حكم ممارسة لعبة تحكي سيرة الرسول
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إنه يمكن للشخص ممارسة لعبة تحكي سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك جائز ولا حرج فيه، وليس فيها ما يُشبِه القمار؛ لأنها ليست على مالٍ يُقدَّم أصلًا، بل إن مبنى هذه اللعبة على التنافسِ المحمودِ في المعرفة والثقافة الإسلامية، كما أنها تتضمن تعليم المتسابقَين حبَّ الخير والعمل على إسعاد الغير.
وحرم الله تعالى القمار لِمَا فيه من المخاطرة في الحصول على المال عن طريق الغرَر، وهو التردُّد بين أمرين أغلبُهما أخوفُهما، فيكون المُقامِر دائرًا بين الغُرم والغُنْم؛ على حسب ما يأتي به حظُّه، والقمار نوع من الميسر المحرَّم شرعًا في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]، وجاء النصُّ موضحًا حكمة تحريمه في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 91].
حكم ممارسة لعبة تحكي سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وأكدت الإفتاء أن هذه الأمور التي بُنِيَ عليها القمارُ غيرُ متحقّقة في هذه اللعبة؛ لأنه بعد الاطّلاع على اللعبة المرفقة والنظر في طريقة لعبها، تبيَّن أنها تتمُّ بتوزيع أوراقٍ بقيَمٍ نقديةٍ على اللاعبين، حيث يجتمعون على رقعة من ورق الكرتون تحتوي على خانات يجتازها كلٌّ منهم ببطاقة صغيرة كرتونية ملونة بلونٍ يميزه عن الآخرين، وذلك عند إجابته على الأسئلة المدوَّنة على كروت اللعب والتي يقوم بطرحها أحد اللاعبين على التوالي، وهي أسئلة تدور حول سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعض هذه الخانات يحتوي على ربح أوراقٍ بقيَمٍ نقدية عند الإجابة على سؤالٍ مدوَّن في بطاقة ربحية خاصة يتضمن طلب إكمال حديث من الأحاديث النبوية الشريفة، وخلال سير اللاعبين عبر هذه الخانات يقومون بعمل ما يقابل أماكنهم من مشاريع خيرية مما هو مدوَّن على الرقعة؛ وذلك بدفع أوراقٍ بقيَمٍ نقديةٍ إلى خزينة اللعبة لتبني هذه المشاريع، ويقومون باستقبال تبرعات بقية اللاعبين لهذا المشروع، ويتم تحديد الفائز؛ وهو الذي ينشئ أكبر عدد من المشاريع في بابِهِ، وإن تساوَوا في عدد المشاريع فالفائز هو الذي يجمع أكبرَ قيمةٍ من التبرعات، ومن إجابته الصحيحة على البطاقات الربحية الخاصة.
فالمخاطرة التي قام عليها القمار في الحصول على المال لا وجود لها في هذه اللعبة؛ لأنها ليست على مالٍ يُقدَّم أصلًا، ومن ثمَّ فإنه لا يتحقق فيها توريثُ العداوة والبغضاء الذي هو حكمةُ تحريم القمار، ذلك أن مبنى هذه اللعبة على التنافسِ المحمودِ في المعرفة والثقافة الإسلامية، ولا تنافس فيها على مالٍ حقيقيٍ يؤدي إلى خسارةٍ أو غُرم لواحدٍ من اللاعبين، كما أنها تتضمن تعليم اللاعبين حبَّ الخير والعمل على إسعاد الغير، والقمار على غير ذلك؛ إذ إنه يؤدي إلى خسارة طرف على حساب طرف، ومبناه على شحِّ النفوس ومنافستها في الحصول على المال بأي وسيلة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: القمار دار الافتاء المصرية سيرة الرسول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم سیرة الرسول هذه اللعبة
إقرأ أيضاً:
صلاح بن البادية- سيرة رائد الحداثة الروحية في الأغنية السودانية
زهير عثمان
صوتٌ يرقص بين الروح والوطن
في فضاء الأغنية السودانية، حيث تتداخل الألحان الأفريقية مع الإيقاعات العربية، وتنحت الكلماتُ مشاعرَ الشعبِ بين ألمِ الحروبِ وبهجةِ الترابِ، يظلُّ اسم صلاح بن البادية علامةً فارقة. لم يكن مجردَ فنانٍ، بل كان ظاهرةً فنيةً جمعت بين العمقِ الروحيِّ والحداثةِ الفنيةِ، فخلقتْ لنفسها مسارًا خاصًا في ذاكرةِ السودانيين. رحلَ الجسدُ، لكن صوته ما زال يُردِّدُ في الأسماعِ: "سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ".
