بوابة الوفد:
2024-12-01@12:42:18 GMT

«الحدس».. المعرفة العقلية المباشرة

تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT

 

هو الادراك المباشر لموضوع التفكير وهو أساس للبرهنة والاستدلال وهذا يسمي حدسًا عقليًا، فبالحدس ندرك حقائق التجربة كما ندرك الحقائق العقلية. فالحدس Intuition يعني قدرت الذات على معرفة الموضوع معرفة عقلية مباشرة دون أن يكون للتجربة والحواس أثر في ذلك. ومن هنا يمكن القول إن المعرفة الحدسية هي نوع من الفهم المباشر أو من المعرفة الكلية التي لا مجال لردها أو لتحليلها إلى عناصر أو الأجزاء المكونة لها.

كما أنه هو الحكم السريع المؤكد أو التنبؤ الغريزي بالوقائع والعلاقات المجردة. وعادة يقال هذا الشخص «يحدس» أي يقول شيئًا برأيه فنقله الفلاسفة إلى ما أرادوا من المعاني. لذلك فهو نوع من المعرفة المباشرة التي لا تحتاج الي برهان أو دليل ولا تحتاج بالتالي إلى طريقة التي تستخدم في إقامة البراهين كالقياس بأشكاله والاستدلال والاستنباط أو ما شابه ذلك. وكان «الحدس» في الفلسفة يعتبر شكلًا خاصًا من النشاط المعرفي. والسؤال الآن، كيف قدم لنا الفلاسفة هذا المصطلح؟

عزيزي القارئ تنوعت التعريفات التي قدمها الفلاسفة حول هذا المصطلح، وقلما خلت فلسفة أو خلا عصر من فلاسفة يجعلون الحدس في صلب نظريتهم. ولعل أقدم نموذج من الفلسفة التي تقوم على الحدس هو ما نجده في فلسفة أفلاطون (427 ق.م – 399 ق.م) والافلاطونية المحدثة بشكل خاص، أي تلك الفلسفات التي تماهي بين المعرفة وبين الفيض الالهي وإمكانية الإتصال المباشر بعالم العقول المنفصل عن عالم الإنسان. 

إلا أن الأمر بعد أفلاطون أختلف بعض الشيء، ففي فلسفة أرسطو (384 ق.م – 322 ق.م) لا نجد للحدس أهمية زائدة، وذلك لكون فلسفة أرسطو قائمة أساسًا على التجريد. لذلك يرتبط الحدس بذلك الجزء من الفلسفة الذي يتعلق بنظريه المعرفة، ولا وجود له خارج هذا الإطار. فالحدس إما أن يكون مضمون المعرفة، أو الأداة التي توصل إليهما. 

والحدس عند الإشراقيين، هو ارتقاء النفس الإنسانية الي المبادئ المادية حتى تصبح مرآة مجلوة تحاذي شطر الحق فتمتلئ من النور الإلهي الذي يغشاها، من دون أن تنحل فيه انحلالًا تامًا. وقال «الجرجاني» (740هـ / 1339م – 816هـ / 1413م) في تعريفاته للحدس، هو سرعة انتقال الذهن من المبادئ إلى المطلب. بينما قال «التهانوي» (1280 هـ / 1863م – 1362 هـ / 1943م) الحدس، هو تمثل المبادئ المرتبة في النفس دفعة من غير قصد واختيار سواء بعد طلب أولًا، فيحصل المطلوب، والمقصود بالحركة وسرعة الانتقال تمثل المعني في النفس دفعة واحدة كأنه وحي منها حي أو وميض البرق.

وأضاف الشيخ الإمام محمد عبده (1266هـ / 1849م – 1322هـ / 1905م) أن الحدس، هو الظن والتخمين. هذا هو الحدس في وضعه اللغوي وقد استعمله المصنف ههنا كما يستعمله أصل اللغة وهو غير الاستعمال الشائع في باب مواد الحجج، فإنه هناك سرعة انتقال الذهن من المجهول وهو يقين لا توهم وظن وتخمين. وقضاياه من مقدمات البرهان الموصل لليقين فلا يعقل أن يكون ظنًا وتوهمًا ثم يوصل الي اليقين.

