مقرات الفصائل المسلحة .. خطر يهدد العراقيين إذا نفذت إسرائيل تهديدها
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والتقارير المتزايدة حول احتمال تنفيذ ضربات إسرائيلية تستهدف مواقع للفصائل المسلحة في العراق، يعيش العديد من سكان المناطق القريبة من تلك المقار حالة من القلق والخوف.
في زاوية منزله المتواضع بأحد أحياء محافظة بابل جنوبي العاصمة العراقية بغداد، يجلس علي التميمي، (32 عاما) يراقب أطفاله وهم يلعبون في الفناء، لكن فرحتهم البريئة تتوارى أمام قلقه العميق.
هذا الأب الذي يعيش مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد، يترقب بقلق الأنباء المتزايدة عن احتمال تنفيذ إسرائيل ضربات عسكرية تستهدف مقرات في العراق تابعة لفصائل مسلحة موالية لإيران وشاركت في تنفيذ هجمات على إسرائيل.
يعتقد علي أن هذه المقار تضم مخازن للأسلحة والعتاد وهي قريبة من الأحياء السكنية و بعضها موجود داخل هذه الأزقة.
يقول علي والخوف يخيم على مشاعره "كيف أشرح لأطفالي أن أحلامهم قد تتحطم بسبب صراع ليس لهم فيه أي يد، إذا ما وقعت الضربة الإسرائيلية، ستتحول هذه الأحياء إلى مقابر جماعية للمدنيين".
ومع إدراكه للخطر الوشيك يفكر علي ملياً أن يستأجر منزلاً أخر بعيداً عن تلك المقار، أو ربما ينتقل مؤقتاً إلى منزل أقربائه في ريف بابل "لتجنب مخاطر الضربة الإسرائيلية".
ويطالب علي، الحكومة العراقية ببذل أقصى الجهود الدبلوماسية لدرء هذه الكارثة المحتملة، ويدعو المجتمع الدولي إلى الوقوف في وجه "هذا التصعيد الإسرائيلي الذي يهدد أرواح مئات الأبرياء في العراق" حسب تعبيره.
وفيما يزداد قلقه يومًا بعد يوم، يرى علي أن إسرائيل، إن كانت عازمة على تنفيذ ضرباتها، بإمكانها استهداف مواقع الفصائل بعيداً عن المدن والمناطق السكنية، "ليبقى المدنيون آمنون بعيداً عن صخب الحروب وويلاتها".
المواطنة سجى نبيل، من محافظة ديالى، عبرت هي الأخرى عن مخاوفها من تبعات تلك الضربات على حياتها وأطفالها الأربعة.
وتقول لموق "الحرة" إنه "لا يمر يوم دون أن أتخيل أسوأ السيناريوهات، إذا وجهت إسرائيل ضربة واحدة .. راح تزيد هذه الفصائل من عملياتها وبالتالي يعطي الذرائع لإسرائيل لتكثف من ضرباتها بشكل عنيف".
هذه المشاعر تعكس القلق المتزايد لدى الكثير من العراقيين الذين قد يجدون أنفسهم في مرمى النيران.
وتناشد سجى الحكومة العراقية "بضرورة التحرك بجدية لمنع وقوع أي ضربة قالت إنها ستخلف الكثير من الضحايا بين صفوف المدنيين، حسب تعبيرها.
أما المواطن منتظر عباس من محافظة البصرة، فهو الآخر عبر عن مخاوفه من تهديدات إسرائيل هذه المرة "لأن العراق لا يمتلك إمكانية عسكرية لردع القصف الإسرائيلي".
ويشاطر عباس قلق الآخرين من مخاطر انتشار مقار الفصائل المسلحة بين الأحياء السكنية في مدينة البصرة مثل "بريهة والعشار -والجمعيات" ومناطق أخرى، متوقعا أن يشمل القصف الإسرائيلي منشآت نفطية وحكومية و"هذا سيتسبب بأزمات اقتصادية".
وطالب عباس، في حديث لموقع الحرة، الجهات الأمنية بوضع حد لنشاطات الفصائل العسكرية "حتى لا ينجر العراق لحرب الخاسر الأكبر فيها هو المواطن"، داعياً التحالف الدولي "إلى منع هذه الفصائل من شن هجماتها وهذا سينهي الذرائع الإسرائيلية بتوجه ضربة للعراق".
فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء لشؤون العلاقات الخارجية، أكد في حديث خص به قناة "الحرة" أن الحكومة العراقية تتعامل بجدية مع التهديدات الإسرائيلية و"تعمل على حماية سيادة العراق وأمنه القومي من خلال خطوات سياسية ودبلوماسية وأمنية شاملة".
وعلى الصعيد الدبلوماسي، أوضح علاء الدين، أن وزارة الخارجية العراقية تعمل ضمن استراتيجية لتدارك التهديدات الإسرائيلية وتداعياتها، "إذ قامت بتوجيه رسائل إلى منظمات دولية للتنديد بهذه التهديدات والدعوة إلى موقف حازم من المجتمع الدولي".
وبين علاء الدين أن الحكومة العراقية دعت إلى تفعيل آليات التعاون المنصوص عليها في اتفاق الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة "لضمان ردع أي اعتداء محتمل على الأراضي العراقية".
وأضاف أن الحكومة تواصل جهدها السياسي لتحييد تلك التهديدات، مع التأكيد على تعزيز الوحدة الوطنية و"تجنب أي تصرفات قد تُستغل كذريعة لتهديد الأمن الوطني".
وأشار مستشار رئيس الوزراء لشؤون العلاقات الخارجية أيضا إلى أن العراق يعمل تعزيز قدراته الدفاعية والأمنية لضمان جاهزيته للتعامل مع أي تطورات ميدانية،
وأنهى علاء الدين حديثه للحرة بالقول "الحكومة ملتزمة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان أمن العراق واستقراره لمواجهة هذه التحديات" وفق قوله.
شنت الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران العديد من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة من الأراضي العراقية ضد مواقع في إسرائيل، وذلك باعتراف هذه الفصائل عبر بيانات صادرة عنها.
واعتبر الباحث في الشأن السياسي علي عبد الزهرة، أن هذا الاعتراف يشكل مبرراً لإسرائيل للدفاع عن نفسها، بحسب الشكوى التي قدمتها لمجلس الأمن الدولي.
هذا الموضوع، بحسب عبد الزهرة، "سيجر العراق إلى ساحة صراع عسكري، وربما يتدخل حلفاء آخرون مثل إيران، مما قد يستدعي تدخلا روسيا أيضا للرد على الضربات الإسرائيلية إن وقعت داخل الأراضي العراقية، وهو ما يعني أن الأوضاع قد تتطور إلى حرب إقليمية مفتوحة".
وحذر عبد الزهرة من أن دخول العراق طرفا في الصراع سيعرض البلد إلى أزمات اقتصادية وأمنية، وأن توسع الحرب سيسبب أزمة عالمية "إذا استهدفت إسرائيل مصادر الطاقة والمنشآت الاقتصادية في المنطقة".
ويقول عبد الزهرة إن العديد من مقار الميليشيات والفصائل المسلحة المنضوية بعضها تحت هيئة الحشد الشعبي تتمركز داخل المدن سيما في العاصمة بغداد "بدليل طلب زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر مؤخرا من فصيله المسلح - سرايا السلام - بإخلاء مقراته وإبعادها عن المدن".
يشير عبد الزهرة أن هذا الطلب اعتراف صريح بوجود تلك المقار في مراكز المدن وهي تهدد أمن الأهالي، مبيناً أن وقوع ضحايا مدنيين أمر مؤكد في حال استهدفت إسرائيل هذه المواقع التي قال إنها كانت في السابق "دوائر حكومية أو منازل تملكها الدولة واستولت عليها هذه الفصائل".
قال المحلل السياسي عادل المانع المقرب من الإطار التنسيقي - تحالف من كتل سياسية تمتلك بعضها أجنحة وفصائل مسلحة - إن البعض يحاول أن يعطي صورة خاطئة لوضع ما وصفها بـ "فصائل المقاومة" في العراق، لغايات سياسية، حسب تعبيره.
وبين المانع أن هذه الفصائل على تواصل مستمر مع رئيس الوزراء العراقي، وأن هذه الفصائل "لا تخالف التوجيهات الرسمية ولا تخرج عن سياقات الحكومة أو تتمرد عليها" على عكس من يقول إن تلك الفصائل خارجة عن القانون وتعرض العراق إلى الخطر.
