ترجمة: نهى مصطفى -

على مدى عقود، كان حلف الناتو حجر الزاوية في الأمن الأوروبي. ومع ذلك، تواجه شراكة أوروبا مع الولايات المتحدة اليوم منعطفًا حاسمًا، حيث يُحتمل أن تؤدي عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إلى تراجع كبير في التزام الولايات المتحدة تجاه أوروبا. وإذا توقفت واشنطن عن تقديم المساعدات العسكرية لكييف، فإن العواقب ستكون وخيمة، ليس فقط على الحرب في أوكرانيا، بل أيضًا على قدرة أوروبا على التصدي للتهديدات الخارجية.

ورغم أن ولاية ترامب الثانية قد تمثل قطيعة مع النهج الأمريكي التقليدي، فإن الشعور بعدم الرضا تجاه المساهمة الأوروبية في العلاقة عبر شمال الأطلنطي كان يتزايد في الولايات المتحدة منذ سنوات. أضاعت أوروبا وقتًا كان يجب استثماره في تعزيز هذه العلاقة، بما في ذلك تطوير دفاعاتها الذاتية. كان الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 بمثابة فرصة أخيرة لإيقاظ القارة وحثها على التحرك بجدية نحو بناء دور أمني مستقل. لكن بدلًا من ذلك، اعتمدت أوروبا مرة أخرى على الولايات المتحدة لتولي القيادة في حرب تدور على أراضيها، وهو خيار يبدو الآن مهددًا بالزوال. لم يعد بإمكان القادة الأوروبيين تحميل واشنطن مسؤولية أزمتهم.

يتعين على زعماء أوروبا التحرك بشكل حاسم لوضع استراتيجية موحدة تضمن السلام والاستقرار في القارة. يجب تسريع الدعم الاقتصادي والعسكري المقدم لأوكرانيا، والشروع في بناء صناعة دفاعية أوروبية متكاملة، وإظهار التزام حقيقي أمام الولايات المتحدة بأن أوروبا مستعدة للقيام بدورها في شراكة قائمة على المنفعة المتبادلة.

فإما أن يكون أمن أوروبا أوروبيًا، أو لن يكون له وجود على الإطلاق.

منذ دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، اعتُبر الأمن الأوروبي جزءًا أساسيًا من مصالحها الحيوية. فقد أدركت واشنطن أن دعم أوروبا المستقرة والمسالمة هو شرط أساسي لقدرتها على فرض قوتها عالميًا. لكن ارتباط الولايات المتحدة بأمن أوروبا لم يكن استراتيجيًا فحسب؛ بل قام التحالف أيضًا على أسس قيمية، تتجلى في الالتزام المشترك بالدفاع عن الديمقراطية في مواجهة الديكتاتورية. خلال الحرب الباردة، تعمقت هذه الشراكة عبر شمال الأطلنطي، إذ أدى تأسيس حلف الناتو عام 1949 إلى وضع مظلة أمنية أمريكية مكنت أوروبا من إعادة البناء والازدهار. وعلى مدى عقود، أصبحت الشراكة الاقتصادية والعسكرية بين الولايات المتحدة وأوروبا نموذجًا للنجاح.

مع ذلك، ومع نهاية الحرب الباردة وبروز عصر أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة، ساد شعور بالرضا عن الذات على جانبي شمال الأطلنطي. أدّى هذا الاستقرار النسبي بالعديد من الدول الأوروبية نحو تقليص إنفاقها الدفاعي، مع افتراض أن تهديد الحروب الكبرى قد زال إلى الأبد. كما أعيدت هيكلة الجيوش الأوروبية للتركيز على التدخلات الخارجية، على حساب الاستعداد للدفاع عن أوطانها. وفي الوقت نفسه، وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة في صراعات مكلفة في الشرق الأوسط، مما استنزف مواردها وأضعف تركيزها الاستراتيجي.

