٩٠ سنة فيروز.. زهرة وسط الدمار
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
غنت فيروز للحب والأرض..للمشاعر والإنسانية خلال مسيرة فنية ممتدة لأكثر من نصف قرن، بدأتها صغيرة منذ بدأت تتعلق بالغناء فى منزلها فى حارة زقاق البلاط، كانت تستمع للراديو من خلال الجيران الذى كان يشدو بأغنيات لأم كلثوم وعبد الوهاب وآخرين، لم تتخيل تلك الطفلة الصغيرة ذاك الوقت أنها هى الأخرى ستصبح أيقونة فى عالم الغناء ليس فى لبنان فقط ولكن فى الوطن العربى والعالم.
حسب تعبيرها فى لقاء سابق لها قالت: «كنت أسمع الموسيقى آتية من عند الجيران بالطابق العالى، كنت أبدأ بالغناء، فيصل صوتى إلى مسامع جار يعمل فى الليل وينام فى النهار فيستيقظ، ويفتح الشباك ويبدأ بالصراخ والتململ قائلًا «ليش ما بيجو يفتحوا الإذاعة هون شو هيدا؟!».
وبينما تحتفل لبنان بميلاد «جارة القمر» التسعين.. كان القصف الإسرائيلى يطيح بغرفتها فى فندق «بالميرا» فى مدينة بلعبك وهى الغرفة التى اعتادت أن تقطنها خلال مشاركتها فى حفلات بلعبك، وهو مبنى تاريخى يعود للعصر العثمانى، احتضن شخصيات فنية مثل صباح، وديع الصافى، الأخوين رحبانى، فريد الأطرش، أم كلثوم، دريد لحم، وغيرهم.
لم تمر أسابيع قليلة حتى اشتعل القصف فى البيت الأثرى الذى ولدت وعاشت فيه فيروز فى حى زقاق البلاط، وهو المنزل الذى قررت بلدية بيروت تحويله إلى متحف إلا أن القرار لم ينفذ حتى الآن رغم محاولات ابنتها ريما الرحبانى عبر السنوات لكن دون صدى، ليصبح المنزل مهددا بين أن يصبح كوما من الرماد بالقصف الإسرائيلى أو الإهمال الذى أطاح بمشروع متحف يليق بمنزل جارة الوادى الذى عاشت فيه إلى جوار شقيقها جوزيف وأختها هدى وهى تخطو أولى خطواتها نحو حبها للموسيقى والغناء.
الجو العائلى الذى تربت فيه فيروز واسمها الحقيقى «نهاد» التى عاشت طفولتها فى عائلة متوسطة الحال لأب يدعى وديع حداد كان عاملا فى مطبعة لجريدة «لو جور»، حيث كانت هى الابنة البكر التى تساعد مع الأم فى تربية باقى أخوتها، حتى تزوجت وغادرت منزل أسرتها فى منتصف خمسينيات القرن الماضى بعد زواجها من الملحن عاصى الرحبانى، لتبدأ مرحلة جديدة فى الفن والحياة.
لكنها ظلت محبة للأسرة والدفء العائلى، وعلى الرغم من الشهرة التى يحظى بها ابنها الموسيقى الكبير زياد الرحبانى وابنتها ريما التى تتولى أعمالها وشئونها، لكن قبل سنوات قليلة تم الكشف ابنها هلى الذى كشف جوانب إنسانية تليق بـجارة القمر.
فالمطربة التى ما دام سحرت الملايين بصوتها الذى يمس الروح، استطاعت أيضا أن تعكس من خلال أمومتها مع ابنها هلى جوانب إنسانية أعمق حيث منحته القوة وألهمت بتجربتها معه الملايين.
قبل عامين وبالتحديد فى عام ٢٠٢٢ كسرت ريما الرحبانى الحصار الذى فرضته فيروز لأكثر من ٦٠ عاما عن ابنها الأصغر هلى، بعدما نشرت ريما صورة تجمع فيروز بابنها –من أصحاب الهمم- وكان الابن الأكبر لفيروز الموسيقى زياد الرحبانى أيضا فى الصورة التى جمعت بينهم جميعا لأول مرة فى إحدى الكنائس فى إحياء ذكرى عاصى الرحبانى، وظهر هلى فى الصورة مقعدا ممسكا بيد والدته.
