جنيف: قوى سياسية سودانية تتوافق على إيقاف الحرب
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
تقول الوثيقة إن المجتمعين، ومن بينهم قادة سياسيون من أحزاب منتمية لـ”تقدم” وأخرى منتمية لـ”الكتلة الديمقراطية” وحركات مسلحة، شددوا على ضرورة الوصول إلى “وقف نار فوري في السودان لأغراض إنسانية وخلق بيئة لإطلاق عملية سياسية”
التغيير: وكالات
اتفقت قوى سياسية وشخصيات سودانية، اجتمعت في حوار غير رسمي في جنيف بسويسرا من (25 إلى 27 نوفمبر)، على مبادئ لحل الأزمة في البلاد، على أن تعرض لبقية القوى السياسية بغية التوافق عليها وتطويرها.
وتقول الوثيقة – وفقا لـ “الشرق” – إن المجتمعين، ومن بينهم قادة سياسيون من أحزاب منتمية لـ”تقدم” وأخرى منتمية لـ”الكتلة الديمقراطية” وحركات مسلحة، شددوا على ضرورة الوصول إلى “وقف نار فوري في السودان لأغراض إنسانية وخلق بيئة لإطلاق عملية سياسية”، كما شددوا على “جيش مهني واحد وموحد بمنأى عن التأثيرات السياسية والحزبية”.
وأكدت الوثيقة على وحدة السودان وسيادته الكاملة على أراضيه كافة وعلى دولة مدنية ديمقراطية “محايدة” على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات، ودعت إلى تأسيس حكم فيدرالي يعترف بحق الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية.
عملية سلام شاملة
كما اقترحت “وثيقة جنيف” عملية شاملة للعدالة، والعدالة الانتقالية لضمان المساءلة عن الجرائم منذ 30 يونيو 1989، ودعت إلى عملية سلام شاملة وموحدة تخاطب المسارات الإنسانية والعسكرية والأمنية والسياسية.
وطالبت “وثيقة جنيف” بالبدء في المسار السياسي في أقرب وقت ممكن، ودعت إلى اتفاق على التنسيق بين القوى السياسية لعقد مؤتمر “مائدة مستديرة” ودعوة القوى السياسية والمدنية في جبهة عريضة تعمل على وضع نهاية للحرب.
وقال المجتمعون إنهم سيتجهون إلى تشكيل لجنة سياسية مدنية لإجراء مشاورات لعقد مؤتمر واعتماد مبادئ عملية السلام. واعتمدت الوثيقة ميثاق شرف لإدارة حواراتها بالامتناع عن لغة التحريض والاستقطاب وتعزيز ثقافة السلام وإدانة خطاب الكراهية، كما دعت كل الدول للامتناع عن أي عمل يسهم في إطالة أمد الحرب.
وعلمت “الشرق” أن اجتماعات جنيف التي دعت لها وزارة الخارجية السويسرية ومنظمة “برو ميدييشن” الفرنسية، ضمت رئيس حزب الأمة، مبارك الفاضل، ونائبة رئيس ومساعد رئيس حزب الأمة القومي، مريم الصادق وصديق الصادق، ونائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، جعفر الميرغني.
كما ضمت رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، وممثل حزب البعث القومي، كمال بولاد، وممثلة الحركة الشعبية– شمال، سلوى آدم بنية، وإبراهيم آدم ممثل حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، وبابكر فيصل عن التجمع الاتحادي، والهادي إدريس رئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، ومبارك أردول عن تحالف الجبهة الديمقراطية، إضافة إلى شخصيات وطنية مثل القانوني نبيل أديب، والسياسي الشفيع خضر، والسفير السابق نور الدين ساتي، وبكري الجاك، وسالي زكي.
وتستعرض “الشرق” في السطور التالية، النص الكامل لـ”وثيقة جنيف”:
مقترح مبادئ وأسس وآليات الحل السياسي الشّامل للأزمة الوطنية
نحن ممثلو القوى السياسية والمدنية السودانية المجتمعين في إطار الحوار غير الرسمي المسمى بعملية نيون في سويسرا، في الفترة 25-27 نوفمبر 2024، نقر ونؤكد على الرؤية والمبادئ التالية لحل شامل للأزمة الوطنية.
