لجريدة عمان:
2025-03-04@21:01:32 GMT

سياسات ثقافية جديدة لتحقيق الاندماج الوطني

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

قفزًا على التعريفات الكلاسيكية لمفهوم الثقافة، فإننا نعتمد على علم الاجتماع الثقافي والذي ندين فيه بالفضل إلى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984م) إذ معه بات الفعل الثقافي يملك تجسيده الخاص، مما سمح باستنبات مناهج تحليلية تعمل على تفكيك تشيوءاته الذاتية، وهذا أمر اعتمدته غالب التأسيسات النظرية الحديثة والتي أنتج مفاهيم جديدة في معنى الثقافة وموقعها ودورها وتجلياتها المعلنة والمختمرة.

وصحيح أن فوكو كان مشغولًا أكثر بفهم الأبعاد المتكاملة للثقافي في الاجتماعي، إلا أننا وفي درسنا العربي لن نكون رهينة خلاصاته، ولن يشغلنا كثيرًا التعقيد الذي صاحب مشروع فوكو وهو يخترق المؤسسات الاجتماعية في فرنسا بل وأوروبا كلها ليعزز فهوم حداثية للبنية الثقافية فيها طمعًا منه في تفسير مصادر سلطة كل مؤسسة، فالذي يعنينا ونحن نحاول تأسيس علمٍ اجتماعي ثقافي يخصنا ويخضع لاحتياجاتنا الواقعية، مستجيبين أكثر فأكثر ناحية ما تعيشه المجتمعات العربية من تصارخ غير معلن بين المجتمع ومؤسساته من جهة، وبين الثقافي الكامن في هوية كل نشاط اجتماعي عندنا.

إن المشغل الرئيس الذي يهمنا هو كيف يمكن للديناميات الثقافية المختلفة أن تساهم في رتق النسيج الاجتماعي، وهو نسيج متداخل نعم، لكنه في الحال ذاته يعيش انغماساته الخاصة على مستوى تلوينات إثنية وعرقية ومذهبية وغيرها من أشكال البناء الاجتماعي في الوطن العربي، وهو نسيج مهدد بأعباء متجددة مفروضة عليه من قِبل العالم الغربي وليبراليبته المنتجة للفصل بين الإنسان والمجتمع. وحادينا في ذلك أن يكون الفعل الثقافي هو آخر القلاع الحصينة في هويتنا العربية والتي نحتمي في منائرها من حالات التشظي والتركيب المختل للهوية والذات، ولنفعل ذلك فإن المطلوب أن نعيد اكتشاف أو تحرير الأبعاد العاطفية والمادية لتاريخنا الثقافي العربي، تاريخنا الذي هو ذاكرة الأمة، والذي تحتاجه شعوبنا بقوة فقط لتحفظ نفسها من التحلل والانخرام وكلفته البالغة والتي أقل فواتيرها تفكك المجتمع وعلو النعرات الضيقة ضد الهوية الجمعية، والفائدة التي سنجنيها من إعلاء الثقافي في مجتمعاتنا هي تثبيت الحق الإنساني في التعبير عن ذاته دون إكراه، فالثقافة كونها تتجلى إبداعيًا في منتجات كثيرة فإن المعنى الغائب أو لنقل المعطل لفاعلية الثقافة في المجتمع يعود إلى إكراه من نوع خاص، وهو تغييب الأنثربولوجي في الثقافة، ولندلل بصورة أوضح فإننا نشير إلى أن الثقافة العربية وبعد انتعاشتها في ثلاثينيات القرن الماضي وبروز أسماء أعادت إليها بريقًا ظل مخمدًا بسبب الهيمنة الغربية فإن أعمال طه حسين والعقاد وقبلها جرجي زيدان وفرح أنطون والبساتنة (=بطرس ووديع البستاني) فإن نظرتنا إليها إنها كانت محاولة لضخ الروح في الهوية الثقافية للأمة العربية، لكنها وعلى ما قدمته من إنجازات عظيمة وقعت ودون أن تقصد في خطأ كبير، ما هو؟ الخطأ أنه ما كان يمكن لهؤلاء إلا اتباع السياق الأوروبي في لحظتها وهو سياق كان يعتبر الثقافة بنية في الطبقة، وليست طبقة قائمة بذاتها، ولذا استبعدت في ذاكرتنا مظاهر شتى للثقافة الشعبية، والتي نراهن بأننا اليوم في أمس الحاجة إليها كونها هي المسرب الذي سيسمح بتمتين البنية الاجتماعية ويفتح الباب واسعًا أمام الابستيمات الثقافية المهمشة والمبعدة رغم أصالتها في السياق، وهو أمر في الحقيقة بالغ الأهمية، لأننا نعتقد بأن الجملة المختبئة في مفهوم الصراع الاجتماعي هي إنسان هذا المجتمع، ولو فكر معي قارئ الكريم كيف يمكن أن تحتشد قوى غائبة في الفضاء الثقافي وتسهم بقوة بالغة مع الاتجاهات العليا للثقافة، كيف ستساهم في تقوية الفعل الاجتماعي والسبب أنها تعبير مكثف عن الحالات الفردية أو المهملة في التاريخ الاجتماعي.