كما يذكر الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند (1867م – 1899م) خمسة معان للحدس، وهم على النحو التالي:

(1) إدراك الحقيقة يتميز بالبداهة ويستعان به كأساس للاستدلال. 

(2) رؤية مباشرة لموضوع حاضر أمام الذهن ومدرك في حقيقته الفردية. 

(3) معرفة تجيء دفعه وبلا تصورات وهذا المعني وارد لدي ابن سيناء حيث يقول، فيمكن أن يكون الشخص من الناس مؤيد النفس بشده الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ العقلية إلى أن يستعمل حدسًا أعني قبولًا لإلهام العقل الفاعل.

(4) معرفة فريدة، منفردة بذاتها، قابلة للمقارنة بالغريزة وبالحسّ الجمالي، تكشف لنا عن الكائنات بذاتها، في مقابل المعرفة النظرية، العقلية والتحليلية التي تجعلنا نعرف الكائنات من الخارج.

(5) سرعة التهكم.

وبعد، لاحظنا صديقي القارئ أن «الحدس» في الاصطلاح الفلسفي له أكثر من تعريف بألفاظ شتى تشترك جميعها بمعنى واحد، فهو معرفة متكاملة مباشرة تضع المعارف إزاء موضوعه، ولا يرتبط الحدس بطريقة المعرفة القائمة على تجريد الصور أو المفاهيم العقلية من الصور الحسية، لذلك فالحدس يتعدى الصور الحدسية، وفي جملة واحدة «هو المقدرة على فهم الحقيقة مباشرة دون استدلال منطقي تمهيدي».

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الحدس

إقرأ أيضاً:

الفكر والمعرفة والمجتمع وطريق التطور

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي **

الفكر هو العملية العقلية التي يقوم بها الإنسان لتفسير الظواهر، أو طرح الأسئلة، أو صياغة الأفكار بناءً على التأمل أو التحليل أو الاستنباط ويتميز بأنه عملية ديناميكية تعتمد على الإبداع والتفكير النقدي ويهدف إلى استنتاج جديد أو فهم أعمق مثل التفكير في حلول لمشكلة معينة أو حتى إيجاد طرق بديلة أو وضع ركائز أساسية نحو التطور أو النمو في شتى المجالات العلمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما المعرفة فهي مجموعة المعلومات والحقائق المكتسبة من التجربة، أو التعلم، أو البحث تتميز بأنها ثابتة نسبيًا وقائمة على البيانات أو الحقائق. وتُكتسب عن طريق التعليم أو الملاحظة أو التوثيق.

ولا شك أن الفكر يعتمد على المعرفة كأداة وبدون قاعدة معرفية، يصبح الفكر غير مستند إلى حقائق حيث تقوم المعرفة بتزويد الفكر بالمعلومات ليعمل عليها، بينما الفكر يطور تلك المعرفة أو يربطها بسياقات جديدة. باختصار الفكر هو عملية، بينما المعرفة هي محتوى.

تلك كانت مقدمة بتعريف مبسط عن ما هو الفكر وماهي المعرفة والعلاقة بينهما وموضوع الفكر والمعرفة هو في الحقيقة بحر من صعب أن نخوض فيه في بعض الأسطر، والذي يهمنا هو احتياج المجتمع لاجتماع هاذين المفهومين من أجل بناء مجتمع واعٍ باحتياجاته.

نحن بحاجة إلى ذلك النسيج المتناغم الذي يربط المجتمع بالسلطة وإيمان هذا المجتمع بأهمية استمرار البناء في كل المجالات وذلك من خلال ما اكتسبه أفراد المجتمع من معرفة وتسخير هذه المعرفة وتحويلها إلى فكر خلاق هادف يفيد هذا المجتمع نحو الازدهار والتقدم وإلا فما هي الفائدة من هذه المعرفة .

ولنقرأ تجارب الدول في هذا المجال ولن نذهب بعيدا بتجارب الغرب التي يمكن أن تمتلك مقاومات أكبر كما إن عامل الزمن والأسبقية لن تكون في صالحنا، وبالنظر إلى تجربة دولة آسيوية مثل اليابان ودولة مثل سنغافورة فنجد عوامل كثيرة أدت إلى هذا التقدم الذي وصلت إليه هاتان الدولتان، منها الاهتمام بالصناعة، والاهتمام بالتطوير والابتكار المستند على البحوث العلمية .

