لجريدة عمان:
2025-03-12@04:47:41 GMT

فهم آليات صنع القرار الديناميكي

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

تشكِّل عملية صنع القرار على مستوى الدول/ المؤسسات -على حد سواء- العنصر الأكثر حسمًا في جودة جودة مخرجات/ منتجات تلك الدول أو المؤسسات، ولذلك كانت مسألة (آليات صنع القرار) أحد أهم الحقول البحثية للعديد من العلوم؛ ليس فقط العلوم المتصلة بالإدارة، وإنما علم النفس، والعلوم السلوكية، وعلم الأعصاب، وعلم البيانات، وسواها من الحقول المعرفية.

وفي المقابل أصبحت هذه العلوم تشكّل اليوم ذراعًا معرفية يسند الآليات التي من خلالها تصمم دورة اتخاذ القرار، وتزويده بالأدلة، وتصميمه، وتقديمه لعموم جمهوره المستهدف أو حقله الموجه إليه. ولا يمكن اليوم أن تغفل أي وحدة لتحسين عمليات اتخاذ القرار سواء كانت على مستوى مؤسسة عامة، أو خاصة، أو على مستوى دولة أهمية إدماج مقاربات فهم السلوك المؤسسي والفردي في عملية تجويد صنع القرار، ذلك أن التحيزات المعرفية للأفراد، والتحيزات المعرفية للمؤسسات تشكل موجهًا ذا أهمية قصوى في توجيه مسارات صنع القرار، وحين نتحدث عن التحيزات المعرفية للأفراد فهي: الأخطاء التلقائية في أنماط التفكير التي توجه الفهم والقرار وسلوك الأفراد بشكل عام، وحين تتماثل تلك التحيزات في سياق اجتماعي مصغر سواء كان مجتمع مؤسسة أو بيئة عمل فإنها تتحول إلى تحيزات معرفية مؤسساتية، وهي مرحلة معقدة جدًا في التعامل معها، حيث يتطلب إدراكها وتصورها وتفكيكها وتصويبها جهدًا مضاعفًا مما لو كان التعامل مع تحيزات معرفية متصلة بالأفراد.

ولأن عمليات صنع القرار وتجويدها وتحسينها يتطلب جهدًا معرفيًّا موسعًا عملت بعض المؤسسات الأكاديمية على إنشاء مراكز بحثية، ومختبرات للبحث التجريبي حول ديناميكيات صنع القرار، ولعل أهمها جامعة كارنيغي ميلون التي أسست مختبرًا تتلخص مهمته في محاولة فهم كيفية اتخاذ القرارات والتعامل والتكيف مع المهام الديناميكية، وكيف يمكن تمثيل مثل هذه العمليات المعرفية حسابيًّا؟ وتشكّل المعرفة العلمية أساسًا مهمًّا حين تدمج بطريقة مؤسسية في دورة اتخاذ القرار، ذلك أن التراث النظري حول عمليات اتخاذ القرار يكشف لنا العديد من العوامل المؤثرة -غير الملموسة- وغير المباشرة التي يمكن أن تتأثر بها هذه العملية، فهناك أبحاث على سبيل المثال تتحدث عن وجود علاقات مباشرة بين أحجام الحكومات (من ناحية حجم مجلس الوزراء) وبين مستوى الجودة في صنع القرار، وهناك أبحاث كتلك التي قدمها بافووار وأوروسوفا حول القرار التجني تفيد عبر تتبعها التاريخي بأن أساليب اتخاذ القرار التجنبي سواء بالنسبة للأفراد أو المؤسسات غالبًا ما كانت ترتبط بالتحصل على نتائج سلبية، وهناك الدراسات في العلوم التقاطعية مع علم الدماغ والتي قدمت في السنوات الأخيرة مجموعة من الحقائق المهمة لحقل صنع القرار ومنها أن « الكثير من عملية صنع القرار لدينا تحدث على مستوى اللاوعي، حيث يعمل الوعي كـ «مبرر» أكثر من كونه صانع قرار». وأن إرهاق اتخاذ القرار هي معضلة الإدارة الراهنة والتي تفرز تداعيات غير محسوبة على مستوى المؤسسات حيث يواجه القادة إرهاق اتخاذ القرار بعد الجهد العقلي والتحليلي الذي يبذلونه في سلسلة من الخيارات المعقدة، مما قد يؤدي وبشكل تراكمي إلى عملية اتخاذ قرارات أسوأ لاحقًا قد تضر بمصالح المؤسسة والمنتجات والخدمات.

ندعو في هذه المقالة إلى وجود مراكز بحثية ومعرفية متخصصة - يمكن أن تكون في المؤسسات الأكاديمية على سبيل المثال - تسهم في أربعة مهام أساسية:

- توفير أبحاث متقاطعة الاختصاصات حول عمليات اتخاذ القرار بناء على المعطيات الاجتماعية.

