أججتها الخلافات على الأموال والمناصب.. تزايد حدة الصراعات المسلحة بين القيادات الحوثية
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
توعد عبدالملك الحوثي زعيم المليشيا الإرهابية المدعومة من إيران بإحداث تغييرات جذرية شاملة في مؤسسات الدولة المختطفة، في محاولة منه لامتصاص حالة السخط والاحتقان الشعبي الذي يتصاعد ضد جماعته يوما بعد آخر والمتزامن مع موجة احتجاجات وتزايد وتيرة الصراع الداخلي في صفوف اجنحة المليشيا.
وأبدى زعيم المليشيا في آخر خطاب له بمناسبة ما تسمى (ذكرى استشهاد الامام زيد) مخاوفه من زيادة التصدع والانقسام وتوسع الخلافات بين اجنحة المليشيا التي تهدد بتفكك جبهتها الداخلية بالتعبير عن أمله "في أن يدرك الجميع أهمية العمل على تعزيز الاستقرار الداخلي وإفشال كل مؤامرات الأعداء لإثارة الفتن تحت عناوين متعددة اجتماعية وسياسية وغيرها" - حد قوله.
ولوح زعيم المليشيا بحرب اقليمية ودولية في حال عدم الاستجابة لمطالبها، مؤكدا رفضه بقاء حالة اللا حرب واللا سلم، وهو ما اعتبره مراقبون هروبا من أزمة داخلية تعيشها الجماعة مع استمرار احتجاجات المعلمين والمعلمات للاسبوع الرابع على التوالي ومطالبات للموظفين بصرف رواتبهم المنهوبة منذ ثمان سنوات.
وتعيش مليشيا الحوثي حالة واسعة من انهيار الثقة والتخوين المتبادل بين قادة اجنحة الجماعة وكبار الموالين لها من التيارات الحزبية والعسكرية والإعلامية الأخرى والتي انتقلت من حالة الحرب الصامتة الى العلن.
ومنذ مطلع اغسطس الجاري، نشرت مليشيا إيران الحوثية عشرات المقالات والتقارير في وسائلها الإعلامية في محاولة رأَب الصَّدْع بين اجنحتها المتصارعة، محذرة من الفتنة والمؤامرة والاختراق وتفكيك الجبهة الداخلية، في الوقت الذي يتبادل جناحاها الاتهامات بالفساد وصلت إلى مستوى تبادل الشتائم والسباب العلني والاختطاف والتصفيات الداخلية.
وخلال اليومين الماضيين، وجه الصحفي عابد المهذري مدير قناة "اللحظة" الحوثية المحسوبة على جناح رئيس ما يسمى المجلس السياسي التابع للمليشيا المدعو مهدي المشاط ومدير مكتبه القيادي البارز أحمد حامد المكنى "ابو محفوظ" سيلا من الشتائم اللفظية في برنامج متلفز على الناشطين التابعين لجناح القيادي البارز محمد علي الحوثي عضو ما يسمى المجلس السياسي التابع للحوثيين.
فيما رد جناح القيادي محمد علي الحوثي رئيس ما تسمى المنظومة العدلية المشرفة على جهاز القضاء عبر المحكمة الجزائية المتخصصة (غير دستورية) بأمانة العاصمة، بتكليف جهاز الأمن والمخابرات وكافة مأموري الضبط القضائي بالقبض على الناشط الحوثي "محمد حسين علي الجرموزي" المحسوب على جناح القيادي المشاط، بتهمة ما اسماها جريمة الإهانة العلنية للقضاء من خلال القول لموظف عام بسبب وظيفته القضائية، واستندت النيابة الحوثية بوقائع جارحة من خلال نشره مقاطع فيديو على الإنترنت بذلك.
