لجريدة عمان:
2025-02-08@20:34:24 GMT

مختار الغوث وإعادة الاعتبار للغة العرب

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

يبرز اسم الدكتور مختار الغوث مدافعًا عن اللغة العربية فـي مختلف المحافل، عناوين كتبه تنصب كلها تقريبًا حول قضية اللغة وعلاقتها بالهوية والوعي والتعليم، ويرد اسمه على قائمة طويلة من اللقاءات التلفزيونية وحوارات البودكاست العربي التي يكرسها للموضوع نفسه وللمهمة ذاتها: الدفاع عن اللغة العربية وإعادة الاعتبار لها، ومن الواضح أن أسلوب الرجل وتمكنه من موضوع اهتمامه وتخففه من التعقيد الأكاديمي فـي الطرح، إضافةً إلى فصاحة بيانه، هو ما يجعل من مادته غنيةً وممتعةً وسلسةَ الوصول إلى أذهان ووجدان شريحة واسعة من المتلقين، خاصة من فئة الشباب الذين بدأ اهتمامهم بطرحه يتزايد، ولا سيما وأنه يلامس أزمة كل واحد منهم مع التعليم الجامعي باللغات الأجنبية وحالة الاغتراب اللغوي التي يعيشها أبناء هذا الجيل، وهذا ما يعلل أرقام المشاهدات العالية التي تحظى بها حواراته على موقع يوتيوب.

حبُّ هذا الموريتاني الفصيح للغتِه الفصحى وإيمانه العلمي الواعي بفرادتِها وتشديده على أهميتها الثقافـية والسياسية فـي معترك التنافس الحضاري بين الأمم قادَه ليَتبنى منذ سنوات طويلة قضيةً بات يُنظر إليها اليومَ من قبل كثيرين على أنها قضية كلاسيكية تجاوزها الزمن وطُويت صفحة نقاشها. لكن مختار الغوث لا ينطلق فـي دفاعه عن اللغة العربية من ذلك التشدق السلفـي المعهود الذي يرى بأن العربية هي أفضل اللغات التي تكلم بها الإنسان منذ أن اكتشف الكلام، ولا حتى بناءً على كونها لغة البيان الإلهي فـي الكتاب العزيز، ولا من منطلق أسطوري يتصدى للدفاع عن اللغة العربية بحجة أنها كانت لغة آدم فـي الجنة. فليس هذا ما يشغل الرجل، وليست محاججته ولا حجة هنا لإثبات تفوق اللغة العربية على سائر اللغات؛ وإنما كيف نعيد الاعتبار للغة العربية فـي سياق الحفاظ على الهوية قومها من الذوبان والشتات فـي لغات الآخرين وهوياتهم، وكيف تكون العناية باللغة وتعليم العلوم بها جسرًا لنهضة المتحدثين بها ومنطلقًا للخروج من زمن الانحطاط التاريخي.

أما عن مسألة التفاضل بين اللغات التي تشغل الكثيرين أكثر مما ينبغي فـيجيب الغوث بتأكيد النظرية التي يتفق عليها كثير من اللسانيين فـي هذا الشأن؛ والتي ترى بأن اللغات متكافئة إلا أنها ليست متساوية. ومعنى التكافؤ هنا يُفهم من أن لغة أي قومٍ لا بدَّ وأن تكون قادرة على التعبير عن حاجات المتحدثين الأصليين بها وشؤون حياتهم، وفقًا لثقافتهم وموقعهم من الزمان والمكان طبعًا؛ أي أنها تلبي حاجة التعبير لديهم بلا كلف أو عوز. أما من حيث كون اللغات غير متساوية فذلك لأنها تتباين وفقًا لضيق أو اتساع خبرة الشعب المتحدث بها وتنوّع تجاربه وعمقها. ويضرب الغوث فـي هذا السياق مثالا يقارن بين اللغة الإنجليزية ولغة ما من لغات الشعوب الإفريقية، حيث من الطبيعي أن نفهم بأن لغة شعبٍ محدود التاريخ والتجربة لن تشتمل بأي حال من الأحوال على الألفاظ والمعاني والدلالات المعبرة عن التجربة الإنسانية الأوسع التي تتمتع بها الشعوب الأكثر خبرة.

