«الحدس».. المعرفة العقلية المباشرة
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
هو الادراك المباشر لموضوع التفكير وهو أساس للبرهنة والاستدلال وهذا يسمي حدسًا عقليًا، فبالحدس ندرك حقائق التجربة كما ندرك الحقائق العقلية. فالحدس Intuition يعني قدرت الذات على معرفة الموضوع معرفة عقلية مباشرة دون أن يكون للتجربة والحواس أثر في ذلك. ومن هنا يمكن القول إن المعرفة الحدسية هي نوع من الفهم المباشر أو من المعرفة الكلية التي لا مجال لردها أو لتحليلها إلى عناصر أو الأجزاء المكونة لها.
كما أنه هو الحكم السريع المؤكد أو التنبؤ الغريزي بالوقائع والعلاقات المجردة. وعادة يقال هذا الشخص «يحدس» أي يقول شيئًا برأيه فنقله الفلاسفة إلى ما أرادوا من المعاني. لذلك فهو نوع من المعرفة المباشرة التي لا تحتاج الي برهان أو دليل ولا تحتاج بالتالي إلى طريقة التي تستخدم في إقامة البراهين كالقياس بأشكاله والاستدلال والاستنباط أو ما شابه ذلك. وكان «الحدس» في الفلسفة يعتبر شكلًا خاصًا من النشاط المعرفي. والسؤال الآن، كيف قدم لنا الفلاسفة هذا المصطلح؟
عزيزي القارئ تنوعت التعريفات التي قدمها الفلاسفة حول هذا المصطلح، وقلما خلت فلسفة أو خلا عصر من فلاسفة يجعلون الحدس في صلب نظريتهم. ولعل أقدم نموذج من الفلسفة التي تقوم على الحدس هو ما نجده في فلسفة أفلاطون (427 ق.م – 399 ق.م) والافلاطونية المحدثة بشكل خاص، أي تلك الفلسفات التي تماهي بين المعرفة وبين الفيض الالهي وإمكانية الإتصال المباشر بعالم العقول المنفصل عن عالم الإنسان.
إلا أن الأمر بعد أفلاطون أختلف بعض الشيء، ففي فلسفة أرسطو (384 ق.م – 322 ق.م) لا نجد للحدس أهمية زائدة، وذلك لكون فلسفة أرسطو قائمة أساسًا على التجريد. لذلك يرتبط الحدس بذلك الجزء من الفلسفة الذي يتعلق بنظريه المعرفة، ولا وجود له خارج هذا الإطار. فالحدس إما أن يكون مضمون المعرفة، أو الأداة التي توصل إليهما.
والحدس عند الإشراقيين، هو ارتقاء النفس الإنسانية الي المبادئ المادية حتى تصبح مرآة مجلوة تحاذي شطر الحق فتمتلئ من النور الإلهي الذي يغشاها، من دون أن تنحل فيه انحلالًا تامًا. وقال «الجرجاني» (740هـ / 1339م – 816هـ / 1413م) في تعريفاته للحدس، هو سرعة انتقال الذهن من المبادئ إلى المطلب. بينما قال «التهانوي» (1280 هـ / 1863م – 1362 هـ / 1943م) الحدس، هو تمثل المبادئ المرتبة في النفس دفعة من غير قصد واختيار سواء بعد طلب أولًا، فيحصل المطلوب، والمقصود بالحركة وسرعة الانتقال تمثل المعني في النفس دفعة واحدة كأنه وحي منها حي أو وميض البرق.
وأضاف الشيخ الإمام محمد عبده (1266هـ / 1849م – 1322هـ / 1905م) أن الحدس، هو الظن والتخمين. هذا هو الحدس في وضعه اللغوي وقد استعمله المصنف ههنا كما يستعمله أصل اللغة وهو غير الاستعمال الشائع في باب مواد الحجج، فإنه هناك سرعة انتقال الذهن من المجهول وهو يقين لا توهم وظن وتخمين. وقضاياه من مقدمات البرهان الموصل لليقين فلا يعقل أن يكون ظنًا وتوهمًا ثم يوصل الي اليقين.
كما يذكر الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند (1867م – 1899م) خمسة معان للحدس، وهم على النحو التالي:
(1) إدراك الحقيقة يتميز بالبداهة ويستعان به كأساس للاستدلال.
(2) رؤية مباشرة لموضوع حاضر أمام الذهن ومدرك في حقيقته الفردية.
(3) معرفة تجيء دفعه وبلا تصورات وهذا المعني وارد لدي ابن سيناء حيث يقول، فيمكن أن يكون الشخص من الناس مؤيد النفس بشده الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ العقلية إلى أن يستعمل حدسًا أعني قبولًا لإلهام العقل الفاعل.
(4) معرفة فريدة، منفردة بذاتها، قابلة للمقارنة بالغريزة وبالحسّ الجمالي، تكشف لنا عن الكائنات بذاتها، في مقابل المعرفة النظرية، العقلية والتحليلية التي تجعلنا نعرف الكائنات من الخارج.
(5) سرعة التهكم.
وبعد، لاحظنا صديقي القارئ أن «الحدس» في الاصطلاح الفلسفي له أكثر من تعريف بألفاظ شتى تشترك جميعها بمعنى واحد، فهو معرفة متكاملة مباشرة تضع المعارف إزاء موضوعه، ولا يرتبط الحدس بطريقة المعرفة القائمة على تجريد الصور أو المفاهيم العقلية من الصور الحسية، لذلك فالحدس يتعدى الصور الحدسية، وفي جملة واحدة «هو المقدرة على فهم الحقيقة مباشرة دون استدلال منطقي تمهيدي».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحدس
إقرأ أيضاً:
شرطة العاصمة تطيح بعصابة تتاجر بالمؤثرات العقلية أمام المؤسسات التربوية
تمكنت مصالح أمن ولاية الجزائر بحر هذا الأسبوع ، ممثلة في الأمن الحضري العاشر عين طاية لأمن المقاطعة الإدارية الدار البيضاء، من تفكيك شبكة إجرامية منظمة تتاجر في المؤثرات العقلية أمام محيط المؤسسات التربوية .
قضية الحال انطلقت أطوارهما بعد استقاء معلومات مفادها اشتباه بعض الأشخاص بقطاع الاختصاص ببيع المؤثّرات العقلية أمام محيط إحدى المؤسسات التربوية بمدينة عين طاية ، عليه باشرت عناصر الفرقة سلسلة من التحرّيات الميدانية أفضت إلى توقيف (04) أشخاص مشتبه فيهم، مع ضبط وحجز (193) قرص مؤثّر عقلي . أدوات مستعملة في تجزئة المؤثرات العقلية. ومبلغ مالي قدره بالعملة الوطنية قدره (23) مليون سنتيم و 900 ألف سنتيم من عائدات الترويج.
واستكمال الإجراءات القانونية تم تقديم المشتبه فيهم، أمام النيابة المختصة إقليميا عن قضية جناية الحيازة، التخزين،النقل، المتاجرة بالمؤثرات العقلية بطريقة غير مشروعة في إطار شبكة إجرامية منظمة .