لماذا انسحب الجيش السوري من حلب؟ .. أصابع أردوغان و إيران تتّهم و إسرائيل تستعرض والعراق لا يُريد التدخّل!
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
سرايا - مشهدٌ غامض، انسحابٌ مُريب، وصورةٌ تتبدّل في المشهد السوري، حلب لم تعد تحت سيطرة الدولة السورية، وسيطرت عليها الفصائل المسلحة المُعارضة (هيئة تحرير الشام) رسميًّا ضمن معركة أسمتها “ردع العدوان”، بشكلٍ سريع ومُتسارع دون مُقاومة، أثار معه تساؤلاتٍ بالجُملة، أوّلها عن أسباب هذا التوقيت الهجومي، ومن يقف خلفه!
مشهدٌ صادم وتساؤلات!
الجيش العربي السوري أقرّ من جهته بسُقوط حلب، ومعها إدلب، لكن لماذا سقطت حلب بهذه السرعة، ولماذا قرّر الجيش السوري الانسحاب، وعدم القتال نهائيًّا، أو ما جرى وصفه بالانسحاب الآمن، ما أظهر المشهد وكأن حلب جرى تسليمها للمُعارضة المسلحة، حيث أظهرت مشاهد مُصوّرة انسحاب الجيش السوري، وجنوده، وسيطرة المسلحين على مباني الدولة الرسمية، وإنزال العلم السوري، واستبداله بالعلم السوري المُزيّف، ومعه إزالة صورة الرئيس السوري بشار الأسد عن الواجهات الرسمية، في مشهدٍ أعاد للأذهان الأيّام الأولى لما عُرف باسم “الثورة” و”الربيع العربي”.
وأظهرت مقاطع فيديو من حلب ساحة سعد الله الجابري وقد وصل إليها مقاتلون يرتدون ملابس عسكرية، ويرفعون علم المعارضة السورية ويصرخون “الله أكبر”، كما ظهر مقاتلو الفصائل في قلعة حلب التاريخية، والجامع الأموي، كما أعلنت المعارضة المسلحة سيطرتها على مبنى محافظة حلب والقصر البلدي ومقر قيادة الشرطة وقلعة حلب وجامعة حلب وسط المدينة.
المُعارضة تفرض حظرها.. والجيش السوري يُفسّر عدم قتاله!
وفي ظل غياب السلطات الرسمية عن المدينة، أعلنت فصائل مسلحة في سوريا، السبت، فرض حظر شامل للتجوال في مدينة حلب، بعد إحكام سيطرتها عليها وذكرت الفصائل في بيان، على أن حظر التجوال يبدأ في مدينة حلب من الساعة الخامسة مساء السبت حتى الخامسة مساء الأحد.
يُجيب الجيش السوري على تساؤلات انسحابه من حلب وعدم قتاله الدفاعيّ عنها لعلّه في بيان أصدره السبت، قال فيه إنه يستعد لتنفيذ “هُجوم مُضاد” على الفصائل المسلحة التي استولت على مدينتيّ حلب وإدلب.
يشرح الجيش السوري أكثر، ويقول إنه بانتظار استكمال وصول التعزيزات العسكرية وتوزيعها على محاور القتال في حلب وإدلب.
ويُلخّص الإجابة على انسحابه الجدلي بين السوريين من حلب دون قتال بقوله إن الانسحاب التكتيكي الذي اتّخذته “إجراء مؤقت” وأنه “سيعمل بكل الوسائل الممكنة على ضمان أمن وسلامة أهلنا في مدينة حلب”.
ويُشدّد الجيش السوري على خوضه القتال: “خاضت قواتنا المسلحة ضدها معارك شرسة في مختلف نقاط الاشتباك الممتدة على شريط يتجاوز 100 كم لوقف تقدمها، وارتقى خلال المعارك العشرات من رجال قواتنا المسلحة شهداء وأصيب آخرون”.
وأضاف جيش سورية: “إن الأعداد الكبيرة للإرهابيين وتعدّد جبهات الاشتباك دفعت بقواتنا المسلحة إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع بغية امتصاص الهجوم، والمحافظة على أرواح المدنيين والجنود، والتحضير لهجوم مضاد”.