خلال حملته الرئاسية عام 2016، استغل دونالد ترامب هذه المظالم المتراكمة بمهارة. فقد شعر العديد من الأمريكيين بخيبة أمل من العبء الثقيل للزعامة العالمية، وغضبوا من الأموال الضخمة التي أنفقتها واشنطن على أنشطتها الخارجية، في حين هناك مناطق داخل الولايات المتحدة تعاني اقتصاديًا. لاقت شعارات ترامب مثل «أمريكا أولًا» ودعوته إلى تحميل الحلفاء تكاليف الدفاع صدى واسعًا. لكن ما أدركه الأوروبيون لاحقًا، هو أن هذه المواقف لم تكن محصورة في ترامب وحده، بل كانت تعبّر عن توجه متنامٍ داخل المؤسسة السياسية الأمريكية. حتى باراك أوباما، خلص إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تقليص وجودها في أوروبا والشرق الأوسط، لتحويل تركيزها نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الأمل المضلل الذي تمسك به العديد من القادة الأوروبيين منذ عام 2016، بأن أوروبا يمكنها ببساطة الانتظار حتى انتهاء رئاسة ترامب، يجب أن يتلاشى ويُصبح جزءًا من الماضي. فعلى الرغم من أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا دفعت إدارة بايدن إلى إعادة التركيز على الأمن الأوروبي، إلا أن هذا التحول كان استثناءً مؤقتًا وليس إعادة صياغة دائمة لاستراتيجية الولايات المتحدة. قد يختلف اليوم القادة الأمريكيون في أسلوب تعاملهم مع أوروبا أو في نبرتهم تجاه التحالف عبر شمال الأطلنطي، لكن من المرجح أن يتفقوا على مطلب ترامب الأساسي: ضرورة أن تتحمل أوروبا مسؤولية أكبر بكثير عن أمنها.

بالنسبة لأوروبا، لم يعد هناك مجال لإضاعة الوقت. فقد أعرب ترامب مرارًا عن رغبته في وقف فوري لأي مساعدات عسكرية أمريكية لأوكرانيا، مما يستدعي استعداد أوروبا لتحمل مسؤولية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، بوصفها الطرف الرئيسي المكلف بإدارة وإنهاء صراع كبير على أراضيها. الخطر الأكبر يكمن في احتمال سعي ترامب إلى التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتجميد القتال. يدرك بوتين جيدًا أن ترامب، بمجرد الدخول في مفاوضات، سيواجه ضغوطًا داخلية تدفعه إلى إبرام صفقة، وهو قيد لا يعاني منه بوتين.

يمنح هذا التفاوت بوتين نفوذًا كبيرًا، ويجعل أي صفقة تنتج عن تلك المفاوضات، على الأرجح، غير كافية لحماية أوكرانيا -وبالتالي أوروبا-. قبول واشنطن لأهداف موسكو الحربية في إطار مثل هذا الاتفاق قد يُضعف بشكل كبير مصداقية حلف شمال الأطلنطي، ويزعزع الأسس التي قامت عليها البنية الأمنية في أوروبا.

ليس أمام أوروبا خيار سوى أن تضطلع بمسؤولية أمنها بنفسها. فهي تمتلك الإمكانات الاقتصادية اللازمة لتحقيق ذلك؛ إذ يُقدّر الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي مجتمعًا بما يقارب عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لروسيا. ومع ذلك، فإن العائق الحقيقي يكمن في الافتقار إلى الإرادة السياسية. يظهر هذا بوضوح في الدعم العسكري المحدود الذي تقدمه لأوكرانيا: إذ تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية، رغم تخلفها التكنولوجي وأزمتها الاقتصادية، زودت روسيا بقذائف مدفعية خلال العام الماضي تفوق بكثير ما قدمه الاتحاد الأوروبي بأكمله لأوكرانيا في الفترة ذاتها. يحدث هذا على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يمتلك قاعدة صناعية متطورة، ويضم بين أعضائه أربعًا من أكبر عشر دول مصدرة للأسلحة في العالم.