تمثّل هذه المقترحات وثيقة أوليّة في مرحلة التطوير والإضافة، وتظل مقترحات يتم عرضها على جميع القوى السياسية والمدنية والمجتمعية، بما في ذلك تلك التى لم تحضر هذا الاجتماع، للنظر فيها، وهى مفتوحة للتطوير والمساهمات من قبل الآخرين.
1. ديباجة
أولاً، الازمة السودانية أزمة معقدة ولها جذور تاريخية عميقة ولا يمكن أن تعالج بالحرب.
ثانياً، إن للحرب آثاراً كارثية على بلادنا وشعبنا.
ثالثا، إن تقديم المساعدات الإنسانية لشعبنا وحماية حقه في الحياة يجب أن يكون على رأس أولويات جميع الأطراف
السودانية والإقليمية والدولية.
رابعاً: إن وقف إطلاق النار الفوري (وقف الأعمال العدائية)، ضروري للأغراض الإنسانية وتوفير البيئة المواتية للعملية السياسية.
خامساً: إن وقف الحرب والحفاظ على وحدة الدولة السودانية يجب أن يستند إلى حل سياسي شامل يتم التفاوض عليه من خلال حوار سوداني- سوداني شامل.
سادساً، إن الحل السياسي الشامل يجب أن يرتكز على أسس تُحقق مصالح السودانيين والسودانيات لبناء مشروع وطبي تتفق عليه كل مكونات المجتمع السوداني.
2. مبادئ الحلّ السياسي 1. وحدة السودان وسيادته الكاملة على كافة أراضيه. 2. تأسيس دولة مدنية ديمقراطية محايدة تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات، وتعترف بالتنوع وتعبر عن كل مكوناته بالمساواة والعدالة وفق إطار دستوري وسيادة حكم القانون. 3. المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات. 4. اعتراف الدولة السودانية بالتنوع التاريخي والمعاصر، على أن تكون الهوية السودانية هوية شاملة لا تميز بين السودانيين على أساس العرق أو الدين أو اللون أو اللغة أو الجهة. 5. نحن نؤمن بجيش وطني واحد وموحد ومهي، بمنأى عن التأثيرات السياسية والحزبية. 6. تأسيس نظام حكم فيدرالي حقيقي يرتكز على الاعتراف بالحق الأصيل لكل الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية. 7. إدراج قضايا المرأة في العملية السياسية وعمليات صنع السلام لضمان المشاركة العادلة للمرأة في بناء المؤسسات التي تحقق العدالة النوعية والمساواة في الحقوق والمواطنة. 8. إطلاق عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية لضمان المساءلة عن الجرائم المرتكية منذ انقلاب 30 يونيو 1989، بما في ذلك تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، والجرائم المرتكبة في حرب 15 أبريل 2023، حتى تحقق هذه العملية العدالة والإنصاف للمتضررين وتفتح عقل البلاد وقلبها نحو المستقبل. 9. تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو لإنهاء حالة اختطاف الدولة بما في ذلك استرداد الأموال والمقدرات العامة المتهوبة، والانتقال من دولة الحزب إلى دولة الوطن.
10- تبنّي سياسة خارجية متوازنة تقوم على المصالح الوطنية وتحقيق التعاون الإقليمي والدولي في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، حيث تقوم الدولة السودانية على مبدأ حسن الجوار في الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.
11. تبنّي عمليات شاملة لإعادة الإعمار والبناء والإصلاح المؤسسي لكل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجهاز العدلي والخدمة المدنية، آخذين في الاعتبار مبدأ التمييز الإيجابي.12- تعزيز مشاركة الشباب في مؤسسات الدولة وفي الحياة العامة دون تمييز.
13. تكُونُ الرعاية الاجتماعية من ضمن مسؤوليات الدولة خصوصاً فيما يتعلق بحماية حقوق الأطفال. 14. تضمينُ حقوق الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة في كافة مشروعات الدولة وخططها التنموية وفقاً للمعايير الدولية. 15. تطرح الدولة برامج شاملة لرتق النسيج الاجتماعي والتعافي الوطني لمعالجة آثار الحرب الاجتماعية.3. تصميم العملية السياسية
نحن تقترح الآتي:
– عملية سلام شاملة وموحدة ومتزامنة تخاطب المسارات الإنسانية والعسكرية والأمنية والسياسية وغيرها.
– تشكيل هيكل تنسيقي لضمان انسجام وتناسق وفعالية جميع المسارات المختلفة.
