فهم آليات صنع القرار الديناميكي
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
تشكِّل عملية صنع القرار على مستوى الدول/ المؤسسات -على حد سواء- العنصر الأكثر حسمًا في جودة جودة مخرجات/ منتجات تلك الدول أو المؤسسات، ولذلك كانت مسألة (آليات صنع القرار) أحد أهم الحقول البحثية للعديد من العلوم؛ ليس فقط العلوم المتصلة بالإدارة، وإنما علم النفس، والعلوم السلوكية، وعلم الأعصاب، وعلم البيانات، وسواها من الحقول المعرفية.
ولأن عمليات صنع القرار وتجويدها وتحسينها يتطلب جهدًا معرفيًّا موسعًا عملت بعض المؤسسات الأكاديمية على إنشاء مراكز بحثية، ومختبرات للبحث التجريبي حول ديناميكيات صنع القرار، ولعل أهمها جامعة كارنيغي ميلون التي أسست مختبرًا تتلخص مهمته في محاولة فهم كيفية اتخاذ القرارات والتعامل والتكيف مع المهام الديناميكية، وكيف يمكن تمثيل مثل هذه العمليات المعرفية حسابيًّا؟ وتشكّل المعرفة العلمية أساسًا مهمًّا حين تدمج بطريقة مؤسسية في دورة اتخاذ القرار، ذلك أن التراث النظري حول عمليات اتخاذ القرار يكشف لنا العديد من العوامل المؤثرة -غير الملموسة- وغير المباشرة التي يمكن أن تتأثر بها هذه العملية، فهناك أبحاث على سبيل المثال تتحدث عن وجود علاقات مباشرة بين أحجام الحكومات (من ناحية حجم مجلس الوزراء) وبين مستوى الجودة في صنع القرار، وهناك أبحاث كتلك التي قدمها بافووار وأوروسوفا حول القرار التجني تفيد عبر تتبعها التاريخي بأن أساليب اتخاذ القرار التجنبي سواء بالنسبة للأفراد أو المؤسسات غالبًا ما كانت ترتبط بالتحصل على نتائج سلبية، وهناك الدراسات في العلوم التقاطعية مع علم الدماغ والتي قدمت في السنوات الأخيرة مجموعة من الحقائق المهمة لحقل صنع القرار ومنها أن « الكثير من عملية صنع القرار لدينا تحدث على مستوى اللاوعي، حيث يعمل الوعي كـ «مبرر» أكثر من كونه صانع قرار». وأن إرهاق اتخاذ القرار هي معضلة الإدارة الراهنة والتي تفرز تداعيات غير محسوبة على مستوى المؤسسات حيث يواجه القادة إرهاق اتخاذ القرار بعد الجهد العقلي والتحليلي الذي يبذلونه في سلسلة من الخيارات المعقدة، مما قد يؤدي وبشكل تراكمي إلى عملية اتخاذ قرارات أسوأ لاحقًا قد تضر بمصالح المؤسسة والمنتجات والخدمات.
ندعو في هذه المقالة إلى وجود مراكز بحثية ومعرفية متخصصة - يمكن أن تكون في المؤسسات الأكاديمية على سبيل المثال - تسهم في أربعة مهام أساسية:
- توفير أبحاث متقاطعة الاختصاصات حول عمليات اتخاذ القرار بناء على المعطيات الاجتماعية.
- توفير تحليلات متخصصة حول العلاقة بين ثقافة المؤسسة وآليات صنع واتخاذ القرار فيها.
- تقديم معارف تطبيقية حول تحسين عمليات صنع واتخاذ القرار على مستوى المؤسسات وعلى المستوى الوطني.
- مواكبة أهم الاستخلاصات العلمية في علوم السلوك والنفس والدماغ وإجراء أبحاث تطبيقية مماثلة بشكل تراكمي في السياق المحلي لفهم العوامل النفسية والاجتماعية والمؤسسية الأكثر تأثيرًا في عمليات صنع واتخاذ القرار.
إن وجود مثل هذه الوحدات والمراكز يجعل عملية التفاعل بين صنع القرار والمعرفة مسألة ديناميكية، بحيث ينتج قرارًا عقلانيًا، متفاعلًا مع واقعه، قريبًا إلى مستقبليه، ومحددًا لتحقيق الأهداف الموجهة والمرسومة.
في حقل الاقتصاد والسياسات الاقتصادية هناك حراك موسع اليوم على المستوى المعرفي لإدماج علوم الأعصاب والدماغ في فهم السلوك الاقتصادي للأفراد والمؤسسات، وفي آليات تصميم السياسات والقرارات الاقتصادية، وفي تقديم تلك السياسات والقرارات إلى المجتمع، فكما يقول أحد أهم المشتغلين في هذا الحقل جورج لوينشتاين فإن: «علم الاقتصاد العصبي يستخدم المعرفة المتعلقة بآليات الدماغ لإثراء التحليل الاقتصادي، فهو يفتح «الصندوق الأسود» للدماغ» « حسب تعبيره » تركز الدراسات التي صدرت مؤخرًا في هذا الحقل على المحكات العصبية لتقدير القيمة، وعلى دور الأعصاب في أخطاء التنبؤ والمخاطرة، وعلى الأسس التفسيرية من ناحية علم الأعصاب للطريقة التي من خلالها تتخذ القرارات الفردية والجماعية، وعلى الطريقة التي تتحكم بها الهرمونات العصبية في تقدير شيء ما أو إنقاص قيمته. هذا حقل مركب ومتقدم ولكن تراكم الأبحاث فيه، ووجود كراسي بحثية في دول متعددة تهتم بدراسة الطرق التي يؤثر بها في منظومات اتخاذ القرار أصبح يشكل إثراء نوعيًا للمؤسسات والدول التي تهتم بتحسين جودة صنع القرار، وهو ما ندعو إليه من خلال الاستفادة من كل هذه الفتوحات المعرفية، والمجالات التقاطعية بين الاختصاصات والعلوم التي تولد المعارف المهمة، وتجسر في الوقت ذاته ذلك الحاجز المختلق بين مؤسسات العلم والسياسة أو بين العلم ومنظومة اتخاذ القرار.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اتخاذ القرار صنع القرار على مستوى
إقرأ أيضاً:
«الداخلية» تكشف حقيقة طمس لوحات سيارة معدنية
كشفت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية حقيقة ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن قيام قائد سيارة بطمس لوحاتها المعدنية، والادعاء بعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها وقائدها.
وبالفحص تبين أن الفيديو المشار إليه، قديم، سبق تداوله خلال عام 2022 وتم اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية حيال السيارة وقائدها في حينه، وأن اللوحات الخاصة بالسيارة تم التحفظ عليها بإدارة المرور المختصة ولم يتم معاودة صرفها.
وجاري اتخاذ الإجراءات القانونية حيال مروجي تلك الادعاءات.
اقرأ أيضاًإصابة 6 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بـ«زراعي القليوبية»
سقوط المتهم بالنصب على المواطنين في مدينة نصر