واتسعت رقعة الصراعات الداخلية في صفوف اجنحة مليشيا الحوثي الإرهابية، بشكل لافت وملحوظ منذ مطلع شهر اغسطس الجاري، أسفر عنها مصرع العديد من القيادات والإطاحة بأخرى من مناصبها، في ظل احتدام مستمر للصراع.
وشهدت محافظات، صنعاء، وإب ومأرب خلال أسبوعين، 7 حوادث منفصلة بينها تصفيات بينية داخل مليشيا إيران الحوثية، مما يعكس حدة الصراع المحتدم بين أجنحة المليشيات خصوصا بين جناحي صعدة وصنعاء.
وشملت تلك الحوادث، 4 اغتيالات، واعتداء على قيادي واعتقاله في إب، ومحاصرة ثان بصنعاء، ونجاة ثالث من الموت المحقق ومقتل عدد من مرافقيه، ناهيك عن اقالات متبادلة بين المحسوبين على الجناحين واتهامات علنية متبادلة في صفوفها وصلت الى حد المحاكمة.
وفي آخر تلك الحوادث، أقدم مسلحون على نصب كمين للقيادي الحوثي "إبراهيم القشار" على خط الحتارش، شمالي صنعاء، وأطلقوا النار عليه، ما أدى إلى مقتله على الفور، والقشار كان مقرباً من القيادي الحوثي يحيى الشامي، والذي توفي هو ونجله زكريا في ظروف غامضة.
والجمعة 11 اغسطس الجاري، اعتدى مسلحون حوثيون على قيادي أمني حوثي يدعى "صخر صادق حمزة" المنتحل صفة مدير أمن مديرية مذيخرة والذي يعمل والده وكيلا للمحافظة، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين فصائل حوثية في "مفرق ميتم" في شارع تعز بمديرية المشنة مدينة إب، على خلفية اتهامات لصخر حمزة بتهريب مطلوبين، وقام المسلحون باختطافه، وإيداعه سجنًا حوثيا في مركز المحافظة.
وبالتزامن، كشف القيادي الحوثي "إسماعيل الجرموزي"، عن قيام أطقم عسكرية من ما تسمى قوات الأمن الخاصة بمحاصرة منزله بصنعاء، منذ أيام، متهما وزير داخلية الحوثيين، عبدالكريم الحوثي، بارسال هذه الأطقم على الرغم ان نجله الوحيد "مجاهد" يقاتل في صفوف المليشيا منذ سبع سنوات.
وقال الجرموزي، الذي كان مُعيناً من المليشيا مديراً عاماً للمراجعة الداخلية بوزارة الأوقاف والإرشاد سابقًا، إن الأطقم العسكرية مدججة بالأسلحة، وبحوزتهم اوامر بالقبض القهري عليه، واصفا اياهم بـ"دولة الأوغاد"، على خلفية مطالبته برواتب الموظفين، وتسريبه وثائق تثبت الفساد المهول الذي تمارسه اجنحة داخل الجماعة.
والخميس 10 أغسطس، نجا بأعجوبة قيادي وشيخ قبلي موال لمليشيا الحوثي الإرهابية يدعى "نبيل حسين زوقم" ويكنى بـ"أبو حسين" من محاولة اغتيال من قبل مسلحين مجهولين اثناء مروره في شارع الستين وسط صنعاء، فيما اصيب عدد من مرافقيه والحقت اضرار بسيارته، قبل أن يلوذ الجناة بالفرار الى جهة مجهولة.
المليشيا الحوثية، حاولت تفنيد الحادثة على أنها شائعة، نافية وقوعها عبر تصريح أدلى به القيادي الحوثي "زوقم" للمركز الاعلام الأمني التابع لوزارة داخلية الحوثيين، إلا أن ما يؤكد وقوع الحادثة استحداثها عشرات نقاط التفتيش في صنعاء عقب الحادثة التي تأتي ضمن الصراعات البينية بين جناحي صعدة وصنعاء، حيث سبق ان وجه القيادي "زقوم" اتهامات علنية لقيادات حوثية بارزة في المجلس السياسي الاعلى التابع للمليشيا بالفساد.