البدايات: من قرى الجزيرة إلى عرشِ الأغنيةِ
وُلد صلاح بن البادية في منطقة الدبيبة بولاية الجزيرة، حيثُ النيلُ ينسابُ بين الحقولِ الخضراءِ، وحيثُ تُورِقُ الأغاني الشعبيةُ كأشجارِ الطلحِ. نشأ في بيئةٍ تتنفسُ التصوفَ والمدائحَ النبويةَ، فتعلَّمَ من تراتيلِ الزوايا والصوفيةِ كيف تكون الموسيقى صلاةً. انتقلَ إلى أم درمان ليكملَ تعليمَه، وهناكَ بدأتْ موهبتهُ تتفجرُ بين جدرانِ المدارسِ والأحياءِ الشعبيةِ.
في ستينيات القرن الماضي، خطا أولى خطواته الفنية، حاملًا معه روحَ الريفِ السودانيِّ ونبضَ المدينةِ. لم يكن صوته مجردَ آلةٍ موسيقيةٍ، بل كان جسرًا بين التراثِ والحداثةِ، بين الفصحى والعاميةِ، بين الصوفيةِ والعاطفةِ الإنسانيةِ.
"سال من شعرها الذهب": حين يُولد اللحنُ من إيقاعِ القطارِ
لا يمكن ذكر صلاح بن البادية دون التوقف عند تحفته الخالدة "سال من شعرها الذهب"، التي كتبها الشاعرُ أبو آمنة حامد بلغةٍ فصيحةٍ نادرةٍ في الأغنية السودانية، ولحنها الموسيقارُ عبد اللطيف خضر الحاوي (ود الحاوي).
القصةُ التي حيكت حول اللحنِ تُجسِّدُ سحرَ الإبداعِ: في رحلةٍ بالقطارِ من بورتسودان إلى الخرطوم، استوحى ود الحاوي الإيقاعَ من دندنةِ عجلاتِ القطارِ، فسجلَّ اللحنَ على عجلٍ في منزل بن البادية فجرًا، خوفًا من أن يطيرَ الإلهامُ مع أولِ خيطِ شمسٍ.
الأغنيةُ، التي غناها بن البادية بصوتهِ الجهوريِّ الممزوجِ بالحنينِ، تحولت إلى أيقونةٍ. كلماتُها تصفُ جمالَ المرأةِ بلغةٍ شعريةٍ مدهشةٍ:
"سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ
كلما عبثتْ به نسمةٌ... ماجَ واضطربُ".
لكنها أيضًا كانت قصيدةً في حبِّ السودانِ، حيثُ الذهبُ رمزٌ لثراءِ الأرضِ، والنسيمُ إشارةٌ إلى شوقِ المغتربين.
الحداثة الروحية: حين يصيرُ الغناءُ ابتهالًا
تميز بن البادية بقدرتهِ على تحويلِ الأغنيةِ العاطفيةِ إلى تجربةٍ روحيةٍ. في أعمالٍ مثل "يا زهرة الروض الظليل" و"وا أسفاي"، مزجَ بين الغناءِ الصوفيِ والعاطفةِ الإنسانيةِ، فكان صوتهُ يُشبهُ الدعاءَ.
