تعتبر الأوساط الإسرائيلية أن الهجوم الكبير لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد حزب الله اللبناني أدى إلى إضعاف قوة الحزب ليس فقط في لبنان وصولا إلى اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، بل بإجباره على تقليص قواته في سوريا. 

وقال المستشرق الصهيوني والمحاضر ومدرّس اللغة العربية في جامعة حيفا يارون فريدمان: "نذكر أن حزب الله تلقى تعليمات من إيران قبل نحو عقد من الزمان لإرسال آلاف المقاتلين إلى سوريا للقتال إلى جانب جيش الأسد، واستفادت إيران جيدًا من الحرب الأهلية في سوريا لإرسال عشرات الآلاف من المقاتلين، من خلال الميليشيات الشيعية من العراق ولبنان".



وأضاف فريدمان في مقال نشره عبر صحيفة "معاريف" أن "التدخل العسكري المباشر للطيران الروسي في عام 2015، بمساندة البحرية الروسية، ساعد في قلب مجريات القتال لصالح الأسد، وتمكنت تحالفات روسيا، والميليشيات الموالية لإيران، وجيش النظام من استعادة السيطرة على نحو 70 بالمئة من الأراضي السورية".

وأوضح "الآن بدأ الاستقرار الذي تحقق في سوريا على مدى ثماني سنوات في التزعزع، لماذا تراجع الدعم للأسد؟ تعرض جيش الأسد للتآكل الكبير خلال سنوات الحرب من 2012 إلى 2017، وأصبح الرئيس يعتمد تمامًا على الدعم الروسي من خلال القواعد الجوية والبحرية في منطقتي طرطوس واللاذقية ووجود الميليشيات الشيعية المنتشرة في أنحاء البلاد، بما في ذلك العاصمة دمشق".


وأشار إلى أنه "منذ عام 2022 تراجعت مشاركة روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، والآن نتيجة الحرب في لبنان، تراجع دعم حزب الله لنظام الأسد، وهناك شك كبير حول ما إذا كانت الميليشيات الشيعية من العراق يمكنها ملء الفراغ في ظل ضعفها العسكري".

واعتبر أن "الأزمة الاقتصادية في سوريا تعكس تأثيرًا سلبيًا على معنويات جيش النظام، حيث أن رواتب جنوده بالكاد تكفي للعيش، تركز معظم اهتمامات الرئيس السوري في الشمال، حيث لا يزال هناك إقليم كامل (إدلب في شمال غرب سوريا) تحت سيطرة المعارضة منذ عشر سنوات، هذا الإقليم يقع تحت رعاية تركيا، وتشهد جبهته مع مناطق النظام حرب استنزاف مستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات.. ويُحتمل أن إيران تتجنب حسم الأمور في المنطقة لتبرير استمرار وجودها في سوريا".

واعتبر أنه "من المهم أن نعرف أن أقوى فصيل معارض في إدلب هو "هيئة تحرير الشام" (جبهة تحرير سوريا)، وهو النسخة الحديثة من "جبهة النصرة"، وهي فرع لتنظيم القاعدة في سوريا، ويفرض هذا التنظيم إرهابًا داخليًا على جميع مناطق إدلب ويحظى بدعم من تركيا بالأسلحة والمال. ومن المحتمل أن المنظمات الإسلامية في المنطقة تتلقى أيضًا دعمًا من قطر".

وقال فريدمان إن "استغلال الحرب في لبنان خلال الحرب الأخيرة للجيش الإسرائيلي في لبنان، انتشرت العديد من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر نشطاء معارضة في إدلب وهم يحتفلون ويشمتون بالضربات القاسية التي وجهها الجيش الإسرائيلي لحزب الله، وهذا ليس فرحًا لانتصارات إسرائيل، بل فرحًا لمصائب العدو الشيعي الذي دعم نظام الأسد وشارك في المجازر ضد المدنيين في سوريا قبل عشر سنوات".

وبين أن "الضربات الإسرائيلية لم تقتصر على لبنان فقط؛ فقد تم قصف أهداف لحزب الله أيضًا داخل سوريا، بهدف ضرب قواته خارج لبنان ولوقف إمدادات الأسلحة عبر الحدود، والهجوم في إدلب في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني/ نوفمبر، استغل المعارضون في إدلب ضعف "محور المقاومة" الموالي لإيران، واخترقوا حدود إدلب جنوبًا نحو مدينة حلب - عاصمة شمال سوريا الاقتصادية".

