بوابة الوفد:
2025-04-26@06:08:28 GMT

ما وراء الحسد

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

يمر الكثير منا خلال حياته بالعديد من الحوادث السيئة، إذ قد تتعرض لحادثة ما تُكسَر فيها ذراعك أو تتعرض سيارتك للضرر فى حادثة على الطريق أو تتأخرعن اللحاق برحلة الطائرة فى الموعد المحدد، فتتعطل عن سفرك، وقتها ينتابك الضيق الشديد ويبدأ عقلك فى تبرير ما حدث، بأنه إما أن يكون فلان «باصصلك فى السفرية ده» أو فلانة قريبتك زارتك مؤخراً و«عينيها وحشة» ومن ساعتها والكوارث تلاحقك.

. إلخ.

 هذه الأفكار التبريرية لما حدث لك والتى لا ينفك عقلك يبحث عن سبب حدوثها لك تُرجعها فى أغلب الأحيان إلى الحسد أو العين التى أصابتك ولم تزل تلاحقك لتصيبك بالشر وتزيل ما أنت فيه من نعمة، وربما يتحول الأمر إلى «فوبيا» لديك حتى إنك تخاف من الحسد بشكل مرضي، فلا تصرح لأصدقائك بأى نعمة أنعمها الله له خوفاً من العين والحسد وأتذكر أحد زملائى عند نشر صورة لى على الفيس مع أحد أبنائى أنه حذرني ووجهه يمتلئ جدية قائلاً: «إوعى تنشر لك أى صورة والله العين وحشة قوى أنت حر»!!!

وللحقيقة، فإن الحسد أو «العين» قديمان قدم الإنسان منذ أن خُلِق آدم عليه السلام، إذ إن أول ذنب عُصِىَ به الله كان نتيجة حسد الشيطان آدم عليه السلام عندما أمر الله الملائكة بالسجود له، لكنه رفض السجود واستكبر وكان من الكافرين، كما أن أول جريمة قتل وقعت على ظهر الأرض كانت بسبب الحسد  الذى نهش قلب قابيل تجاه شقيقه هابيل.

وثمة فرق بين كل من «الحسد» و«العين»، إذ إن «الحسد» هو شعور داخلى سلبى يتولد من الغيرة والحقد على نعمة الآخرين، ورغبة فى زوالها، أما «العين» فهى طاقة سلبية غير مقصودة تنبعث من شخص معجب بشىء ما، ما يتسبب فى ضرر لصاحب هذا الشىء بقصد أو دون قصد.

والمتتبع لتاريخ الحضارات والثقافات القديمة - وأيضاً الديانات- يجد أن الحسد وقوة العين الشريرة قاسماً مشتركاً فى جميع الثقافات الإنسانية منذ الأزل باختلاف أشكالها ومكانها الجغرافى فى أنحاء المعمورة شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً، فنجد أن الإيمان بالعين والحسد يشيع بشكل قوى، حيث كان يتم استخدام التعاويذ والطلاسم والتمائم كوسيلة للحماية من العين، وساد الاعتقاد بأن هناك عدة  أشخاص بإمكانهم التسبب فى  الإضرار بأي إنسان بمجرد إعطائه نظرة حاقدة حادة، كما أن تأثير الحسد قد يختلف من ضحية لأخرى، ففى بعض الثقافات ربما يسبِّب المصائب والحظ السيئ فقط، أما البعض الآخر فيُعتقد بأن هذه العين قد تسبب المرض والهزال أو حتى تصيب بالوفاة.

ولا تخلو الديانة الإسلامية -شأنها شأن جميع الديانات- من مفهوم «العين» و«الحسد»، فقد وردت كلمة الحسد فى القرآن الكريم 4 مرات منها قول الله تعالى: «ومن شر حاسد إذا حسد»، كما نهى الرسول الكريم عنه قائلاً: «إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب».

لكن، هل من الصواب أن نرجع كل ما يصيبنا من مصائب  إلى «العين» أو «الحسد»، بالطبع لا، إذ إن الحسد قد يكون كغيره من الأسباب فى حقيقته «ابتلاء» من الخالق، فالمؤمن دائماً مُبتلى وأكثر المبتلين هم الأنبياء عليهم جميعاً السلام، بل إن ما نراه شراً قد يكون فى جوهره خيراً لنا، فذراعك المكسورة التى قد جعلتك تلازم البيت لفترة  قد تجعلك أكثر قرباً من أسرتك والتعرف على مشاكلهم عن قرب  حيث كنت دائم الانشغال  عنهم لدواعى العمل التى لا تنتهى، وتلك الرحلة التى فاتتك فيها الطائرة قد نجّاك الله فيها من الموت، إذ إنها تعرضت لحادثة سقوط أسفرت عن مصرع جميع الركاب!!

