تعاقدت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، على إصدار الأعمال الكاملة للأكاديمي البارز المترجم والناقد الأدبي الدكتور سليمان العطار، الذي يُعد من أبرز المفكرين والمثقفين المصريين الذين ساهموا بشكل ملحوظ في تطوير الفكر العربي الحديث.


تميز سليمان العطار بفكره العميق، وأسلوبه النقدي، واهتمامه الخاص بقراءة التراث وإعادة النظر فيه من خلال رؤية معاصرة تواكب التحديات الحديثة.

رغم ابتعاده عن الأضواء والشهرة، إلا أن تأثيره العلمي والإنساني كان واسع النطاق، مما جعل محبيه وزملاءه يشعرون بالحزن لرحيله.
نشأ سليمان العطار تحت تأثير عميق من عبد العزيز الأهواني، الذي كان له الفضل في إدخال الدراسات الأندلسية إلى مصر والعالم العربي وتطويرها، ورأى العطار في الأهواني نموذجًا للمثقف الذي يكرس حياته للعلم، مشبهًا إياه بأرسطو الذي اعتبر تلاميذه كتبه الحية. هذه العلاقة مع الأهواني شكلت وعي العطار النقدي والتجديدي، ودفعته إلى دراسة التراث بمنظور جديد بعيدًا عن التقليد الأعمى.
يرى العطار أن التراث يشكل عنصرًا أساسيًا من الهوية العربية، لكنه يعارض تقديس هذا التراث دون فحص أو نقد. يجادل بأن الهوية الثقافية تحتاج إلى حيوية وديناميكية تمكنها من التفاعل مع الحاضر وتجاوز الجمود. 
يعتبر العطار أن فهم التراث بعمق وتوظيفه بذكاء يمكن أن يسهم في بناء مستقبل مزدهر، وذلك من خلال تجاوز الرؤية المحدودة للتاريخ والتراث والبحث عن طرق لدمج الماضي في سياق العصر الحديث.
تجسد سليمان العطار سلوك المثقف العضوي الذي يرى الثقافة كسلوك يومي وليس مجرد نظريات وشعارات، كان يؤمن بأن الوعي الثقافي يتجاوز حدود العقل إلى الشعور، وأن المثقف يجب أن يساهم في بناء مشاريع حضارية كبرى.
دعا العطار إلى إشاعة قيم الحوار، وقبول الآخر، ونبذ التطرف الفكري والتعصب، كان يرفض الجمود والتنميط الفكري، ويسعى إلى تجديد الفكر العربي من خلال نقد النصوص التقليدية وتحريرها من القداسة التي تحول دون تطورها.
اسهامات العطار في النقد الأدبي كانت عميقة ومتعددة، في كتابه «مقدمة في تاريخ الأدب العربي: دراسة في بنية العقل العربي» الذي أعاد تحريره الدكتور قحطان الفرج الله بعنوان «عقلان وثقافتان/ دراسة في بنية العقل عن العرب»، عالج العطار الجذور الفكرية التي ساهمت في تشويه الهوية الثقافية للعرب.
كان للخيال مكانة خاصة في فكر العطار، حيث اعتبره أداة للخلق المعرفي والابتكار، درس العطار نظرية الخيال عند ابن عربي، في كتابه «الخيال والشعر في تصوف الاندلس»، و «الخيال النظرية والمجلات عند ابن عربي» ووصفها بأنها وسيلة لتحريك منظمة الابتكار وتجاوز الجمود الفكري.
ترجم العطار أعمالًا أدبية عالمية مثل «مائة عام من العزلة» لغابرييل غارسيا ماركيز و«دون كيخوتي» لثربانتس،  وصنفت من أهم ولانضج الترجمات لهذا العمل الفريد، من خلال هذه الترجمات، سعى العطار إلى تعزيز الفهم الشمولي للثقافة الإنسانية والتواصل مع التجارب الإنسانية المشتركة. 
رأى في ترجمة هذه الأعمال جسرًا يربط بين الثقافة العربية والثقافات العالمية، ويعزز من قدرة المثقف العربي على التفاعل مع العالم الحديث، كما رأى العطار أن إعادة قراءة التراث العربي أمر حيوي لتحقيق التقدم الحضاري، واعتبر أن مشاكل الهوية الثقافية العربية ترتبط بشكل كبير بتقديس التراث دون دراسة نقدية أو محاولة للتجديد.
انتقد العطار حالة التشرذم الثقافي في العالم العربي، ودعا إلى تجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وقدم العطار رؤية تتجاوز التحليل السطحي للتاريخ، وتدعو إلى فحص العوامل التي أدت إلى التشرذم العربي، ومحاولة استعادة الوحدة الثقافية من خلال فهم أعمق وأشمل للتراث وليه العديد من الدراسات والكتابات الإبداعية في مجال الرواية (رواية سبعة أيام، ورواية عصابة سرقة الاثار) ومجموعة قصصية (النساء لن تدخل الجحيم).
د. سليمان العطار يظل مثالاً نادرًا للمثقف الذي جمع بين الرؤية النقدية العميقة والقدرة على التفاعل مع التراث بعقلانية وتجديد، وبفضل إسهاماته الفكرية والنقدية، ساهم في إحياء الحوار الثقافي في العالم العربي ودفعه نحو أفق جديد يتسم بالتعددية والابتكار، أعماله وترجماته ستظل جزءًا من التراث الثقافي والفكري العربي، تلهم الأجيال القادمة للتفكير النقدي والتفاعل الإيجابي مع التراث والثقافة العالمية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: سليمان العطار وزارة الثقافة الدكتور أحمد بهي الدين من خلال