وأضاف أن "المعارضة حّدت فصائلها وأسست غرفة عمليات مشتركة، في الأسبوع الأخير، هاجمت هذه القوات القرى في أطراف شمال غرب حلب، ويبدو أنهم حفروا أيضًا أنفاقًا للتهريب، حيث ظهرت لقطات في مقاطع الفيديو تظهر مقاتلين يختبئون داخل الأنفاق بينما يحاول الطيران الروسي وقف تقدمهم عبر غارات جوية مكثفة".

 في هجوم المعارضة الذي أُطلق عليه "ردع العدوان"، تم احتلال 32 قرية وبلدة في مسار إدلب - حلب، وتم إغلاق العديد من الطرق بما في ذلك الطريق 5M - الطريق الرئيسي إلى حلب، كما تم احتلال قاعدة قيادة فوج رقم 46 من جيش النظام السوري التي تحتوي على دبابات. 

وفي مقطع فيديو نشر على الإنترنت، ظهرت العديد من الجثث الممزقة لجنود سوريين وأسرى خائفين، بينما وصلت المعارضة إلى بلدة المنصورة، على بعد حوالي 8 كم من مركز مدينة حلب.

وأجاب الكاتب على سؤال "من هم المتمردون أو المعارضة؟ بالقول: تتكون المعارضة في الغالب من متشددين سنيين من التيار السلفي الجهادي، هؤلاء المقاتلون يشبهون من حيث المظهر مقاتلي حماس مع لحى طويلة وأشرطة على الجبهة، هم مزودون بأسلحة خفيفة في معظمها، ولكن يبدو أنهم تلقوا تعزيزات من أسلحة مضادة للطائرات وصواريخ موجهة".

واتهم الكاتب تركيا بتزويد المعارضة بهذه الأسلحة، قائلا إنها "تسعى إلى مواصلة السيطرة التدريجية على شمال سوريا، في الفترة الأخيرة، كثفت القوات التركية هجماتها على الحكم الذاتي الكردي، ونذكر أن تركيا، مثل إيران، استغلت الحرب الأهلية السورية للسيطرة على مناطق واسعة من البلاد".


واعتبر أنه "قبل نحو عقد من الزمان، غزت تركيا شمال محافظة حلب، ثم توجهت إلى عفرين ومنطقة الحسكة في الشرق، واحتلت آلاف الكيلومترات تحت ذريعة إنشاء "حزام أمني" ضد "الإرهاب الكردي".

وأوضح أن أثار ذلك على "إسرائيل" تتركز بـ"تهديد المتمردين للسيطرة على مدينة حلب، التي تعد نقطة استراتيجية هامة، لا تزال فرص ذلك غير واضحة، ويبدو أن جيش الأسد والطيران الروسي سيبذلون قصارى جهدهم لمنع ذلك.. وسقوط حلب في يد المعارضة سيكون كارثة وتحولًا كبيرًا لصالح قوات المعارضة لأول مرة منذ 2017".

وحذر من أنه "إذا سقطت المدينة، ستتقسم سوريا إلى منطقتين تحت سيطرة مختلفة (سوريا - حلب وسوريا - دمشق)، وسيضعف النظام بشكل كبير، وقد يبعد أيضًا عودة المعارضة فرص إعادة إعمار سوريا، إذا شعرت دول الخليج أن البلاد تعود إلى حرب أهلية جديدة".

وأشار إلى أنه "رغم بعد الأسد عن كونه صديقًا لإسرائيل، إلا أنه العدو القديم والمألوف، إضافة إلى أن سوريا لم تشن حربًا ضد إسرائيل منذ أكثر من خمسين عامًا، ولم يقم بشار الأسد بأي عمل لصالح حماس أو حزب الله منذ بداية الحرب في غزة".

