أم يونس واليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
د.أحمد بن سعد آل مفرح*
عاشت أم يونس معلمة في المملكة العربية السعودية قبل أربعة عقود، وتمكنت مع زوجها من تأمين أرض لهم في غزة بنو عليها بيت العمر كما يقال، وبنو المنزل طوبة بعد أخرى، وأكملوا التشطيب والدهان خلال سنوات كد طوال حتى انتهى البناء، وحل السلام الهش في غزة بعد توقيع معاهدة السلام الخجولة في أوسلوا، وفرح بها الكثير من الفلسطينيين والمسلمين رغبة في سلام حقيقي، اعتقاداً منهم أن المعاهدة -حسب الاتفاق- سوف تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومؤسسات حكومة، ويحصل الفلسطينيون على جوازات سفر وطنية مستحقة، ومطار ومنفذ بحري رسمي، وتكتمل الخطة بحلول السلام الشامل في فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية.
وتحقيقاً لذلك الحلم، تركت أم يونس العمل وعادت كغيرها إلى فلسطين بشوق بالغ وسرور، لتضع أعباء السفر وأثقال سنين الاغتراب، وتبدأ حياة كريمة في وطنها العزيز.
أخبار قد تهمك الجامعة العربية تطالب مجلس الأمن بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني 2 نوفمبر 2024 - 2:16 مساءً السعودية لم تقصر .. أنتم المقصرون .. وأنتم المسؤولون ! 19 يونيو 2024 - 1:03 مساءًعادت وتزوج البنين والبنات وأنجبوا وعاشوا فترة، ولكنه لم يطُل أمد السلام خلالها، وتقلبت الأحوال، وبدأت دولة الاحتلال بالتنصل عن المعاهدات، ونقضت العهود، كما هي عادة اليهود في كل زمان ومكان، وتفجرت الأوضاع في القطاع وغزة والقدس المحتلة، وأُغلقت المعابر، وتم تجويع السكان الفلسطينيين، وضُيّق عليهم الخناق في ظروف معيشية صعبة، فثاروا وتواجهوا من جديد مع المحتل، فقُتل أزواج البنات وغيرهم من الشباب، وأخرين أودعوا في السجون، وفُصلت غزة بجدار العنصرية المقيتة، وهُدمت المنازل واُحتل بعضها وتشتت الأسر من جديد وتشردت في كل ناحية.
وضمت أم يونس بناتها الأراملُ الثلاث، والأولاد الأيتام تحت كنفها وجناحها المكسور، وتوقفت مصادر الدخل، ونال أم يونس، ومئات الآلاف من أمثالها في فلسطين المحتلة، ما نالهم من النصب والجوع والفقر والحرمان، وخذلهم الأقربون قبل غيرهم.
تواصلت أم عماد مع من ضمهم يوماً مدرسة واحدة وسكنوا، حياً واحداً، وتحلقوا حول صحن طعام واحد، لم ينسوا العشرة الممتدة لعقود، هبوا للمساعدة والدعم بكل وسيلة لمساندة الجدة أم يونس وأحفادها وأسرتها الكبيرة التي تعيش في مسكن لا يليق بها لا حجماً ولا تأهيلاً، نجحوا في تأمين شقة سكنية مناسبة لهم،وهذا عطاء وفضل ساقه الله، فشكرا لله المنعم والمعطي سبحانه وتعالى.
سُرّت أم يونس وسابقت دموع الفرح والسرور عبارت الثناء والدعاء لأولئك الصحب الذين لم ينسوا عشرة وحب أم يونس وأمثالها، كيف ينسون وهم قد رضعوا حب الأقصى والقدس مع حليب أمهاتهم، وكانوا يوفرون من مخصصهم اليومي المبلغ اليسير ليتمكنوا كل شهر من شراء قسيمة ريال فلسطين حباً في فلسطين وأهلها، فحب المسجد الأقصى ليس نافلة أو عاطفة أو حمية، إن حبه دين، والذود عنه وعن فلسطين واجب شرعي.