لكن نجد أهم عامل من عوامل النجاح في هاتين الدولتين هو الإنسان، ليس في ذلك الكم الهائل من المعرفة والمقرون بالتعليم فحسب وإنما اهتماها بذلك النوع هذا التعليم وخاصة التقني والمهني الذي يساير احتياجات المرحلة في ذلك الوقت والذي ينظر إليه في بعض المجتمعات بأنه تعليم أقل في المستوى من التعليم العام بالتالي لا يجد الإقبال من الطلبة ولا يجد الاهتمام من السلطات المعنية بالرغم من أهميته فكيف لنا أن نتجه إلى الصناعة ومجاراة الثورة في تقنية المعلومات بدون التعليم التقني أو المهني، هذا جانب أما الجانب الآخر والأهم هو إيمان شعوب تلك الدول العميق بأهمية الفوز بمكان في هذا السباق بين دول العالم لإيجاد موطئ قدم في طريق وعر من المنافسة للاستحواذ على حصص من  السوق العالمية وماتبعه بعد ذلك من قوة اقتصادية واستغلال الموارد والفرص وتمكين القيمة المحلية المضافة مما يؤدي في النهاية أن أصبحت هاتين الدولتين من أقوى الدول اقتصاديا، فالرغبة الحقيقة للشعوب هاتين الدولتين هي من قادة هاتين الدولتين للتقدم وهذا نجاح يسجل ليس فقط للقيادات وإنما للشعوب ذاتها.

الأوطان لا تُبنى بالحكومات وحدها؛ فالشعوب شريك فاعل وأساسي في بناء الأوطان. نعم الحكومات هي التي تضع الخطط والبرامج ومراقبة تنفيذها وفق ما هو متاح من موارد، والحكومات فهي المسؤولة عن الموارد المتاحة وعدالة توزيعها بل تنميتها لتحقيق رفاهية شعوبها وضمان استدامتها للأجيال القادمة.

لكن في المقابل، الحكومات بحاجة الى أفراد المجتمع المتسلح بالمعرفة والخلاق أصحاب الفكر والمؤمن بوطنه وهذا هو أحد أهم عوامل النجاح في كثير من البلدان المتقدمة، الانضباط والشعور بالمسؤولية ونكران الذات لايحتاج الى أدوات قياس أو أدوات مراقبة إذا وجدت في الأصل في كل فرد من أفراد المجتمع.

وفي الختام.. إنَّ الفكر والمعرفة وطريق التطوير، مرهون بالمجتمع؛ إذ إنَّ السلطات من واجبها ومسؤولياتها تحقيق رفاهية المجتمع وتحقيق آماله وطموحات وأحلامه في العيش الرغيد، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعبة وفرص التعليم وفرص الحصول على الوظيفة المناسبة، وعلى السلطات بذل كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف.. وفي المقابل، على أفراد المجتمع تسخير ما اكتسبوه من معرفة لمصلحة الوطن عن طريق الإبداع بكل ما يخدم هذا الوطن، مع الإيمان الكامل بمقولة إن الأوطان لا تُبنى إلّا بسواعد المخلصين من أبناء الوطن، وعليهم بذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذا الهدف.

** خبير في الشؤون المالية

مقالات مشابهة

  • أسماء الناجحين في مسابقة عمال المساجد 2023 بـ20 محافظة.. روابط مباشرة
  • الحكومة تقلص حجم طلبات الاستثمارات غير المباشرة بمقدار 3 مليارات جنيه
  • خزفيات مروة زكريا تكشف ما وراء الإدراك بالجزيرة للفنون
  • غدا.. افتتاح معرض “الحدس” لـ مروة زكريا بمركز الجزيرة للفنون
  • الفكر والمعرفة والمجتمع وطريق التطور
  • "الحدس" معرض خزفيات لمروة زكريا يكشف ما وراء الإدراك بـ"الجزيرة للفنون"
  • دراسة تكشف كيف يؤثر المرور على الصحة العقلية
  • كيف يفرق القانون بين الجنحة المباشرة ومحضر الشرطة؟
  • قبل مناقشته بـ"النواب" الأحد المقبل.. ننشر فلسفة قانون الضمان الاجتماعي الجديد