وحتم أنه "من المهم أن نوضح طبيعة المعارضة السورية، فهي لا تتبنى الديمقراطية على الإطلاق، وسيطرة المتمردين، وخاصة المنظمات الجهادية المتطرفة، ليست بشرى جيدة للمنطقة، والأسد هو ديكتاتور وقاتل جماعي، ولكنه أيضًا عدو مرير للإسلام السياسي السني، في حالة سوريا، المثل القائل "عدو عدوي هو صديقي" غير صحيح على الإطلاق، بل على العكس، فإن المعارضة الإسلامية التي تسعى لتحويل سوريا إلى مركز جهاد عالمي هي عدو أخطر بكثير، الخيار الذي يبقى لسوريا تحت حكم الأسد برعاية روسية هو أقل الشرين بالنسبة لإسرائيل".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الإسرائيلية الاحتلال حزب الله سوريا الأسد سوريا الأسد إسرائيل حزب الله الاحتلال صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب فی فی لبنان فی سوریا حزب الله فی إدلب

إقرأ أيضاً:

عثر عليها بمقراتها.. وثائق تكشف فساد الفرقة الرابعة ونهبها لمقدرات سوريا

كشف تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية عن عدد من الوثائق التي عثر عليها في مقرات الفرقة المنتشرة في محافظة دمشق صورة عن هذه الفرقة التي أرعبت السوريين من جهة، لكنها كانت تنهب مقدرات البلاد من جهة أخرى. 

وتعرض الكثير ن مقار تلك الوحدة العسكرية للنهب بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024. لكن مستندات متناثرة داخلها تروي تفاصيل عن حياة ترف وثروات تمتع بها "سيدي المعلم"، أي ماهر الأسد، مع المحظيين من معاونيه، فيما كان بعض جنوده يكافحون لتأمين قوت عائلاتهم إلى حدّ التسوّل.

وتكشف مجموعة وثائق بحسب الوكالة الفرنسية داخل عدد من هذه المواقع المهجورة الآن، النقاب عن امبراطورية اقتصادية واسعة بناها ماهر الأسد وشبكته من المنتفعين، لم تترك مجالا لم تتدخل فيه، من صنع الكبتاغون والاتجار به وصولا إلى فرض أتاوات على المعابر الحدودية والحواجز.

ولطالما اتهمت حكومات غربية ماهر الأسد وأعوانه بتحويل سوريا إلى "دولة مخدرات" أغرقت الشرق الأوسط بأقراص الكبتاغون، وهي مادة منشطة غير قانونية كانت تهرّب خصوصا إلى الخليج.



لكن بعيدا من التجارة التي تقدّر قيمتها بأكثر من 10 مليارات دولار، تُظهر المستندات كيف تغلغلت الفرقة الرابعة في الكثير من مفاصل البلد، ما جعلها أشبه بـ"مافيا" محظية داخل دولة مارقة.

استولت الفرقة الرابعة على منازل ومزارع، وصادرت بضائع شتى من مواد غذائية وسيارات وأجهزة إلكترونية لبيعها. ونهبت النحاس والمعادن من مناطق دمرتها سنوات الحرب الطويلة.

وفرضت كذلك أتاوات عند الحواجز ونقاط التفتيش، وجنت أموالا من مرافقة صهاريج نفط وحماية مسارها، حتى تلك الآتية من مناطق سيطر عليها المسلحون المعارضون. واحتكرت أيضا تجارة التبغ والمعادن.

أنفاق وخزنات
في صلب هذه الشبكة الفاسدة، تربّع المقر الخاص لماهر الأسد فوق متاهة أنفاق محفورة في قلب جبل يعلو دمشق، يتسع بعضها لمرور شاحنة.

وقاد حارس ملثم تابع للسلطة السورية الجديدة فريق الوكالة عبر الأنفاق، كما لو أنه دليل سياحي مشيرا إلى حمام هنا وغرفة نوم هناك، وما بدا أشبه بمسارات خروج في حالات الطوارئ.

بعد النزول عبر سلم شديد الانحدار مؤلف من 160 درجة، توجد غرف موصدة ببوابات مصفحة.

ويقول الحارس إنه أحصى تسع خزنات داخل إحدى الغرف.

ويوضح كيف أن الخزنات تعرضت "للكسر" والنهب على أيدي أشخاص اقتحموا المكان في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، بعد ساعات قليلة على إطاحة فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام بحكم عائلة الأسد التي قادت سوريا بقبضة حديد لأكثر من خمسة عقود.