غير أن رسالة مختار الغوث الأبرز فـي نضاله هذا تتلخص فـي الدعوة لتعلُّم العلوم باللغة العربية؛ لأن استيعابنا للعلوم والمعارف المطروحة فـي مقرراتنا الجامعية المكتوبة باللغة الأجنبية سيظل ناقصًا وعائقًا أمام قدرة العقل العربي على الإبداع فـي مجال علمه وعمله بعد أن تلقَّن أبجدياته بلغة غير لغته الأصلية. فهو يشير مثلًا إلى المشكلة التي يعاني منها الطلبة العرب الدارسون للطب بالإنجليزية وعقدتهم مع المصطلحات الطبية التي يضطرون كل مرة لترجمتها إلى العربية حتى يستوعبون معناها استيعابًا يرسخ فـي الذاكرة، وهي عملية تستهلك - لا شك- جهد الطالب ووقته، فضلًا عن أنها تبقيه على سطح الدرس الذي يتلقاه، نصفَ جاهل ونصف متعلم، دون أن يتمكن من الإلمام الكامل بما تعلَّم وأقل ثقةً بنفسه. مجددًا؛ لأن استقبال المعرفة بلغة جديدة غريبة ليس كاستقبالها بلغة الأم. صحيح أن الطالب قد يتخرج من الجامعة ويمارس مهنته طبيبًا، لكن قدرته على الإبداع، أي تجاوز ما هو أبعد من الممارسة العادية، ستظل محدودة وشاقة جدًا بسبب العائق اللغوي الحائل دون المعرفة المعمقة، فـي حين يمدح الغوث الأطباء السوريين الذين تشير نتائج اختباراتهم فـي الولايات المتحدة إلى تفوقهم فـي مجال الطب؛ معللا امتيازهم هذا لكونهم درسوا الطب بالعربية فـي جامعات دمشق.

هذه عينة من مجمل الآراء التي يؤكد عليها الغوث فـي سائر أحاديثه تقريبًا. ولا يتردد فـي تكرار الفكرة نفسها وضرب الأمثلة نفسها أينما استُضيف. وهو تكرار مطلوب ومحمود، بل وضروري ما دام أن واقع التعليم لم يتغير فـي جامعاتنا العربية الذاهبة أكثر نحو اعتماد اللغة الأجنبية، الإنجليزية أو فرنسية، لغةً حصرية للعلم والاقتصاد وحتى الفنون، مزيحةً اللغة العربية للهامش، بل واحتقارها فـي كثير من الأوجه احتقارًا يصعد غالبًا من احتقار الذات، وكأن لغتنا لم تعد إلا لغةَ تراث وعبادات، أو لغة للأدب العربي.

وعلى سيرة الأدب العربي، المعاصر تحديدا، نثرًا كان أم شعرًا، فالمؤسف فـي الأمر أن إهمال العربية قد بلغ إلى حد إهمالها فـي الكتابة الأدبية المعاصرة وعدم العناية بها عناية تليق بما يفترض أن يمثله الأدب من أجود إنجازات لغته ومفخر إبداعاتها وأعلى تجويداتها اللغوية، وهنا يوجه مختار الغوث نقده المحتشم لما يُنشر اليوم باسم الأدب العربي فـي حين أنه ساحة للركاكة اللغوية التي تنحدر لعاميَّة الشارع أو الفصحى الإعلامية الرديئة فـي أحسن الأحوال، ناهيك عن شيوع الخطأ اللغوي المباشر فـي صفحاته، وهو ما ينمُّ أساسًا عن قصور فـي التأسيس اللغوي للمبدع الأدبي وعدم تمكنه التام من أداته الأولى والأخطر: وهي اللغة التي يكتب بها إبداعه (العيب الذي لا يُبرِّئ كاتب هذه السطور قلمه منه). وفـي هذا السياق فإن رأي أستاذنا اللغوي فـي نجيب محفوظ، الروائي العربي الأشهر والحائز على جائزة نوبل، رأي قد يزعج الكثيرين، قراءً ومؤلفـين على حد سواء، لكن جرأته تبدو ضرورية:

«اللغة التي يكتب بها نجيب محفوظ ليست بصحيحة، فضلًا عن أن تكون لغةً أدبية راقية»!

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عن اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

خضوع للإملاءات الإسرائيلية.. فلسطين تطالب الأونروا بإلغاء سحب كتاب اللغة العربية

طالب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، مفوض عام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني، بإلغاء قرار "سحب كتاب اللغة العربية للصف الخامس، واستبداله بملف مواد التعلم الذاتي"، في مدارس الضفة الغربية.

وقال أبو هولي في رسالة وجهها لمفوض الأونروا، إننا إذ نرفض هذا القرار، الذي يعد انتهاكا للاتفاقيات الموقعة بين الأونروا والدول المضيفة، والذي يقضي بالتزام الأونروا بتدريس منهاجها التعليمي، معتبرا إياه خضوع للإملاءات الأميركية الإسرائيلية واشتراطات بعض الدول المانحة، كما أنه يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والعالم الحر.