والحقيقة أننا سنظل مدينين لميشيل فوكو الذي لفت انتباهنا إلى أهمية تمييز الثقافة بمظاهرها المختلفة كموضوع للدرس، وهو أمر يخلصه لنا فوكو في منهجه التحليلي القائم على تحليل الأنماط المختلفة للفعل الثقافي ومقاربتها كتعبير عن ذاتية الإنسان، بل هي جوهر تكوينه الذاتي وهي التعبير الأشمل على خصوصيته التاريخية، إن الثقافة عنده كيان ديناميكي يتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية كونه يعمل على إنتاج المعنى بصورة خالدة، وهي معاني تتغذى على الفرد الاجتماعي والذي هو تجسيدٌ لهذه العمليات يستقي منها حضوره، بل يؤسس عليها وجوده، ويُطْعِم منها ذاكرته الحية ليتمكن من إتمام أشكال مختلفة من الاتصال بمجتمعه. إن الثقافة هنا هي الإنسان متجليًا في الفضاء الاجتماعي، وقد أوصلنا شغله (=فوكو) التفكيكي إلى نتيجة ذهبية وهي ضرورة الاعتراف بأن البنية الثقافية العامة والتي تُفْرَض على كامل السياق التكويني للمجتمع ينبغي أن تجعلنا قادرين على الاعتراف بأدوار أخرى لأنماط مشاركة في وعينا التاريخي بأنفسنا ولهذه الأنماط آلياتها في إنتاج الحقائق الاجتماعية، إنها الدعوة إلى الاعتراف بالهوية الثقافية غير المساهمة في البنية العامة لماهية الوجود الثقافي للمجتمعات، وكم تحتاج المجتمعات العربية إلى هذا النهج لتحمي نفسها وتحافظ على تماسكها وستحصل حينها على حالات من الإغناء الإبداعي تبرز أكثر قوة هذه المجتمعات.

لذا فإن دعوتنا إلى المؤسسات المعنية بإدارة الشأن الثقافي أن تولي اهتمامها لضرورة صياغة سياسات ثقافية جديدة تستجيب للمتغيرات الراهنة، وتقوم بدفع أفراد المجتمع وتكويناته المختلفة للإسهام في تحقيق أمنها الثقافي، وهو ما سيمدها بالطاقة المعرفية الكافية لصناعة وجدان وطني قوي ومنتج ومتماسك وفعّال..

إنها الحاجة الماسة إلى سياسات ثقافية فاعلة تتجاوز الشكلانية إلى الموضوع.. (=الإنسان).

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مستشار ترامب يتحدث عن دعم أمريكا لـقيادة جديدة في أوكرانيا والتنازلات لتحقيق السلام

(CNN)-- أشار مايك والتز مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى دعم الولايات المتحدة لـ"قيادة جديدة" في أوكرانيا بعد المواجهة التي جرت، الجمعة، في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.

وقال والتز لدانا باش، الأحد، خلال ظهوره في برنامج "حالة الاتحاد" على شبكة CNN: "نحن بحاجة إلى زعيم يمكنه التعامل معنا، والتعامل مع الروس في نهاية المطاف وإنهاء هذه الحرب".