وبحسب مصدر عراقي رفيع المستوى ومصدرين سوريين آخرين، لم يعلم ماهر الأسد (58 عاما) حينها بعزم شقيقه الفرار إلى روسيا. وهرب بشكل منفصل في مروحية أقلته إلى العراق ومنها إلى روسيا، عبر إيران على الأرجح.

في المجمع تحت الأرض، تبدو الفوضى جلية: خزنات مفتوحة وصناديق ساعات رولكس وكارتييه فارغة مرمية في كل ناحية. ولا يتضح ما إذا كانت الخزنات قد أُفرغت من الأموال قبل نهبها أم لا.

ويشير الحارس إلى مكتب، يقول إنه "المكتب الأساسي" لماهر الأسد، مؤلف من "طابقين فوق الأرض وتحته أنفاق تضم (...) غرفا مغلقة لا يمكن فتحها".

إلى جانب خزنة مهجورة داخل ممر، يمكن رؤية جهاز تغليف حراري جرى استخدامه على الأرجح لتغليف الأوراق النقدية.

ثروات مخفية
في أحد المستندات التي تفنّد بالتفصيل النفقات كافة، عثر عليها بين مئات الأوراق المبعثرة داخل مكتب أمن تابع للفرقة الرابعة، يظهر أنه كان هناك حتى الرابع من حزيران/ يونيو سيولة نقدية قدرها ثمانون مليون دولار، وثمانية ملايين يورو، و41 مليار ليرة سورية.

وتوثّق مئات المستندات احتفاظ ماهر الأسد ومكتب الأمن بمبالغ شبيهة في الفترة الممتدة بين العامين 2021 و2024.



ويقول الباحث لدى معهد كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط خضر خضور: "هذا ليس إلا عينة صغيرة من الثروة التي جمعها ماهر وأعوانه عبر صفقاتهم التجارية المشبوهة".

ويقدّر أن تكون ثروتهم الحقيقية مخفية "في الخارج، على الأرجح في دول عربية وأفريقية".

ويضيف: "كانت الفرقة الرابعة بمثابة آلة لطباعة المال" في سوريا حيث يعيش أكثر من تسعين في المئة من السكان، وفق الأمم المتحدة، بدولارَين أو أكثر بقليل في اليوم الواحد.

دولة داخل الدولة
لم تنجح العقوبات الغربية في كبح جماح ماهر الأسد ورجاله أو الحدّ من نفوذهم طيلة سنوات النزاع.

ويقول العميد السابق في الفرقة الرابعة عمر شعبان الذي عقد تسوية مع الإدارة السورية الجديدة "كانت الفرقة الرابعة دولة مستقلة، تمتلك (...) كل شيء".

وفي حين كان التعامل بالدولار الأمريكي محظورا في سوريا، أصبح العديد "من ضباط الأمن أصحاب ثروات، لديهم خزنات وأموال (...) بالدولار حصرا"، على حد قوله.

وأقام أعوان ماهر المقربون في قصور فاخرة واعتادوا على شحن سيارات فارهة من الخارج، بينما كان البلد خارج أسوار قصورهم غارقا في دوامة من الفقر والبؤس والخوف.

بعد أسابيع من إطاحة حكم الأسد، كان سوريون ما زالوا يأتون إلى فيلا ماهر الأسد المشيّدة على تلة في منطقة يعفور الراقية، ويفتشون في الغرف القريبة من اسطبلات اعتادت ابنته الفائزة بجوائز عدة، ركوب الخيل فيها.

داخل القصر المنهوب، سأل رجل بانفعال وهو ينتقل من غرفة الى أخرى "أريد الذهب. أين الذهب؟".لكنه لم يعثر إلا على صور قديمة مبعثرة على الأرض، إحداها لماهر وزوجته مع أولادهما الثلاثة.

 "الرجل الخفي"
لطالما كان ماهر الأسد شخصية غامضة تثير الخوف في سوريا. ويُنظر إليه على أنه الرجل الذي تولّى تنفيذ "الأعمال القذرة للنظام".

ومع أن صوره غُلّقت داخل كل مقر للفرقة الرابعة، لكنه نادرا ما كان يظهر في الأماكن العامة. ورغم اتهامه من منظمات حقوقية بإصدار أوامر لقتل متظاهرين عزل في سوريا منذ العام 2011، وربط اسمه باغتيالات، لكنه بقي بمثابة "الرجل الخفي"، وفق ما يقول مصدر مقرب من عائلة الأسد. ويوضح المصدر: "ستجد قلة من الأشخاص يقولون إنهم يعرفونه" شخصيا.