وقبلها بيومين، اغتالت عناصر الأمن الوقائي التابع للحوثيين، في ساعات متأخرة من الليل، الشيخ القبلي حسن صالح الراعي، بعد تعقبه في مديرية بني الحارث شمالي صنعاء، ونقله بعد الحادث إلى مستشفى "يوني ماكس" التابع لاحد قيادات المليشيا، زاعمة ان سبب الحادثة إطلاق عيار ناري من سلاحه الشخصي أثناء قيامه بتنظيفه، في الوقت الذي نفى أقارب الضحية هذه المزاعم، مؤكدين انه تعرض لعملية اغتيال آثمة وضلوع قيادات حوثية في مقتله كان على خلاف معها.
وفي 4 أغسطس، أقدمت قيادات حوثية تنحدر من محافظة صعدة (معقل المليشيا الرئيس) على تصفية القيادي الميداني البارز المدعو "ناجي ضيف الله الأمير" المنحدر من محافظة مأرب بعد تصاعد خلافاتها معه بقصف تجمع له مع آخرين بالطيران المسير التابع لها في جبهة الجوبة، جنوبي مدينة مأرب، حيث رصدت المليشيا تحركات القيادي "الأمير" واستهدفته مستغلة اندلاع معارك عنيفة، بين المليشيات مع القوات الحكومية لتصوير حادث مقتله كأنها وقعت خلال المواجهات.
وجاء الحادث مع آخر مماثل في سياق الصراعات الميدانية بين اجنحة مليشيا الحوثي في جبهة مأرب، أودت بحياة القيادي "صالح شملول" المكنى "أبو صالح"، والمنحدر من مديرية المراشي بمحافظة الجوف، في اشتباكات مع قيادي حوثي آخر في جبهة رغوان شمالي غربي مأرب.
وسجل الصراع الداخلي الحوثي مؤخرا تطورا شمل إقالة عدد من قياداتها المحسوبين على جناح صنعاء وإب من مناصبهم لصالح جناح صعدة كان آخرها إقالة "ابو رداد المجهلي"، قائد ما تسمى النجدة بمحافظة صنعاء، و"محمد علي الشامي" مدير الوحدة التنفيذية لكبار المكلفين بمصلحة الضرائب الافتراضية بصنعاء.
وتزايدت الصراعات المسلحة بين القيادات الحوثية مع بروز أجنحة متعددة داخل المليشيا المدعومة من إيران. ويتسابق جناح صعدة من جهة وجناح صنعاء من جهة أخرى، في التصفيات والتخلص من القيادات المحسوبة على الجناح الآخر في سياق حملة تطهير متبادلة داخل المليشيات الحوثية، تصاعدت وتيرتها مع المفاوضات لاجنحة المليشيا المتعددة مع السعودية، وتعود دوافع غالبية تلك الصراعات للخلاف على المكرمات والأموال والمناصب والنفوذ والمنهوبات.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: ملیشیا الحوثی
إقرأ أيضاً:
سلطنة عمان تؤكد مكانتها العالمية كراعية للسلام وحل الخلافات الشائكة
عوض باقوير: الدبلوماسية العمانية تخفّض من درجة التصعيد
د. نورة المجيم: العالم يثمّن الأصوات العاقلة رغم الانقسامات العالمية
د. محمد العريمي: عودة المفاوضات خطوة نحو كسر الجمود وبناء الثقة بين الطرفين
خميس القطيطي: عمان رصيد كبير في تقريب وجهات النظر على الساحة الدولية