لتكشف الصورة عن الأمومة الاستثنائية لجارة القمر والتى بدأت فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى وبالتحديد فى عام ١٩٥٨ حين أصيب طفلها هلى الذى لم يكمل ثلاث سنوات وقتها بمرض السحايا، وهو ما تسبب له فى إعاقة صحية وحركية استلزمت تقديم الرعاية الكاملة له، حتى أن الأطباء فى البداية أخبروا فيروز أن هلى لن يعيش لأكثر من ثمانى سنوات، ليخالف التوقعات ويتجاوز الستين من العمر وتظل المطربة اللبنانية الكبيرة تعكف على رعايته حتى بعد أن تجاوزت الثمانين من عمرها، لتكمل دورها الذى بدأته قبل سنوات طويلة حين رفضت أن تدخله إلى مصحة تهتم بشؤونه وقررت أن تتولى هى كل مهام أمومتها، ولم يقف عمرها حائلا أمام خدمته ورعايته وتوفير بيئة آمنة له.
فهى تهتم بالكثير من التفاصيل اليومية مثل الرعاية الصحية، فتذهب معه فى زيارات الأطباء، كما تتولى بنفسها الإشراف على تناوله وجبات تناسب حالته الصحية، كما تساعده فى التفاصيل اليومية مثل الاستحمام وتغيير ملابسه ورعايته الشخصية اليومية.
مسيرة ممتدة يسبقها نبل الأمومةمسيرة فيروز الغنائية والمسرحية الممتدة والطويلة لم تعطلها عن تكريس الكثير من الوقت لرعاية هلى، ولم يقف جدول أعمالها المزدحم عن أمومتها، التى وضعتها فى المقام الأول.
وهو ما كشف عنه المؤرخ الموسيقى السورى سامى المبيض، حين كشف اعتذار فيروز عن إحياء حفلة فى معرض دمشق الدولى والغناء على خشبة مسرحه، وقال المبيض إن المجلات كتبت وقتها أن السبب هو إصابة طفلها بمرض السحايا، رغم ذلك ثارت وبحسب وصفه ثارت إذاعة دمشق وثارت معها دمشق فى المساء، وغضب الفيروزيون السوريون من غياب نجمتهم المفضلة، وقال: «تجمهروا أمام شُبّاك بيع التذاكر رافضين التعويضَ المادّى، مُطالبين بحضور فيروز». وتابع أن اعتذار فيروز عن الحفل كان لسبب مقنع ونبيل.
فيروز التى ولدت فى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى وتميزت بأسلوبها الموسيقى المميز والعاطفى، حيث غنت للوطن والحياة والحب والأمل، لكن هناك قصة متداولة أن فيروز كانت دائما ما تغنى مقاطع كتبتها بنفسها لـهلى قام بعدها زياد الرحبانى استكمالها وتلحينها لتصبح «سلملى عليه» التى صدرت ضمن ألبوم غنائى «مش كاين هيك تكون» عام ١٩٩٩، حيث قامت فيروز بتأليف كلمات الأغنية فى البداية بطريقة ارتجالية لم تلتزم خلالها بالقافية والوزن.
إرث فيروز الفنى لا ينفصل عن إرثها الإنسانى، فعلاقتها بهلى تضيف بعدًا إنسانيًا لجارة القمر، وتجعل منها نموذجًا للأم التى لم تفقد بوصلة الحب والحنان رغم مشاغلها ومسؤولياتها وكونها واحدة من أهم المطربات فى الوطن العربى فى القرن العشرين، وإن كان العدو الإسرائيلى تمكن بالعدوان الغاشم والقصف هدم معالم أثرية هامة، لكنه لم ينجح فى محو عطائها الكبير، لن ينجح فى هدم المشاعر والحب ولا الأرض.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: فيروز جارة القمر لبنان عيد ميلاد فيروز الأغنية العربية الحب الأرض عاصي الرحباني زياد الرحباني ريما الرحباني السحايا الأمومة الرعاية الصحية الاعاقة قصف اسرائيلي زقاق البلاط تاريخ الموسيقى التراث الفني صوت فيروز الثقافة العربية الفن اللبناني فلسطين المقاومة اغاني فيروز الموسيقى العربية حفلات فيروز
إقرأ أيضاً:
إلهام شاهين: مهرجاناتنا صوتنا للعالم ضد الظلم والفرنكوفوني في تطور مستمر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
افتتحت الدورة الرابعة لمهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية مساء أمس الخميس، بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، برئاسة الكاتب والناقد السينمائى د. ياسر محب، وبحضور نخبة من المبدعين والدبلوماسيين والمتخصصين الفرنكوفونيين، وقدم الحفل الفنان تامر فرج.