وأضاف أن الأونروا ووفق نظامها، تلتزم بقانون الدولة المضيفة ومنهاجها وبالتالي فإن الأونروا ملتزمة بشكل كامل بالمنهاج التي تقره الحكومة الفلسطينية ودوائر التربية فيها، وغير مسموح لأحد العبث بهذا المنهاج بشطب بعض فصوله، الذي يحافظ على الحد الأدنى من الذاكرة الجماعية حيال الثوابت والمقدسات الوطنية والدينية، ونؤكد أن الثابت الوطني والثقافي والتاريخي للشعب الفلسطيني لا يمكن حذفه أو تعديله أو استبداله.

وأشار أبو هولي إلى أن العديد من المنظمات الدولية، خاصة اليونسكو أكدت في تقرير خاص صدر عنها أنه لا يوجد تحريض على كراهية "إسرائيل"، ولا معاداة للسامية في المناهج التعليمية الفلسطينية التي قدمت اليها، والتي يتم تعليمها في مدارس الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، سواء أكانت حكومية أم خاصة أم تخضع لوكالة "الأونروا".

وأكد أن عدة دراسات دولية وإسرائيلية وفلسطينية خلصت إلى عدم وجود تحريض في المناهج الفلسطينية، كما أن البرلمان الأوروبي عام 2020 صوت لصالح دعم المنهاج الفلسطيني والتعليم في فلسطين بواقع 516 عضوا مقابل 84 عارضوا، بعد عملية تحقق ثبت فيها أن المناهج الفلسطينية صممت بمنهجية موضوعية، وأنها تتماهى مع القانون الدولي والمواثيق الدولية الخاصة بالتعليم، ومعايير جودة التعليم العالي، ومبادئ اليونسكو وحقوق الإنسان وقيم الأمم المتحدة، وخلوها من التحريض ومعاداة السامية، ونشر الكراهية.

وشدد أبو هولي على أن الشعب الفلسطيني ومجتمع اللاجئين لن يسمحوا لأي محاولات تستهدف وعي وثقافة وذاكرة الفلسطينيين حيال أرضهم وحقهم ومقدساتهم وثوابتهم الوطنية، وأنه يقع على عاتق إدارة الأونروا كمؤسسة أممية أنشِئت لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا عام 1948، الاستمرار في ضمان هذا الحق والدفاع عنه في مواجهة الخطاب الإسرائيلي، الذي يطفح بالكراهية "الأبرتهايد"، والتمييز العنصري وشطب الآخر.

وقال إن الأونروا مدعوة إلى مناصرة المناهج الفلسطينية وحمايتها والدفاع عنها، والحفاظ على دورها وتفويضها وفقا للقرار "302"، وليس الخضوع للابتزاز الذي تقوم به إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، ومدعوة إلى الالتزام بتعليم منهاج الدول المضيفة دون أي تعديلات أو تغييرات وفق الاتفاقات الثنائية الموقعة بينها وبين حكومات الدول المضيفة، وأي دولة لديها ملاحظات على المنهاج الفلسطيني عليها الرجوع إلى الحكومة المضيفة لإبداء ملاحظاتها أو تحفظاتها باعتبارها المسؤول الأول وصاحبة القرار فيه.

مقالات مشابهة

  • مشروعات جديدة منتظرة لمجمع الملك سلمان للغة العربية بـ "ليب 2025"
  • بعد تسلمه المنصب.. من هو أشرف العربي وكيل التربية والتعليم الجديد في الإسماعيلية؟
  • لغة الكتاب العربي.. مناقشات أكاديمية حول اللسان والفلسفة والمنطق
  • خضوع للإملاءات الإسرائيلية.. فلسطين تطالب الأونروا بإلغاء سحب كتاب اللغة العربية
  • أبو هولي يطالب "الأونروا" بالعدول عن قرار سحب كتاب اللغة العربية للصف الخامس
  • مختار غباشي: وحدة العرب مفتاح قوتهم وحماية أمنهم القومي
  • الأردن وإعادة ضبط البوصلة: التوجه نحو العمق العربي والإسلامي
  • رئيس جامعة الأزهر يشارك في افتتاح مجالس تقريب التراث بكلية اللغة العربية بالقاهرة
  • «أبوظبي للغة العربية» يختتم مشاركته الثرية في «القاهرة الدولي للكتاب»
  • «أبوظبي للغة العربية» ينظم حفل قراءة وتوقيع كتاب «الهوية الوطنية» لجمال السويدي