وأضاف والتز: "إذا اتضح أن الدوافع الشخصية أو السياسية للرئيس زيلينسكي تختلف عن إنهاء القتال في هذا البلد، فأعتقد أن لدينا مشكلة حقيقية بين أيدينا".

وكان ترامب ذكر، الجمعة، أن زيلينسكي لا يريد صنع السلام. وقال والتز، الأحد، إن الزعيم الأوكراني يحتاج إلى أن يوضح "علنا وبشكل محدد" بأنه "مستعد لتحقيق السلام".

وقدم مستشار الأمن القومي الأمريكي رؤية جديدة بشأن التنازلات المحتملة خلال المفاوضات للتوصل إلى صفقة بين روسيا وأوكرانيا.

وقال والتز: "ما أقوله هو أن هذه الحرب لابد وأن تنتهي، وهذا سيتطلب تنازلات بشأن الأراضي. وهذا يتطلب تنازلات روسية بشأن الضمانات الأمنية. وهذا يتطلب جلوس جميع الأطراف إلى الطاولة. وإننا نعمل بجدية شديدة لدفع هذه المفاوضات قدما".

وعندما ضغطت عليه المذيعة دانا باش للحصول على تفاصيل بشأن هذه التنازلات لصالح روسيا، قال والتز: "من الواضح أن هذا سيكون بمثابة نوع من تنازلات بشان الأراضي من أجل ضمانات أمنية في المستقبل"، مشيرا إلى "الضمانات الأمنية التي تقودها أوروبا"، بما في ذلك إعلان المملكة المتحدة وفرنسا رغبتهما بإرسال قوات برية.

وأضاف أن الضمانات الأمنية الأمريكية "سيتم التفاوض عليها".

وقال والتز: "سيتم التفاوض على نوع الدعم الذي نقدمه أو لا نقدمه. ولكن هناك أمر واحد واضح، وهو أننا لن نرى أوكرانيا عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لأن هذا من شأنه أن يجر القوات الأمريكية تلقائيا".

وفي أعقاب المناقشات الحادة في المكتب البيضاوي، الجمعة، أكد والتز أن ترامب تحدث مع اثنين من الزعماء الأوروبيين الرئيسيين، وهما رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، ورئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، وهي زعيمة من أقصى اليمين كانت حليفة رئيسية لترامب ولكنها أيضا داعمة لأوكرانيا.

وواصل والتز، الذي قارن زيلينسكي بـ"صديقة سابقة تريد فقط أن تجادل"، السبت، نقد تصرفات الرئيس الأوكراني ولغة جسده، كما انتقده لـ"طريقة هز الرأس، وتشبيك الذراعين"، وقال: "اعتبرنا أن ذلك لا ينم عن الاحترام بشكل لا يصدق".

كما نفي والتز التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة تدرس إيقاف العمليات السيبرانية ضد روسيا، قائلا: "لم يكن هذا جزءًا من مناقشاتنا. سيكون هناك كل أنواع الجزر والعصي لإنهاء هذه الحرب".

مقالات مشابهة

  • القمة الثقافية أبوظبي تنطلق 27 ابريل القادم
  • وزارة الثقافة تفتح باب طلبات عروض مشاريع دعم الجمعيات والهيئات الثقافية والنقابات الفنية والمهرجانات
  • "رشيد للبترول" تُطلق مشروع "حواء".. تمكين وتدريب السيدات بالبحيرة لتحقيق التنمية المستدامة
  • "الثقافة تستطيع" فرع ثقافة فاقوس ينظم فعاليات ثقافية وفنية
  • انطلاق فعاليات الدورة القمة الثقافية أبوظبي 27 أبريل المقبل
  • تقرير تركي: رمضان في ليبيا فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعي بين المواطنين
  • مسابقة ” المهارات الثقافية ” بوابة الإبداع في صنع الثقافة والفنون
  • مستشار ترامب يتحدث عن دعم أمريكا لـقيادة جديدة في أوكرانيا والتنازلات لتحقيق السلام
  • وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع لـ«الاتحاد»: مبادرات رائدة لتحقيق أهداف «عام المجتمع»
  • «نيويورك أبوظبي» تدعم التنوع الثقافي وتعزز المشاركة المجتمعية