– إنّ المسار السياسي ينبغي أن يبدأ في أقرب وقت ممكن ولا ينبغي أن يتوقّف التقدم في العملية السياسية على النتائج التي تتحقق في المسارات الأخرى.
– يجب أن يفضي الحوار السوداني-السوداني إلى عملية سياسية تخاطب جذور الأزمة الوطنية، وأن يكون بإرادة سودانية.
ويمكن أن تتولى الجهات الإقليمية والدولية دور المسهل والميسّر.
4. دور القوى السياسية:
ستعمل القوي السياسية والمدنية على تحقيق ما يلي:
1. التنسيق بين القوى السياسية لقيام مؤتمر المائدة المستديرة لإدارة العملية السياسية– جمعُ القوى السياسية والمدنية في جبهة عريضة تعمل على وضع نهاية للحرب تحت رؤية موحدة وأن تتحدث بصوت واحد فيما يتعلق بالمسار السياسي.
– تشكيل لجنة مشتركة من قيادات القوى السياسية والمدنية لإجراء المشاورات مع القوى السياسية والتحضير لمؤتمر رسمي للقوى السياسية بهدف إقرار/ اعتماد إعلان مبادئ وتبني أطروحات مشتركة لعملية السلام الشامل.
– تُجري اللجنة مشاورات واسعة وتعمل على خلق روابط مع المبادرات الأخرى التي تسعى إلى الوصول إلى المؤتمر الموسع، ويشمل هذا الطريق الأمثل لضمان تحقّق الإرادة السودانية والمشاركة الشاملة للاتفاق على الأجندة ودور الأطراف الخارجية.
2. المشاركة في المساعدات الإنسانية
– حث المجتمع الإقليمي والدولي على تقديم المساعدات الإنسانية والمساعدة للوصول إلى وقف إطلاق النار.
– مطالبة أطراف الصراع بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين، وزيادة المساعدات الإنسانية ووصولها إلى السودانيين المتضررين من الحرب في كل مكان، ولا ينبغي أن يعتمد تسليم المساعدات الإنسانية على وقف إطلاق النار.
3. الاسهام في وقف إطلاق النار
– تسعى كافة الأطراف السياسية والمدنية وفق آلية يُتفق عليها إلى حثّ الأطراف المتحاربة ودفعها إلى استئناف المحادثات بسرعة والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار (وقف الأعمال العدائية) وتنفيذ الالتزامات التي تم التوصل إليها في جدة.
– تدعو الآلية كل الدول إلى الامتناع عن أي عمل يُسهم فى إطالة أمد الحرب.
– تقوم الآلية بلعب دور فعال في المراقبة والرصد والإبلاغ ودعم الترتيبات الرسمية لوقف إطلاق النار.
4. اعتماد ميثاق شرف للعمل المشترك
– تعتمدُ القوى السياسية والمدنية ميثاق شرف لإدارة حواراتها بهدف تجنب الاستقطاب والانقسامات وتعزيز ثقافة
السلام والتسامح بين أبناء الشعب السوداني.
– تلتزم القوى السياسية والمدنية بالامتناع عن استخدام أي لغة تحريضية واستقطابية وتُدين خطاب الكراهية الذي يفرّق الشعب السوداني.
– تجنّب الاستهداف الشخصي وشخصنة القضايا العامة والدعوة الى الاستخدام المسؤول لوسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي على أن يتم السعي إلى الترويج المشترك لثقافة السلام بين السودانيين بدلاً من ذلك.
الوسومالأمة القومي الكتلة الديمقراطية ايقاف الحرب تقدم جنيف
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمة القومي الكتلة الديمقراطية ايقاف الحرب تقدم جنيف
إقرأ أيضاً:
قراءة في الجذور الفكرية للحركة الإسلامية السودانية والحصاد المر
قراءة في الجذور الفكرية للحركة الإسلامية السودانية والحصاد المر
الحلقة الثالثة :- الدولة الإسلامية الواقع والمتخيل !!
عبدالعزيز حسن علي
استعرضت الحلقة الثانية المصادر الفكرية للحركة الإسلامية السودانية، واوضحت أن الحركة عجزت عن تقديم نظرية حقيقة من فقه الواقع تعتمد المواءمة بين التراث والحداثة واكتفت بالشعارات فانتهت الي التجريب الاعتباطي مجبره بوقائع الحكم والحياة.
