مختار الغوث وإعادة الاعتبار للغة العرب
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
يبرز اسم الدكتور مختار الغوث مدافعًا عن اللغة العربية فـي مختلف المحافل، عناوين كتبه تنصب كلها تقريبًا حول قضية اللغة وعلاقتها بالهوية والوعي والتعليم، ويرد اسمه على قائمة طويلة من اللقاءات التلفزيونية وحوارات البودكاست العربي التي يكرسها للموضوع نفسه وللمهمة ذاتها: الدفاع عن اللغة العربية وإعادة الاعتبار لها، ومن الواضح أن أسلوب الرجل وتمكنه من موضوع اهتمامه وتخففه من التعقيد الأكاديمي فـي الطرح، إضافةً إلى فصاحة بيانه، هو ما يجعل من مادته غنيةً وممتعةً وسلسةَ الوصول إلى أذهان ووجدان شريحة واسعة من المتلقين، خاصة من فئة الشباب الذين بدأ اهتمامهم بطرحه يتزايد، ولا سيما وأنه يلامس أزمة كل واحد منهم مع التعليم الجامعي باللغات الأجنبية وحالة الاغتراب اللغوي التي يعيشها أبناء هذا الجيل، وهذا ما يعلل أرقام المشاهدات العالية التي تحظى بها حواراته على موقع يوتيوب.
حبُّ هذا الموريتاني الفصيح للغتِه الفصحى وإيمانه العلمي الواعي بفرادتِها وتشديده على أهميتها الثقافـية والسياسية فـي معترك التنافس الحضاري بين الأمم قادَه ليَتبنى منذ سنوات طويلة قضيةً بات يُنظر إليها اليومَ من قبل كثيرين على أنها قضية كلاسيكية تجاوزها الزمن وطُويت صفحة نقاشها. لكن مختار الغوث لا ينطلق فـي دفاعه عن اللغة العربية من ذلك التشدق السلفـي المعهود الذي يرى بأن العربية هي أفضل اللغات التي تكلم بها الإنسان منذ أن اكتشف الكلام، ولا حتى بناءً على كونها لغة البيان الإلهي فـي الكتاب العزيز، ولا من منطلق أسطوري يتصدى للدفاع عن اللغة العربية بحجة أنها كانت لغة آدم فـي الجنة. فليس هذا ما يشغل الرجل، وليست محاججته ولا حجة هنا لإثبات تفوق اللغة العربية على سائر اللغات؛ وإنما كيف نعيد الاعتبار للغة العربية فـي سياق الحفاظ على الهوية قومها من الذوبان والشتات فـي لغات الآخرين وهوياتهم، وكيف تكون العناية باللغة وتعليم العلوم بها جسرًا لنهضة المتحدثين بها ومنطلقًا للخروج من زمن الانحطاط التاريخي.
أما عن مسألة التفاضل بين اللغات التي تشغل الكثيرين أكثر مما ينبغي فـيجيب الغوث بتأكيد النظرية التي يتفق عليها كثير من اللسانيين فـي هذا الشأن؛ والتي ترى بأن اللغات متكافئة إلا أنها ليست متساوية. ومعنى التكافؤ هنا يُفهم من أن لغة أي قومٍ لا بدَّ وأن تكون قادرة على التعبير عن حاجات المتحدثين الأصليين بها وشؤون حياتهم، وفقًا لثقافتهم وموقعهم من الزمان والمكان طبعًا؛ أي أنها تلبي حاجة التعبير لديهم بلا كلف أو عوز. أما من حيث كون اللغات غير متساوية فذلك لأنها تتباين وفقًا لضيق أو اتساع خبرة الشعب المتحدث بها وتنوّع تجاربه وعمقها. ويضرب الغوث فـي هذا السياق مثالا يقارن بين اللغة الإنجليزية ولغة ما من لغات الشعوب الإفريقية، حيث من الطبيعي أن نفهم بأن لغة شعبٍ محدود التاريخ والتجربة لن تشتمل بأي حال من الأحوال على الألفاظ والمعاني والدلالات المعبرة عن التجربة الإنسانية الأوسع التي تتمتع بها الشعوب الأكثر خبرة.
