حكم وضع العطر للمرأة وضوابط ذلك
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إنه يجوز للمرأة وضع العطر عند ذهابها للمسجد بشرط أمن الفتنة؛ حيث جاء القرآن الكريم بأخذ الزينة عند كل مسجد سواء للرجال أو النساء، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن.
وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، والاختلاف بين الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة ليس حقيقيًّا؛ فالتحريمُ عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة.
وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم، وهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها غير كاملة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصودُ بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة.
حكم وضع العطر للمرأة وضوابط ذلك
جاء الأمر الإلهي بأخذ الزينة عند الصلاة في المسجد؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، وهو أمْرٌ عامٌّ لكل البشر يشمل الرجال والنساء.
ومن ذلك التطيّبُ؛ فقد أكدت الشريعة على استحبابه في العبادات الجماعية، ومواطن الزحام وتجمع الناس؛ حتى لا يجدوا من بعضهم إلا الرائحة الطيبة؛ رجالًا كانوا أو نساءً، فإذا قصدوا مع ذلك امتثال الهدي النبوي قولًا وفعلًا فقد جمعوا بين محاسن الطِّبَاع وحسنات الاتباع.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/ 195، ط. دار الوفاء): [واستعمال الأرايج الطيبة من جميع وجوهها وأنواع الطيب، وذلك مندوب إليه فى الشريعة لمن قصد به مقاصده، من امتثال أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ليوم الجمعة، والأعياد، ومجامع الناس؛ ليدفع عن نفسه ما يُكْرَهُ من الروائح، وليدخل على المؤمنين راحة ويدفع عنهم مضرة، وما يوافق الملائكة من ذلك فى المساجد، ومظانّ حلق الذكر وغيرها.. ولتطيب رائحته عند أهله وإخوانه المؤمنين، وتظهر مروءته ونظافته، وقد بُنِي الإسلام على النظافة] اهـ.
وليسَ ذلك مقصورًا على الرجال دون النساء؛ بل هو في حقِّ النساء أولى وآكد؛ لِما جُبِلنَ عليه من حب الطيب والعطر؛ فقد أخبر الله تعالى أنه خلق المرأة مُحِبَّةً للزينة، مُنَشَّأَةً في الحلية؛ فقال سبحانه: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18]؛ ولم يكن الله تعالى لينشئهن في الحلية ثم يُحَرِّمُها عليهن بالكلية.
ولذلك كان نساءُ الصحابة رضي الله عنهنَّ يلبسن "السِّخاب" عند خروجهن للعيد، وهي قلادة فيها طِيبٌ، ولم يرد أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهُنَّ عن ذلك؛ فهذه سُنّة نبوية تقريرية، وهذا يقتضي جواز خروجهن للمسجد متطيبات عند أمن الفتنة.
فبوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا سماه: (بابَ القَلائدِ والسِّخابِ لِلنِّساءِ؛ يَعْني: قِلادَةً مِنْ طِيبٍ وسُكٍّ)، ثم روى فيه حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد، فصلى ركعتين، لم يصلّ قبل ولا بعد، ثم أتى النساء، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تصدق بخرصها وسخابها".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المراة العطر الإفتاء
إقرأ أيضاً:
العنف ضد المرأة موروث إنساني أم منتج حربي؟
خالد فضل
هل يستبطن الذكور في اللاوعي تفوقهم على الإناث، ويشعرون بميزة عليهن؟ وهل يقبلون عفويا بفرضية المساواة؟ وهل تشعر معظم النساء حقيقة بأنهن يجب أن يكنّ مساويات للرجال إن لم يتفوقن عليهم؟ فهل المسألة المتعلقة بالتركيب الجسدي للرجال تمنحهم أفضلية؟ في المقابل هل احتواء جسد المرأة على الرحم كأهم عضو لمنح الحياة نفسها؛ يعتبر منقصة عند النساء؟ أذكر على أيام استنساخ النعجة دوللي في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وتزامن معها إنتاج عقار يحقق المتعة الجنسية للمرأة؛ قالت عالمة أحياء أمريكية: لم يعد للنساء حاجة إلى الرجال بعد الآن. فهل كان موقفا متطرفا، أم يعبر عن عين من التمييز ضد النساء؟
إذا افترضنا أنّ للقوة البدنية أو وظائف الأعضاء دوراً في شعور الأفضلية والنقصان؟ فهل إذا انتفت الحاجة إلى هذه القوة، أو تفوقت المرأة فيها على الرجل يتحول ميزان الأفضلية إليها؟ هذه بعض الأسئلة التي تكتنف تلك العلاقة الشائكة بين النوعين، وتتجلى في الممارسات اليومية لأوجه الحياة في أوقات السلم والحرب. وقد لاحظ بعض المراقبين أنّ سيدتين أمريكيتين من الحزب الديمقراطي خسرتا الفوز بنتائج الانتخابات الرئاسية هناك أمام رجل واحد في المرتين، هما هيلاري كلينتون وكامالا هاريس، إذ فاز عليهما دونالد ترامب في المسابقتين، وعزاه بعضهم ضمن أسباب أخرى؛ إلى نوع المرشحة! بينما في بعض البلدان الأوروبية والآسيوية والإفريقية حازت النساء على ثقة الناخبين، ويتبوأن منصب الرئاسة، ويحققن فيها نجاحات كبيرة. فهل هذا مؤشر تقدّم اجتماعي ووعي مستبطن بالمساواة متجاوز لمحطة النوع؟
