عبير سالم
في وقت يحتفل به لبنان بانتصاره في حرب الـ64 يوماً على العدو الصهيوني، انتقل أمر المعارك في لبنان إلى سوريا وتحديداً إلى ريف حلب وإدلب مرة ثانية. ويبدو أن إعادة إطلاق المعارك في هاتين المنطقتين، هو اختبار جديد يراد من خلاله قياس مدى القدرة الأميركية- الإسرائيلية على إعادة إحياء الأزمة السورية من جديد، فسوريا ماتزال مثقلة بأعباء الحرب عليها منذ العام 2011.
في هذه اللحظات التي تعيش فيها المنطقة العربية، كلها، فرح الإنتصارات، كان لابد من تنغيص الفرح على الدولة، التي تحملت العقوبات الهائلة وصمدت بإرادة قيادتها الحرة، وذلك عبر إطلاق يد الإرهاب في ريفي حلب وإدلب مرة أخرى. ولسببين هامّين الأول رفض السوريين وبصراحة وقف دعم المقاومات في منطقة الهلال الخصيب الممتدة في بلاد الشام وبلاد الرافدين، رافضة طلب كولن باول، وزير الخارجية الأميركية، في العام 2004 وإلى اليوم. والسبب الثاني، رفض تمديد أنابيب الغاز القطرية عبر أراضيها إلى أوروبا مروراً بتركيا.
إن ما حدث هو امتداد لتلك الحرب المسعورة التي تشن من أجل إخضاع المنطقة لقرار صناعة شرق أوسط جديد، رأس حربته الصهيونية العالمية، وذراعها الغرب، والموقف الفرنسي بتحييد نفسه عن اعتقال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقالهما وجلبهما للمحاكمة بسبب جرائم الحرب، يمكنه أن يخبرنا أن هناك من يمضي بالمشروع قدماً، وبتعاون أوروبي- أميركي، وللطرفين أطماع كبرى تقودها شركتان أخطوبتان عالميتان، هما شيفرون، التي اشترت اكسون-موبيل، التي تعمل في الحقول السورية وفي فلسطين بالتأكيد، والثانية هي توتال، التي لم تجدد عقودها قبل الحرب على سوريا بعدة سنوات، وتم استقدام شركات روسية. كما أن شركة “بوفارج” الفرنسية لصناعة الإسمنت ماتزال تعمل في شمال شرق سوريا وحتى خلال فترة انتشار داعش في الجزيرة السورية، والتي ستخرج حتماً، إن لم تكن هناك تسوية كبرى يقبلها السوريون، ومنها تحمل جزء من أعباء إعادة الإعمار.
نحن نعلم، أن للقضية دلالات ذات أبعاد مختلفة لم تحل بعد، ولم يعد الأمر سراً بأن الجماعات الإرهابية في منطقة ريف حلب وفي إدلب، تدار من قبل الأتراك وتمول من قبل القطريين وتعمل بحسب الأمر الأميركي، وهذا يعني أن تركيا لم تكن جادة أبداً بالانسحاب من الشمال السوري وأنها ماتزال تتأمل بإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كم على طول الحدود السورية، وبالتالي إبعاد الأكراد إلى الداخل السوري، وهذا معناه، وإن كان الربط غريباً، أن شمال العراق لن يسلم من الأطماع التركية. وقول ذلك، يستند إلى الإعتداءات التركية المتكررة على شمال العراق بحجة قصف قوات حزب العمل الكردستاني في منطقة جبال قنديل الممتدة في داخل ما يسمى اليوم كردستان العراق، أي أن تركيا تريد السيطرة على جبال قنديل، والسؤال الهام هنا كم هو حجم التوافق الأميركي- التركي في هذا العمل؟
وقطر هنا لا تعمل “غب الطلب”، بل لها دور هام في إعادة إحياء إيصال أنابيب الغاز ضمن مشروع خط الدولفين، سبب الخلاف الأساسي مع السوريين، والذي يفترض أن يصل إلى أوروبا منافساً الغاز الروسي ومن أجل إلغاء مشروع إصلاح أنابيب نورد ستريم الواصلة إلى اوروبا والتي فجرها الأميركيون بحسب ما كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ سنتين. خط الدولفين سيمر في الأراضي التركية، وقد كتبت “غلوبال ريسرتش” مطولاً حول علاقة الحرب على سوريا بخط الدولفين، الذي سيسمح للأتراك العمل ضمن إطار منتدى غاز شرق المتوسط بقوة وفعالية أكبر. ولنعلم هنا أن دعم تركيا لدولة الكيان لم يتوقف خلال السنة الماضية، وأردوغان كذب بخصوص وقف دخول المنتجات التركية إلى الصهاينة، وهو يرى أنه يستطيع من خلال العمل مع الأميركيين والصهاينة أن يلعب دوراً إقليمياً ما. أما الأميركيون فيرون أن خط الأنابيب القطري سيمكنهم من حصار روسيا وهزيمتها.