- توفير تحليلات متخصصة حول العلاقة بين ثقافة المؤسسة وآليات صنع واتخاذ القرار فيها.

- تقديم معارف تطبيقية حول تحسين عمليات صنع واتخاذ القرار على مستوى المؤسسات وعلى المستوى الوطني.

- مواكبة أهم الاستخلاصات العلمية في علوم السلوك والنفس والدماغ وإجراء أبحاث تطبيقية مماثلة بشكل تراكمي في السياق المحلي لفهم العوامل النفسية والاجتماعية والمؤسسية الأكثر تأثيرًا في عمليات صنع واتخاذ القرار.

إن وجود مثل هذه الوحدات والمراكز يجعل عملية التفاعل بين صنع القرار والمعرفة مسألة ديناميكية، بحيث ينتج قرارًا عقلانيًا، متفاعلًا مع واقعه، قريبًا إلى مستقبليه، ومحددًا لتحقيق الأهداف الموجهة والمرسومة.

في حقل الاقتصاد والسياسات الاقتصادية هناك حراك موسع اليوم على المستوى المعرفي لإدماج علوم الأعصاب والدماغ في فهم السلوك الاقتصادي للأفراد والمؤسسات، وفي آليات تصميم السياسات والقرارات الاقتصادية، وفي تقديم تلك السياسات والقرارات إلى المجتمع، فكما يقول أحد أهم المشتغلين في هذا الحقل جورج لوينشتاين فإن: «علم الاقتصاد العصبي يستخدم المعرفة المتعلقة بآليات الدماغ لإثراء التحليل الاقتصادي، فهو يفتح «الصندوق الأسود» للدماغ» « حسب تعبيره » تركز الدراسات التي صدرت مؤخرًا في هذا الحقل على المحكات العصبية لتقدير القيمة، وعلى دور الأعصاب في أخطاء التنبؤ والمخاطرة، وعلى الأسس التفسيرية من ناحية علم الأعصاب للطريقة التي من خلالها تتخذ القرارات الفردية والجماعية، وعلى الطريقة التي تتحكم بها الهرمونات العصبية في تقدير شيء ما أو إنقاص قيمته. هذا حقل مركب ومتقدم ولكن تراكم الأبحاث فيه، ووجود كراسي بحثية في دول متعددة تهتم بدراسة الطرق التي يؤثر بها في منظومات اتخاذ القرار أصبح يشكل إثراء نوعيًا للمؤسسات والدول التي تهتم بتحسين جودة صنع القرار، وهو ما ندعو إليه من خلال الاستفادة من كل هذه الفتوحات المعرفية، والمجالات التقاطعية بين الاختصاصات والعلوم التي تولد المعارف المهمة، وتجسر في الوقت ذاته ذلك الحاجز المختلق بين مؤسسات العلم والسياسة أو بين العلم ومنظومة اتخاذ القرار.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اتخاذ القرار صنع القرار على مستوى

إقرأ أيضاً:

وزارة البيئة تناقش آليات دمج القطاع غير الرسمي في إدارة المخلفات

عقدت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، اجتماعًا مع ممثلو شركة UGOA لبحث سبل التعاون المشترك فى دعم تطبيق المنظومة المتكاملة لإدارة المخلفات والنهوض بها ، وعدد من الحلول المبتكرة والمستدامة والتى تساهم في تحقيق التنمية البيئية والاقتصادية، وذلك بحضور الأستاذ ياسر عبد الله، الرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم إدارة المخلفات، وعدد من القيادات المعنية.

وخلال الاجتماع استمعت الدكتورة ياسمين فؤاد الى عرض تقديمى للشركة حول الخطة التنفيذية لدعم جهود الوزارة للنهوض بمنظومة المخلفات بجميع محافظات الجمهورية ، ورؤيتهم لدعم جهود الدولة فى تطوير مشروعات البنية التحتية في مجال إدارة المخلفات، وتحقيق الإدارة المستدامة للموارد البيئية وتعزيز فرص الاستثمار في هذا القطاع الواعد.وايضا دعم تطبيق مواد قانون المخلفات 202 لسنة 2020، وتقديم خدمات الدعم الفنى والاستشارات للمصانع فى مجال اعادة تدوير المخلفات، وايضا دعم اجراءات الوزارة فى دمج القطاع غير الرسمى فى منظومة إدارة المخلفات،  بالإضافة إلى دعم تطبيق مبدأ المسئولية الممتدة للمنتج، وجهود الحد من استخدام الاكياس البلاستيكية احادية الاستخدام.

