كيف تحولت انتكاسات حزب الله وإيران إلى كارثة على سوريا؟
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
استغرق النظام السوري وداعموه، إيران، وروسيا، وحزب الله، أكثر من أربعة أعوام، لطرد الفصائل المتمردة من حلب، ثاني أكبر مدينة سورية. في ذلك 2016، احتفلوا بهذا النصر باعتباره نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية.
سيُظهر القتال في الأيام المقبلة إذا كان الجيش السوري قادراً على إعادة تجميع صفوفه وشن هجوم مضاد، أو أنه سيواصل الانسحاب الفوضوي
ولكن هجوماً مفاجئاً للفصائل على حلب أتاح لها في غضون أيام قليلة، إعادة احتلال المدينة، بما فيها أجزاء من لم يتسلمها الجيش السوري من قبل.وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن هذا التطور المذهل هو النتيجة المباشرة للحروب الجديدة التي اندلعت خارج حدود سوريا.
وقال أندرو تابلر، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والذي شغل منصب مدير سوريا في البيت الأبيض في عهد ترامب: "إنه تحول تكتوني. تدخلت القوى الإقليمية والدولية في سوريا منذ أكثر من عقد، والآن تتجمع صراعات أوكرانيا وغزة ولبنان وتتداخل في حلب".
وينشغل حزب الله، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والنظام الإيراني حالياً بصراعات تهدد بقاءهم حيث أن سوريا مجرد عرض جانبي في أفضل الاحوال. وتقول الصحيفة إنه بدرجات متفاوتة تعرضت هذه الدول الثلاث لضربات استراتيجية في حين استغلت تركيا الداعم الرئيسي للمتمردين السوريين، هذه الاضطرابات.
8/17 In Syria, Assad's forces, heavily reliant on russia, iran, and iran's proxies, are struggling against an HTS offensive that they have not yet been able to halt. russia lacks the capacity to intervene significantly, as its focus remains on Ukraine. pic.twitter.com/iZ0AwbVmSR
— Joni Askola (@joni_askola) November 29, 2024وقالت اسلي ايدينتاشباش وهي خبيرة في الشؤون التركية في مؤسسة بروكينغز: "لقد ضعفت روسيا وأُضعفت ايران وهزم حزب الله وكل هذا خلق فرصة هائلة لتركيا فسارعت إلى اغتنامها".
على أقل تقدير فإن التطورات الاخيرة ستوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا وهي مشكلة سياسية كبيرة هناك. وبناءً على تطورات القتال في الأسابيع والأشهر المقبلة، فإن سقوط حلب، قد يمنح أنقرة أيضاً دوراً مهيمناً في مستقبل سوريا، وهو ليس بالضرورة احتمالًا قد ترحب به إسرائيل.
وبذل الرئيس السوري بشار الأسد قصارى جهده للحفاظ على حياد سوريا منذ تحول هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى حرب إقليمية بين إسرائيل، وإيران ووكلائها. ومع ذلك، فإن هذه المناورة لم تمنع نظام الأسد من التورط في الدوامة التي تعيد تشكيل الشرق الأوسط.
It had taken #Syria and its backers—#Iran, #Russia and #Hezbollah—more than four years to dislodge rebel forces from the country’s second-largest city of Aleppo. Now, a surprise rebel offensive has recaptured Aleppo in just a few days.https://t.co/Gu6xZ81nf2
— Jason Brodsky (@JasonMBrodsky) November 30, 2024وترى الصحيفة أن سقوط حلب ليلة الجمعة، والذي أشيد به باعتباره معجزة في مقاطع فيديو نُشرت من قلعة حلب القديمة، تجاوزت توقعات المتمردين بقيادة الإسلاميين الأكثر جنوناً. والآن، بعد انهيار جيش النظام أو فراره، تجري هجمات أخرى. وسيُظهر القتال في الأيام المقبلة إذا كان الجيش السوري قادراً على إعادة تجميع صفوفه وشن هجوم مضاد، أو أنه سيواصل الانسحاب الفوضوي من المراكز السكانية الرئيسية الأخرى.
وتؤكد "وول ستريت جورنال" أن العامل الأكثر أهمية وراء خسارة الأسد لحلب هو الهزيمة التي ألحقتها إسرائيل بحزب الله.
وكانت للحزب أكثر قوات المشاة كفاءة في القتال نيابة عن الجيش السوري، وكان أداة فعالة في ردع مكاسب المتمردين السوريين في الماضي.
ولكن في أكتوبر(تشرين الأول) من العام الماضي، ارتكب زعيم حزب الله حسن نصر الله خطأ استراتيجياً، عندما انضم إلى الحرب ضد إسرائيل التي بدأتها حماس. وبينما أعادت الميليشيا اللبنانية نشر أسلحتها وقواتها من سوريا لمحاربة إسرائيل، في ما اعتقدت أنها ستكون حملة مدروسة بعناية، عانت من كارثة عسكرية.