غير أن رسالة مختار الغوث الأبرز فـي نضاله هذا تتلخص فـي الدعوة لتعلُّم العلوم باللغة العربية؛ لأن استيعابنا للعلوم والمعارف المطروحة فـي مقرراتنا الجامعية المكتوبة باللغة الأجنبية سيظل ناقصًا وعائقًا أمام قدرة العقل العربي على الإبداع فـي مجال علمه وعمله بعد أن تلقَّن أبجدياته بلغة غير لغته الأصلية. فهو يشير مثلًا إلى المشكلة التي يعاني منها الطلبة العرب الدارسون للطب بالإنجليزية وعقدتهم مع المصطلحات الطبية التي يضطرون كل مرة لترجمتها إلى العربية حتى يستوعبون معناها استيعابًا يرسخ فـي الذاكرة، وهي عملية تستهلك - لا شك- جهد الطالب ووقته، فضلًا عن أنها تبقيه على سطح الدرس الذي يتلقاه، نصفَ جاهل ونصف متعلم، دون أن يتمكن من الإلمام الكامل بما تعلَّم وأقل ثقةً بنفسه. مجددًا؛ لأن استقبال المعرفة بلغة جديدة غريبة ليس كاستقبالها بلغة الأم. صحيح أن الطالب قد يتخرج من الجامعة ويمارس مهنته طبيبًا، لكن قدرته على الإبداع، أي تجاوز ما هو أبعد من الممارسة العادية، ستظل محدودة وشاقة جدًا بسبب العائق اللغوي الحائل دون المعرفة المعمقة، فـي حين يمدح الغوث الأطباء السوريين الذين تشير نتائج اختباراتهم فـي الولايات المتحدة إلى تفوقهم فـي مجال الطب؛ معللا امتيازهم هذا لكونهم درسوا الطب بالعربية فـي جامعات دمشق.
هذه عينة من مجمل الآراء التي يؤكد عليها الغوث فـي سائر أحاديثه تقريبًا. ولا يتردد فـي تكرار الفكرة نفسها وضرب الأمثلة نفسها أينما استُضيف. وهو تكرار مطلوب ومحمود، بل وضروري ما دام أن واقع التعليم لم يتغير فـي جامعاتنا العربية الذاهبة أكثر نحو اعتماد اللغة الأجنبية، الإنجليزية أو فرنسية، لغةً حصرية للعلم والاقتصاد وحتى الفنون، مزيحةً اللغة العربية للهامش، بل واحتقارها فـي كثير من الأوجه احتقارًا يصعد غالبًا من احتقار الذات، وكأن لغتنا لم تعد إلا لغةَ تراث وعبادات، أو لغة للأدب العربي.
وعلى سيرة الأدب العربي، المعاصر تحديدا، نثرًا كان أم شعرًا، فالمؤسف فـي الأمر أن إهمال العربية قد بلغ إلى حد إهمالها فـي الكتابة الأدبية المعاصرة وعدم العناية بها عناية تليق بما يفترض أن يمثله الأدب من أجود إنجازات لغته ومفخر إبداعاتها وأعلى تجويداتها اللغوية، وهنا يوجه مختار الغوث نقده المحتشم لما يُنشر اليوم باسم الأدب العربي فـي حين أنه ساحة للركاكة اللغوية التي تنحدر لعاميَّة الشارع أو الفصحى الإعلامية الرديئة فـي أحسن الأحوال، ناهيك عن شيوع الخطأ اللغوي المباشر فـي صفحاته، وهو ما ينمُّ أساسًا عن قصور فـي التأسيس اللغوي للمبدع الأدبي وعدم تمكنه التام من أداته الأولى والأخطر: وهي اللغة التي يكتب بها إبداعه (العيب الذي لا يُبرِّئ كاتب هذه السطور قلمه منه). وفـي هذا السياق فإن رأي أستاذنا اللغوي فـي نجيب محفوظ، الروائي العربي الأشهر والحائز على جائزة نوبل، رأي قد يزعج الكثيرين، قراءً ومؤلفـين على حد سواء، لكن جرأته تبدو ضرورية:
«اللغة التي يكتب بها نجيب محفوظ ليست بصحيحة، فضلًا عن أن تكون لغةً أدبية راقية»!
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عن اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
الإمارات تفوز بجائزة أفضل “تعاون ميداني معلوماتي عملياتي” لمكافحة المخدرات على المستوى العربي والإقليمي والدولي
فازت دولة الإمارات ممثلة بوزارة الداخلية للمرة السابعة بجائزة أفضل تعاون ميداني معلوماتي عملياتي على المستوى العربي والإقليمي والدولي، والتي تصدر عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، تقديرا لجهودها في تعزيز التعاون العربي المشترك وتبادل المعلومات وتقديراً للجهود الكبيرة التي تبذلها في هذه المجالات.
وسلم معالي الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد بن كومان، الجائزة إلى العميد عبدالرحمن العويس نائب مدير عام مكافحة المخدرات الاتحادية بوزارة الداخلية أثناء انعقاد المؤتمر العربي الثامن والثلاثين لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات، الذي عُقد في مقر الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بالعاصمة التونسية ” تونس”.
ويأتي فوز الإمارات بهذه الجائزة رفيعة المستوى تأكيداً على جهودها المتواصلة بدعم القيادة الرشيدة في مجالات التعاون ومكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتعاونها الدائم مع الأجهزة النظيرة في العالم العربي والدولي، الذي أدى إلى كشف العديد من قضايا تهريب وترويج المخدرات على المستويين العربي والدولي.