وتابع الجيش السوري في إشارة إلى استمرار التصعيد العسكري المُفاجئ ضدّه قائلًا: “ومع استمرار تدفّق الإرهابيين عبر الحدود الشمالية وتكثيف الدعم العسكري والتقني لهم، تمكّنت التنظيمات الإرهابية خلال الساعات الماضية من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب دون أن تتمكن من تثبيت نقاط تمركز لها بفعل استمرار توجيه قواتنا المسلحة لضربات مركزة وقوية”.
تركيا الرسمية غير مُنخرطة.. وضوء أخضر!
التساؤل العريض الذي يلي جدل أسباب سُقوط حلب، هو عن الجهة التي تقف خلف هذا التصعيد، تبدو تركيا في الواجهة هي الأكثر تورّطًا، فالفصائل المسلحة المدعومة من قبلها، لا يُمكن لها التحرّك من دون ضوء أخضر تركي، فاتفاق خفض التصعيد بين روسيا وتركيا الذي جرى إقراره مُنذ العام 2020 أوقف الصراع العسكري في سورية، وعودته قد تعني بأن تركيا قد قرّرت التخلّي عن هذا الاتفاق، أو أنها فقدت السيطرة على “فصائلها” التي للمُفارقة تمتلك كما قالت وزارة الدفاع السورية أسلحة متوسطة، وطيران مُسيّر، فكيف حصلت هذه الفصائل “فجأةً” على هذه الأسلحة، وهذا التدريب، يتساءل السوريون.
في السياق الرسمي، يؤكد بدوره وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن بلاده غير مُنخرطة في الصراع الدائر في محافظة حلب السورية، لكنّها ستّتخذ خطوات احتياطية في هذا الصدد، وأوضح فيدان خلال افتتاح جلسة بعنوان “الحرب والنظام” أن “تركيا في وسط هذه الحروب، وفي هذه الجغرافيا الهشة، تلعب دورا متزايدا في ضمان السلام والاستقرار الإقليميين”، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت أنقرة معنية بالتطبيع مع الحكومة السورية، حيث الأخيرة ترفض ذلك حتى انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، ورفع الدعم عن “فصائلها”، وهو ما حدث عكسه تمامًا بـ”احتلال حلب”.
قناة “سكاي نيوز” عربية نقلت عن مصادر قولها إن المعارضة السورية على اتصال بالمخابرات التركية، وإن تركيا أعطت الضوء الأخضر للهجوم.
أصابع أردوغان.. دلائل ومُؤشّرات
ثمّة دلائل عديدة رصدتها “رأي اليوم” قد تُشير إلى النوايا التركية بـ”احتلال حلب” بالطريق غير المُباشر عبر فصائلها، منها منشور سابق للرئيس التركي رجب أردوغان على حسابه في منصّة “إكس” كان قد قال فيه العام 2016: “تركيا لم ولن تترك سكان حلب لوحدهم مهما كان الثمن، سنبذل كل ما بوسعنا لإنقاذ الأرواح، ولو حياة إنسان واحد”.
دليل آخر رصدته “رأي اليوم” يُدلّل على تحضير تركي لهذا التصعيد مُنذ أشهر، واعتراف غير مباشر منها بتدريبها للفصائل المسلحة، حيث نشرت وزارة الدفاع التركية منشورًا على منصة “إكس”، أكدت فيه على أهمية “التدريبات العسكرية”، وذلك بالتزامن مع إعلان قوات المعارضة السورية سيطرتها على مركز مدينة حلب، كما حديث عن تلقّي هذه المجموعات تدريبات على يد الجيش التركي منذ شهور، وقالت الوزارة في منشورها: دوماً تدريبات، دوماً كفاح.
وفي نيسان/ أبريل 2024 بحسب وسائل إعلام تركية، أعلنت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني، عن قرب افتتاح كلية عسكرية في مناطق سيطرتها في شمال البلاد بقدرة استيعابية تصل إلى نحو ألف طالب وتلميذ، وذكرت حينها مصادر في وزارة الدفاع بالحكومة السورية المؤقتة، أن الكلية التي كان من المقرر دخولها الخدمة بشكل فعلي أواخر شهر يونيو/حزيران 2024، يجري تمويلها من الجانب التركي الذي يُشرف على مراحل البناء وتحضير المعدات، كما سيكون له دور في الإشراف على التدريب وتخريج المنتسبين إلى هذه الكلية.