لتجاوز هذا القصور، يتعين على أوروبا أن تعزز قدراتها الدفاعية بشكل عاجل. لكن مثل هذا المشروع يتطلب قيادة سياسية قوية، وهي أمر نادر في المشهد الحالي. ففي ألمانيا، انهارت الحكومة الائتلافية، ويُستنزف الوقت في الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في 23 فبراير. وفي المفاوضات التي تليها لتشكيل ائتلاف جديد. أما في فرنسا، فإن خسارة الرئيس إيمانويل ماكرون لأغلبيته البرلمانية جعلت موقفه السياسي هشًا. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال علاقة الاتحاد الأوروبي بالمملكة المتحدة، وهي إحدى القوى العسكرية الرئيسية في أوروبا، تتسم بالتوتر، رغم الجهود المخلصة لتحسين التعاون بين الطرفين.

رغم هذه التحديات، هناك بارقة أمل في استعداد بعض الدول الأوروبية لتولي زمام المبادرة، دول مثل بولندا، ودول البلطيق، ودول الشمال الأوروبي، أثبتت التزامها بدعم الأمن الأوروبي. في هذا السياق، يبذل رئيس الوزراء البولندي، دونالد تاسك، جهودًا لتنسيق العمل بين الدول الأوروبية الرائدة في حلف شمال الأطلنطي، بهدف تحسين الدعم العسكري لأوكرانيا وزيادة التنسيق في هذا الملف. ولكن من أجل تحقيق أي تقدم جوهري في بناء منظومة دفاعية قوية، فإن القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي لألمانيا سيظلان عنصرين حاسمين. وهذا يتطلب من الحكومة الجديدة في برلين أن تتعامل مع التحديات الأمنية للقارة بجدية، وأن تكون مستعدة لتخصيص الموارد المالية اللازمة لدعم المبادرات الدفاعية الأوروبية على نطاق أوسع.

مع استمرار احتمالية تراجع الدعم الأمريكي، يتعين على أوروبا أن تزيد دعمها المالي والعسكري لأوكرانيا بشكل كبير وبأسرع وقت ممكن. وفقًا لمؤشر دعم أوكرانيا الصادر عن معهد كيل للاقتصاد العالمي، فإن المساعدات العسكرية التي قدمتها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعة منذ بداية الحرب الشاملة تقل عن نصف ما قدمته الولايات المتحدة. ورغم صعوبة سد الفجوة التي ستتركها الولايات المتحدة في حال انسحابها بالكامل، يجب على أوروبا السعي لتقليص هذه الفجوة إلى أدنى حد ممكن. لتحقيق ذلك، سيكون من الضروري أن تلجأ دول الاتحاد الأوروبي إلى الأسواق الدولية، بما في ذلك السوق الأمريكية، لشراء أنظمة أسلحة وذخائر لا يمكن إنتاجها بكميات كافية في أوروبا في الوقت الحالي.

وفي هذا الإطار، يتعين على ألمانيا بشكل خاص اتخاذ خطوات كانت تتجنبها لوقت طويل.

على المدى المتوسط والطويل، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إصلاح جذري لقدراته الدفاعية وصناعاته العسكرية لضمان أمنه بشكل مستدام. الوضع الحالي، الذي يعتمد فيه الاتحاد على شراء الجزء الأكبر من أسلحته من الخارج، يجب أن ينتهي. لا يمكن لمزوّد أمن موثوق به أن يعتمد بشكل مفرط على الآخرين لتلبية احتياجاته الدفاعية الأساسية.

