التطورات الأخيرة في المشهد السوري، خاصة التقدم السريع للمعارضة المسلحة في حلب وحماة، تكشف عن تحولات جوهرية في ديناميكيات الصراع السوري وتثير العديد من التساؤلات حول مستقبل المحاور الإقليمية، وخاصة محور المقاومة المتمثل في إيران وحزب الله وسوريا والحوثيين. المشهد الراهن يحمل دلالات سياسية وعسكرية قد تُعيد رسم خارطة التحالفات والصراعات في المنطقة.

 

تراجع محور المقاومة

 

تشير الأحداث إلى أن ما يُسمى بمحور المقاومة يواجه أزمة داخلية قد تؤدي إلى تفككه التدريجي. هذا التراجع يمكن تفسيره بعدة عوامل:

 

 • هناك حديث متزايد عن توتر العلاقات بين النظام السوري وحزب الله، خاصة بعد ما تردد عن قيام الأسد بطرد عناصر من حزب الله من مناطق في سوريا، وتراجعه عن تقديم الدعم الفعلي للحزب.

 

 • زيارة الأسد الأخيرة إلى روسيا ولقائه بالرئيس بوتين أثارت جدلاً، حيث أشارت تقارير إلى عدم حصوله على الدعم الكافي من موسكو.

 

 • التنسيق الواضح بين إسرائيل وأمريكا  قديشير إلى استراتيجية متكاملة لإضعاف المحور الإيراني. هذا التنسيق يُظهر أن واشنطن وتل أبيب تعملان بشكل منهجي على استنزاف قدرات هذا المحور.

 

 • حرب غزة الأخيرة أظهرت تراجع قدرة محور المقاومة على تقديم الدعم الفعلي لحلفائه. رغم الخطاب الإعلامي الداعم، غاب الدعم الميداني المباشر، ، مما أدى إلى انكشاف محدودية هذا المحور في المواجهات الإقليمية.

 

موقف تركيا وأمريكا

 

التقدم الذي حققته المعارضة في حلب وحماة أثار تساؤلات حول طبيعة الدعم الذي تلقته.

 

تُتهم تركيا بأنها قدمت دعماً مباشراً للمعارضة، سواء من خلال الإمدادات العسكرية أو التغطية اللوجستية. كذلك، هناك إشارات إلى دور أمريكي غير معلن في دعم العمليات العسكرية للمعارضة، وهو ما يُفسر التقدم السريع والمفاجئ في تلك المناطق.

 

الموقف الروسي: لعبة التوازنات

 

رغم الغارات الجوية التي نفذتها روسيا وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 مقاتل من المعارضة، إلا أن الموقف الروسي يبدو متردداً.

 

البيانات الروسية الرسمية قليلة وغير واضحة، مما يثير الشكوك حول مدى التزام موسكو بدعم الأسد بشكل كامل. قد يكون هذا جزءاً من محاولة روسيا للحفاظ على توازن دقيق بين حلفائها الإقليميين وضمان عدم استنزافها في صراع طويل الأمد.

 

السؤال  الذي يطرحه المراقبون هو: ما التالي بالنسبة لمحور المقاومة؟

 

 • يبدو أن إيران تواجه استهدافاً مباشراً، سواء عبر الضربات الإسرائيلية على مواقعها في سوريا أو من خلال محاصرة حلفائها في المنطقة.

 

 الضغوط الداخلية في إيران، مع الاحتجاجات والتحديات الاقتصادية، تزيد من صعوبة الحفاظ على دورها الإقليمي.

 

. يبدو أن محور المقاومة يمر بأضعف حالاته منذ عقود، مع تصاعد التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه أركانه. في المقابل، تعمل قوى إقليمية ودولية على استثمار هذا التراجع لبناء نظام إقليمي جديد قائم على توازنات مختلفة.

 

هل من الممكن أن يكون الحوثيون  الهدف التالي؟

 

الحوثيون يشكلون أحد أذرع إيران في المنطقة، ويُنظر إليهم كجزء أساسي من “محور المقاومة”.

 

 تصعيدهم الأخير في البحر الأحمر عبر استهداف السفن، والتهديد المستمر لأمن الملاحة البحرية، يُعزز من احتمالية أن يتم التعامل معهم كجزء من استراتيجية أكبر لكبح النفوذ الإيراني.

 

مع تراجع حزب الله في لبنان بسبب تداعيات حرب غزة والضغوط الإسرائيلية، قد تتحول الأنظار نحو الحوثيين باعتبارهم الأكثر نشاطًا عسكريًا في المحور الإيراني.

 

 قد ترى الولايات المتحدة والسعودية وحلفاؤهما  في استهداف الحوثيين خطوة ضرورية لتهدئة التوترات في الخليج وتأمين الممرات المائية.

 

فرغم الهدنة النسبية بين السعودية والحوثيين بعد الاتفاقات الأخيرة، لكن  التصعيد الحوثي المستمر يُهدد هذه التفاهمات.