حرب طائفية؟
وكان لافتًا مع تقدّم المسلحين نحو حلب، انتشار عبارات طائفية عبر وسائل إعلام سورية مُعارضة ومنصّات تركية مثل “حلب أموية”، و”حلب سنية”، الأمر الذي جرى وصفه من قبل السوريين بأن الهجوم على حلب يأتي في سياق “حرب طائفية”، الأمر الذي دفع وزير الصناعة التركي السابق والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية مصطفى ورانك بالقول إن وصف ما أسماه كفاح المعارضة السورية لاسترداد حلب بـ”الحــرب الطـائفية” مُجرّد هراء.
برود روسي.. هل وصل الأسد موسكو؟
ومع تناسل العناوين الصحفية والتقارير الإعلامية التي تتحدّث عن “برود” روسي تجاه الأحداث في حلب، وإدلب، نتيجة انشغال موسكو في الحرب الأوكرانية، نقلت رويترز عن مصادر عسكرية سورية قولها؛ إن “دمشق تلقّت وعدًا بمساعدة روسية إضافية لمنع المسلحين من السيطرة على حلب”، وأضافت المصادر، أنها تتوقع وصول عتاد روسي جديد إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية خلال 72 ساعة.
ومع عدم تأكيد الكرملين أو نفيه حول تواجد الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو، قالت مصادر لقناة “الشرق” الإماراتية، إن الزيارة التي تم الإعداد لها منذ أوائل تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، تتناول قضيتين أساسيتين، هما إعادة إحياء المحادثات المتوقفة لتطبيع العلاقات مع تركيا، ومراجعة الدور العسكري الإيراني في سوريا بالتنسيق مع روسيا، وبينت المصادر، أن زيارة الأسد إلى موسكو قد تستمر لعدة أيام، في مسعى إلى التوصل لقرارات نهائية بشأن الملفات المطروحة.
"إسرائيل" تستعرض.. إيران تتّهم.. ولا مصلحة للعراق
ماذا تقول (إسرائيل) ويقيّم إعلامها ما يحدث في حلب؟، خاصة أن الهجوم جاء بعد تهديدات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس الأسد بأنه لا يزال يلعب بالنار، قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية: “إن النظام السوري يُوشك أن يخسر مدينته الشمالية حلب لصالح جماعات المعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام”، وذلك بسبب ضعفه وضعف دعم إيران بعد الضربات التي تعرّضت لها هي ووكلاؤها على أيدي (إسرائيل) ”.
كيف تنظر إيران للمشهد السوري من خلال ما تناوله إعلامها؟.. صحيفة “جوان”، المقربة من الحرس الثوري، قالت إن هجوم المعارضة السورية على مواقع النظام يأتي بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية، بعد “هزيمة (إسرائيل)” أمام محور المقاومة، كما نشرت صحيفة “فرهيختكان” الأصولية صورة كبيرة تجمع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعنونت عليها: “المُشاركة والمكافأة”، وقالت إن الجماعات المدربة من قِبَل تركيا دخلت في خط المواجهة، بعد وقف إطلاق النار في لبنان، و”إضعاف موقف نتنياهو السياسي”.
العراق من جهته يُواصل تعزيز حدوده بعد سقوط حلب، واعتبر مستشار الرئيس العراقي ابراهيم الصميدعي أن ما يحصل في سوريا وبهذا التوقيت ما هو إلا “نتيجة لترتيبات دولية كبيرة لعالمٍ جديد وليس شرق أوسط جديد فحسب”، ما يطرح تساؤلات حول تدخّل العراق الرسمي إلى جانب فصائله في سورية، يُجيب عن ذلك الصميدعي في منشور له على الحساب الرسمي على منصة إكس أنه “ليس من مصلحة العراق المُستقر الآمن الذي يستعيد نفسه أن يتدخّل في سوريا مرة أخرى كما تدخّل بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011”.