تؤكد عودة المباحثات الأمريكية الإيرانية فـي مسقط مكانة سلطنة عمان البارزة على الساحة الدولية كطرف محايد وصوت للعقل والحكمة، حيث يلجأ إليها العالم كلما تصاعدت التوترات الإقليمية والعالمية، وظهرت تهديدات الحرب فـي الأفق. ومع استئناف المباحثات بين واشنطن وطهران فـي مسقط حول الملف النووي الإيراني، تحقق الدبلوماسية العمانية مجددا نجاحا جديدا فـي تعزيز التفاهم وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة والعالم، مما أسهم فـي تهدئة الأوضاع ومنح العالم بارقة أمل فـي الحلول السلمية. وقد رحب المجتمع الدولي بالدور العماني الفاعل فـي قيادة المرحلة الأولى من المفاوضات بنجاح، وهو ما شهدت عليه كافة الدول. وعندما توجهت الأنظار إلى مسقط يوم السبت الماضي، تراجعت التهديدات العسكرية وحلّ الهدوء الحذر فـي المنطقة، مع الأمل فـي تعزيز أوجه التقارب بين الطرفـين خلال الجولة القادمة من المفاوضات، والمقرر عقدها فـي مسقط السبت المقبل. وقد أشار محللون سياسيون إلى أن استئناف المباحثات الأمريكية الإيرانية بعد انقطاع دام نحو عشر سنوات، فـي وقت شهد تصاعدا ملحوظا فـي التوترات بين الجانبين، يمثل إنجازا كبيرا للدور التاريخي الذي تقوم به سلطنة عمان فـي تقريب وجهات النظر، وتغليب صوت العقل فـي النزاعات الدولية، واستخدام دبلوماسية الحوار كوسيلة رئيسية لحل الأزمات.
خفضت درجات التصعيد
قال المحلل السياسي المكرم عوض بن سعيد باقوير عضو مجلس الدولة: إن الجولة الأولى من المفاوضات التي جرت فـي سلطنة عمان بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية تعد ذات أهمية سياسية كبيرة، خاصة فـي ظل التوترات المستمرة وشبح الحرب بين واشنطن وطهران. وأكد أن الدبلوماسية العمانية أدت دورا محوريا فـي خفض درجة التصعيد، حيث أظهرت الجولة الأولى نتائج إيجابية تمثلت فـي تبادل الحوار بين الطرفـين الإيراني والأمريكي لبضع دقائق، مما يعد مؤشرا إيجابيا على أن بداية المفاوضات كانت واعدة.
وأضاف باقوير: إن سلطنة عمان قد تصدرت المشهد السياسي والإعلامي، مما أضفى بُعدا إيجابيا على دورها البارز فـي ضرورة وقف التصعيد فـي المنطقة، والدعوة إلى اعتماد الحوار والدبلوماسية كوسيلة أساسية لحل النزاعات. ولفت إلى أن تلك المفاوضات الصعبة، التي عقدت فـي سلطنة عمان، كانت لحظة فارقة للعالم، خاصة أن سلطنة عمان تمتلك خبرة تراكمية واسعة فـي التعامل مع الملف النووي الإيراني، حيث سبق لها أن أسهمت فـي المفاوضات بين طهران وواشنطن فـي السنوات الماضية، وصولا إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، بعد جولات مكوكية من التفاوض فـي عدة عواصم عالمية، بما فـي ذلك مسقط التي احتضنت الجولة قبل الأخيرة.
وأشاد باقوير بالدور البارز الذي تؤديه سلطنة عمان على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، مؤكدا أن العالم يقدر جهود سلطنة عمان وقيادتها الحكيمة فـي إيجاد حلول ومقاربات سياسية، ليس فقط فـي الملف النووي الإيراني، بل فـي العديد من القضايا المعقدة الأخرى.