فرحت أم يونس بتلك الوقفة الأخوية أشد الفرح، وحين دلفت إلى السكن الجديد في بناية حديثة في وسط غزة زاد فرحها، أملاً أنه قد أنتهت سنوات العناء والكبد، ولكن شهر العسل في السكن الجديد لم يدم طويلاً وهاهو يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يبدأ، فالعدو الصهيوني عاد لنشر الفوضى والذعر والدمار وأباد غزة عن بكرة أبيها، أباد مؤسساتها وأهلها وذكرياتهم ومكتسباتهم وفاقم من معاناة أهلها، فشتت قوات الاحتلال اجتماع الأحياء ودفنت الأموات تحت الأنقاض، وهرع الناجون والجرحى والثكلى للخروج والالتجاء إلى المستشفيات وغيرها من المؤسسات المدنية التي لا تقصف في الحروب وفقاً للمواثيق والمعاهدات الدولية، لكنها هي الأخرى قصفت ودمرت، ثم اتجه الناجون إلى مستشفيات أخرى وإلى المدراس ومحيط مراكز خدمات منظمة الأنروا، فدمرت هي الأخرى، وأقفلت الأنروا وألغي نشاطها!، ثم أُجبر السكان على النزوح الأخير إلى الفلاة، ففقدت أم يونس ومئات الآلاف من الفلسطينيين المزيد من أفراد أسرهم، وشردوا من جديد، دون مأوى ولا طعام ولا اتصال، وهم اليوم في العراء لا سقف يظلهم ولا كريم يحملهم ولا عزيز ينصرهم، ولم يبقى لهم إلا الالتجاء إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نعيش هذه الأيام الاحتفاء باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي أقرته الأمم المتحدة في عام ١٩٧٨م، ويبدو أن الاحتفاء بهذا اليوم هو أقصى ما يمكن أن تقوم به المنظمة الأممية في مواجهة ما يحدث في فلسطين من إبادة جماعية مع الأسف..!، وإلا فما هي آليات الأمم المتحدة في فرض عقوبات دولية حقيقية على الكيان الصهيوني المحتل؟.
وفي ظني أنه لا مناص من أن يتولى العرب والمسلمين زمام الأمر بأيديهم ويقفون صفاً واحداً وراء جهود المملكة العربية السعودية المتمثلة في الحصول على الحقوق المشروعة للفلسطينيين، فلا تطبيع ولا اعتراف بالكيان الصهيوني ولا تبادل اقتصادي ولا ثقافي معه إلا بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين، ولنترك جانباً تقاذف التهم وتصفية الحسابات والمزايدات ورفع الشعارات الجوفاء على حساب الشعب الفلسطيني المكلوم.
وختاماً.. فلقد ذكرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بشرط النصر على الأعداء، حيث قال تعالى : “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”، فعلينا أولاً مراجعة أنفسنا والإنابة إلى الله بقلوبنا والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه ونبشرُ حينها بالنصر الذي أوعدنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
*عضو مجلس الشورى السعودي السابق
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: الشعب الفلسطيني مقال الشعب الفلسطینی فی فلسطین أم یونس
إقرأ أيضاً:
خبراء: قرار محكمة العدل الدولية المرتقب بشأن فلسطين سيختبر النظام العالمي
في حين يترقب العالم قرار محكمة العدل الدولية بشأن الحرب على قطاع غزة، يقول خبراء إن إسرائيل لم تعد تبالي بالقانون الدولي ولا بالقرارات الصادرة عن هذه المؤسسات، في حين يقول آخرون إن هذه القرارات ستؤثر على السردية الإسرائيلية، مؤكدين أنها ستكون أكثر تأثيرا لو تحرك العالم لتطبيقها.
واستجابة لطلب قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر العام الماضي، بدأت محكمة العدل في لاهاي اليوم الاثنين جلسات علنية للنظر في التزامات تل أبيب القانونية تجاه الفلسطينيين بعد أكثر من 50 يوما على فرضها حصارا شاملا على دخول المساعدات إلى غزة.
ومن المقرر أن تستعرض المحكمة على مدى أسبوع مرافعات خطية وشفوية، تقدمت بها عدة دول ومنظمات دولية، بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية.
تطبيق القرارات
ورغم أهمية القرار المرتقب من أهم محكمة في العالم، فإن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي يرى أن تطبيق الدول لقرار المحكمة هو المهم وليس مجرد صدوره.
وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، لفت البرغوثي إلى أن محكمة العدل أدلت برأي استشاري سابق قالت فيه إن الاحتلال القائم لفلسطين لا بد أن ينتهي، ودعت لإنهاء ما يتعرض له الفلسطينيون على يد إسرائيل، غير أن الدول لم تطبق هذا الرأي.
إعلانكما أن الموقف الدولي الحالي لا يعكس استعدادا من الدول الغربية تحديدا لتطبيق أي قرارات جديدة تصدر عن المؤسسات الدولية، برأي البرغوثي، الذي أكد أن كل القرارات "لن تحدث أثرا دون تطبيق الدول لها".
واتفق المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس، مع رأي البرغوثي، بقوله إن قرار المحكمة سيكون مهما من الناحية الأخلاقية لكن الدول هي المخولة بتنفيذه وليست المحكمة.