هذا هو المشهد الحالي في سورية، وبكُل حال ستكون العيون مُوجّهة نحو ردّة الجيش السوري وحُلفائه على هذا التصعيد العسكري المُباغت، ومدى قدراته وسرعته في استيعاب خسارة حلب، واستعادتها، والذي بات فيما يبدو يُهدّد وحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية، وما إذا كان سيكون الشرارة التي ستدفع الجيش العربي السوري لاستعادة الشمال السوري، وعودتها لمركزية دمشق، ضاربًا بكل الاتفاقات والتوازنات والحسابات السياسية عرض الحائط، يتساءل مراقبون.
رأي اليوم
إقرأ أيضاً : المتحدث العسكرى المصري: نواجه تحديات غير مسبوقة على كافة الاتجاهات و مستعدون للتصدى لأى تهديدات لأمننا القومىإقرأ أيضاً : بن غفير "يتفاخر" بمصادرة "مكبرات المساجد" لانها تسبب إزعاجًا للسكان المحليين - تفاصيل إقرأ أيضاً : إصابة 4 إسرائيليين خلال التدافع نحو الملاجئ بعد إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه وسط الكيانتابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #روسيا#قيادة#إيران#الشمالية#المدينة#لبنان#مدينة#العراق#سوريا#إصابة#تركيا#المساجد#اليوم#الحكومة#الدولة#أمن#الله#الدفاع#الاحتلال#الثاني#التوقيت#رئيس#الوزراء#الرئيس#القوات#موسكو#ابراهيم#اليمن#شهر
طباعة المشاهدات: 1664
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 01-12-2024 09:45 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الدولة التوقيت الدولة الرئيس الله قيادة مدينة مدينة أمن مدينة الدفاع الشمالية مدينة تركيا روسيا تركيا الدفاع الحكومة القوات تركيا الدفاع مدينة الدفاع الحكومة الدفاع شهر موسكو الرئيس سوريا موسكو إيران رئيس الاحتلال الشمالية إيران إيران الرئيس الوزراء تركيا الرئيس ابراهيم سوريا التوقيت العراق العراق سوريا روسيا قيادة إيران الشمالية المدينة لبنان مدينة العراق سوريا إصابة تركيا المساجد اليوم الحكومة الدولة أمن الله الدفاع الاحتلال الثاني التوقيت رئيس الوزراء الرئيس القوات موسكو ابراهيم اليمن شهر المعارضة السوریة وزارة الدفاع الجیش السوری مدینة حلب فی سوریا م عارضة من حلب
إقرأ أيضاً:
لماذا تشكل قوات قسد أكبر تحد عسكري للإدارة السورية الجديدة؟
في إطار سعيها للانتقال من فكرة الثورة إلى فكرة بناء الدولة، تعمل الإدارة السورية الجديدة على تدعيم هذا البناء وترسيخه من خلال بناء جيش وطني يضم كافة التشكيلات والفصائل العسكرية التي تشكلت نتيجة ظروف ومعطيات معينة أيام الثورة السورية.
وقد أبدت أغلب هذه الفصائل استعدادها للانخراط في وزارة الدفاع، وذلك بحسب وزير الدفاع مرهف أبو قصرة أثناء لقائه مع الصحفيين في دمشق الأحد 22 يناير/كانون الثاني، لتبقى بذلك قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المكون العسكري الوحيد الذي يرفض حل نفسه، ويصر على الاندماج بالجيش الوطني ككتلة وليس كأفراد، وهو ما ترفضه الإدارة السورية الجديدة بشكل نهائي لاعتبارات متعددة.
إلى جانب ذلك تطالب قسد أيضا بنوع من "الفدرالية المرنة" كما سمتها القيادية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد في تصريحات صحفية، إلى غير ذلك من الميزات التي تجعل من قسد تشكل أكبر تحد للإدارة السورية الجديدة، وخاصة بالجانب العسكري نظرا لامتداداتها الإقليمية وعلاقاتها الدولية.
دعم وتسليح أميركيتتلقى قوات سوريا الديمقراطية دعمها من الولايات المتحدة الأميركية على نحو مباشر، وفق ما أعلنه مسؤولون أميركيون في عدة مناسبات.
فبعدما أصدرت قسد بيانها التعريفي في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، والذي قدمت نفسها فيه على أنها "تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان"، وأوضحت أن هدفها الرئيسي هو دحر تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة جميع الأراضي التي اجتاحها التنظيم المتشدد آنذاك.
