«البث المباشر» وتوقف المصعد !
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
«البث المباشر نقلة نوعية فـي الإعلام العُماني. أنتِ أسّسْتِه؟»، هكذا افتتح الزميل مازن الهدابي أسئلتَه للإعلامية القديرة منى بنت محفوظ المنذرية فـي حواره المطوّل معها فـي حلقة من حلقات بودكاست «مصعد» بثت على اليوتيوب قبل يومين. وقبل أن أفـيق من صدمة السؤال الذي لا ينمّ عن أي إلمام بتاريخ إذاعة سلطنة عُمان من قِبَل مُعِدِّي الحلقة، صُدِمْتُ من جديد بإجابة الأستاذة منى: «أي نعم.
فـي الحقيقة لا أعرف شيئا عن البرنامج التلفزيوني «قهوة الصباح» لكني أعرف جيِّدًا تاريخ البرنامج الإذاعي «البث المباشر»، منذ أن كنتُ أتابعه بشغف فـي ثمانينيات القرن الماضي، بل إنني شاركتُ فـي إحدى حلقاته عام 1986 وأنا لا أتجاوز الثانية عشرة من عُمري، بقصيدة قرأها بصوته الأستاذ الراحل محمود المسلمي. وبعد هذا التاريخ بنحو ثلاثين سنة قرأتُ كتاب «سارق المنشار» للإعلامي زاهر المحروقي، الصادر عن دار الانتشار العربي فـي بيروت عام 2017، وقد كان زاهر مشرفًا عامًّا على برنامج «البث المباشر» فـي فترته الأولى ما بين عامي 1984 و1989م؛ الفترة الذهبية للبرنامج، وسرد فـي الكتاب وبالتواريخ الدقيقة الكثير من تفاصيل «البث المباشر».
يروي المحروقي فـي «سارق المنشار» أن فكرة البرنامج انبثقت عام 1984 بانفصال «البرنامج الأوروبي» عن البرنامج العربي العام للإذاعة العُمانية (هكذا كانت تسميتُها الرسمية فـي ذلك الوقت قبل أن تتغير فـي مطلع التسعينيات إلى «إذاعة سلطنة عُمان») إلى إرسالٍ مستقبَلٍ عبر موجة الـFM؛ بعد أن كانت الإذاعة تبث إرسالها باللغتين العربية والإنجليزية، إذ كانت تتوقف فـي العادة البرامج العربية فـي الثانية عشرة ظهرًا وتبدأ البرامج الإنجليزية حتى الساعة الثالثة عصرًا. ولملء فراغ البث الإنجليزي طُرحَت أكثر من فكرة، ذكر بعضها الأستاذ حمد الراشدي وزير الإعلام الأسبق فـي كتاب سيرته الذاتية «بين بلاغين» (الانتشار العربي، بيروت، 2018)، إذْ اقترح وكان آنذاك يشغل منصب مدير عام الإعلام - على مدير عام الإذاعة فـي ذلك الوقت (علي بن عبدالله المجيني) إعادة بعض البرامج، وإيجاد فترة مفتوحة تعتمد على الاتصالات الهاتفـية، ويبدو أن هذه الأخيرة كانت فكرة معالي عبدالعزيز الرواس - وزير الإعلام آنئذ - الذي ينقل عنه المحروقي فـي «سارق المنشار» أنه «شدد على أنه يريد أن يحسَّ كلُّ مستمعي الإذاعة العمانية بالفارق وأنّ هناك تغيُّرًا ما قد حصل». وقد استقر الرأي بعد مناقشات مستفـيضة على فكرة برنامج «البث المباشر» التي طرحها محمد مرعي الخبير الإذاعي المصري المعار من إذاعة «صوت العرب»، وكان البرنامج الأول من نوعه فـي عُمان الذي يجري عبره التواصل مع المستمعين عبر الهاتف، وأُذيعتْ الحلقة الأولى منه فـي الأول من يونيو 1984، الذي وافق غرة رمضان من العام الهجري 1404.
