"درونز" ودبابات ومدرعات، وآلافُ المسلحين، وسقوطُ حلب ثانية كبرى المدن السوريةِ في يومين، والاستيلاءُ على أربعين بلدةً وقطعُ الطرقِ السريعة، واحتلالُ المطار والمراكزِ الحكومية، ونهبُ مخازنِ السلاح. المنطقة نسيت حربَ غزةَ ولبنانَ لتنشغلَ بحربٍ جديدة.
تداعياتُها الإقليميةُ والدولية لا تقلّ خطورةً، فالعراقُ أعلنَ الاستنفار وإيرانُ نددت باستهدافِ قواتِها داخل سوريا، وإدارةُ بايدن أعلنت من واشنطن أنَّها فوجئت، وروسيا أعلنت عن مشاركتِها العسكريةِ في قصفِ مواقعِ المسلحين.أهمُّ لاعبين في "أزمة حلب" هما دمشقُ وأنقرة لم يتقدَّما بعد بخطواتٍ لتطويقِ الوضعِ الطارئ حتى لا يخرجَ عن السيطرة. أنقرة المتهمة بأنّ لها إصبعاً فيما يحدث قالت لـ"إندبندنت عربية": "لم نتدخلْ في العملياتِ العسكرية التي تجري في حلب، وسبقَ أن دعونا حكومةَ بشار الأسد إلى الجلوسِ إلى طاولةِ المفاوضات، للتوصلِ إلى تسويةٍ سياسية تؤمنُ عودةً آمنةً وطوعيةً للملايين من إخوتِنا السوريين، والتعاون على مواجهةِ الإرهاب ومنعِ الكيانات الانفصالية من التحكمِ في مستقبل سوريا".
الوضعُ يخرج عن السيطرةِ مع التدفقِ الكبير للجماعاتِ المسلحة في منطقةِ المعارك شمالَ غربي سوريا، وإعادةِ تموضع القواتِ والميليشياتِ الإيرانية جنوبَ حلب، والتحشيد العسكري العراقِي على الحدود. واللافت للانتباهِ التهديد بالزجِ بـ"الحشد الشعبي" بحُجةِ الدّفاعِ عن العراق وسط تهويلٍ ومبالغةٍ بالخطر، مع أن حلب بعيدةٌ جداً عن البوكمال الحدودية العراقية بـ470 كيلومتراً.
وفي حالِ أرسلَ العراقُ الحشد الشعبي فإَّن ذلك سيفتحُ جبهاتٍ أخرى جديدة. إسرائيلُ قد تعتبره محاولةً لتعويضِ خسائر حزب الله وتهديدها. وسيكون المرة الأولى التي يرسل فيها العراق قواتٍ للقتال خارجَ أراضيه منذ سقوط نظامِ صدام حسين الذي سعَى ليكونَ قوةَ تغييرٍ إقليمية.
الأمرُ فتح البابَ لنظريات المؤامرة في تفسيرِ الوضع الغامض والمتسارعةِ أحداثُه. كيفَ استطاعت هيئةُ تحرير الشام، سابقاً تُعرف بـ"جبهة النصرة"، أن تكتسحَ وبهذه السرعةِ وفي نحو يومين وتسيطرَ على مناطقَ واسعةٍ في إدلبَ وحلب المدججةِ بالقواتِ الحكوميةِ السوريةِ والإيرانية. الحالُ يُشَابِهُ كثيراً ما حدثَ في يونيو (حزيران) 2014، عندما سقطتِ الموصلُ، ثانية كبرى المدنِ العراقية، واتُّهم حينَها رئيسُ الوزراءِ نوري المالكي بالتخاذلِ والسماحِ لتنظيم داعش باحتلالِها.
النَّظريةُ الأخرى تتهمُ تركيا بعد عجزِها عن التفاوضِ مع دمشق، باللجوءِ إلى تحريكِ الفصائلِ المسلحةِ في مناطقِ نفوذها فكان أن سيطروا على حلب وإدلب؟ والثالثةُ أن إيرانَ وحزب الله، بعدَ حربِ لبنان، يريدان حمايةَ وجودِهما في سوريا.