لتحقيق ذلك، يتعين على أوروبا تجاوز المصالح الوطنية الضيقة التي تعامل الصناعات الدفاعية كأدوات للسياسات الصناعية المحلية. وبدلًا من ذلك، تجب إعادة هيكلة هذه الصناعات بحيث تخدم المصالح الأمنية المشتركة للقارة بأكملها. وستحتاج القوى العسكرية الرائدة في أوروبا - فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بولندا، والمملكة المتحدة - إلى قيادة جهود تطوير استراتيجية دفاعية أوروبية موحدة. عمليًا، يتطلب هذا الدمج بين كل جوانب دورة الإنتاج الدفاعية، بدءًا من تخطيط القدرات، مرورًا بعمليات التطوير، وصولًا إلى المشتريات. من خلال التكامل الناجح، يمكن للصناعة الدفاعية الأوروبية أن تزيد الإنتاج، تخفض التكاليف، وتصبح منافسًا فعليًا لصناعة الدفاع الأمريكية، مما يرسخ قدرتها على حماية القارة بفعالية واستقلالية.

عدم إعطاء الأولوية لجهود تعزيز الدفاع الآن سيجعل أوروبا عُرضة بشدة لاستمرار العدوان الروسي، كما أن أي تردد في تحمل عبء الدفاع القاري بشكل أكبر سيؤدي إلى توتر العلاقات عبر شمال الأطلنطي في لحظة حساسة. من الواضح أن الحفاظ على الولايات المتحدة كشريك أمني يمثل مصلحة استراتيجية لأوروبا، ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب أن تتبنى أوروبا نهجًا استباقيًا، وأن تنخرط مع واشنطن في حوار بناء لإعادة صياغة توازن المسؤوليات ومناقشة الأهداف الأمنية المشتركة.

لقد أصبح من الضروري أن تفعّل أوروبا إمكاناتها لتصبح جهة أمنية موثوقة، مما يعزز العلاقات عبر شمال الأطلنطي ويضع حدًا لطموحات روسيا الإمبريالية. وإذا أخفقت أوروبا في هذا المسعى، خاصة في ظل احتمالية تراجع الدعم الأمريكي، فإن التكلفة ستكون باهظة للغاية. في غياب دفاعات قوية، لن يجد بوتن ما يمنعه من التوسع إلى ما بعد أوكرانيا. بعد عقود من السلام النسبي، قد تجد أوروبا نفسها مرة أخرى تواجه الحرب كعنصر دائم في سياساتها، مع ما يعنيه ذلك من تهديد للاستقرار والازدهار الذي حققته القارة.

نوربرت روتجن محامٍ وسياسي ألماني من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU).

نشر المقال في Foreign Affairs

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الأمن الأوروبی على أوروبا یتعین على فی أوروبا فی هذا

إقرأ أيضاً:

"ذا ديبلومات": إعادة انتخاب ترامب فرصة سانحة لإنهاء عزلة كوريا الشمالية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