في مقابلة مع قناة العربية السعودية مطلع شباط/ فبراير، قالت مجد الجدعان، شقيقة زوجة ماهر الأسد والتي غادرت سوريا بعد خلافات معه عام 2008 وتقدّم نفسها على أنها معارضة لعائلة الأسد، إنه كان كريما وأحيانا ذا صحبة طيبة. لكن "حين يغضب، كان يفقد السيطرة بالكامل على تصرفاته وأقواله، وهذا ما كان مرعبا في شخصيته".

وكانت الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد بمثابة القبضة الحديد للنظام وارتبط اسمها بسلسلة طويلة من الفظائع.

بعد اندلاع الحرب في سوريا، قالت جدعان في مقابلة مع تلفزيون فرنسي: "ماهر يعرف كيف يدمّر، يعرف كيف يقتل ثم يكذب ليظهر بريئا"، مشبهة قسوته بوالده الراحل حافظ الأسد.

سيارات فارهة
حين يعدّد سكان في دمشق بسخط انتهاكات الفرقة الرابعة، يتردّد اسم آخر إلى جانب اسم ماهر الأسد، هو غسان بلال، مدير مكتب الأمن في الفرقة الرابعة.

على غرار رئيسه، كان بلال مولعا بجمع السيارات الفارهة ويقيم في فيلا في يعفور. وتقول مصادر أمنية إنه غادر سوريا بعد سقوط الحكم.



داخل مكتبه الفسيح في المقر الرئيسي لمكتب الأمن، تكشف معاينة فاتورة تلو الأخرى تفاصيل أسلوب حياته الباذخ. وبين تلك الفواتير واحدة متعلقة بصيانة سيارة الكاديلاك خاصته.

في صيف 2024، شحن بلال إلى دبي سيارتَين من طراز ليكسس ومرسيدس، بحسب وثيقة. وتظهر فواتير تسديد مبلغ بقيمة 29 ألف دولار كبدل جمارك وتأمين في دولة الإمارات عبر بطاقة ائتمان مسجّلة باسم شخص آخر.

وتظهر ورقة مكتوبة بخط اليد أنه كان يسدّد، بسبب خضوعه لعقوبات غربية على خلفية اتهامه بانتهاكات لحقوق الإنسان، بدل اشتراك بمنصة "نتفليكس" للأفلام بواسطة أحد الأصدقاء عبر بطاقة ائتمان في الخارج.

وتتضمن قوائم أخرى نفقات، غالبيتها منزلية ولأولاده أو للمطبخ أو لشراء الوقود ومصاريف أملاك بينها الفيلا التي تعرضت لاحقا للنهب.

وبلغت قيمة تلك النفقات خلال عشرة أيام فقط من شهر آب/ أغسطس 55 ألف دولار.

في الشهر ذاته، كتب جندي من الفرقة الرابعة إلى بلال متوسلا منحه "إعانة مالية (كونه) بوضع مادي سيء جدا".

وقد صرف له بلال 500 ألف ليرة سورية كإعانة، أي ما يعادل حينها 33 دولارا، فيما تظهر وثيقة أخرى ضبط أحد جنود الفرقة الرابعة يتسوّل في الشوارع أثناء دوامه.

رجال المال
وتمّ إحراق آلاف المستندات والملفات، على ما يبدو، لكن العديد من الوثائق السرية التي نجت تحمل في طياتها معلومات كثيرة.

من بين الأسماء البارزة المذكورة في بعض الوثائق والتي ساهم أصحابها في تمويل الفرقة الرابعة، تبرز أسماء رجال أعمال مدرجين على لوائح العقوبات، على غرار خالد قدور ورئيف القوتلي، والأخوين قاطرجي المتهمين بجني مئات الملايين من الدولارات لصالح الحرس الثوري الإيراني والحوثيين في اليمن، عبر بيع النفط الإيراني إلى سوريا والصين.

وبحسب مصادر أمنية ومن قطاع الأعمال، تولى القوتلي إدارة نقاط تفتيش ومعابر، حيث "فُرضت أتاوات" على بضائع أو جرت مصادرتها.