بدأ الحفل بعرض فيلم تعريفى بالمهرجان، وقدم الحفل الفنان تامر فرج، الذى رحب بالحضور قائلا، إن الجمهور لا يعرف كثيرا معنى الفرنكوفونية، فهى أكثر من مجرد لغة لكنها روح تجمع أكثر من 88 دولة، تجمعهم الثقافة الفرنسية، وهى ثقافة قائمة على الرقى والتحضر، ولم نجد أجمل من لغة الفن التى تجمع كل شعوب العالم حتى نبث هذه الثقافة التى يفهمها ويحفظها الجميع، والمهرجان فى هذه الدورة يقدم صورة جديدة لكيفية استخدام التقنيات الحديثة وتطويعها لخدمة اغراضنا، بدلا من أن تكون التكنولوجيا الحديثة أزمة لشبابنا، والنسخة الرابعة من المهرجان تقدم مسابقة لاكتشاف مواهب الجيل الجديد، والمسابقة فرصة لفتح نافذة للشباب أن يتعرفوا على القامات التى قامت عليها السينما.
وقال رئيس المهرجان د.ياسر محب، إن الدورة الجديدة للمهرجان تدعم الشعب العربى، لأنها تقام فى ظل العديد من التقلبات على كافة المستويات، والسينما ليست فى معزل عن كل مايحدث فى العالم .
وأضاف، أن هذا العام نقدم برنامجا شاملا من دول تقدم افكارها، وأفلام تعبر عن تغيرات الواقع الذى نعيشه على مستوى صناعة السينما وعلى المستوى الانسانى .
وأشار إلى أن هذا العام هناك العديد من المهرجانات ، لكن فى مهرجاننا اليوم نقدم أفلاما تعبر عن الواقع السياسى الذى نعيشه، وهو هدفنا فى هذه الدورة أن نوضح ما يحدث فى العالم من خلال السينما.
وقدم السفير عمرو جويلى مساعد وزير الخارجية المصرية كلمة رحب فيها بالحضور قائلا، إننا نقدم كل الدعم للقضية الفلسطينية من خلال المهرجان.
وأضاف، أن الدورة الرابعة للمهرجان تحمل العديد من الأهداف أهمها التأكيد على أن الفرنكوفونية هى التعددية اللغوية، التى نعمل على الترويج لها، ومصر هى الدولة الوحيدة التى تستضيف الأوبيراتور، أيضا المهرجان يقدم رسالة أن العالم يتغير، ولمصر جزء كبير فى المشاركة فى الركب المتحرك المؤثر على كل المجالات.
وتابع قائلا، نحن نتحدث فرنكوفونى وليس فرنسى ورسالتنا أن الفن لا بد أن يكون فى خدمة قضايا المجتمع ، ونحمل رسالة تضامن من خلال المهرجان للشعب الفلسطينى الذى يعانى الآن.
من جهته قال المستشار ناجى الناجى: مرت أكثر من 400 يوم على اندلاع حرب الإبادة الجماعية، التي خلفت حتى الآن أكثر من 45 ألف شهيد، في حين تجاوز عدد القتلى والنازحين 150 ألفًا. هذه الأرقام تحمل في طياتها مآساة إنسانية هائلة يصعب على الكلمات أن تعبر عنها، ومع ذلك، تستمر الحروب والآلام، ولكنها لم تحجب شعلة التضامن العربي والدولي مع الشعب الفلسطيني.
وأوضح: منذ بداية الحرب وحتى هذه اللحظة، نظمت مصر 142 فعالية، كان من بينها 92 فعالية تحت شعار "فلسطين"، تعبيرًا عن وحدة الموقف العربي وتأييدًا للحقوق الفلسطينية، هذه الفعاليات تعكس استمرار الوعي الشعبي في دعم القضية الفلسطينية، رغم تزايد التحديات على الأرض، ومن خلال هذه الفعاليات، يظل الصوت الفلسطيني مسموعًا، مؤكدًا أن التضامن مع الشعب الفلسطيني لا يتوقف مهما كانت الظروف.
وأشاد بدور الفن فى دعم القضية قائلا، جميعاً نشجع العدالة الإنسانية وحقوق الإنسان وكل المبادئ التى تروج لمفاهيم التعايش فى العالم، واقول بعد كل هذا القتل لابد من إعادة تقييم قوة فعل المثقف فى الخارج، وقال نستطيع بكل الاصوات الحرة فى العالم تحرير وطننا.
وأوضح أن هناك جهد عظيم بذله نجوم الفن فى مصر بالوقوف بجانب القضيه الفلسطينيه ونحن نحاول دعم القضيه بالتواجد فى المهرجانات مثل مهرجان السينما الفرنكوفونية الذى يعرض 14فيلما فلسطينيا بهدف إيقاف شلال الدماء وأقول إن لغة الفن والإبداع تتجاوز الكثير، موجها الشكر للمتتج الفلسطينى حسين القلا صاحب الإنتاج الضخم الذى قدم أعمالا مهمه فى مصر وأيضا عندما لقبت كوكب الشرق فى حيفا، هذا يؤكد أن الفكر والوعى لا يبدءان إلا من مصر.
