة التاريخ التقليدية و كذلك أفكار ريموند أرون إحتاجت لثلاث عقود لكي ينتصر فيها توكفيل على ماركس و ريموند أرون على سارتر و من بعده قد خرجت فرنسا بفكرها من ظلال الماركسية و أصبحت توكفيلية.
taheromer86@yahoo.com