إعلانبدأت الولايات المتحدة بتقديم الدعم المباشر لهذه القوات، بعد يومين من هذا البيان، إذ أعلن المتحدث باسم القيادة العسكرية الأميركية الوسطى -في بيان صدر بعد تأسيس قوات سوريا الديمقراطية- أن "التحالف الدولي ألقى 50 طنا من الأسلحة لمجموعات عربية سورية مسلحة خضع المسؤولون عنها لعمليات تدقيق ملائمة من جانب الولايات المتحدة" وفق البيان، من دون تحديد اسم هذه المجموعة.
وعلى الرغم من محاولة الولايات المتحدة التسويق لها على أنها تمثل كل مكونات الشعب السوري، فإن عامودها الفقري يتكون من وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) بمعنى أنها تعد امتدادا سوريا لحزب العمال الكردستاني (Pkk) المصنف على لوائح الإرهاب التركية والغربية.
ولا يقتصر الدعم الأميركي على الأسلحة وتقديم الخبراء والمستشارين، إذ تقوم قوات التحالف والقوات الأميركية بشكل خاصّ بعمليات تدريب مستمرة منذ عام 2014 لعناصر قسد بشكل عامّ ضِمن عدد من القواعد العسكرية التابعة لها والمجهّزة لهذا الغرض كقاعدة "هيمو" الواقعة على طرف مدينة القامشلي.
لكن معظم عمليات التدريب هذه موجهة لعناصر وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لقسد "يات" (YAT) والتي تحظى بالدعم والتسليح الأعلى من جانب القوات الأميركية، وذلك بحسب دراسة أصدرها مركز جسور للدراسات عام 2023.
وتوضح الدراسة أن عمليات التدريب تشمل استخدام الأسلحة الرشاشة والقناصات وتدريب مجموعات محددة على استخدام الطائرات المسيّرة في عمليات المراقبة إضافة للتدريب على استخدام أجهزة الاتصال وتحديد المواقع والمراقبة والتشويش.
شماعة محاربة الإرهابعلى الرغم من إعلانها القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في آخر معاقله في منطقة الباغوز شرقي دير الزور عام 2019، فإن قوات قسد ما زالت تصدر نفسها للعالم على أنها تحارب الإرهاب، مستغلة حمايتها وإشرافها على السجون التي تضم الآلاف من عناصر وقيادات التنظيم الذين مازالت دولهم ترفض إعادتهم.
إعلانوفي هذا السياق، أكدت قسد في 21 يناير/كانون الثاني الجاري أنها تعارض تسليم السجون التي تحوي عناصر من تنظيم الدولة للحكام الجدد في دمشق، وأوضحت أنها تتأهب لهجمات من جانب الجماعة الإرهابية (تنظيم الدولة)، وتراقب محاولاتها للظهور من جديد، وفقا لوكالة رويترز.
يؤمن موقف قسد هذا غطاء سياسيا لها، تجلى -مثلا- في تأكيد وزيري الخارجية الفرنسي والألماني أثناء زيارتهما إلى سوريا في الثالث من الشهر الجاري على ضرورة التوصل إلى حل سياسي مع الأكراد.
يؤمن لها كذلك دعما ماليا مستمرا، إذ تحصل قسد على حصة دعم مالي سنوي من دول التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركيّة التي خصّصت مبلغ 542 مليون دولار من ميزانية وزارة دفاعها عام 2023 لبرنامج "تدريب وتجهيز" القوات الشريكة لها في سورية والعراق.
وفي هذا السياق يشير الباحث في مركز الحوار السوري عامر المثقال إلى أن ورقة تنظيم الدولة وسجونه في شمال شرق سوريا هي آخر أدوات قسد لتقديم نفسها كحارس للمنطقة ضد الإرهاب، وهي مهمة تبدو الإدارة السورية الجديدة قادرة على إدارتها، مما ينزع الذرائع الأميركية باستمرار دعم قسد.
ويؤكد المثقال في حديثه للجزيرة نت أن العامل الأساسي في قوة واستمرارية قسد هو الدعم الأميركي، ويضرب مثالا على ذلك بمعارك قسد مع قوات العشائر العربية في عام 2023 حيث تمكنت العشائر من إخراج قسد من عشرات القرى والبلدات في ريف دير الزور الغربي والشرقي، قبل أن تعود قسد إلى تلك القرى عبر الدعم الأميركي والإسناد الجوي من قوات التحالف.