ونفى قدّور الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدعمه ماهر الأسد ماديا في تهريب الكبتاغون والسجائر والهواتف، أن يكون له أي تعامل مع ماهر الأسد حين سعى لأن تُرفع العقوبات الأوروبية عنه عام 2018.

لكنّ قائمة إيرادات المكتب الأمني لعام 2020، أظهرت أنه وفّر نحو 6,5 ملايين دولار في ذاك العام لصالح المكتب.

وتتضمن الوثيقة لائحة طويلة من المبالغ بالليرة السورية ومصادرها المتنوعة، وبينها الدخان الوطني، و"ترفيق"، أي حماية صهاريج النفط، وبيع المصادرات.

"مافيا"
ويشير خضر خضور إلى أن مكتب الأمن كان يتولى معظم المعاملات المالية للفرقة الرابعة ويصدر بطاقات أمنية للأشخاص الذين تعامل معهم لتسهيل تحركاتهم.

في 2021، قال أحد تجار المخدرات الذي يحمل جوازي سفر لبنانيا وسوريا، لمحققين لبنانيين إنه استحوذ على بطاقة أمنية من الفرقة الرابعة، وإن مكتب الأمن وافق على حماية شحنة مخدرات لتاجر آخر مقابل مليونَي دولار، بحسب إفادة اطلعت عليها الوكالة في حينه.

وتؤكد مصادر أمنية عدّة أن بلال كان الشخص الأساس في تجارة الكبتاغون لدى الفرقة الرابعة، واتهمته وزارة الخزانة الأمريكية بالفعل بأنه من اللاعبين الرئيسيين في تلك التجارة.

وزارت الوكالة الفرنسية مصنعا لإنتاج الكبتاغون داخل فيلا استولت عليها الفرقة الرابعة في بلدة الديماس بريف دمشق قرب الحدود مع لبنان. وكانت غرفها مليئة بصناديق وبراميل من مواد الكافيين والإيثانول والباراسيتامول المستخدمة في صنع المخدر.

ويقول سكان محليون إنه لم يُسمح لهم أن يقتربوا من الفيلا، وكان يُمنع حتى على الرعاة التواجد في التلال المحيطة.

ويقول ضابط سابق أمضى جزءا من خدمته في مكتب الأمن دون الكشف عن اسمه، إن المكتب كان يتمتع بـ"حصانة وكان ممنوعا على أي جهة أمنية التعرّض لأي عنصر إلّا بموافقة ماهر".

ويضيف: "كانت مافيا، وكنت أعلم أنني أعمل لدى مافيا".

"تركوا الشعب يجوع"
وطارد جشع الفرقة الرابعة عائلات على مدى عقود، كما تُظهر رسالة كتبها عدنان الديب، وهو مشرف على مقبرة في مدينة حمص (وسط).

عند حاجز مهجور للفرقة الرابعة قرب دمشق، وبين مئات المستندات المتسخة والمرمية أرضا، عثر فريق الوكالة الفرنسية على رسالة من ديب يطلب فيها من الفرقة الرابعة استعادة مزرعته.

ويروي الديب كيف أن الفرقة الرابعة صادرت فيلا تملكها عائلته وقصورا أخرى مجاورة قبل عشرة أعوام في قرية كفرعايا قرب حمص.

ورغم عدم السماح له بالاقتراب من ممتلكاته، كان على الديب دفع الضرائب المتوجبة على العقار الذي حولته الفرقة الرابعة بحسب قوله، إلى مكاتب، بينها أحد فروع مكتب الأمن، ومستودعات للمواد المصادرة، وغرفة أشبه بسجن.

خلال جولة في العقارات المصادرة، يقول أحد السكان: "مكتب أمن الرابعة هنا كان خطا أحمر لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه". ويروي كيف وجد بعد فرار العناصر كمية هائلة من البضائع المصادرة وبينها سيارات ودراجات نارية ومئات غالونات زيت القلي.

ويضيف: "تركوا الشعب يجوع فيما كان كل شيء متاحا لهم هنا".



وتُظهر وثيقة من أحد العقارات المصادرة، أن مواطنة بلغ عدد أفراد عائلتها 25 شخصا، كان قسم منهم يقيم في خيمة وآخرون في "قنن للدواجن"، طلبت أكثر من مرة أن يخلي عناصر من الفرقة الرابعة منزلها لتقيم فيه مع عائلتها.