ويوضح المانع أن هناك "مستوى عال" من الحوار والتفاهم بين المؤسسة السياسية المتمثلة بالحكومة وهذه الفصائل التي أوضح أنها لن تجر العراق إلى التصعيد العسكري.
ونفى المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي أن تكون الهجمات التي شنتها تلك الفصائل بالطائرات المسيرة قد انطلقت من الأراضي العراقية ويشير إلى أن هذه الفصائل استخدمت الأراضي السورية منطلقاً لهجماتها، وفق قوله.
ويضيف المانع أن جميع المقار التابعة للفصائل في المدن أو بالقرب من الأحياء السكنية أو داخلها هي "إدارية ولا يوجد في داخلها سلاح" موضحا أن معظم الأسلحة والذخائر يتم خزنها في معسكرات خارج المدن أو "معسكرات غير مكشوفة".
يسعى العراق للتحرك دبلوماسياً لإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها بأن بغداد لا ترغب في الحرب.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية عصام الفيلي للحرة، إن رسالة إسرائيل إلى مجلس الأمن حول الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تنطلق من الأراضي العراقية "يزيد من مخاوف بغداد من تعرضها لضربات تستهدف منشآت اقتصادية" وهو سيسبب الكثير من الأزمات الداخلية في هذه المرحلة، حسب تعبيره.
وحذر الفيلي من أن الضربة الإسرائيلية على العراق قد تكون وشيكة، "إذ تسعى إسرائيل لاستكمال ما بدأته في لبنان من تدمير للقدرات التسليحية والإمكانات اللوجستية للفصائل المدعومة من إيران".
وبين أستاذ العلاقات الدولية أن إسرائيل تمضي في مسارات "قطع أذرع إيران" في المنطقة وإنهائها حتى لا تكون تلك الفصائل في المستقبل القريب أي جزء من المواجهة بين إسرائيل وإيران.
وتوقع الفيلي أن تستهدف الضربة الإسرائيلية كبار قادة الفصائل العراقية الموالية لإيران ومعسكراتها وعدداً من القيادات السياسية التي تجاري تلك الفصائل.
ويزيد الفيلي أن الخطر يكمن في استهداف إسرائيل لمخازن أسلحة الفصائل بالقرب من الأحياء السكنية "ما قد يؤدي إلى وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين" وفق قوله.
يبين الخبير الأمني أمير الساعدي، لموقع الحرة أن تلويح إسرائيل بتوجيه الضربة هو ورقة ضغط على الفصائل المسلحة العراقية بإيقاف هجماتها وعدم التصعيد، مستبعداً أن تنفذ إسرائيل تهديدها "على الأقل في الوقت الراهن".
ويقول إن قدرات وإمكانيات العراق الدفاعية غير قادرة على التصدي للضربة الإسرائيلية المتوقعة أو منع أي خرق جوي.
ويوضح مثلا أن أنظمة الدفاع الجوي في العراق التي قال إنها مازالت في طور البناء، غير قادرة على كشف الطائرات الإسرائيلية "بدليل ما حصل مؤخرا عندما خرقت المقاتلات الإسرائيلية الأجواء العراقية ونفذت هجمات في إيران دون أن تكشفها تلك المنظومة الدفاعية".
أما سلاح الجو، يضيف الساعدي، هو الآخر لا يمتلك طائرات متطورة قادرة على حماية أجواء العراق من أي خرق إسرائيلي محتمل.
ويشير الساعدي إلى أن العراق يتحرك في إطار دبلوماسي لمنع وقوع الضربة مستثمراً علاقاته الدولية ومنها زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى اسبانيا مؤخراً، لكنه يعتقد أن هذا غير كاف وأن هناك حاجة لتكثيف الجهد السياسي نحو الدول العظمى مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
ويضيف الخبير الأمني أن ما يصفه بالمحور الشرقي - إيران و روسيا - لن يتدخل عسكريا في حماية العراق والرد على الضربة الإسرائيلية، "كونهم غير ملزمين قانونياً بهذا الجانب" حسب تعبيره.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: من الأراضی العراقیة الضربة الإسرائیلیة الحکومة العراقیة الفصائل المسلحة الأحیاء السکنیة رئیس الوزراء تلک الفصائل هذه الفصائل عبد الزهرة حسب تعبیره علاء الدین فی العراق قادرة على أن هذه
إقرأ أيضاً:
الرواتب العراقية تواجه اختبار أسعار النفط
5 مارس، 2025
بغداد/المسلة: انخفضت أسعار النفط يوم الأربعاء لليوم الثالث على التوالي، وسجلت العقود الآجلة لخام البصرة المتوسط 66 دولاراً للبرميل، فيما بلغ سعر خام البصرة الثقيل 64 دولاراً.