هل تملك "قسد" 100 ألف مقاتل؟في تصريحات سابقة نشرتها صحيفة ذا تايمز البريطانية، قال قائد قسد مظلوم عبدي إن قواته مستعدة لحل قواتها المكونة من 100 ألف عنصر، والانضمام إلى جيش سوري جديد بقيادة السلطات التي ستتولى الحكم بعد نظام بشار الأسد، بشرط "ضمان حقوق الأكراد والأقليات الأخرى".
إعلانوتشير التقارير إلى أن النسبة الكبرى من هؤلاء المقاتلين هم من العرب، ووفقًا للبنتاغون كان الأكراد يشكلون 40% من قسد، بينما العرب يمثلون 60% في مارس/آذار 2017، رغم أن مصادر أخرى تشير إلى أن نسبة المقاتلين العرب كانت أقل من ذلك، ومع ذلك هناك إجماع على أن القيادة في قسد تعود للأكراد.
وإلى جانب العرب والأكراد السوريين يوجد قيادات وعناصر أجنبية في قوات قسد، إذ نقلت رويترز في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي اعترف مظلوم عبدي لأول مرة بوجود هذه العناصر بصفوف قواته بالقول إن المقاتلين الأكراد الذين قدموا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المواجهة مع تركيا بشمال سوريا.
عبدي: المقاتلون الأكراد الذين قدموا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون (رويترز)وتعليقا على تصريحات مظلوم عبدي حول أعداد مقاتلي قسد، ينفي الباحث المختص بتطورات الشرق السوري سامر الأحمد أن تصل الأرقام إلى هذا العدد، ويؤكد على أنها تتراوح بين 20 و30 ألفا وأقل من ذلك حتى، وخاصة بعد سقوط النظام وحصول الكثير من الانشقاقات، إضافة إلى الأحداث التي شهدها ريف دير الزور الشرقي.
ويوضح الأحمد في حديثه للجزيرة نت أن أعداد قوات قسد كانت كبيرة أيام التعبئة العامة في المعارك ضد تنظيم الدولة، وكانت الاشتباكات على عدة جبهات في الرقة والحسكة وعين العرب، إذ كان كل مجلس عسكري من هذه المناطق يُجند آلاف المقاتلين من أبنائه في تلك المعارك.
ويتفق الباحث عامر المثقال مع الأحمد في أن الأعداد الحقيقية لقسد لا تتجاوز الـ30 ألف مقاتل، أغلبهم من المكون العربي الجزء الأكبر منهم، وهذه -بحسب المثقال- مشكلة أخرى تواجهها قسد بسبب نقص المقاتلين من المكون الكردي، واضطرارها لتجنيد العرب إجباريا بصفوفها، وهؤلاء ينشقون عند حصول أي مواجهات حقيقية كما حدث في معارك دير الزور.
إعلانوبحسب الباحث المثقال فإن عبدي يهدف من هذه التصريحات إلى تضخيم قوة قسد للضغط على الإدارة الجديدة من أجل تحصيل مكاسب رسمية كأن تضاف قسد ككتلة عسكرية مستقلة داخل الجيش لها صلاحياتها الخاصة بشمال شرقي سوريا.
يذكر أن هذه القوات تسيطر على مساحة تزيد عن 35 ألف كيلومتر مربع، وهو ما يعني أنها تستحوذ على قرابة 18.92% من أراضي سوريا.
الأحمد: أعداد قوات قسد تتراوح بين 20 و30 ألفا أو أقل وخاصة بعد سقوط النظام وأحداث ريف دير الزور الشرقي (رويترز) تفوق اقتصاديأتاحت سيطرة قسد على المناطق النفطية في شمال شرقي سوريا موردا اقتصاديا هاما لها، جعلها متفوقة على باقي المناطق السورية خلال سنوات الحرب السورية، إلى جانب ذلك حرص التحالف الدولي على توفير دعم مالي سنوي لها، وخصصت بعض الدول ميزانية بمئات الملايين من الدولارات في صرف أجور المقاتلين وتأمين المصاريف المالية الأخرى.
وتستفيد قسد من هذا الدعم المادي بشكل رئيسي في صرف رواتب وأجور مقاتليها وإدارييها التي تتراوح بين 100 إلى 800 دولار أميركي، وتُعتبر هذه الأجور الأعلى مقارنةً ببقية المجموعات المسلّحة المحلية الأخرى في سورية ومن ضِمنها قوات النظام السوري مما ساعد قسد إلى حدّ كبير في ضمان استمرار التجنيد في صفوفها.
وفي منتصف عام 2022، أعفت الولايات المتحدة مناطق قسد من العقوبات المفروضة على الاستثمارات الأجنبية، وقد ترجمت قسد هذه الخُطوة على أنّها دعم لجهودها في إعادة تأسيس البِنْية التحتية ضِمن مناطق سيطرتها، وذلك بحسب دراسة سابقة لمركز جسور للدراسات.
وإضافة إلى النفط والموارد الطبيعة كالزراعة، تلجأ قسد كذلك إلى أخذ ضرائب وأتاوات كبيرة من كل القطاعات الاقتصادية بكل مناطق الجزيرة السورية، فمثلا بالشهر الماضي فرضوا على محلات الصرافة والذهب مبلغا من 7 آلاف إلى 10 آلاف دولار كتبرع للقوات، ولتغطية التكاليف العسكرية، بحسب الأحمد.
إعلانويتابع الأحمد أن "قسد" كانوا ينتجون طبعا -بحسب كلامهم- ما يصل إلى 100 ألف برميل من النفط السوري، حيث يغطون به السوق المحلي، ويقومون ببيعه للنظام والمعارضة وهيئة تحرير الشام، إضافة إلى تهريبه للعراق، مما يؤمن لهم واردات شهرية تقدر بملايين الدولارات.
يذكر أن شرط الاحتفاظ بحصة محددة من حقول وعائدات النفط، كان من ضمن الشروط التي تصر عليها "قسد" خلال مفاوضاتها مع الإدارة السورية الجديدة، وذلك بحسب ما نقلته مصادر مقربة من الإدارة الجديدة للجزيرة نت.
يشار إلى أن مناطق سيطرة قوات "قسد" تشهد في الفترة الأخيرة خسائر اقتصادية كبيرة جراء الغارات التركية والتي تستهدف مواقع عسكرية ومحطات نفطية وبنية تحتية وشركات تجارية ومعامل في مناطق شمال شرقي سوريا.
متظاهرون أكراد يرتدون قمصانا عليها كلمة كوباني ويحملون صورة عبد الله أوجلان (الأوروبية) وجود عقيدة أيدلوجيةإضافة إلى ما سبق، تمتاز قوات قسد بوجود عقيدة أيديولوجية تقاتل من أجلها، ويدعم هذه العقيدة اعتبارهم عبد الله أوجلان رمزا للنضال والحرية، وهي بذلك تسير على نهج حزب العمال الكردستاني.
وفي هذا السياق، يوضح الباحث المختص بالشأن الكردي بمركز رامار للبحوث أن من عوامل قوة قسد هو اعتمادها في لحظة التشكل على عناصر كردية سورية انضمت لحزب العمال، وهؤلاء يمتلكون خبرة عسكرية قديمة تمتد لما يقارب عقدين وأكثر من الزمن، كما يتميزون بالتزام عسكري في القتال مبني على التزام أيديولوجي.
ويضيف رشيد في حديثه للجزيرة نت أن هؤلاء العناصر كانوا يخضعون لدورات أيدلوجية وعقائدية تتضمن أفكار حزب العمال الكردستاني ومقاتلة الأتراك، والفكر الاشتراكي الشيوعي، وهؤلاء ينتمون إلى وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، أما بقية تشكيلات قسد فلا يوجد عندها هذه العقيدة.
وفي تاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، تشهد عدة مناطق تسيطر عليها قسد في شمال شرقي سوريا احتفالات بذكرى تأسيس حزب العمال الكردستاني، وعادة ما تتزامن مع مسيرات بسيارات تابعة لقسد والإدارة الذاتية، تجوب عدة مناطق وهي ترفع أعلام الحزب وصور عبد الله أوجلان.
إعلان