تَدَّعِي الحركة الإسلامية السودانية أنها تسعي الي إقامة الدولة الإسلامية ـــ تُسَمَّى احياناً دولة الشريعة ــــ ، دولة تعتمد الدين الإسلامي مرجعاً اساسياً للحكم وذلك بفهم بسيط ان الله خالق الكون والخلق وانه اعلم منهم بما ُيفِيدُهُمْْ في دينهم ومعاشهم واليوم الاخر.
من الأهمية تعريف بعض المفاهيم في موضوع الدولة والإسلام منعاً للالتباس، لتكتمل صورة الدولة الإسلامية في الواقع والمتخيل للمسلمين عامة والحركة الإسلامية علي الأخص .
يُعْرَفُ القانون الدولي الدولة بِأَنَّهَا عبارة ”عن مجموعة من الأفراد يُقيمون معا في إقليم معين ويخضعون لنظام سياسي مُتفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة. وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية هدفها التقدم وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها“. يمكن تبسيط التعريف بان الدولة تتكون من الاضلاع الرئيسية الثلاث الأرض – الشعب – النظام السياسي ، أرض الدولة هي حدودها وموقعها الجغرافي والمحتوية علي الموارد التي تعود بالمنفعة علي شعب الدولة ، اما الشعب فهم سكان هذه الأرض وأصحاب السيادة عليها وتتكون الشعوب في الغالب الاعم من إثنيات و قبائل تختلف في المعتقدات ،اللغات ، الثقافة والتراث ، وما يجمعهم علي هذه الأرض المعروفة باسم الوطن هو المواطنة فقط ، اما الضلع الثالث للدولة فهو النظام السياسي ، فالنظام السياسي يشمل الدستور، الحكومة، القوانين المنظمة لعلاقات للأفراد والمجموعات.
هنالك خلط شائع بين مفهومي الدولة والحكومة ، وكثير مما تتم الإشارة اليه باعتباره دولة هو في الحقيقة إشارة الي الحكومة ، فعندما نقول رئيس الدولة نقصد في الحقيقة رئيس الحكومة ، فالنظام القضائي مثلا مستقل عن سلطان رئيس الحكومة ولا يخضع له ، وعندما نقول دولة مارقة أو إرهابية بالتأكيد لا نقصد الأرض ولا الشعب ولا حتي مجموع النظام السياسي انما المقصود الجزء التنفيذي من النظام السياسي ممثل فقط في الحكومة.
الإسلام دين يؤمن اتباعه انه دين منزل من خالق الكون ، والدين الإسلامي يشكل مع اليهودية والمسيحية ما يعرف بالأديان الإبراهيمية أَوْ الأديان السماوية وهو خاتم الرسالات ورسوله محمد هو خاتم الانبياء والمرسلين ، والإسلام مثله مثل كل الديانات الإبراهيمية الأخرى له مرجع معتمد هو القران والقران وهو كتاب هداية وليس دستوراً للحكم والسياسة.
اما الفكر الإسلامي فهو اجتهاد بعض المسلمين لفهم الإسلام وتنزيله في حياة المسلمين ، ولأن قامات البشر تختلف باختلاف العلوم ، المصالح ، الكسب اللدني وكذلك الحيز المكاني والزماني الذين يعيشون فيه، لذلك جاءت اجتهاداتهم وافهامهم لمراد الاسلام مختلفة الامر الذي ساق الي انقسام المسلمين الي مدارس وجماعات بعد انقسامهم الأول الي سنة وشيعة وكل فريق يعتقد ان فهمه للإسلام هو الصحيح وهو مراد الله من التنزيل وانه وجماعته هم الفرقة الناجية الواردة في الحديث الصحيح للمعصوم ”افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة“ .
والسؤال الذي يثار دوماً لماذا اختلف المسلمين ولديهم كتاب واحد ، والاجابة في قول الامام علي بن ابي طالب ” القران لا ينطق انما ينطق به الرجال “ وهذا ما اشرنا اليه باختلاف البشر في الفقرة السابقة. هذا الاختلاف والتعدد كان يمكن ان يكون مصدر قوة يجلي المراد من رب العباد لكن الاختلاف انتج الغلو والتكفير والحروب بين المسلمين وهذا الاختلاف هو الدليل الناصح علي عدم امكانية قيام دولة للمسلمين لديها مرجع إسلامي واحد او مذهب إسلامي واحد.