ويعود هذا الهبوط إلى قرار تحالف أوبك+ بزيادة الإنتاج النفطي بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً بدءاً من أبريل/نيسان 2025، إلى جانب مخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي نتيجة الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على كل من كندا والمكسيك والصين. ويثير هذا التراجع قلقاً متزايداً في العراق، الذي يعتمد بنسبة تزيد عن 90% من إيراداته على النفط، بحسب تقارير البنك الدولي لعام 2023.
وأكدت مصادر حكومية عراقية تأمين الرواتب رغم الانخفاضات الأخيرة في أسعار النفط، لكن الواقع يشير إلى تحديات كبيرة. وتعتمد ميزانية العراق، التي خصصت نحو 80% منها للرواتب والأجور في 2024، على سعر نفط يتراوح بين 70 و75 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن المالي، وفقاً لتقديرات وزارة المالية العراقية. ويرى خبراء أن استمرار الأسعار دون هذا المستوى قد يدفع الحكومة للاقتراض أو تقليص الإنفاق العام، مما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى 4.1% في 2024 حسب صندوق النقد الدولي.
وظلت الدولة العراقية على مدى العشرين عاماً الماضية عاجزة عن تقليص اعتمادها على النفط، رغم الخطط المتكررة لتنويع الاقتصاد. وتشير إحصاءات وزارة التخطيط العراقية إلى أن القطاعات غير النفطية، مثل الزراعة والصناعة، لا تسهم سوى بنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويحذر المحللون من أن هذا الوضع يجعل العراق عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، خاصة في ظل قرارات أوبك+ التي قد تزيد الفائض في الأسواق وتضغط على الأسعار لأشهر قادمة.
وواجهت الخطط الاستثمارية في العراق، التي تشمل مشاريع البنية التحتية والطاقة، عقبات جديدة مع هبوط أسعار النفط. وكشفت تقارير اقتصادية أن الحكومة أرجأت تنفيذ مشاريع بقيمة 10 مليارات دولار في 2024 بسبب شح السيولة. ويعتبر الخبراء أن زيادة إنتاج أوبك+ قد تعمق هذه الأزمة، حيث ستضطر الحكومة إلى إعادة تقييم أولوياتها المالية، مع ترجيح تقليص الاستثمارات العامة لصالح تغطية النفقات الجارية.
ويرى المحللون أن تأثير انخفاض أسعار النفط لن يقتصر على الرواتب والاستثمارات، بل قد يمتد إلى استقرار السوق المحلية. وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الأسواق العالمية قد تواجه فائضاً في المعروض بنحو 1.5 مليون برميل يومياً في 2025، مما يعزز الضغوط على أسعار النفط. ويضيف هذا الوضع عبئاً على العراق، الذي يصدر نحو 3.5 مليون برميل يومياً، ليصبح أمام خيارات محدودة بين تقليص الإنفاق أو زيادة الدين العام، الذي بلغ 60 مليار دولار حتى نهاية 2024.
تحليل: الواقع يكشف هشاشة الاقتصاد العراقي
ويبرز هذا التراجع في أسعار النفط مدى هشاشة الاقتصاد العراقي أمام الصدمات الخارجية. ويؤكد الوضع الحالي أن غياب استراتيجية فعالة للتنويع جعل العراق رهينة لقرارات أوبك+ وسياسات الدول الكبرى. ورغم تصريحات الحكومة المطمئنة، تبدو التحديات المالية أكبر من القدرة على الاحتواء، خاصة مع توقعات باستمرار الضغوط الاقتصادية العالمية حتى منتصف 2025. وتظل الحاجة ملحة لإصلاحات جذرية تشمل تقليص الرواتب المزدوجة ودعم القطاع الخاص لتخفيف الاعتماد على النفط.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts