الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات العامة

في عالمٍ باتت فيه المآسي البشرية مجرد أرقامٍ في نشرات الأخبار، يقف السودان اليوم على مفترق طرق. "مقترح" مائدة مستديرة تجمع قوات الدعم السريع، قوى الحرية والتغيير، والحكومة السودانية " الجيش"، هي فكرة "موزوزه" قد تبدو كحلمٍ بعيد المنال، في نظر ما حاق بالجيش من هدر كرامة من جهة وما حاق بالشعوب من طرد من الديار وإبادة واغتصاب وعودة الي جواري الجاهلية وسوق النخاسة.

ورغم هذا وذاك تترنح المعتقدات بين همز "النخبة" في التقسيم كمهر لوقف الحرب ولمز النصر العسكري الكاسح الذي يخفي معالمه قائد الجيش في ضبابية يعلم وحيها من يعلمه.

مآسي الحرب وندوبها العميقة
لا يمكن الحديث عن حلٍّ دون مواجهة إرث الحرب الذي أوجع السودانيين. مليشيا الدعم السريع التي حولت الخرطوم ومدناً أخرى إلى ساحات حرب، ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين. تقارير الأمم المتحدة ومجلس الأمن حافلة بوصف الفظائع، من اغتصاباتٍ جماعية إلى عمليات قتل جماعي، وصولاً إلى تهجير الآلاف من منازلهم. هذا النزف المستمر جعل من السودان مرادفاً للمعاناة الإنسانية في هذا القرن.
وفي المقابل، تقف الحرية والتغيير بمواقفها المتناقضة. تقاربها مع الدعم السريع، رغم خطابها المدني، يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية. فهي لم تكتفِ بمحاولات تحجيم الجيش، بل دعمت تدخلاتٍ دولية فتحت المجال لتأثيرات خارجية مشبوهة، أبرزها علاقة بعض قياداتها بالإمارات، التي يُتهم دورها بتعميق الانقسامات الداخلية

الجالسين على الطاولة: سيناريوهات الحوار
إذا جلس الجميع على الطاولة "خط المجتمع الدولي"، فإن أول ما يُثار هو موازين القوى. الدعم السريع سيحاول التمسك بمكاسبه على الأرض، بينما ستسعى الحرية والتغيير إلى فرض أجندة مدنية تُهمّش الجيش. أما الحكومة، فستقف في موقع المساومة بين الأطراف.
لكن المعضلة الأكبر هي غياب صوت الشعب. الأغلبية الصامتة التي تحملت وطأة الحرب ليست على الطاولة. وفي ذلك، تكمن نقطة الضعف الأكبر في أي اتفاق محتمل. فالمجتمع الدولي الذي طالما كان لاعباً رئيسياً عبر قرارات مجلس الأمن، والفيتو الروسي الذي عرقل تحركات لصالح الدعم السريع، لن يكون بديلاً عن إرادة شعبية حقيقية.

الاحتمالات: بين السلام الزائف والتغيير الحقيقي
• الجلوس إلى الطاولة “كمفروضة"
قد يُثمر عن اتفاق هش يقوم على تقاسم السلطة والمصالح بين الأطراف، دون معالجة امر تأسيس الدولة. سيظل الجيش مُحجّماً، والدعم السريع محتفظاً بنفوذه، والحرية والتغيير مكبلة بتوازنات داخلية وخارجية وتوجس الرفض الشعبي وتحفظات المفكرين.
• عدم الجلوس "كعنديه"
إذا استمرت الحرب هكذا دون حسم او منهج لاستسلام الدعم السريع، فإن السودان سيواجه خطر التفكك الكامل وهذا ما تطلبه "النخبة" لذلك كلما اغلق منفذ لمد الدعم السريع بالسلاح فتحت " النخبة" اخر، مما يؤدي الي توسع رقعة النزاع وارتفاع كلفة الأرواح والموارد. في هذه الحالة، ستتفاقم الأوضاع الإنسانية، وسيتحول السودان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي مفتوح على قدر ما تتحمل "مفاصل" الباب من سعة مرونة.
الحل: إشراك الشعب في معادلة التغيير
إن الحل يكمن في العودة إلى الشارع السوداني. فالأغلبية الصامتة ليست فقط ضحية، بل هي مفتاح السلام. لا يمكن لأي مائدة مستديرة "مفروضة" أن تنجح دون تمثيل حقيقي للمجتمع المدني، ولجان المقاومة، وكل من دفع ثمن هذه الحرب.
يجب أن يكون الشارع السوداني المحرك الرئيسي لأي حل. كما يجب أن يتم استدعاء التجارب السابقة، من مفاوضات السلام في جنوب السودان والتجربة الرواندية إلى تقارير الأمم المتحدة، التي أكدت مراراً أن الحلول المفروضة من الخارج مصيرها الفشل.
النهاية: الوطن أولاً وأخيراً
السودان ليس بحاجة إلى مزيد من الاتفاقيات الهشة أو التدخلات الخارجية المشبوهة. بل يحتاج إلى قيادة وطنية حقيقية تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. الجلوس إلى المائدة يجب أن يكون وسيلة لإنهاء الحرب بإرادة صوت الشعب وكتلته الحرجة، لا للحوار حول الكراسي والموارد الاقتصادية والإفلات من العقاب بدرق الوظيفة الدستورية وطول البندقية..
وفي كل هذا، يبقى السؤال الأكبر: هل سنشهد يوماً يُرفع فيه صوت الشعب فوق أصوات البنادق و "الكارتيلات"؟