حصة الأسد لبشار
لم تسيطر الفرقة الرابعة على أي قطاع في الاقتصاد السوري بقدر سيطرتها على سوق المعادن.

ويقول العميد الشعبان: "كان ممنوعا أن يحرّك أحد الحديد من دون موافقة الرابعة"، مضيفا أن التعامل بالنحاس مثلا كان حقا "حصريا" لها.

ويروي الضابط في مكتب الأمن الذي رفض الكشف عن اسمه، كيف توافد عناصر من الفرقة إلى إحدى ضواحي دمشق بمجرد سيطرة القوات الحكومية عليها حينها، وبدأوا يسحبون أسلاك النحاس والحديد من المنازل المدمرة.

ويقول رئيس غرفة الصناعة السابق فارس الشهابي إن أحد مصانع المعادن الذي كان يديره أحد شركاء ماهر الأسد، كان يحتكر السوق، وأُجبر الجميع على الشراء منه حصرا.

و"لم يعد بإمكان" العديد من المعامل العمل جراء هذا الضغط، وفق الشهابي.

ويوضح أن ماهر الأسد و"أصدقاءه" كانوا يسيطرون على حصة كبيرة من الاقتصاد السوري، لكن المستفيد الأكبر كان بشار الأسد.

ويقول الشهابي: "كانت شركة واحدة... والقصر الرئاسي كان دائما المرجع".

ويؤكد الضابط السابق في مكتب الأمن أن حصة من الأرباح والمضبوطات كانت تذهب دائما إلى القصر الرئاسي.

إرث سام
ورغم أنه لم يتبق من الفرقة الرابعة اليوم إلا مستودعات مهجورة ومقرات منهوبة، يحذر الخبير في الشأن السوري لارس هاوخ من مؤسسة "كونفلكت ميدييشن سولوشنز"، من أن إرثها قد يكون ساما جدا.

ويقول: "كانت الفرقة الرابعة لاعبا عسكريا، وجهازا أمنيا، وكيانا استخباراتيا، وقوة اقتصادية وسياسية، ومؤسسة إجرامية عابرة للحدود".

ويضيف: "مؤسسة ذات تاريخ يمتد لعقود، وقدرات مالية هائلة، وعلاقات وثيقة مع النخب، لا يمكن أن تختفي ببساطة".



وينبه إلى أنه "فيما فرّت القيادة العليا من البلد"، فقد تراجعت "نواتها الصلبة"، ومعظمهم من الموالين للحكم السابق، إلى المناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية، الطائفة التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وسعت السلطات الجديدة منذ وصولها إلى دمشق مرارا لطمأنة الأقليات بأنهم لن يتعرضوا لأي أذى، لكن أعمال عنف طالت العلويين في مناطق مختلفة، خصوصا في وسط البلاد وغربها.

ولا يستبعد هاوخ وجود أسلحة مخبأة في مخازن، تضاف إليها "مليارات الدولارات" التي كانت موضّبة في خزنات الفرقة الرابعة. وينبّه من أن "كل ما يلزم لتمرد طويل الأمد متوافر... إذا فشلت عملية الانتقال في سوريا في أن تكون شاملة بالفعل وتحقق العدالة الانتقالية".

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: تفجيرات البيجر أدت في النهاية إلى إسقاط نظام بشار الأسد
  • سوريا: شن حملة أمنية ضد فلول الأسد
  • وثائق تكشف فساد الفرقة الرابعة ونهبها لمقدرات سوريا
  • كاتب إسرائيلي يكشف سبب التحركات الإسرائيلية وعلاقتها بـمزاج ترامب
  • وثائق مسربة.. هكذا اخترقت مخابرات الأسد المعارضة قبل ردع العدوان
  • عثر عليها في مقراتها.. وثائق تكشف فساد الفرقة الرابعة ونهبها لمقدرات سوريا
  • عثر عليها بمقراتها.. وثائق تكشف فساد الفرقة الرابعة ونهبها لمقدرات سوريا
  • إرث سام .. إمبراطورية الأسد نهبت سوريا وتركت الشعب يتسول
  • بن عامر يحذر من مآلات التصعيد الاسرائيلي في سوريا
  • إعلام إسرائيلي: الجيش مستعد لاستئناف القتال في غزة وفق خطط جديدة