وأشار باقوير إلى أن البيانات السياسية الصادرة عن عواصم صنع القرار والدول العربية التي تشيد بجهود سلطنة عمان تنعكس بشكل إيجابي على المكانة المرموقة لبلادنا ودورها المحوري فـي تقديم حلول واقعية للفرقاء فـي عدد من القضايا الصعبة. وأضاف: إن هذا الإنجاز الدبلوماسي المهم، الذي تصدَّر نشرات الأخبار العالمية ووكالات الأنباء الدولية والصحف الكبرى، يعزز من مكانة سلطنة عمان ويعكس مصداقيتها واعتمادها على الحوار كوسيلة مثلى لحل القضايا والخلافات فـي المنطقة وعلى مستوى العالم.
عمان صوت العقل
من جهتها أكدت الدكتورة نورة صالح المجيم، المحللة السياسية والباحثة فـي الشؤون الآسيوية من دولة الكويت، أن عودة المباحثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فـي سلطنة عمان تمثل تطورا بالغ الأهمية على أكثر من صعيد، خاصة فـي ظل التوتر المتصاعد فـي المنطقة واحتمالية اندلاع مواجهات عسكرية فـي أي لحظة.
وأوضحت المجيم أن أهمية استئناف المباحثات تتجلى فـي عدة زوايا، أولها التهدئة وتجنب التصعيد، مشيرة إلى أن المفاوضات تعكس رغبة الطرفـين فـي تجنب المواجهة العسكرية والبحث عن حلول دبلوماسية للأزمات المتراكمة، مثل البرنامج النووي الإيراني، والأمن الإقليمي، بالإضافة إلى ملفات سوريا والعراق واليمن. ولفتت إلى أن مجرد الجلوس على طاولة واحدة يمثل إشارة واضحة إلى أن النوايا لا تقتصر على التصعيد.
وتناولت المجيم البُعد الإقليمي، حيث أكدت أن المنطقة تشهد تصعيدا مستمرا، خاصة فـي ظل تداعيات الحرب فـي غزة، وتوترات البحر الأحمر، والتمدد الإيراني. وأشارت إلى أن عودة المفاوضات قد تسهم فـي تهدئة الجبهات الساخنة، وإرسال رسائل طمأنة لحلفاء واشنطن فـي الخليج.
وأضافت الباحثة الكويتية: إن هذه المباحثات بالنسبة للولايات المتحدة قد تكون جزءا من استراتيجية احتواء إيران دون الانجرار إلى حرب. وفـي المقابل، فإن الوضع الداخلي فـي إيران يشهد اضطرابات، والعقوبات خانقة، مما يدفعها للبحث عن منفذ لتخفـيف الضغوط الاقتصادية والسياسية، بينما تحاول الحفاظ على مكاسبها الإقليمية.
وعن الترحيب الإقليمي والعالمي بدور سلطنة عمان فـي استضافة المباحثات، قالت المجيم: «إن هذا الترحيب يمنح جهود سلطنة عمان زخما ومشروعية، ويؤكد أن العالم، رغم الانقسامات، لا يزال يثمّن الأصوات العاقلة، ويبحث عن منافذ للحوار عبر دول تجمع ولا تفرّق». وأضافت أن هذا الترحيب يعكس تقديرا كبيرا للدور العماني المتزن، ويُضفـي على وساطتها بعدا سياسيا ومعنويا مهما.
وأوضحت أن الترحيب الواسع الذي لقيته سلطنة عمان يعزز من مكانتها فـي المجتمع الدولي، حيث يُمنح غطاءً سياسيا ودبلوماسيا قويا للاستمرار فـي دورها كوسيط. كما أكدت أن البيئة الإقليمية تشهد استقطابا حادا، لكن دور سلطنة عمان المقبول من جميع الأطراف أسهم فـي كسر الثنائية التقليدية، وفتح الباب أمام حلول توافقية قائمة على الحوار، بدلا من الغلبة.
وأضافت المجيم: إن كل ترحيب بهذا الدور يُعتبر دعما لاستقرار الخليج والمنطقة الأوسع، حيث إن أي نجاح فـي التهدئة بين واشنطن وطهران سيخفف من الضغوط الأمنية والسياسية على دول الجوار، ويمنح الفرصة لتركيز الجهود على التنمية بدلا من المواجهة.
