ضاقت… ثم ضاقت «تاني»!
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
ضاقت… ثم ضاقت «تاني»!
فيصل محمد صالح
للفنان والكوميدي السوداني الراحل الفاضل سعيد عبارة شهيرة رددها في إحدى مسرحياته، وصار الناس يتداولونها للإشارة إلى سوء الأوضاع، فقد كان ينطق جملة «ضاقت، ولما استحكمت حلقاتها…» ويترك الجمهور يكمل الجملة المعتادة: «فرجت، وكنت أظنها لا تفرج»… فيفاجئهم بإشارة نفي من يده، ثم يكمل الجملة بطريقته قائلاً: «ضاقت تاني».
ويبدو أن الأوضاع في السودان لا يتطابق معها إلا جملة الفنان الفاضل سعيد، فكلما يبدو أن هناك إشارة إيجابية قد تقود لانفراجة في الأوضاع المأساوية، تعود الأوضاع لتضيق مرة أخرى، وفي بعض الأحيان بصورة أسوأ مما كانت.
كانت عملية طرح مشروع القرار البريطاني حول السودان قبل أسبوعين في مجلس الأمن تبدو وكأنها تمضي بسلاسة، وقالت الأخبار الواردة من غرف المشاورات في نيويورك إن هناك ملاحظات من الحكومة السودانية التي شاركت في المشاورات، لكن لا تصل لمرحلة الرفض الكامل. هكذا بدا وكأنه للمرة الأولى سيصدر قرار من مجلس الأمن بإجماع أعضائه، ثم جرت عملية التصويت، فإذا بالفيتو الروسي يُسقط مشروع القرار رغم حصوله على موافقة كل الأعضاء الأربعة عشر الباقين.
هناك تفسيرات كثيرة لقرار الفيتو الروسي، أكثرها قوة لا يتعلق بالسودان، بل بتزامن ذلك مع نجاح بريطانيا في إقناع واشنطن بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ البريطانية «ستورم شادو»، والصواريخ الأميركية البعيدة المدى في مهاجمة الأراضي الروسية، للمرة الأولى. ويبدو أن غضب موسكو شمل أي تحرك للحكومة البريطانية، وصادف ذلك مشروع القرار البريطاني حول السودان، فراح ضحية الغضب الروسي.
في هذه الفترة عينها، كان الظن أن هناك حالة إرهاق عام لطرفَي الحرب، مع تقدم لصالح الجيش في بعض المحاور بما يعيد التوازن بشكل قد يسمح بإعادة طرح الحل التفاوضي. وتزامن ذلك مع إشارة موظف المخابرات الأميركية ومجلس الأمن القومي السابق كاميرون هيدسون – الذي زار بورتسودان والتقى البرهان – إلى أن الانطباع الذي خرج به هو أن الجيش راغب في الحوار والوصول لحل تفاوضي. لكن ظلت المُسيَّرات تمطر سماء مدينة عطبرة لأكثر من أسبوع، حيث تختلف التفسيرات في مصدرها: هل هي قوات «الدعم السريع» أم أن هناك معركة داخلية بين أجنحة الإسلاميين والجيش؟. ولو صح أحد التفسيرَين فإنه يشي بوجود تصعيد جديد في العمل العسكري، يتزامن مع كشف صحف عالمية عن وجود مقاتلين وخبراء عسكريين من كولومبيا في صف «قوات الدعم السريع»، بما يعني دخول الحرب مرحلة جديدة.
ويجري الفريق البرهان تعديلات وزارية في الحكومة، ويتوقع الناس أنها محاولة لتحسين أداء وتوجه الحكومة، فإذا بوزير الخارجية الجديد يطيح بكل هذه الآمال بتصريحَين ومقابلة تلفزيونية، حتى قال الناس «ليته سكت».
ولو بدأنا بآخر الأحداث، أهمها استعادة الجيش السيطرة على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار والمناطق المحيطة بها، بعد أشهر من وقوعها في يد «قوات الدعم السريع». واستبشر أهالي المدينة بالحدث، وبدأت قوافلهم تستعد للعودة إلى سنجة من أماكن النزوح المتعددة، إذ عاشوا أياماً صعبة في ظل وجود «قوات الدعم السريع» في المنطقة، واضطروا للنزوح.
إلا أن الأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي ظهرت عن العمليات الانتقامية التي قامت بها مجموعات محسوبة على القوات المسلحة وكتائب العمل الخاص التي تسيطر عليها الميليشيات الحليفة، ضد مَن تسميهم «المتعاونين»، ألقت بظلال كئيبة على الحدث. إذ قامت تلك القوات بتنفيذ عمليات اعتقال وتعذيب لأعداد كبيرة من المواطنين تتهمهم بالتعاون مع «قوات الدعم السريع» في فترة وجودها بالمدينة، وهي الممارسة ذاتها التي تمت في كل منطقة استعادها الجيش، فحدث هذا في أم درمان القديمة، والحلفايا، ثم في الدندر، وأخيراً في سنجة.