 

 قد تضطر  الرياض في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها .

 

يدرك الحوثيون أن  استهدافهم ممكن في أي لحظة، ولذلك يبدو أنهم يعززون من قوتهم العسكرية، سواء من خلال الحشود  أو بناء تحالفات محلية .

 

وبماأنهم يعتمدون بشكل كبير على الدعم الإيراني، فإن تزايد الضغوط على طهران، قد يحعلهم في مواجهة مباشرة دون الغطاء الكافي من حليفهم .

 

فهل سيتحرك أعداء إيران لتطويق الحوثيين، سواء عبر استهداف مباشر أو من خلال دعم قوى محلية معارضة لهم أم أن الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات ستسبق كل هذا ؟

 

المرحلة القادمة ستعتمد على قدرتهم على المناورة.

 

فهل يستطيعون الاستمرار في لعب دورهم الحالي أم أن المشهد الإقليمي سيفرض معادلة جديدة تُعيد رسم حدود قوتهم ؟

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن سوريا حلب المعارضة السورية إيران محور المقاومة من خلال

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: محاكمة حميدتي بين قانونين

بدأت محكمة الإرهاب في مدينة بورتسودان، الأحد محاكمة قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان “دقلو” وشقيقه عبد الرحيم دقلو وآخرين، غيابيًا بتهمة التورط في اغتيال والي غرب دارفور. وطالبت النيابة العامة، في وقت سابق، وقبل تسليم الدعوى إلى المحكمة، حميدتي وشقيقيه ونائب الوالي تجاني الطاهر كرشوم وآخرين، بالمثول أمامها حيث أعلنتهم متهمين هاربين. وقرر قاضي محكمة الإرهاب المأمون الخواض، استمرار جلسات المحاكمة، لسماع المتحري والمبلّغ على أن يمثل الشهود للإدلاء بشهادتهم في الجلسات القادمة.

في هذه الجلسات، قدّم النائب العام الفاتح طيفور خطبة الادعاء في أولى جلسات المحكمة، مشيرًا إلى أن القضية تشمل كافة البُنى التي بُنيت عليها الدعوى. وقال طيفور الذي بدأ عليه التأثر، إن القضية تكشف وقائع خيانة من قوات كان من المفترض أن تحمي البلاد. بدأ ذلك الهجوم الشرس على مطار مروي شمالي السودان، تلاه الهجوم على مقر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

اغتيل والي غرب دارفور خميس أبكر في 14 يونيو 2023، بعد وقت وجيز من اعتقاله بواسطة مليشيا الدعم السريع التي اقتادته إلى مقرها بحضور قائدها في الولاية عبد الرحمن جمعة بارك الله، قبل أن تظهر مقاطع فيديو توثق مقتل الوالي والتمثيل بجثته. وقبلها، كانت قناة “الحدث” قد وثقت اقتحام مقر إقامته، وأفاد النائب العام بأن الدعم السريع اعتقلت الوالي المقتول وحرسه، بمشاركة جمعة بارك الله وتجاني كرشوم، واقتادته إلى مقرها ثم تمت تصفيته وسحل جثته.

وتتضمن القضية، التي تشمل 16 شخصًا، اتهامات بالتورط في اغتيال خميس ومخالفة 12 مادة من القانون الجنائي، منها المادة 186 الخاصة بالجرائم ضد الإنسانية، بالإضافة إلى مخالفات لقانون مكافحة الإرهاب. كما تم تسمية قائد الدعم السريع متهمًا أول، وشقيقه عبد الرحيم متهمًا ثانيًا، بينما تم تسمية شقيق آخر يُدعى القوني، الذي يشغل منصب مسؤول المشتريات في الدعم السريع، متهمًا ثالثًا.

ومن بين المتهمين كذلك عبد الرحمن جمعة بارك الله والطاهر كرشوم الذي كان نائبًا لخميس أبكر، وبعد اغتياله انفرد بحكم الولاية التي سرعان ما سيطرت عليها المليشيا ، وعيّنت كرشوم رئيسًا للإدارة المدنية، حيث لا يزال يشغل المنصب. وتصل العقوبة في حال الإدانة إلى الإعدام.

إن محاكمة هذه الأسماء البارزة تمثل اختبارًا حاسمًا للعدالة السودانية ومدى قدرتها على مواجهة هذه الجرائم. ولكن يبقى التساؤل قائماً: هل ستكون هذه المحاكمة بداية لفتح ملفات أخرى شائكة مثل الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بحق المدنيين في السريحة والهلالية وود النورة وغيرها، أم ستكون مجرد حلقة إضافية في مسلسل الإفلات من العقاب؟

وبحسب مواثيق القانون الدولي، اتفاقيات جنيف لعام 1949، فإن الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين تُعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستوجب المساءلة الجنائية الفردية، بما في ذلك بحق قادة المليشيا المسلحة.