كما أكدت أن الترحيب العالمي يعكس اعترافا دوليا بأن سلطنة عمان ليست مجرد مضيف محايد، بل لاعب ذكي يُجيد إدارة الملفات الحساسة فـي أكثر القضايا تعقيدا. وذكرت أن هذا يعزز من مكانتها السياسية والدبلوماسية فـي المنظمات والمحافل الدولية، ويؤكد أن الحلول لا تأتي فقط عبر السلاح أو الاصطفافات الحادة، بل عبر الحوار والصبر والدبلوماسية.
وأشارت الدكتورة نورة إلى أن احتضان سلطنة عمان للمباحثات بين الجانبين الأمريكي والإيراني يحمل دلالات عميقة على المستوى الدولي، حيث يرى العالم فـي سلطنة عمان نموذجا للدبلوماسية الهادئة والذكية التي تؤثر فـي التوازنات العالمية. وأضافت: إن المجتمع الدولي، خاصة فـي أوروبا وآسيا، له مصلحة مباشرة فـي منع أي تصعيد عسكري بين واشنطن وطهران، لما سيترتب عليه من تهديد للممرات البحرية الحيوية، فضلا عن تأثيره على التفاهم بشأن القضايا المتراكمة مثل الملف النووي وأمن الخليج.
وأكدت المجيم أن الدور العماني فـي الوساطة بين واشنطن وطهران سيعزز النظرة العالمية إلى سلطنة عمان بشكل ملموس، ليس فقط من الناحية السياسية، بل على مستوى السمعة الدولية، والفرص الاقتصادية، والمكانة الجيوسياسية. كما قالت: «العالم بات ينظر إلى سلطنة عمان كـ«صوت عقل» فـي منطقة تموج بالتوترات والصراعات. حيادها وهدوؤها السياسي، وعدم انخراطها فـي المحاور، منحاها احتراما دوليا قلّ نظيره فـي الشرق الأوسط».
وختمت تصريحها، بأن عودة المباحثات بين الولايات المتحدة وإيران، وخاصة بوساطة سلطنة عمان، تمثل خطوة إيجابية نحو التهدئة، وتدل على وجود إرادة سياسية لدى الطرفـين لتفادي المواجهة المباشرة، ما يبعث برسالة طمأنة للعالم.
ثقة فـي الدور العماني
وقال الدكتور محمد بن مبارك العريمي كاتب وباحث فـي الشؤون السياحية: إن عودة المباحثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيران الإسلامية فـي مسقط تُعد تطورًا استراتيجيًا وسياسيًا بالغ الأهمية، خاصة فـي ظل التوترات المتصاعدة بين طهران وواشنطن. وأضاف: إن هذه المباحثات تُعتبر كسرًا للجمود الثنائي بين الطرفـين، وأن اختيار مسقط تحديدًا لاستضافة هذه الاجتماعات يعكس ثقة متبادلة فـي الدور العماني والدبلوماسية العمانية كوسيط محايد ومؤتمن على سرية وخصوصية المحادثات.
وأشار العريمي إلى أن هذه المباحثات تأتي فـي لحظة بالغة الحساسية، حيث قد يؤدي أي انزلاق فـي المفاوضات إلى مواجهة عسكرية مدمرة، ليس فقط لإيران، بل للمنطقة بأسرها. وأضاف: إن وجود مسقط كمنصة حوار يعكس إرادة جزئية لتفادي الأسوأ، ويعكس رغبة الطرفـين فـي البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية تراعي مصالح جميع الأطراف، خاصة إيران وأمريكا ودول المنطقة.