وفى النهاية يجب ألا يتحول خوفك من الحسد إلى «فوبيا» تجعلك حبيسها، فتفسد حياتك وحياة مَن حولك، فدع خوفك من الحسد جانباً، فكلّ مقدر من عند الخالق ولن يصيبك إلا ما قدره لك.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حادثة على الطريق الضيق الشديد حسد الشيطان آدم عليه السلام

إقرأ أيضاً:

ماذا يكون بعد أن حكم القضاء في تونس؟

لن يكون شيء، فاذهب أيها القارئ العابر إلى مقال آخر قد تجد فائدة، فهذا الموقع غني بالأقلام الجادة. تونس لم تعد مصدرا لأي حدث جميل، عجبا أهذه تونس نبع الربيع العربي ومصدر الإلهام الديمقراطي؟ نعم، لقد وصلت تونس إلى حالة من عدم التأثير في ما حولها، بل هي تأكل نفسها مثل نار نفد حطبها. ذلك الحلم الجميل أغلق، لكن لماذا تطرح السؤال في العنوان؟ إن ذلك العنوان هو الجملة التي يطرحها على نفسه كل تونسي حمل ذلك الحلم ثم رآه يتلاشى، وقد يصل الأمر ببعض الناس إلى السير في الشوارع يكلمون أنفسهم كالزومبي. من أوصل البلد إلى هذه الحالة؟ وكيف يمكن أن يخرج مما هو فيه من بؤس سياسي؟

تحميل المسؤوليات

الجميع يبرئ نفسه ويتهم الآخرين، هذه رياضة وطنية في تونس.. الآخرون هم السبب. من هنا بدأت الأزمة التي توجتها الأحكام الجائرة في حق النخبة السياسية باختلاف الأسماء والتوجهات السياسية. انقسم الشارع الافتراضي الذي لا يزال مفتوحا؛ إلى مواقف متضادة يمكن تلخيصها في ما يلي:

- موقف الشامتين في المحكوم عليهم، يكتبه وينشره قوم من المعارضة يعيشون خيبة أمل كبيرة في النخب، ويرون أن المحكومين كانوا سببا في ما حصل وليسوا أبرياء مما أصابهم. فقد ساهموا بدرجات في ترذيل الوضع السياسي قبل الانقلاب ولم يبنوا عملهم السياسي ضمن مشروع ديمقراطي جامع، بل تحركوا بمنطق التكايد السياسي خاصة ضد حزب النهضة منذ الثورة، بل كان بعضهم مساندا ومبررا للانقلاب حتى انقلب على الجميع. وهذا الموقف ينتهي عند الشماتة المُرة ولا يبلغ مبلغ التفكير في ما بعدها، وغالبا يختم قوله بجملة محبطة "خليها تخرب على الجميع". هذا الموقف هو قمة اليأس السياسي وهو موقف واسع، ويضم كل مساكين حزب النهضة وكثير من الحالمين الذين أعادت لهم الثورة أرواحهم بعد موات وخيبت النخب آمالهم.

- موقف الحائرين الذين لا يختلفون في تحليل الوضع عن الشامتين، لكنهم يبحثون عن حل فيه ربع أمل في أن تتحول الأحكام الجائرة إلى محرض على اجتماع سياسي يمهد لوضع بديل. وهذا ما يُسمع في صفوف جبهة الخلاص أو ما تبقى منها يقف في الشارع وقفات خجولة ومترددة أو غير مؤمنة إيمانا كاملا بالمستقبل، ولكنها تقترب من رفع العتب ولا تنتج خطة فعالة للتجميع.

- موقف المتشفين من المحكوم عليهم، وهذا موقف أنصار النظام ويضم فصائل يسارية وقومية يرون في ما يجري فتح طريق لتملك السلطة زمنا طويلا ويرون في المرحلة مرحلة تنظيف. وهم غير مهتمين بالسؤال: ماذا بعد؟ فما يجري هو خطتهم، فهم السلطة. وتصدر عن هذا الموقف تهديدات بالسحل لمن يشكك في القضاء الشامخ.

وينتشر حول هذه المواقف خطاب التخلي الشامل عن كل طموح. ففئة واسعة من التونسيين ودّعت أحلامها وقالت ننتظر حكم الطبيعة، فالطبيعة لا تنسى مهماتها. ويعقبون حتى بعد حكم الطبيعة: سنجد أنفسنا في نفس الوضع القديم، فالنخب لم تقرأ درس الديمقراطية عند معلم جاد.

ألا يوجد حل؟

بلى يوجد لكنه حل روائي لنقل يوجد حل مثالي، يقوم على مراجعات جادة من قبل الجميع باستثناء المتشفين من أنصار السلطة، لكن هذه الرواية تقوم على شجاعة استثنائية لذلك فهي غير واقعية.