أسلوبُه اعتمد على:
الانتقاء الشعري الراقي: تعاون مع شعراء كبار مثل أبو آمنة حامد والتجاني حاج موسى، واختار قصائدَ تحملُ طبقاتٍ من المعنى.
التلحين الهادئ العميق: فضلَ الألحانَ التي تتنفسُ برويةٍ، كأنها تيارٌ نهرِيٌّ يلامسُ الشواطئَ.
الأداء المسرحيِّ الوقور: على المسرح، كان يرتدي الجلبابَ الأبيضَ، ويحركُ يديهِ كأنه يُناجي السماءَ.
أغنياتٌ صارت عيونًا: بصماتٌ لا تُنسى
من أبرز أعماله التي شكلت "عيون الأغنية السودانية":
"ليالي الخير": احتفاليةٌ بالأملِ، لحنٌ يرقصُ بين الفرحِ والطمأنينةِ.
"كسلا": قصيدةٌ في حبِّ المدينةِ، غناها وكأنها معشوقةٌ تستحقُ التمجيدَ.
"ردي النضارة": حوارٌ مع الذاتِ عن فقدانِ البراءةِ في زمنِ الحربِ.
في كلِّ أغنيةٍ، كان بن البادية يحفرُ في الذاكرةِ الجمعيةِ للسودانيينَ، ليتركَ نقشًا يقولُ: "هنا مرَّ فنانٌ رأى الجمالَ حتى في جراحِ الوطنِ".
الجدلُ الفنيُّ: عندما اختلفَ العمالقةُ
أثارتْ أغنيةُ "سال من شعرها الذهب" غضبَ الفنانِ الكبيرِ إبراهيم عوض، الذي اعتبر أن ود الحاوي كان يجب أن يمنحَ اللحنَ لهُ بعد تعاونهما الناجحِ في أغانٍ مثل "المصير". لكن التاريخَ أثبتَ أن اختيارَ ود الحاوي لبن البادية كانَ صائبًا، فقد حوّلَ الصوتُ القويُّ والروحُ التأمليةُ الأغنيةَ إلى تحفةٍ خالدةٍ.
الإرثُ: ما بعد الرحيلِ
رحل صلاح بن البادية تاركًا وراءه إرثًا غنائيًا يُدرسُ في كلياتِ الموسيقى، وصوتًا ما زالَ يُعيدُ للسودانيينَ ذكرياتِ زمنٍ كان الفنُّ فيهِ رسالةً وليسَ سلعةً. اليومَ، تُعيدُ الأجيالُ الجديدةُ اكتشافَ أغانيهِ، لا كتراثٍ فحسب، بل كدليلٍ على أن الفنَّ الحقيقيَّ لا يموتُ.
في زمنِ الانقساماتِ، يظلُّ بن البادية رمزًا لوحدةِ السودانِ الثقافيةِ، حيثُ لا فرقَ بين شمالٍ وجنوبٍ، إلا في تنوعِ الإيقاعاتِ التي تجتمعُ تحتَ سماءِ أغانيهِ.
النغمةُ التي صارتْ ترابًا
عندما يُذكر صلاح بن البادية، يُذكر السودانُ بكلِّ تناقضاتِه: جمالُ الأرضِ وقسوةُ الحروبِ، غنى الثقافةِ وفقرُ السياسةِ. كانَ صوتُه مرآةً لهذا التناقضِ، لكنه اختارَ أن يُغني للجمالِ رغمَ الجراحِ. اليومَ، وبعد رحيلِه، صارتْ أغانيهِ جزءًا من ترابِ السودانِ، تُنبِتُ كلما مرَّ عليها مطرُ الذاكرةِ.
رحم الله صلاح بن البادية، فقد كان نغمةً صادقةً في سماءِ الفنِّ السودانيِّ.
zuhair.osman@aol.com