وأكد العريمي أن احتضان سلطنة عمان لهذه المباحثات يبعث برسالة واضحة للعالم مفادها أن الحوار لا يزال ممكنًا بين واشنطن وطهران، بالرعاية العمانية النزيهة، رغم حدة الاستقطاب الذي شهدناه فـي الفترة الأخيرة، والذي لا يزال قائمًا. كما أضاف أن هذا الدور العماني يُظهر أهمية وجود أطراف إقليمية مثل سلطنة عمان، التي تمتلك حكمة سياسية ونظرة ثاقبة، فضلا عن النفوذ الهادئ المتزن والعقلاني، مما يجعلها مؤهلة للقيام بدور جسر التواصل بين المتنازعين.
وأشار العريمي إلى أن الترحيب الواسع بالدور العماني يعكس اعترافًا دوليًا متزايدًا بنهج سلطنة عمان القائم على الحياد الإيجابي والبناء فـي منطقة تعاني من انقسامات حادة واستقطابات خطيرة. وقال: «سلطنة عمان تُظهر للعالم أنها صوت عقلاني رزين قادر على تقريب وجهات النظر، فـي وقت يحتاج فـيه العالم إلى مسارات دبلوماسية حقيقية».
وفـي سياق الحديث عن أهمية هذه المباحثات، أوضح العريمي أن نزع فتيل التوتر بين واشنطن وطهران له أهمية استراتيجية بالغة، حيث إن أي تصعيد عسكري بينهما لن يبقى محصورًا بينهما، بل سينعكس سلبًا على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة فـي ظل الاعتماد العالمي على موارد النفط والغاز فـي دول الخليج. وأكد أن الشعوب فـي إيران ودول الجوار، وكذلك الغرب، ستدفع ثمنا باهظًا إذا نشبت حرب فـي المنطقة، وبالتالي فإن أي تقدم فـي الحوار يعني خطوات نحو الاستقرار وحماية الأرواح والموارد الطبيعية. وتابع العريمي قائلا: «من هنا، ومن خلال هذه المنطلقات، نرى الدبلوماسية العمانية حاضرة لتقديم ما يمكن تقديمه من أجل تفادي الانزلاق إلى حرب وصدام مباشر بين إيران وأمريكا».
وفـي حديثه عن الاختلافات بين المباحثات التي جرت فـي سلطنة عمان فـي عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2015 والمفاوضات الحالية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، قال العريمي: «الفارق بين المباحثات فـي عهد أوباما عام 2015 وما يحدث فـي عهد ترامب اليوم كبير فـي الشكل والمضمون».
وأوضح العريمي أن المباحثات فـي عام 2015 كانت جزءًا من مسار دبلوماسي منسق بدعم دولي، وأدت إلى توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية. وأضاف: إن إدارة أوباما أبدت انفتاحًا وجدية كبيرة فـي التفاوض مع حرص على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة وسرية لضمان نجاح المسار.
أما فـي عهد ترامب، فإن الوضع كان مغايرًا تمامًا، حيث تبنت الإدارة سياسة «الضغط الأقصى» على إيران، وانسحب ترامب من الاتفاق النووي فـي عام 2018، مما أدى إلى تصعيد حاد فـي التوترات. وأشار إلى أن ترامب أبدى رغبة مبدئية فـي التفاوض، لكنه فرض شروطًا متشددة، مما جعل المباحثات فـي عهد ترامب تقتصر على محاولات لتقريب وجهات النظر، ولم تتبلور فـي مسار تفاوضي منتظم.
وأكد العريمي أن المباحثات فـي 2015 كانت مفاوضات مباشرة ومثمرة، بينما كانت محاولات التقارب فـي عهد ترامب محدودة وغير مؤسسية، وقد أجهضتها المواقف المتصلبة من الجانبين فـي تلك الفترة.