وقدم د. ياسر محب فيلما قصيرا بالذكاء الاصطناعى ليؤكد أننا لابد أن نطوع التكنولوجيا تحت تحكم العقل البشرى والثقافة الانسانيه دائما لن يتم الغاء تواجدها.
كما قدم عرضا راقصا، أبهر الحضور والذى مزج بين الثقافات المختلفة بموسيقى كلٍ من شارل ازنافور احتفالا بمئويته ،وأغانى فريد الأطرش احتفاءا بمرور 50 عاما على رحيله، وكذلك فقرة راقصة احتفاءا بمئوية ميلاد سامية جمال.
وكرم د.ياسر محب، المكرمين قائلا، إنه تم اختيارهم على أساس تميزهم والثراء الذى قدموه للسينما والوعى البشرى للمتلقى.
كرم المهرجان المخرج أحمد نادر جلال، والذي أعرب عن سعادته قائلا، أنا فخور بتكريمى وأتمنى أن اقدم سينما تجعلنى دائما أكرم فى مثل هذا المهرجان.
وكرم المهرجان الإعلامية سلمى الشماع، التى أكدت على سعادتها قائلة، إن نجاح المهرجان يكمن فى كونه يقدم أفكارا متطورة وسريعة خاصة أن صناعة السينما بدأت فى فرنسا وبعدها بعام بدأت السينما فى مصر، وهذا يؤكد أن الفن لغة يفهمها العالم ومتداوله بين الجميع.
وضربت مثال بنجاح الأجيال المختلفه بالكاتب ناصر عبد الرحمن عضو لجنة التحكيم الذى وصفته بأنه دليل على نجاح الأجيال الجديدة التى نفخر بها.
وقالت، إن المهرجان مع الشباب سيحقق طفرات مميزة.
وكرم المهرجان النجمة إلهام شاهين، التى لاقت إشادة كبيرة من الحضور قائلة، إنها الداعم الأول للمهرجان لايمانها بفكرته المميزة والمختلفة، فكل عام يتطور المهرجان، مؤكدة على أن أهمية المهرجان تكمن فى قدرته على تقوية الابداع بين مصر والدول الفرنكوفونية، وهى فرصه لوصول رسالتنا للعالم كله، ونحن اهدينا كل مهرجاناتنا لفلسطين لنعبر عن أن فلسطين فى قلوبنا، ونحن دائماً ندعم منطقتنا وندعم الإنسانية، ونقول إن من حق كل إنسان أن يعيش فى وطنه بحريه ونتمنى أن يكون العام الجديد خير على كل بلدان العربية .
كما أهدى المهرجان رسالة دعم وتأييد ومساندة للشعب اللبنانى الشقيق من خلال عرض الفيلم التسجيلى "ثالث الرحبانية" عن حياة وإبداعات الموسيقار الراحل إلياس الرحباني ، والذى يشهد المهرجان عرضه الأول بمصر.
ويترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية الطويلة هذا العام النجم الكبير محمد صبحى، بعضوية كل من الكاتب والسيناريست ناصر عبد الرحمن والنجمة المغربية هدى الإدريسى، والمنتجة والمخرجة التونسية عبلة الأسود، والموسيقار المصرى خالد حماد والناقدة الألمانية بريجيت بولاد والمؤرخ اليونانى ينى ملارخونيديس.
كما يترأس المنتج الفلسطينى الكبير حسين القلا مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة، بعضوية النجمة التونسية عائشة عطية والنجم المصرى تامر فرج.
ويترأس المخرج أحمد رشوان لجنة تحكيم مسابقة ١,٢,٣ سينما بعضوية الكاتبة والسيناريست شهيرة سلام والمخرجة سلمى زكى، بينما تترأس الدكتورة إيمان يونس عميد المعهد العالى للسينما مسابقة أفلام الرسوم المتحركة، بعضوية الدكتور معتز الشحرى والدكتورة ليلى فخرى ، ويترأس المخرج السينمائى أشرف فايق مسابقة أفلام "الجيل زد" لأفلام شباب الدارسين والطلبة، بعضوية مدير التصوير أيمن أبو المكارم والناقد محمد الروبى.
ويعرض ضمن أقسامه أكثر من ٧٠ فيلما من أكثر من ٣٠ دولة فرنكوفونية، بحضور نقاد ومخرجين مصريين وافارقة من الدول الأعضاء بمنظمة الفرنكوفونية.