تحديد قائمة الأخطاء في حق المسار الديمقراطي الذي راكم تراثا لم يندثر من النفوس ومن الورق، فهناك دستور يمكن البدء منه. لم يكن "دستور الخوانجية" بل دستورا تونسيا بُذل فيه جهد واجتهاد كبير. هذه خطوة مؤسسة ومنها يستعاد العمل السياسي الجماعي بهدف واضح اسمه استعادة الديمقراطية.

هناك باب للعمل الفعلي (الميداني)، أن تؤجل الأسئلة المتعلقة بمن أخطأ أكثر من الآخرين في حق المسار، وهذا يعني أن يوقف نزيف الاتهامات بين فرقاء كثر. فكثير من الأخطاء سيردمها الفعل البنّاء إذا انطلق، وسيكون من العيب العودة إليها إذا فتح صندوق الانتخابات. فالمحاسبات تتم في وضع ديمقراطي، حينها يكون لها تأثير إيجابي، أما الآن فهي مواصلة لعملية التخريب التي تصب في مصلحة الانقلاب. من سيتجاوز أولا إلى مبدأ العمل الجماعي؟ بعد أسبوع من صدور الأحكام لم نسمع من يقول بالتجاوز وبدء العمل من الصفر.

هنا تظهر مهمة أخرى نضالية بامتياز، قطع الأمل من وصول نجدة خارجية متعاطفة مع الديمقراطية في تونس، هذه النجدة لن تأتي أبدا. "حك جلدك بظفرك"، هذا عنوان رئيسي في كل جهد قادم للخروج من الوضع البائس. لقد تخلى العالم (الديمقراطي) عن تونس، والحقيقة أنه لم يكن أبدا مع الديمقراطية في تونس أو في غيرها. فالتونسيون الذين لهم عقول يذكرون جيدا وزيرة خارجية فرنسا تعرض المساعدة العسكرية على نظام بن علي حتى الدقيقة الأخيرة قبل ركوبه الطائرة هاربا.

التونسيون عاشوا حرب الطوفان ورأوا الغرب (المُنْجِد) يدمر شعبا في غزة ويجد اللغة الكافية لتبرير فعله. وإذا صحت الأخبار عن بدء حملة دولية لتدمير الحواضن الشعبية العربية للمقاومة، فإن مرحلة جديدة من التدمير السياسي توشك أن تحل على الرؤوس. وعندنا علم بتونسيين تحسسوا الموقف الأمريكي من الانقلاب منذ عهد بايدن، فقيل لهم "حلوا مشاكلكم بأنفسكم، اللي فينا مكفينا".

لنختم بشيء من الفلسفة، فالرواية الرومانسية لن تكون غدا أو بعد عام. من الفلسفة أن نقول كان هذا الانقلاب ضروريا، فهو تمحيص وغربلة وقد صفى وغربل ونخل وقدم صورة شاملة عن النخبة السياسية التونسية، فأسقط أنصاف الزعماء وكل الأدعياء ووضح الطريق لمن يؤمن بالعمل الجماعي لبناء الديمقراطية، وقد صورناه ونواصل رؤيته على المدى البعيد حريق الغابة الذي سيمهد لنبت جديد. وهذا ليس من الشماتة ولا تشفيا في المساجين، ومن يدري فقد يولد منهم في سجونهم مؤمنون بالديمقراطية ويؤسسون من هناك لخطاب جامع.

لنغلق بمشهد تمثيلي؛ أن ينصب من تبقي معارضا للانقلاب خيمته أمام السجن ويقول "اسجنونا معهم أو نعود بهم نحو المستقبل"، ساعتها سيبدأ ربيع عربي ثان من تونس.

مقالات مشابهة

  • رئيس هيئة الأمر بالمعروف: رؤية المملكة حققت قفزات نوعية على جميع الأصعدة بقيادة رشيدة وبسواعد أبناء وبنات الوطن المخلصين
  • محمد الغباري: موقع مصر نعمة إذا امتلكت القوة.. ونقمة إذا غابت
  • السياسي الأعلى يُحيي الجماهير اليمنية وصبرها وجهادها وحضورها المشرف في جميع الساحات
  • الدكتور أيمن أبو عمر: الوطن نعمة تستوجب الشكر.. وحبه نابع من الإيمان
  • ماذا يكون بعد أن حكم القضاء في تونس؟
  • العلامة فضل الله دعا اللبنانيين الى أن يكون صوتهم موحّدًا في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية
  • هدى زاهر بعد حفل زفاف ابنتها ليلى: نعمة حب الناس
  • لماذا سورة الكهف الوحيدة التى نقرأها يوم الجمعة ؟
  • الخالدي: ‏اللي ماعنده شيء بيعاني من الحسد أما الأثرياء ما يجيهم.. فيديو
  • سيد نعمة الفحام.. حارس على إرث أجداده بصناعة الزوارق في أزقة الكوفة (صور)