طرف موثوق
فـيما أكد الباحث والمحلل السياسي خميس القطيطي أن سلطنة عمان قد عادت مجددًا إلى الواجهة السياسية والإعلامية الدولية باستضافتها للمحادثات بين جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية. وأشار إلى أن هذه المحادثات تأتي فـي وقت حساس، حيث شهدت الأيام التي سبقتها تصاعدًا فـي التصريحات بين الطرفـين، وتزامنت مع تحريك حاملات طائرات وقطع حربية أمريكية باتجاه مياه الخليج والشرق الأوسط، فـي محاولة للضغط على إيران بخصوص برنامجها النووي. من جانبها، كان الرد الإيراني قويا، معبرًا عن حالة الردع التي تمتلكها طهران، مؤكدًا قدرتها على حماية أمنها القومي ومصالحها وقدراتها، خاصة فـيما يتعلق ببرنامجها النووي وبرامج الصواريخ الموجهة التي تمتلكها. وأوضح القطيطي أن رفع لغة التهديد من كلا الطرفـين يُفهم بشكل جيد، حيث يدرك كل منهما خطورة تصاعد المواجهة، وأن كلا الطرفـين سيتضرر، بل إن المنطقة بالكامل ستتأثر بشدة فـي حال اشتعلت المواجهة. كما أشار إلى أن هذه التطورات قد تدفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي بشكل تصاعدي فـي حال تصاعدت الأمور نحو التصعيد العسكري. من هنا، فإن قرار الطرفـين بإجراء محادثات فـي مسقط بوساطة عمانية يشير إلى إرادة مشتركة للبحث عن حلول سياسية ودبلوماسية، على غرار ما حدث فـي عام 2015 عندما تم توقيع الاتفاق النووي، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة لاحقًا فـي عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وأشار القطيطي إلى أن اختيار سلطنة عمان كوسيط لهذه المفاوضات يعكس رصيدها الكبير فـي تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة فـي قضايا دولية متعددة. وأوضح أن السياسة العمانية تقوم على مبادئ إنسانية واضحة، تتمثل فـي عدم التدخل فـي شؤون الآخرين والحياد الإيجابي، وهو ما جعل عمان طرفًا موثوقًا يتمتع بمصداقية عالية فـي العلاقات الدولية. وأكد القطيطي أن عمان تجيد التعامل مع هذه اللقاءات السياسية بمزيد من الصبر والهدوء والحنكة، دون الحاجة إلى ضوضاء أو تصعيد إعلامي، ما جعلها منارة للسلام ومحطة لقاء بين الفرقاء. وأضاف أن مسقط أصبحت قبلة السلام، نظرًا لما تحمله سلطنة عمان من دور محوري فـي تعزيز الأمن والسلم الدوليين، بما يتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة. وتابع القطيطي قائلًا: «لقد أدت سلطنة عمان دورًا محوريًا فـي تجنب المنطقة ويلات الحروب وتخفـيف حدة التوترات والصراعات، والآن تعود مجددًا إلى الساحة الدولية كعنوان للمحبة والسلام والاستقرار». وأعرب القطيطي عن أمله فـي أن تتمكن الأطراف من التوصل إلى اتفاق جديد فـي الملف النووي الإيراني، بما يسهم فـي تقليص شبح التصعيد العسكري والحد من التوترات. وأكد أن أي نجاح يُحرز فـي هذا المسار التفاوضي سيكون له انعكاسات إيجابية على العديد من القضايا الإقليمية والدولية الأخرى، خاصة فـي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعدوان المستمر على قطاع غزة والأزمة الإنسانية المتدهورة. وأشار إلى أن التوجه الدولي نحو الحوار يسهم فـي كبح جماح التصعيد فـي ملفات إقليمية ودولية متعددة، ويُسهم فـي تجنب الحروب المدمرة. وقال: «الحوار هو السبيل الأمثل لإعادة صياغة العلاقات الدولية، بحيث يسودها الاحترام المتبادل، ويُمكن للدول أن تستفـيد من التعاون الدولي والتبادل التجاري والانفتاح على معالجة القضايا العالمية بما يحقق تطلعات الشعوب».