رأت مجلة "ذا ديبلومات" الأمريكية أن إعادة انتخاب دونالد ترامب لفترة رئاسية ثانية تشكل فرصة لتحسين العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة وكذلك إبطاء الوتيرة المتسارعة للتعزيزات العسكرية لكوريا الشمالية، معتبرة أن المجتمع الدولي، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، يمكن أن يساهم في الوصول إلى هذه النتيجة عبر إشراك وليس إقصاء بيونج يانج.
وأوضحت المجلة أن التقدم المذهل الذي تحقق في العلاقات الثنائية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة من ناحية والكوريتين من ناحية أخرى عامي 2018 و2019 في عهد الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب والرئيس الكوري الجنوبي آنذاك مون جاي إن، تلاشى بعد فشل قمة هانوي في عام 2019 وتفكك التقارب بين الكوريتين.
ولفتت المجلة إلى أنه في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وإدارة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، تدهورت العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة وبين الكوريتين بشكل أكبر. ومع عزلتها المتزايدة عن الغرب، وقفت بيونج يانج في مسار تصادمي مع واشنطن وسول، وقام زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون بتوسيع ترسانته العسكرية بينما كان يهدد بتدمير كوريا الجنوبية ويجري تجارب متكررة على الأسلحة.
وتؤكد "ذا ديبلومات" أنه قبل غزو روسيا لأوكرانيا، كانت بيونج يانج تقترب بالفعل من موسكو وبكين في ظل بيئة جيوسياسية عالمية جديدة شبيهة بالحرب الباردة، وأن الوضع العالمي الحالي جعل الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، في مواجهة كتلة ناشئة تتألف من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، معتبرة أنه في هذه البيئة الجديدة كان غزو روسيا لأوكرانيا بمثابة أول حرب "ساخنة" في إطار الحرب الباردة الجديدة والتي عجلت بتعزيز هاتين الكتلتين المتعارضتين.
وبينت المجلة أنه مع معاناة روسيا من نقص الذخائر والقوات بعد غزو أوكرانيا والعزلة الغربية المفروضة عليها، دخلت موسكو مؤخرا في تحالف عسكري مع بيونج يانج، التي تعتبر واحدة من الحكومات القليلة في العالم التي دعمت الغزو بشكل لا لبس فيه. وتكلل هذا التعاون العسكري ليصبح تحالفا حقيقيا وجوهريا عندما أرسلت كوريا الشمالية ليس فقط الذخائر ولكن أيضا مجموعة كبيرة من القوات لمساعدة المجهود الحربي الروسي.
ورغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت كوريا الشمالية في وضع يسمح لها بتزويد روسيا بأعداد أكبر من القوات والأسلحة في المستقبل، إلا أنه المفيد أن نتذكر أنه خلال حرب فيتنام، أرسلت كوريا الجنوبية مئات الآلاف من القوات إلى فيتنام لمساعدة المجهود الحربي الأمريكي هناك. وإذا استمرت اتجاهات الحرب الحالية دون رادع، فمن الممكن أن تصل أعداد أكبر من القوات والأسلحة الكورية الشمالية إلى روسيا وتُغير مسار الحرب هناك لصالح روسيا.
لذا، ووفقا للمجلة الأمريكية، فإن إعادة انتخاب ترامب تشكل فرصة لتقويض التحالف بين كوريا الشمالية وروسيا من خلال إشراك وإدماج بيونج يانج في المجتمع الدولي لاسيما عبر تحسين العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، يستطيع ترامب أن يتبع سابقة الحرب الباردة التي تبناها الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون، حينما قوض الكتلة الشيوعية من خلال التواصل مع الصين. وكان الانفراج الذي أجراه نيكسون مع بكين موجها بشكل صارم بسياسة واقعية، أي سياسة خارجية تقوم على أولوية الأمن القومي الأمريكي وحسابات التوازن العالمي للقوى. ويمكن لترامب أن ينتهج سياسة مماثلة من خلال التواصل مع بيونج يانج، خاصة وأنه يتمتع بميزة تتمثل في علاقته الشخصية الجيدة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.