ويعتقد نايس أن القانون الدولي "يخضع لاختبار حقيقي لأنه مطالب بإصدار قرار يدين إسرائيل بقوة لإجبار الدول على تطبيقه، وإلا فلن يكون هناك قانون وستفعل الدول ما تريده بطريقة إجرامية".
لذلك، يقول نايس إن العدالة البطيئة محبطة وإن العالم ينتظر قرارات ستنقسم الدول بشأنها لأن الولايات المتحدة والمجر مثلا تريدان عالما بلا قانون.
ومع ذلك، فإن سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه، "كان منفرا بشكل كبير بحيث أدرك العالم أن عليه التحرك بعيدا عنه"، كما يقول نايس.
ومن هذا المنطلق، فإن الأمل حاليا -برأي نايس- يكمن في قدرة الدول على مواجهة الولايات المتحدة بحقيقة أنها مخطئة في موقفها من قرارات المؤسسات الدولية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، لكن السؤال المهم حاليا، كما يقول المتحدث، هو: "هل بلد مثل بريطانيا التي عرفت تاريخيا بتبعيتها السياسية لأميركا تمتلك شجاعة القيام بهذا الأمر؟".
وخلص المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، إلى أن هناك بارقة أمل في أن القوة المنحدرة لأميركا "ستدفع الدول الأخرى لاتخاذ مواقف أفضل لعزل الموقف الأميركي المجري".
وربما يعطي إطلاق سراح بقية الأسرى الإسرائيليين -برأي نايس- مبررا لبعض الدول كي تحاسب إسرائيل على أي فعل تقوم به بعد استعادة أسراها، وقد يصل الأمر لطردها من الأمم المتحدة.
إعلان
قلق وغطرسة إسرائيلية
في المقابل، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل تقلق من تداعيات ما يجري في المؤسسات القانونية الدولية لأنه ينال من سمعتها وقد ينهي سردية الضحية التي استفادت منها على مدار عقود، لكنها في الوقت نفسه تعيش حالة غير مسبوقة من الغطرسة واحتقار القوانين الدولية.
والدليل على ذلك برأي مصطفى أنها حضرت أمام الجنائية الدولية قبل عام ولم تحضر اليوم أمام محكمة العدل، مما يعني أنها لا تتعامل مع أي قرار سيصدر عنها بجدية.
والأخطر من هذا برأي المتحدث، أن المحكمة العليا الإسرائيلية التي تعتبر حامية لليبرالية أصدت قرارا في مارس/آذار الماضي، يقر عدم إدخال المساعدات لقطاع غزة، مما يعني أننا إزاء دولة تعاند القانون الدولي بكل مؤسساتها العسكرية والسياسية والقضائية.
وإلى جانب ذلك، فإن إسرائيل بشكل عام تقف صفا واحدا عندما تكون في مواجهة مؤسسة دولية وهو ما حدث عندما أصدرت الجنائية الدولية قرارات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، كما يقول مصطفى.
وليس أدل على هذا من أن التحريض على إبادة سكان القطاع أصبح أكبر مما كان عليه قبل عام من الآن عندما طالبت الجنائية الدولية حكومة إسرائيل بمنع كل هذه الدعوات، حسب مصطفى.
فقد أكد المتحدث أن عضو الكنيست عن حزب الليكود موشي سعدة قال مؤخرا إن تجويع أهل غزة أمر أخلاقي، كما طالب كوبي بيرتس -وهو أحد أشهر المغنين في إسرائيل- بقتل كل سكان غزة من الطفل إلى العجوز، وتم وضع هذا التصريح في واجهة يديعوت أحرونوت كخبر عادي، كما يقول مصطفى.
ومع ذلك، يعتقد البرغوثي أن صدور قرار من العدل الدولية باعتبار ما يحدث في غزة إبادة جماعية سيؤثر بشكل ما على هذه الغطرسة الإسرائيلية، خصوصا وأن آخر الاستطلاعات "تظهر تأييد غالبية الأميركيين للفلسطينيين لأول مرة في التاريخ".
إعلانوخلص المتحدث إلى أن الأمم المتحدة هي التي طلبت رأي "العدل الدولية"، مما يعني أنه سيكون رأيا له قوة القانون، ويجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن تنفيذه، وإلا فسيتم تدمير المنظومة الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كامل.
وتأتي جلسات محكمة العدل الدولية في وقت يشرف فيه نظام المساعدات الإنسانية في غزة على الانهيار، بعد أن حظرت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والدواء وسائر الإمدادات الإنسانية منذ مطلع مارس/آذار الماضي.