وفي السودان، بطبيعة تركيبته البشرية المتعددة الثقافات بما في ذلك المعتقدات الدينية، هل تجد المساواة تطبيقها الفعلي في الحياة أم تظل سمات التناقض واضحة، استنادا على النوع؟ فمثلا نجد في بعض الثقافات السودانية أنّ المرأة تقوم بالأعمال الشاقة بدنيا مثل العمل في الأسواق، وعمليات البناء، والرعي والزراعة وجلب الماء والعشب والوقود من مناطق بعيدة، ويستلم الرجل عائدات جهدها وصرفه حسب تقديراته هو، بل ويستخدمه في الزواج بأخريات في بعض الأحيان، أليس هذا من ضروب العنف المستند إلى موروث ثقافي؟ تدعمه في سطوته تلك بعض النصوص الدينية التي يتم تفسيرها لمصلحة الرجل غالبا، ويتم غض الطرف عن المقاصد الكلية لتلك التوجيهات الدينية المرتبطة ببعضها، وقد أشار بيان الحزب الجمهوري في السودان الصادر مؤخرا بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء العنف ضد المرأة 25 نوفمبر إلى التفسير القاصر لبعض تلك النصوص في القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين. ولكن نجد أنّ هذا العنف ضد المرأة لا يقف فقط عند المسلمين وحدهم، ففي بعض مجتمعاتنا السودانية غير المسلمة لا تزال وضعية المرأة متدنية، والعنف ضدها ممارسة ثقافية اجتماعية مقبولة، ولا تشكل أي حرج. مثل عادات تزويج القاصرات، الختان، الحرمان من التعليم، التعددية المفرطة، توريث الزوجات ضمن ميراث المتوفى… إلخ.
إنّ ممارسة العنف وخاصة العنف الجنسي ضد النساء في الحروب السودانية الداخلية ظلّ عملا مستمرا باستمرار تلك الحروب، وهنا نلمح البعد الثقافي الاجتماعي بشكل واضح، في الواقع هناك ظلال ثقافية وراء تلك الممارسات. تتعلق بالنظرة من جانب بعض المكونات السودانية لرصيفاتها، فهناك موروث يمتد من عهود الاسترقاق وما تمنحه النصوص الإسلامية من حقوق للرجال من التمتع بالإماء والجواري وملك الإيمان، وظاهرة ما كان يسمى (السراري) . هذه الممارسات شكّلت وعيا ثقافيا بأنّ ممارسة الجنس مع النساء من هذه الفئات يعتبر أمرا مباحا، وفي ذلك تنتشر روايات وقصص كثيرة، بل وطرائف ونكات. المعني بها النساء من الإثنيات التي عانت الاسترقاق تحديدا، ومن بعض جهات السودان على وجه خاص. ولا داعي لذكر تفاصيل قد تكون مؤلمة حقا، ولكن يمكن لكل قارئ/ة لهذه الكلمة أن يستعرض خبرته في هذا المضمار، ويقف سرّا مع نفسه، ويكاشفها بحقيقة ما تنطوي عليه. وبربط ذلك مع وقائع انتشار هذه الظاهرة بصورة مفزعة في الحرب الراهنة، ويطرأ السؤال هنا، هل ممارسة العنف الجنسي كأداة حربية ظاهرة جديدة؟ أم أنّ الجديد هو انتقال الحرب إلى مناطق جديدة في وسط السودان انطلاقا من العاصمة، وبالتالي تأثر مجتمعات هذه المناطق مباشرة بهذه الانتهاكات؟ هلا استرجعنا أحداث الحرب في دارفور وما ورد فيها من إفادات مرعبة حول العنف الجنسي كسلاح استخدم بضراوة ضد بعض المكونات هناك، ما هي ردة فعل معظم مجتمعات الوسط تجاه تلك التقارير والإفادات الكريهة، وهل تمت إدانتها بشكل واضح وفعّال أم تمّ التشكيك فيها إن لم يعتبرها البعض (شرفا) لتلك المرأة التي تعرّضت للانتهاك!!
إنّ معالجة ممارسة العنف ضد المرأة تبدأ من نقطة البدء، التنشئة الاجتماعية للطفل، والمقررات الدراسية، والإعلام، ودور العبادة، والوسط الاجتماعي لتأتي النصوص الدستورية والقانونية كتتويج لذلك الوعي، صحيح لا يغالط أحد في جدوى تلك الاستحقاقات الدستورية والقانونية، لكن إذا كان المجتمع المعني بتلك التشريعات يمارس عكسها في حياته اليومية، ويتم الخضوع الفعلي لقوانين عرفية وثقافية واجتماعية ستظل تلك الحقوق معلّقة في الهواء، ويتم اللجوء إليها فقط في بعض الحالات، ودوننا ما تتوصل إليه معظم التقارير والدراسات حول العنف الجنسي في الحرب الراهنة من أنّ معظم الحالات لا يتم الإبلاغ عنها خشية الوصمة الاجتماعية، ويتم التعامل مع الناجية باضطهاد في بعض الحالات ليس من جانب الغرباء، بل من أقرب الأقربين، وفي بعض مظان كفالة العدالة وتطبيق القوانين مثل مكاتب الشرطة والنيابة، وربما ساحات القضاء
الوسومخالد فضل