وأكدت المجلة الأمريكية أن كيم لديه هو الآخر سبب وجيه لعدم رفض الجهود المباشرة لإشراكه وإدماجه في المجتمع الدولي، حيث إن تقارب كوريا الشمالية مع روسيا يرجع، جزئيا على الأقل، إلى إهمال الولايات المتحدة لكوريا الشمالية في ظل إدارة بايدن، التي لم تبذل أي جهود متضافرة لإشراك وإدماج بيونج يانج، وأنه في ظل هذا الإهمال والتجاهل، لم يكن أمام كوريا الشمالية بديل أفضل من التقرب من موسكو.
ورغم أن روسيا في وضع يسمح لها بمساعدة كوريا الشمالية بالتكنولوجيا العسكرية وبعض المساعدات الاقتصادية، إلا أن كيم يدرك أن الغرب ــ بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ــ أقوى وأغنى من روسيا، ولديه (الغرب) ما يقدمه له أكثر مما تقدمه روسيا. كما أن كيم يدرك على الأرجح أن هناك خطرا في التحالف مع موسكو، وأن هناك فائدة في إبقاء خياراته مفتوحة عندما يتعلق الأمر بالشركاء الأجانب (الغرب).
وبالتالي، فإن الرئيس المنتخب ترامب في وضع يسمح له باستغلال علاقته مع كيم لإدماج بيونج يانج، ومن غير المرجح أن يرفض كيم مثل هذه الجهود على الإطلاق. ولكن، لإحراز تقدم مع كوريا الشمالية، يحتاج ترامب إلى ضمان أن الأشخاص الذين يعينهم في إدارته ليسوا من المتشددين الايديولوجيين العازمين على تخريب أي جهد لتحسين العلاقات مع بيونج يانج، خاصة وأن فشل قمة ترامب وكيم في هانوي، يرجع، جزئيا على الأقل، إلى وجود مثل هؤلاء المتشددين بين المسؤولين الأمريكيين الذين تفاوضوا مع كوريا الشمالية.
ورجحت المجلة إمكانية نجاح ترامب في إدماج بيونج يانج إذا عين براجماتيين منفتحين على تحسين العلاقات معها. لذا، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يحتاج ترامب إلى عرض إجراء محادثات دون شروط مسبقة، أي النهج الأمريكي السابق المتمثل في الإصرار على نزع السلاح النووي الكامل والقابل للتحقق منه ولا رجعة فيه قبل بدء المفاوضات غير قابل للتطبيق بالنسبة لبيونج يانج. فالواقع حاليا يشير إلى أن أي "صفقة كبرى" شاملة من هذا القبيل سوف ترفضها كوريا الشمالية، وربما لا يتسنى تحقيق أي تقدم في نزع السلاح النووي إلا من خلال عملية تدريجية خطوة بخطوة لبناء الثقة المتبادلة.
وعلاوة على ذلك، فإن أي تقدم في هذا الإطار يصبح أكثر ترجيحا إذا دعم حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان ودول أوروبية، مثل هذه الجهود الرامية إلى إدماج بيونج يانج في المجتمع الدولي. ويمكن في هذا الصدد للحلفاء أن يقدموا مزايا اقتصادية ملموسة مشروطة ببلوغ كوريا الشمالية مراحل محددة في نزع السلاح النووي. وتشكل مثل هذه الجهود المنسقة لإدماج وإشراك بيونج يانج من جانب الولايات المتحدة وحلفائها –وفقا للمجلة الأمريكية- المسار الواقعي الوحيد لتجميد البناء والتعزيز العسكري السريع لبيونج يانج. 
وحذرت "ذا ديبلومات" من أن بديل ذلك هو عدم القيام بأي شيء، وبالتالي الاكتفاء بمشاهدة كوريا الشمالية وهي تتحول إلى خطر عسكري أعظم مع توسيع مخزوناتها من الأسلحة الأكثر فتكا، ناهيك عن إرسال المزيد من القوات والأسلحة الكورية إلى روسيا.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تنفي نيّتها اخضاع الحوثيين عسكرياً
  • استقالة سفير جورجيا لدى الولايات المتحدة بعد تعثر المحادثات بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي
  • "ذا ديبلومات": إعادة انتخاب ترامب فرصة سانحة لإنهاء عزلة كوريا الشمالية
  • البنك المركزي الأوروبي: أي حرب تجارية ليست من مصلحة أحد
  • رئيسة المركزي الأوروبي تحذر من حرب تجارية عالمية عند تولي ترامب
  • ترامب: رئيسة المكسيك وافقت على وقف الهجرة إلى الولايات المتحدة
  • كيف يمكن لإدارة ترامب إعادة تشكيل مستقبل اليمن؟ تحليل يتناول التوجهات القادمة
  • رئيسة المركزي الأوروبي: أي حرب تجارية لن تكون في مصلحة أحد
  • ترامب يتوصل إلى اتفاق مع رئيسة المكسيك بشأن الهجرة إلى الولايات المتحدة