من الواضح أن هجوم الإرهابيين الأخير ومحاولة استعادة السيطرة على الشمال السوري لم يكن حادثاً عرضياً، ولكنه حادث استغل انشغال العالم بأمرين أساسيين، الأول، الفرحة بالعائدين والإنشغال العالمي بما يحدث في لبنان، وبالتالي فشل مخطط الحرب على لبنان والذي بدا أنه حتمية بعد العام 2018، بسبب استعادة سوريا زمام المبادرة على أراضيها وتحرير معظمها من أيدي داعش. والأمر الثاني، هو انشغال روسيا في الحرب على أوكرانيا. مما جعل الأميركي يظن أن مباغتة الجيش السوري ستكون أمراً سهلاً، خاصة دون مساعدة الطيران الروسي مما سيسمح للأتراك، والصهاينة، لربما بقصف الطيران السوري كما كانوا يفعلون قبل التدخل الروسي في العام 2015، وبذا ستترك سوريا وحيدة في الميدان، خاصة مع إنشغال المقاومة في لبنان في حربها مع الصهاينة، وفي مراقبة تحركاتهم بعد وقف العدوان.
لا أحد منا يمكنه أن يجزم إذا ما كانت الدولة السورية والجيش السوري يتحضرون لهجوم ما قادم من الشمال، ولكن يمكننا القول إن الدولة السورية وبخاصة الرئيس بشار الأسد، رفض لقاء اردوغان، المتأبط شراً، قبل انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري، مما يعني أن السوريين لم يكونوا غافلين عما يحدث. في هذه الحالة، هل يمكننا السؤال عما إذا حان وقت تحرير الشمال السوري، خاصة وأن أردوغان كشف في خطابه منذ يومين عن اهتمامه بدعم لبنان، ونحن نعلم: بعد مرور عدة أشهر على تحركات 17 تشرين الأول 2019 المشبوهة في بيروت أن المخابرات التركية كانت ضالعة فيها، وأنها تحاول بناء مراكز لها تجذب من خلالها الطرابلسيين في لبنان لإحياء حالة عثمانية جديدة في المدينة، لأن مخطط تقسيم الشرق الأوسط الجديد، يعتبر طرابلس جزءاً لا يتجزأ من إقامة إمارة طائفية تمتد إلى حمص وحماة ودمشق في سوريا.
الملفت أن أردوغان دعا مرتين للقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، وبشكل ملفت: الأولى كانت في 12 حزيران/ يوليو، خلال قمة حلف شمال الأطلسي، حيث قال انه وجّه دعوة “للسيد الأسد”، قبل اسبوعين لعقد اجتماع في تركيا او أية دولة ثالثة. والثانية، كانت في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، حين كان عائداً إلى تركيا من أذربيجان وقال بأنه: “مازلت متفائلاً بشأن الأسد” وأمل بإعادة العلاقات التركية السورية إلى مسارها الصحيح. ولكن ما ان انطلقت كلمة السر من بنيامين نتنياهو بأن “الأسد يلعب بالنار”، لأن سوريا ترفض قطع تدفق السلاح للمقاومات في لبنان وفلسطين، عاد أردوغان وإرهابييه في الشمال السوري للعمل وفق المخطط الأميركي الصهيوني.
تحدث أردوغان عن السلام والإستقرار في سوريا، وهو ما يزال يحتفظ بقواته وإرهابييه ومندوبه السامي في إدلب. والسلام الذي يتحدث عنه هو سلام الصهاينة. ولمن يحاول فصل مسارات جبهة المقاومة وخاصة بين لبنان وسوريا وفلسطين، فيجب التوضيح له بأنه مشتبه. إن مسار الإرتباط في عملية التحرر من الإستعمار الجديد عضوي. مسار إذا ما تفكك ضاعت المنطقة وتقسمت ما بين براثن الأميركيين والصهيونية العالمية. وعلينا أن نفهم أنه، كما أن سوريا هي ملتقى خطوط التجارة العالمية، التي يحاول الأميركيون السيطرة عليها، هي في الوقت نفسه ملتقى خطوط السياسات الإستعمارية الجديدة، وإضعاف سوريا عسكرياً أو اقتصادية وعزلها عن الإدارة الإقليمية في المنطقة ليست في مصلحة أحد. وأن أمن العرب وغرب آسيا، بل وأمن الشرق كله، لابد أن يمر من خلال سوريا.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشمال السوری الحرب على فی لبنان من خلال
إقرأ أيضاً:
الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.
خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:
بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.
هجرة الاعلاميين إلى الخارج:
وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.
انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة
ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.
منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:
ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.
طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.
وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.
وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.
وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.
خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات
أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.