تحاول الحركات الإسلامية الزعم ان الدولة – الدولة مجازاً - التي تسعي إلى إنجازها هي دولة دينية وليست دولة سياسية مثلها مثل كل دول العالم يصل فيها الافراد للسلطة بعدة طرق ليس من بينها الوحي ، ودليلهم لتلك الدولة المثال هي دولة الرسول صلوات الله وسلامه عليه " الرسول قدوتنا ".
اختلف الفكر الاسلامي حول مفهوم الدولة التي أقامها الرسول ، عما اذا كانت بالفعل دولة دينية ! ، فبعضهم رفض ذلك ، والبعض الاخر تقبل الفكرة مع الإقرار بانها كانت دولة دينية خاصة وفق شروط خاصة مرتبطة برسول الاسلام ولا يمكن تكرارها أي انها غير ممكنة التطبيق بعد وفاة الرسول ولا في وقتنا الحالي.
دكتور عبدالله النعيم ــــــ مفكر واستاذ للقانون الدستوري ــــــ يحدد في كتابه المميز - الإسلام وعلمانية الدولة - " بطلان مفهوم الدولة الدينية" و” ان فكرة الدولة الدينية لا تستقيم عقلاً ولا ديناً “ لماذا ؟ ” لأنها تنسب التدين للدولة ، والدولة هي مؤسسة سياسية بالأساس ولا تمتلك ان تعتقد في أي دين او تمارس شعائره “ . وهو عين ما عبر عنه المفكر الشهيد جون قرنق بكلمات بسيطة ” اننا لم نشاهد دولة تذهب للجامع يوم الجمعة او الكنيسة يوم الاحد ، ولم نشاهد دولة ذهبت للحج انما الافراد هم الذين يذهبون للجوامع او الكنائس“ ولعل في الآية القرآنية " وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " مصدقاً لقول قرنق والنعيم بان الدين والتدين والثواب والعقاب للأفراد وليس للجماعات او الدول.
الشيخ خليل عبدالكريم ــــــ مفكر الإسلامي ــــــ من الذين اجازوا ان دولة الرسول كانت دولة دينية لكنه جزم بعدم إمكانية تكرارها وان كل ما جاء بعدها من دول هي دول سياسية بحتة وحدد في مقالته الهامة - الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية -المنشورة في سلسلة الاعمال الكاملة بعنوان - نحو فكر إسلامي جديد- حدد الفروق الرئيسة بين الدولة الدينية والدولة السياسية في طريقة اختيار وعزل راس الدولة ، الوحي والعلاقة مع السماء ، الطاعة والمعصية لراس الدولة.
الدولة الدينية ــــ كما حدد خليل عبدالكريم ــــــ يختار راسها الله ، بينما الدولة السياسية ينتخب الشعب راسها او يرث الحكم او يستولي علي السلطة بانقلاب عسكري مخادع يذهب بعراب التنظيم الي السجن حبيساً بينما يذهب التنظيم الي القصر رئيسا.
في الدولة الدينية يظل رئيسها علي علاقة دائمة بالله عن طريق الوحي بالتوجيه والتصويب وهذا يؤثر في قرارته بالطبع ، اما رئيس الدولة السياسية فليس له وحي مرشد من الله وقرارته خاضعة لتقديرات بشرية بحتة مثل قرار قتل الالاف في دارفور بدون سبب ثم ابداء الندم أو ادعاء الندم لاحقاً كما فعل الرئيس السابق عمر البشير.
في الدولة الدينية راس الدولة محروس من السماء ولعل في اغتيال ثلاث من الخلفاء الراشدين الأربعة دليل اخر علي ان دولهم كانت دول سياسية ، اما راس الدولة السياسة فليس له حراسة من السماء مهما ادعي فحراسته من الأرض اما في رضاء شعبه او من أجهزة الامن المتعددة.
نواصل في الحلقة القادمة اكمال الفروق بين الدولة الدينية والدولة السياسية ،ونوضح لماذا تسعي الحركة الإسلامية علي التمسك بصبغة دينية لنظامهم ثم نتناول قوانين الشريعة الإسلامية المقدمة كأساس للحكم من الحركة الإسلامية .
abdelazizali@outlook.com