ولأن حلقات البرنامج تختلف من يوم فـي الأسبوع إلى آخر، فقد كانت أهم حلقاته وأشهرها حلقة الثلاثاء التي أسماها زاهر حلقة «الاقتراحات بما يخدم المصلحة العامة»، ورغم مسماها «الناعم» هذا إلا أنها فـي الواقع كانت تستقبل شكاوى المواطنين ضد المؤسسات الحكومية، وهو ما أدى إلى أن تغضب بعض هذه المؤسسات على البرنامج وتطالب بإيقافه، وقد خصص المحروقي فصلًا آخر فـي كتابه روى فـيه تفاصيل اجتماع مهم حول «البث المباشر» عُقِدَ فـي مكتب معالي وزير الإعلام فـي سبتمبر من عام 1986، بحضور ممثلي بعض الوزارات والهيئات الحكومية الخدمية العُمانية، انطلاقًا من شكوى ضد البرنامج قدمتها إحدى هذه الجهات.
وإذن؛ فـي عام 1989 توقف «البث المباشر»، كما يتوقف مصعدٌ تعطّل فجأة قبل أن يبلغ الطابق الأعلى. وهذا يُعيدنا إلى بودكاست «مصعد» وحوار الأستاذة منى محفوظ، فبعد أكثر من عقد على توقف «البث المباشر»، وبُعَيْد جلسة استماع حول الإعلام العُماني عقدها مجلس الشورى فـي يناير من عام 2000 مع معالي عبدالعزيز الرواس، وانتقاده أي المجلس - عدم وجود برامج تتفاعل مع قضايا الناس، قرر معالي الرواس إعادة البرنامج من جديد وبالمسمّى نفسه، لاستغلال زخم الشعبية التي حققها لدى المستمعين، وكلف الأستاذة منى محفوظ بصفتها مدير عام الإذاعة بتنفـيذ هذا القرار، وقد كلّفت بدورها الأستاذ محمد المرجبي بتقديم البرنامج، وكانت هذه الفترة الثانية للبرنامج التي ستستمر حتى عام 2008، وقد كان لافتًا أن الأستاذة منى لم تذكر اسم المرجبي فـي البودكاست من ضمن مقدمي «البث المباشر» رغم أنه كان المقدم الرئيسي له لنحو 8 سنوات كاملة، عدا أنه كان أحد مقدمي الفترة الأولى للبرنامج فـي الثمانينيات، فـي حين ذكرتْ أسماء مذيعين لم يقدموا البرنامج قَطْ على حد علمي، مثل الأستاذ الراحل يعقوب يوسف الزدجالي، والأستاذ إبراهيم اليحمدي. لكن الأهم فـي هذا السياق أن الأستاذة منى، ربما بسبب النسيان، تحدثتْ عن البرنامج وكأنه صنيعتها، أو أنها هي صاحبة فكرته، وكأنه لم يكن له أي وجود قبل إدارتها للإذاعة، وهذا ليس صحيحًا بالطبع.
ختامًا، لم يسعَ هذا المقال إلا لتصحيح خطأ تأريخي وقعتْ فـيه أستاذتنا الإعلامية القديرة، وجلّ مَنْ لا يسهو، ولا يعني هذا التقليل من جهود فريق بودكاست «مصعد» الذين يُبلون بلاء حسنًا فـي استضافة شخصيّات عُمانية عامة ذات بعد وطني وإنساني، وقد أعجبتُ شخصيًّا بحلقة الفنان أنور سونيا، وأجد مازن الهدابي مقدِّمًا جيِّدًا لهذا البودكاست، لكن الإعداد يخونه أحيانا.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البث المباشر مدیر عام
إقرأ أيضاً:
إصابة 9 مستوطنين إسرائيليين بعملية إطلاق نار شمال الضفة
أصيب 9 مستوطنين إسرائيليين، بينهم 3 بجروح خطيرة، الجمعة، بإطلاق نار على حافلة قرب مستوطنة "أرئيل" شمال الضفة الغربية المحتلة، فيما أعلن الجيش "تحييد" منفذ العملية.
وقالت القناة 12 الإسرائيلية، إن مسلحا فلسطينيا وصل مفترق طرق قرب مستوطنة "أرئيل" وفتح نيران سلاحه الأتوماتيكي على الحافلة، التي تقل عادة مستوطنين.
من جانبها، أفادت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إن "9 إسرائيليين أصيبوا بينهم 3 بجروح خطيرة وواحد بجروح متوسطة والباقي بجروح طفيفة جراء عملية إطلاق النار على الحافلة".
كما أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان "تحييد" المنفذ دون معلومات عن اسمه وإذا ما كان قد قتل.
لكن هيئة البث قالت إنه قتل متأثرا بإصابته برصاص أطلقه الجيش عليه.
وأشارت إلى أن قوات كبيرة من الجيش والشرطة الإسرائيلية وصلت إلى مكان العملية.