quincysjones@hotmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

السودان: استشهاد 47 مدنيا وإصابة العشرات جراء قصف لمليشيا الدعم السريع على الفاشر

أعلنت الفرقة السادسة مشاة فى الفاشر عن استشهاد 47 مدنياً، وإصابة العشرات، نتيجة قصف مدفعى مكثف نفذته مليشيا الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

وأوضحت الفرقة في بيان اليوم الثلاثاء، وفقا لوكالة الأنباء السودانية «سونا» أن المليشيا مستمرة في استهداف المدنيين بشكل ممنهج، حيث استخدمت نحو 250 قذيفة مدفعية من عيار 120 ملم خلال قصفها على أحياء المدينة أمس الإثنين وأسفر ذلك عن مقتل 47 مدنياً، بينهم 10 نساء منهن 4 نساء تم حرقهن داخل منازلهن بالإضافة إلى 4 نساء قتلن في محور آخر، كما قتلت إمراتان أثناء التنقل، مشيرة إلى إصابة العشرات من المدنيين الذين تم نقلهم إلى المستشفيات، والمراكز الصحية لتلقي العلاج، ويأتي هذا القصف كرد فعل على الخسائر الكبيرة التي تكبدتها المليشيا خلال الأسبوعين الماضيين بسبب الهزائم المتتالية على يد القوات المسلحة.

في سياق متصل، نفذت القوات المسلحة ضربة نوعية ناجحة شمال المدينة، أدت إلى تدمير منصة مدافع تابعة للمليشيا، وتمثلت في مدفعين من عيار 120ملم، بجانب مدفعين من عيار 82 ملم، والتي كانت تستهدف المدنيين داخل أحياء المدينة، كما أسفرت العملية عن مقتل جميع عناصر طاقم المنصة، وعدد من العناصر المرافق.

وأشارت الفرقة إلى أن قوات من مؤخرة الفرقة 16 مشاة نيالا دربات، تمكنت أمس من مداهمة أوكار المليشيا وبعد تبادل للنيران الكثيفة، أسفرت عن مقتل 20 عنصراً وإصابة 14 آخرين، بينما فر الباقون هرباً إلى خارج المدينة، كما تم ضبط كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة يفوق عددها 100قطعة مختلفة.

اقرأ أيضاًالسودان على حافة الانقسام

عاجل| مقتل 8 من ميليشيا الدعم السريع في مواجهات عنيفة مع الجيش السوداني

نقيب الصحفيين السودانيين: مقتل 28 صحفيا منذ اندلاع الحرب

مقالات مشابهة

  • اتهامات للدعم السريع بقتل عشرات المدنيين بكردفان والبرهان يتوعدها
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 60 عنصراً من قوات الدعم السريع في الفاشر
  • مقتل عشرات المدنيين في مجزرة للدعم السريع بغرب كردفان
  • مساعد البرهان يبلغ مبعوث للامم المتحدة شروط توقف الحرب ضد الدعم السريع
  • الجيش السوداني: مقتل 60 عنصرا من "الدعم السريع" بهجوم على الفاشر  
  • الحرس الثوري الإيراني والدعم السريع نفس الملامح والشبه
  • الجيش السوداني يكشف عن هروب مفاجئ لقوة تتبع  لـ”الدعم السريع” من الفاشر 
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 47 مدنيا في قصف للدعم السريع استهدف الفاشر‎
  • السودان: استشهاد 47 مدنيا وإصابة العشرات جراء قصف لمليشيا الدعم السريع على الفاشر
  • “كمين المندرابة”.. الجيش السوداني يلقي القبض على قائد بقوات الدعم السريع وضباطه وجميع قواته