إقرأ أيضاً:

غدا.. قصور الثقافة تطلق الملتقى الثالث لأطلس المأثورات الشعبية سوهاج.. الهوية والاستدامة

تنطلق غدا الثلاثاء في الحادية عشرة صباحا، فعاليات الملتقى الثالث لأطلس المأثورات الشعبية المصرية، "سوهاج.. الهوية والاستدامة"، وذلك بمكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، ضمن برامج وزارة الثقافة.

يقام الملتقى لمدة ثلاثة أيام، وينفذ بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، من خلال الإدارة العامة لأطلس المأثورات الشعبية المصرية، برئاسة د. الشيماء الصعيدي، التابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث، برئاسة د. حنان موسى. ويشارك به نخبة من الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالتراث الشعبي، بهدف توثيق وحماية الموروث الثقافي المصري، ويصاحبه مجموعة من الورش الفنية والحرفية تقام طوال فترة إقامته.

تنطلق فعاليات اليوم الأول، مع الجلسة الافتتاحية وتشمل الكلمات البروتوكولية، يعقبها افتتاح معرض فني للمنتجات التراثية والحرفية.

وتبدأ الجلسة البحثية الأولى في الحادية عشرة والنصف صباحا بعنوان "العادات والتقاليد والمعتقدات والأعراف الشعبية"، يرأسها  د. مصطفى محمود، وتتناول أربع أوراق بحثية، وهي: "عادة العلبة في المجتمع الجهيني.. إضاءة وصفية أولية" للباحثة نهاد حلمي، "رمزية الماء المقدس بين المعتقد الشعبي وآليات التوظيف السياحي المستدام" للدكتورة دعاء محفوظ، "عادات الميلاد في محافظة سوهاج" للباحثة نهى الكاشف، و"الاحتفالات الشعبية بمولد الأنبا شنودة بسوهاج" للباحث أشرف أيوب.

وتعقد الجلسة البحثية الثانية "الثقافة المادية: الحرف، الرسومات الجدارية، الأزياء، والحلي" في تمام الثانية مساء، برئاسة د. حنان موسى، وتضم ثلاثة أبحاث، وهي: "الإبداع الفني للأزياء ومرجعيتها الفلسفية في العقل الإنساني" للدكتورة سلوى محمد، "الدلالات الرمزية بالمسيحية للحفاظ على الهوية القبطية" للدكتورة أسماء علي صادق، و"الحرف التقليدية بمركز أخميم كإحدى دعائم التنمية المستدامة" للباحثة نورهان فوزي.

وتتواصل الفعاليات في اليوم التالي، مع الجلسة البحثية الثالثة "الأدب الشعبي"، وتعقد في الثانية عشرة والنصف مساء، برئاسة د. خالد أبو الليل، وتشهد مناقشة أربعة أوراق بحثية، وهي: "القيم الاجتماعية في الحكاية الشعبية.. محافظة سوهاج نموذجا" للدكتورة أسماء جميل، "دور أغاني الأطفال الشعبية بالمجتمع السوهاجي في التربية" للدكتورة إيمان كمال، "التوثيق المكاني لعمارة المزارات الدينية والأضرحة في مدينة سوهاج" للدكتور وائل المتولي، و"حرير أخميم.. إشكالية التاريخ والاكتشاف والصناعة" للدكتور أحمد الصاوي.

كما تعقد مائدة مستديرة بعنوان "الوضع الراهن لتوثيق تراثنا الشعبي المصري"، في تمام الثانية والنصف مساء، يديرها د. مصطفى جاد، ويشارك بها كل من د. ولاء محمد، د. دعاء شديد، محمد الروبي، ومنة عاطف.

ويتضمن اليوم الختامي، الجلسة البحثية الرابعة بعنوان "الأداء الحركي والفنون الشعبية (الألعاب والرقص الشعبي)"، وتعقد في الواحدة مساءً، ويرأسها د. حسام محسب، وتضم ثلاث أوراق بحثية، وهي: "الرقص الشعبي في صعيد مصر: أثر العوامل الجغرافية على الرقص في محافظة سوهاج" للدكتور حارص النقيب، "الممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية المرتبطة بالمرماح في صعيد مصر" للباحث مصطفى كامل، و"الألعاب الشعبية وتحديات العصر" للدكتور سامح شوقي.

وتعقد في الثالثة مساءً، جلسة بعنوان "تجربتي" تشمل عرض تجارب رسمية وشخصية لتوثيق التراث الثقافي غير المادي، يعقبها ختام الملتقى بإعلان التوصيات، وتكريم المشاركين والباحثين.

مقالات مشابهة

  • تقديرا لدوره البارز في تعزيز الهوية المصرية.. ثقافة الغربية تحتفي بـ نجيب محفوظ
  • بنسعيد: مشروع قانون حماية التراث يحظى بإجماع وطني ويصون الهوية المغربية
  • لتقديم دورة استثنائية.. وزير الثقافة يؤكد توفير الدعم الكامل لمهرجان المسرح العربي
  • وزير الثقافة: نقدم الدعم الكامل لإنجاح مهرجان المسرح العربي
  • الأهلي كلمة السر.. لماذا تصدر اللاعب ماركو فيراتي الترند| القصة الكاملة
  • قصور الثقافة تصدر العدد الجديد من مجلة مصر المحروسة حول الذكاء الاصطناعي
  • وزير الثقافة يستقبل نظيرته الفرنسية بمتحف أم كلثوم بالمنيل.. صور
  • غدا.. قصور الثقافة تطلق الملتقى الثالث لأطلس المأثورات الشعبية سوهاج.. الهوية والاستدامة
  • «الرئيس السيسي» لـ نظيره الفرنسي: مصر ستكون نافذة لمنتجاتكم في العالم العربي وإفريقيا
  • شجرة البان العربي تاريخ يعكس الثقافة الخليحية والعربية… وتفتح أفاق اقتصادية للمجتمع المحلي