ويقول نوار شعبان، الباحث في الشؤون السورية في مركز هرمون للدراسات المعاصرة في اسطنبول: "خلق هذا فراغًا هائلا. رغم وجود القوات السورية في حلب، إلا أنها لم تكن مدربة، وكانت تفتقر إلى الانضباط العسكري والتكتيكات وحتى خطة انسحابها كانت كارثية".
منذ بداية حرب غزة، فقدت إيران أيضا بعض كبار قادة الحرس الثوري في سوريا ولبنان، بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية. وبدل إظهار القوة، أدى انتقام إيران من إسرائيل، أول تبادل مباشر للصواريخ بين البلدين، إلى قصف إسرائيل للدفاعات الجوية الإيرانية، ومرافق إنتاج الأسلحة. كانت هذه ضربة للقوة العسكرية والهيبة السياسية لطهران على حد سواء.
أما روسيا، فأعلنت التدخل في 2015 لإنقاذ الحكومة السورية باعتباره انتصاراً جيوسياسياً كبيراً حل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة الوحيدة في الشرق الأوسط. ثم جاء غزو أوكرانيا في 2022، والذي تحول من نصر سريع توقعه بوتين إلى حرب استنزاف دموية. فقد تكبدت القوات الروسية النظامية مئات آلاف الضحايا وفقدت عدة آلاف من الدبابات والمركبات القتالية، منذ ذلك الحين. كما دُمرت مجموعة فاغنر شبه العسكرية، التي لعبت دوراً حاسماً في سوريا، وقتلت قيادتها في أعقاب الانقلاب الفاشل، ضد بوتن في العام الماضي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله يوم الشهيد غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية حلب الجیش السوری حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل ستحبني إن تحولتُ لحشرة؟
قد يكون العنوان أعلاه سؤالاً طريفاً من أحد أفلام الروم-كوم الأمريكية، ولكن فرانز كافكا في روايته "التحول" التي ما زالت تلامس الكثيرين بعد ما يقارب الـ 100 عام من وفاته يناقش هذه الفكرة وغيرها من الأفكار المقلقة والملحّة التي تراودنا جميعاً في حياتنا اليومية. في أول مرة قرأت هذه الرواية أنهيتها وسط استغراب وصدمة أحداثها التي انتهت بسرعة وبقوة، وأدهشني طرح كافكا الفريد والجريء في مواجهة المشاعر الإنسانية العارية.
ظلت أحداث الرواية تتردد في ذهني لعدة سنوات ولطالما استحضرتها في مواقف حياتية مختلفة، حيث أصبحت تلامسني رغم اختلاف الموقف، وزاويتي من الحدث.
تبدأ الرواية باستيقاظ جريجور سامسا مندوب المبيعات المتجول يوماً ما ليجد نفسه قد تحوّل إلى حشرة عملاقة، ولكنه لا ينصدم بل يقلق بشأن وصوله إلى العمل في الوقت المناسب خوفاً من طرده من العمل وخذلانه لعائلته التي تعتمد عليه لإعالتها، ووسط استغراب عائلته وخوفهم، يحاول جريجور التأقلم مع كونه حشرة وفقدانه للقدرة على الكلام وبالتالي طمئنة عائلته ورب عمله.
تناقش الرواية بعداً مجتمعياً حيث يفشل جريجور في تأدية دوره المجتمعي تجاه عائلته مما يشعره بالكثير من الخزي والعار، فجريجور الذي كان يكسب احترام عائلته بإعالته لهم وسداد دين والده الكبير في السن بعد مشروعه الفاشل، أصبح مسخاً مخيفاً لا يغادر غرفته، شيئاً فشيئاً يلاحظ بعقله الذي ما زال بشرياً إقصاءهم له ونكرانهم لكل السنين التي بذلها في خدمتهم، حتى إنه يتذكر تقديرهم له وشكرهم حينما بدأ وظيفته، ولكن سرعان ما اعتادوا على استقبال دعمه المادي بغير اكتراث.
جريجور كان حبيساً لدور اتخذه بغير اختيار وحياة لم يعشها ودين لم يصرفه.
فكثيرٌ منا نتخذ أدواراً فرضها علينا المجتمع أو فرضناها على أنفسنا، ولكنها قد تكون مصدراً لجميع آلامنا.