بالرغم من هذه الإجراءات يظل هناك سؤال محوريا لماذا لا يُحاكم حميدتي وشقيقه وفقًا لقانون القوات المسلحة السودانية بدلا عن القانون الجنائي ؟ في جوهر الأمر، ما قام به محمد حمدان دقلو وقوات الدعم السريع بقيادته، هو انقلاب عسكري صريح على الدولة ومؤسساتها الدستورية، ومحاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة، وهو فعل ينطبق تمامًا على توصيف “الخيانة العظمى” والتمرد المسلّح” في قانون القوات المسلحة السودانية.

لكن عدم محاكمته حتى الآن بموجب هذا القانون يرتبط ربما بعدة عوامل متداخلة: أولاها أن الصفة القانونية لهذه القوات : رغم تبعيتها الشكلية للجيش بموجب قانون الدعم السريع لعام 2017، إلا أنها تمتعت بهامش استقلال تنظيمي وعملياتي، ما أدى إلى تضارب قانوني بشأن مرجعيتها الفعلية، وهو ما تستغله بعض الجهات لتبرير عدم إخضاع قادتها لقانون القوات المسلحة.

كذلك الفراغ الدستوري والمؤسسي: منذ التغير في 2019 وما تلاه من اضطرابات، دخل السودان في حالة سيولة قانونية ودستورية، جعلت من الصعب تفعيل مواد محاسبة الانقلابين التقليدية، خاصة مع غياب برلمان شرعي ومحكمة دستورية عليا فاعلة.

كذاك الحسابات السياسية الإقليمية والدولية: البعض يرى أن هناك تردّدًا دوليًا في تصنيف ما جرى كانقلاب رسمي، رغم وضوح الوقائع، وذلك لتجنّب تصعيد سياسي أو فتح جبهات قانونية. لذلك محاولة احتواء الجريمة ضمن الإطار الجنائي المدني: خطوة مهمة لكنها قد تُبقي الجريمة في حيز “الانتهاكات”، لا في حيز “الخيانة العسكرية والانقلاب” .

إن محاكمة حميدتي بقانون القوات المسلحة لا تعني فقط تصنيف أفعاله كخيانة عظمى، بل تعني أيضًا الاعتراف رسميًا بأن ما حدث كان انقلابًا مسلحًا مكتمل الأركان، ما يستدعي موقفًا سياسيًا وقانونيًا حاسمًا من الدولة السودانية.

اليوم، يقف السودان على أعتاب مفترق مهم: إما أن تُسهم هذه المحاكمة في استعادة الثقة في مؤسساته العدلية، أو أن تتحول إلى حلقة جديدة في مسلسل الإفلات من العقاب. ولئن كان النائب العام قد تعهّد بأن “سيف العدالة سيطال كل هارب”، فإن الشعب السوداني، وخصوصًا أهل دارفور، لا ينتظرون مجرد وعود، بل تطبيقًا صارمًا للقانون، واعترافًا صريحًا بالحقوق.

إن الصمت الدولي حيال هذه الجريمة لن يكون إلا ترخيصًا مستترًا بمزيد من القتل والانتهاكات، في بلد أنهكته الحرب، وتحتاج مؤسساته المدنية والعدلية إلى الدعم ، وبناء مستقبل مختلف، تُصان فيه كرامة الإنسان، ويُحتكم فيه للقانون . وكما قال الفيلسوف بليز باسكال: “العدالة دون قوة عاجزة، والقوة دون عدالة طغيان”.

هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة إذا كانت المواثيق الدولية قد رسّخت الحق في المحاسبة كضمان أساسي لعدم تكرار الجرائم، فإن الواقع الميداني في السودان يشير إلى قيام العدالة وسط سطوة القوة الغاشمة المطلوبة لأنصاف الضحايا. وما بين هذا القيام المنصف وذاك الطغيان، يبقى مستقبل السودان مرهونًا بإرادة حقيقية تضع الإنسان أولًا، وتعيد بناء الدولة على أسس من القانون والعدالة والكرامة.. لأجل استدامة السلام وترسيخ مبدأ العدالة.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 23 أبريل 2025 م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: محاكمة حميدتي بين قانونين
  • (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة حول آخر تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية والدولية
  • كلمة قائد الثورة حول آخر تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية والدولية (نص +فيديو)
  • نص كلمة قائد الثورة حول آخر تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية والدولية
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: سبعون سنة يتيهون في الأرض
  • لبنان يستدعي سفير إيران.. ويحذره من مواقفه الأخيرة
  • مخطط شارون الرهيب في غزة: ماذا نعرف عن محور موراج؟
  • في خطوة شبيه بالنظام السعودي.. النظام السوري يعتقل قيادات المقاومة الفلسطينية
  • ضربات موجعة… لكن لم تُكسر الإرادة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: خلق آخر