لا تجري بالتأكيد تحقيقات وتحريات، ولا ينتهي الأمر بمحاكمات وشهود ودفاع، إنما تظهر قوائم مَن يسمون «المتعاونين» في يد أفراد من الجيش وحلفائه، ثم تبدأ عملية مطاردتهم وقبضتهم، ويتم التعامل معهم بالضرب والتعذيب والمعاملة المهينة، وينتهي الأمر باختفائهم من الوجود. وأسوأ ما في الأمر هو أن الاتهام يقوم في كثير من الحالات على الأصل العرقي والاثني، إذ تكفي ملامحك ولهجتك في الحديث لتصنيفك عدواً ومتعاوناً وخائناً، وغيرها من العبارات.
نعم… يبدو أنها كلما ضاقت ثم ظهرت بوادر انفراج، تبخر الأمل و«ضاقت تاني»، لكن لا يزال السودانيون ينتظرون الفرج، وما زال الأمل موجوداً… لعل وعسى.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأم درمان الجيش الدعم السريع الدندر السودان الشرق الأوسط الفاضل سعيد سنار سنجة فيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أم درمان الجيش الدعم السريع الدندر السودان الشرق الأوسط الفاضل سعيد سنار سنجة فيصل محمد صالح قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الجيش يواصل تقدمه نحو الخرطوم ويدمج قوات النخبة مع درع السودان
قال مصدر ميداني بالجيش السوداني إن قوات النخبة المكونة من الجيش وقوات مساندة من جهاز المخابرات وقوات "درع السودان" التحمت الجمعة مع القوات الموجودة بمعسكر خطاب في الجزء الشمالي الشرقي من محلية شرق النيل بشمال شرقي الخرطوم، بينما يواصل الجيش تقدمه باتجاه العاصمة.
وأضاف المصدر أن الهدف من هذا الالتحام هو الربط بين عدد من قواته القادمة من خارج الخرطوم مع الأخرى داخل الولاية.
وكان مراسل الجزيرة أفاد أمس الجمعة بأن الطائرات التابعة للجيش قصفت مواقع الدعم السريع شرقي العاصمة.
معارك الخرطوموقال مصدر ميداني مطلع للجزيرة إن قوات الجيش والقوات المساندة اقتربت كثيرا من مقر الكتيبة الإستراتيجية في منطقة "مقرن النيلين" بالخرطوم.
ومن جهتها، قالت مصادر محلية للجزيرة إن قوات الجيش تخوض معارك على تخوم منطقة "جياد" الصناعية التي تبعد حوالي 40 كيلومترا جنوب العاصمة الخرطوم.
يأتي ذلك في حين يستمر الهجوم الذي شنه الجيش السوداني منذ بضعة أسابيع لبسط سيطرته على كامل العاصمة.
على صعيد متصل، أفاد موقع "سودان تريبون" بأن الخرطوم لا تزال تشهد اشتباكات عنيفة في ظل تقدم الجيش الذي شن قبل أسابيع هجوما لاستعادة السيطرة على العاصمة.
إعلانوأوضح أنه في شرق العاصمة دارت معارك عنيفة منذ صباح الجمعة في محلية شرق النيل وحي كافوري آخر معاقل الدعم السريع بالخرطوم بحري، استخدم خلالها الجيش الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة.
جسر سوبا
وبينما يقترب الجيش من جسر سوبا الذي يربط الخرطوم مع شرق النيل، نفى رئيس الإمدادات بقوات الدعم السريع دقاش محمد عبد الرحيم سيطرة الجيش على الجسر.
وأضاف -في تسجيل بثه إعلام قوات الدعم السريع الجمعة- أن "الوصول إلى الجسر سيكون عصيا"، مؤكدا وصول عتاد حربي جديد لقوات الدعم السريع.
وتستميت قوات الدعم السريع في التمسك بجسر سوبا لكونه يربط الخرطوم مع شرق النيل حتى لا تحاصر وتعزل عن بعضها بين مدن الولاية.
وفي محاور القتال أقصى شمال غرب ولاية الجزيرة في أواسط السودان، اقترب الجيش من أبو قوتة القريبة من مدينة جبل الأولياء أقصى الجنوب الغربي لولاية الخرطوم حيث تتمركز قوات الدعم السريع بكثافة، وفق المصدر ذاته.
وأوقعت الحرب عشرات آلاف القتلى، وشردت أكثر من 12 مليون شخص، ودمرت البنى التحتية الهشة أساسا في البلاد، مما جعل معظم المرافق الصحية خارج الخدمة.