وقد ثمنت وزيرة البيئة المقترحات المقدمة من جانب الشركة ، مستعرضة الجهود المبذولة على مدار السنوات الماضية لتطوير قطاع المخلفات والعقبات والتحديات التى تم مواجهتها فى هذا المجال ، مشيرةً إلى التطور الملحوظ الذي شهده القطاع، خاصة بعد صدور قانون تنظيم إدارة المخلفات ولائحته التنفيذية، والذي يعتمد على سياسة الاقتصاد الدوار ويعزز مشاركة القطاع الخاص، مما يمثل نقلة نوعية نحو الإدارة الآمنة للمخلفات، والحد من تولدها، وخلق فرص استثمارية جديدة. لافتة ايضا الى جهود دعم المصانع لاعادة التدوير والتوسع فى انتاج الوقود البديل RDF. وايضا تهيئة المناخ الداعم لاعداد حزمة مشروعات مع عدد من المستثمرين في محافظات مختلفة،  مشيرة الى إمكانية التعاون مع شركة UGOA لتقديم الدعم الفني في هذا المجال.

كما اشارت وزيرة البيئة الى إجراءات دمج القطاع غير الرسمي ضمن منظومة العمل الرسمي، من خلال بروتوكول تعاون بين وزارات البيئة، والعمل، والتضامن الاجتماعي، بهدف تحويل القطاع غير الرسمي إلى جزء من المنظومة الرسمية، مع توفير التأمين الاجتماعي والصحي للعاملين، إلى جانب إشراك شركات القطاع الخاص في جمع ونقل المخلفات، ونظافة الشوارع. لافتة الى ان الوزارة قامت بإعداد المخططات لـ 27 محافظة، سواء عقود التشغيل مع القطاع الخاص لعمليات الجمع والنقل والتدوير،  وعملية إدارة المخلفات الصلبة بأنواعها.

وتناولت الدكتورة ياسمين فؤاد جهود الوزارة فى ملف البلاستيك والحد من استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الإستخدام ، والتحديات التي تواجه هذا الملف على المستوي الوطنى والإقليمي والدولي ، مشيرة الى موافقة مجلس الوزراء على مشروع قرار تطبيق "المسؤولية الممتدة للمنتِج" على أكياس التسوق البلاستيكية،  موضحة ان القرار يفعل أيضا حوافز لاستيراد وإنتاج بدائل صديقة للبيئة.

وقد تقدم ممثلو شركة UGOA بالشكر لوزيرة البيئة على إتاحة الفرصة للشركة لعرض مقترحاتها وجهودها لتعزيز التعاون مع القطاع الخاص لدعم الجهود الوطنية في مجال الاستدامة البيئية وتحقيق الأهداف التنموية المنشودة،  مستعرضين تاريخ الشركة وأنشطتها، موضحين أنها شركة مصرية متخصصة في قطاع البيئة، لاسيما في مجال إدارة المخلفات وإعادة التدوير. كما ان للشركة خبرة واسعة في تنفيذ مشروعات ناجحة بعدة دول في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مشيرين إلى التزامهم بتقديم حلول مبتكرة ومستدامة تساهم في تحقيق التنمية البيئية والاقتصادية.

وفي ختام الاجتماع، أشارت وزيرة البيئة إلى أنه سيتم خلال الفترة القادمة وضع خارطة طريق واضحة تمهيدا لتطبيق الرؤية المقدمة من الشركة، فى اطار  تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لدعم جهود الدولة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتحقيق الاستدامة البيئية، وتشجيعا  للابتكارت والافكار البناءة في  مجال إدارة المخلفات وإعادة التدوير.

مقالات مشابهة

  • لماذا رفض الإمام مالك بن أنس اتخاذ الموطأ مرجعا موحدا للأمة؟
  • الأستاذ الفرحان: تؤكد اللجنة على استقلاليتها، وعلى التزامها بمعايير الحياد، الأدلة والتقارير المتاحة، وغيرها من المواد المصدرية ذات الصلة بالأحداث، إضافة إلى وضع برنامج لمقابلة الشهود وكل من يمكنه المساعدة في التحقيق، وتحديد المواقع التي يجب زيارتها، ووضع
  • الأستاذ الفرحان: يناط باللجنة مهام الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث؛ والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد هوية الجناة؛ والتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد هوية المسؤولين عن
  • الحصادي: على صناع القرار اتخاذ إجراءات عاجلة لتوحيد الأجهزة الرقابية وتشكيل حكومة موحدة
  • سانا تستطلع آراء عدد من طلاب وأساتذة جامعة دمشق حول عمليات وزارة الدفاع والأمن العام التي تستهدف فلول النظام البائد.
  • في اليوم العالمي للمرأة.. معلومات الوزراء يحتفي بدورها في مسيرة التنمية
  • عمليات سرقة ونهب لبيوت المواطنيين في المناطق التي حررها الجيش
  • سوريا على شفا حرب أهلية.. هل تأخرت الحكومة في اتخاذ تدابير وقائية؟
  • وزارة البيئة تناقش آليات دمج القطاع غير الرسمي في إدارة المخلفات
  • اليمن.. المجلس السياسي الأعلى يؤكد جهوزيته لتنفيذ عمليات عسكرية بحرية ضد الملاحة الإسرائيلية