عند وضعِ تخمينِ الدوافع جانباً، والتركيزِ على تطويقِ الأزمة فإنَّ العودةَ إلى مخرجاتِ مؤتمر سوتشي منذ ستِ سنواتٍ مهمٌّ للتَّوصُّلِ إلى الحل. المبدأ الأولُ هو التأكيد على سيادةِ سوريا واستقلالها، ويعني ذلك أن على كلّ القوى الأجنبيةِ الخروجَ. حالياً، توجد قواتُ إيرانَ وتركيا والولاياتِ المتحدة والعديدِ من التنظيماتِ المتطرفةِ من جنسيات متعددة.
المبدأ الثاني، ملايين المهجَّرين واللاجئين، سواء في تركيا أو لبنان أو الأردن، الذي يغذي وضعَهم البائسَ التَّوترُ، ومع أخبار سقوطِ حلب وإدلب تدفَّقَ عشراتُ الآلافِ منهم أمس عائدينَ إلى بيوتِهم بعد سنواتِ من التهجير.
من دون توافق الدّول المَعنيةِ ستبقَى الجماعاتُ المسلحةُ المتطرفةُ نشطةً، وهذا يعنِي أنَّ القوات الأجنبية أيضاً لن تخرجَ. تركيا تطالبُ بوقفِ نشاط الانفصاليين الأكراد شمالَ سوريا كونَهم تهديداً لأمنِها. الأمريكيون لن يسحبوا قواتِهم من شرقِ الفراتِ لوجود تنظيماتٍ خطرة مثل داعش. السلطات السورية، التي تستضيف ميليشيات إيران وحزب الله، تريدهم، ما دامت هذه الجماعاتُ المشار إليها تعيش على ثلاثينَ في المائة من الأراضي السورية وتهدد سلطتَها. وقد اتَّسعت مملكةُ الفصائلِ المسلحة مع الاكتساحِ الأخير لمحافظتي إدلب وحلب. وفي حال استمرت المعارك قد تتمدَّد الفصائلُ وتعيدُ الوضعَ إلى حدودِ عام 2015، عندما كانت تسيطرُ على نحوِ ستين في المائة من البلاد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله يوم الشهيد غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية حلب
إقرأ أيضاً:
سوريا.. بدء انسحاب أول رتل لقوات قسد من مدينة حلب
أفادت وكالة الأنباء السورية ببدء انسحاب أول رتل لقوات سوريا الديموقراطية من مدينة حلب باتجاه شرق الفرات تحت إشراف وزارة الدفاع السورية.
وذكرت الوكالة السورية أن قوات الجيش العربي السوري وصلت إلى محيط مناطق قوات سوريا الديمقراطية في مدينة حلب حيث تؤمّن الطريق الذي سيسلكه الرتل العسكري المغادر من حيي الشيخ مقصود والأشرفية باتجاه شرق الفرات.
أعلنت وسائل إعلام سورية اليوم الخميس، بدء تنفيذ الاتفاق بين المجلس المدني لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، وغالبية سكانهما من الأكراد، واللجنة المكلفة من الرئاسة السورية.
وذكرت مصادر إعلامية إن بعض مقاتلي "قوات سوريا الديمقراطية" بدأوا بالخروج من أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، فيما سيخرج من تبقى من عناصر "قسد" غدا.
فيما افادت وكالة "سانا" السورية الرسمية للأنباء، ببدء عملية "تبييض السجون من الأسرى" بين مديرية الأمن الداخلي في حلب وقوات سوريا الديموقراطية، حيث بلغ عدد الأسرى ما يقارب 250 شخصا.
وفي هذا الصدد، لفتت تقارير إعلامية إلى أنه تم الإفراج عن 100 معتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، على أن يتم تبادل المعتقلين بين قسد والحكومة السورية في الحيين على 3 دفعات.
ويشار الي الاتفاق بين المجلس المدني للحيين (الأشرفية والشيخ مقصود) واللجنة المكلفة من رئاسة لجمهورية نص على تبعية الحيين إداريا للحكومة السورية مع احترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية لسكانهما، ومنع المظاهر المسلحة وحصرها بيد وزارة الداخلية وإزالة السواتر الترابية وانسحاب القوات العسكرية التابعة لقسد إلى شرق الفرات، لتعزيز التعايش السلمي.