ولكن أول فكرة طرحتها الرواية هي تجريد الإنسان من إنسانيته، فحينما تحول جريجور إلى حشرة تنفرت عائلته ورب عمله منه حتى أنه أغُلق عليه في غرفته وأصبحت تجلب له أخته التي يعدها المقربة والأحن إليه الطعام وتنظف له غرفته، توقف الجميع عن مخاطبته مباشرة وصار ذِكره يملؤهم بالقرف والاشمئزاز، لم ينظر أحدٌ في عينيه. كرهته عائلته بغير ذنبٍ منه، مما يجعلني أفكر كيف هو من السهل كره أحدهم عند نزع إنسانيته منه، تُذكرني الفكرة بحلقة من المسلسل المشهور "مرآه سوداء" والتي ناقشت حدوث حرب كان فيها محاربو أحد الأطراف يتعرضون لبرمجة دماغية تجعلهم يرون جنود العدو على شكل حشرات متوحشة بالتالي إبادتهم بسهولة بدون إعادة تفكير.
وكم في حياتنا جردنا آخرين من إنسانيتهم عند اختلافهم عنا، وأصبح انتقادهم اللاذع وإقصائهم سهلاً لاختلاف فكرهم أو لبسهم أو طريقتهم في العيش.
وكم تعرضنا للإقصاء في حياتنا للأسباب نفسها، يقول سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، "يتحول في بعض الأحيان الخوف المكبوت إلى غضب، حيث يعبر الشخص عن خوفه بطريقة عدوانية بدلًا من مواجهته بوعي" فعائلة جريجور كانت تكبت خوفها منه وخوفها من المجتمع ومن أن يحدث لهم ما حدث له، حتى أخته توقفت عن الاهتمام به وتحول حنانها إلى قسوة وغضب، وكان غضب الأب أكبر وغير مبرر حتى أنه أصبح يقذف جريجور بالأشياء لإبعاده حتى استقرت تفاحة قذفها الأب بغضب في ظهر جريجور والتي أدت في النهاية لموته.
وهنا أعرج إلى فرانز كافكا، متسائلة هل "التحول" تعكس شخصيته، لأجد في عدة مصادر أنه قد عاش تحت تسلط واستبداد وتقزيم والده الذي سبب له صدماتٍ كثيرة منذ طفولته، حيث لم يرض والده عن أي شيء فعله كافكا أو قاله، لم يرض حتى عن شكله وجسمه، حيث قال كافكا في رسالته إلى الوالد التي كتبها في عمر 36 قبل 4 سنوات من وفاته: "لقد كنتُ في حيرة من أمري على الدوام، فإما أن أطيع أوامرك، وهذا كان عاراً إذا لم تكن هذه الأوامر تنطبق علي، وإما أن أكون معانداً"، بالتالي نشأ بسبب هذه التربية قَلِقاً خائفاً عديم الثقة في نفسه والآخرين وبالأخص السلطة ما يبرز في روايته "المحاكمة".
بقي نوع الحشرة التي تحولها جريجور غامضاً وذلك بسبب صراع الهوية الذي لطالما عانى منه كافكا فيعكس الوالدان صورتنا عن أنفسنا في طفولتنا، أما كافكا صورته الذاتية ضائعة ومشوهة وانمساخه إلى حشرة لم يكن خيالاً بعيداً عن الواقع بل واقعاً استقاه من فم والده. "أنت خلف كل كتاباتي، لقد قلت فيها ما لا أستطيع قوله، وأنا على صدرك". ويصنف البعض رسالته إلى الوالد أعظم رسالة في التاريخ لأنها تسلط الضوء على تأثير الوصاية المبنية على الترهيب في العائلة والعمل والمجتمع والدولة على الفرد.
وأعود إلى بداية المقال، حينما أشرتُ إلى أن أعمال كافكا لا زالت تلامس الكثيرين، وهذه المعلومة إنما وردت في نقاش حول أعماله، ومن خلال بحثي عن كافكا لاحظتُ انتشار شعبيته في الآونة الأخيرة لدى الجيل زد (1996-2010) بشكلٍ مفاجئ، حيث رصد التيك توك 139 مليون مشاهدة لمحتوى تحت هاشتاج كافكا في عام 2023، وبعد التفكير لم أستغرب انتشاره لديهم، فقد ناقش كافكا في كل أعماله قسرة القلق الوجودي، والوحدة، وانعزالية الحياة العصرية وقلة الحيلة تجاه متطلبات العالم الرأسمالي وهو ما يقلق كاهل كل الأجيال الجديدة، هناك صراع بين تحقيق أهداف المجتمع (التطور الوظيفي، الزواج وتملك العقار) التي أصبحت أحلام صعبة التحقيق في عصرنا الحالي، وتحقيق الذات.
وعلى الرغم من سوداوية أعماله، إلا أنها تتصف بكوميديا سوداء صريحة وعبثية مشابهة جداً للحس الفكاهي لدى الجيل زد.
وبعد 100 عام على موته ما زال يعد من الأدباء الأكثر قراءة في العالم "إن مصير عمل كافكا وربما عظمته، هو أنه يقدم كل شيء ولا يؤكد شيئاً" هذا ما قاله ألبير كامو، أما أنت هل ستستمر في حب المقربين لديك إن تحولوا فجأة لحشرة؟