وسط تصاعد النزعة المحافظة.. مقترح لتعدد الزوجات يثير جدلا واسعا بتونس
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
مرة أخرى، يكتسح خبر السماح بتعدد الزوجات في تونس منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وسط تواصل الجدل بين مؤيد ومعارض للخطوة المفترضة.
الخبر الذي لا يوجد أي تأكيد رسمي له، ولا يتجاوز مرحلة الإشاعة، يأتي وسط استمرار الجدل الحاد حول مضمون المنصات الرقمية، خصوصاً بعد اتخاذ السلطات إجراءات قانونية ضد عدد من "صانعي المحتوى"، الذين ينشرون أشرطة فيديو قصيرة، خصوصاً عبر منصة تيك توك.
منصة تيك توك كانت الأكثر جذبا للإشاعة التي تحدثت عن اعتزام الحكومة تغيير القوانين، للسماح بتعدد الزوجات، وجلبت المنشورات التي تحدثت عن ذلك آلاف المتابعين، الذين انخرطوا في نقاشات حادة، حول "الفوائد" المفترضة للقرار المزعوم، وبين معارض له بصفة مطلقة.
ولإضفاء طابع واقعي على الخبر، لم يتردد بعض المدونين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، في نشر تفاصيل ذات صبغة قانونية، ما جعل تلك الإشاعة تأخذ شكلاً جدياً، وكأنها بيان رسمي من السلطات.
من بين تلك التفاصيل، ادعت بعض الصفحات أن التحوير القانوني سيتضمن شرط أن يكون الزواج الأول قد مرت عليه أكثر من 5 سنوات، وأن تكون الزوجة الأولى على علم بوجود الزوجة الثانية، وأن تقر بذلك كتابياً.
لكن سرعان ما تحولت تلك الإشاعة إلى شرارة أشعلت نقاشاً اجتماعياً حادا، بين من يقدمون أنفسهم كمحافظين، ويرون أن التقاليد الثقافية والدينية تبيح تعدد الزوجات، ويذهب بعض منهم للقول أن ذلك يصبح ضرورة في ظل ارتفاع سن الزواج في تونس، وارتفاع نسبة العنوسة.
أما على الجانب الآخر، يتمسك فريق يقدم نفسه كمدافع عن الحقوق المدنية بوجوب الاستمرار في منع تعدد الزوجات، وعدم إدخال أي تغيير على القوانين الجاري بها العمل حالياً، كضمان لحقوق المرأة، التي تعتبر تونس رائدة فيها على المستوى العربي.
تأويلان لآية قرآنية واحدةيعود إقرار تونس لمنع تعدد الزوجات إلى الأشهر القليلة التي تلت الاستقلال، ففي الثامن من أغسطس عام 1956، أقر القانون التونسي عقوبات صارمة طبقاً لقانون الأسرة، الذي يعرف محلياً باسم "مجلة الأحوال الشخصية".
الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية في تونس، ينص أن "كل من تزوج وهو في حالة الزوجية.. يعاقب بالسجن لمدة عام، بالإضافة إلى غرامة مالية"، كما يمنع إكراه الفتيات على الزواج. ما جعل تونس الوحيدة من بين الدول العربية التي تمنع تعدد الزوجات.
وعلى عكس التجربة في باقي البلدان العربية والإسلامية، لم يعتمد الرئيس التونسي آنذاك، الحبيب بورقيبة، على حركة حقوق مدنية أو سياسية معادية للتوجه الديني المحافظ، بل حرص على أن يكون التغيير نابعاً من المؤسسة الدينية نفسها وحصل بالفعل على دعم جزء هام من علماء جامعة الزيتونة، وهي من أقدم المؤسسات الدينية التي لا تزال قائمة في العالم الإسلامي.
قاد عميد جامعة الزيتونة آنذاك، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، بالإضافة إلى "مفتي الديار التونسية" في ذلك الوقت، محمد عبد العزيز جعيط، كتابة مجلة الأحوال الشخصية، وكلاهما ينتميان إلى التيار الإصلاحي، لذلك اعتبرا أن عملهما المتوافق مع طلب الرئيس بورقيبة، كان متناسقاً مع "مقاصد الشريعة"، وليس متعارضاً معها.
استندت مجلة الأحوال الشخصية في تونس إلى الآية الثالثة من سورة النساء: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة". ومن المفارقات اللافتة أنها الآية نفسها التي يعتمدها الفقهاء الذين يؤيدون تعدد الزوجات.
واعتبر كل من بن عاشور وجعيط أن الآية ربطت بين تعدد الزوجات و الحفاظ على حقوق اليتامى، لذلك يقول: "اعلم أن بين عدم القسط في يتامى النساء وبين الأمر بنكاح النساء ارتباطا لا محالة وإلا لكان الشرط عبثاً".
وجاء في كتاب "التحرير والتنوير" أيضاً: "إن الأمر بنكاح النساء وعددهن في جواب شرط الخوف من عدم العدل في اليتامى مما خفي وجهه على كثير من علماء سلف الأمة".
وفي حين يرى بعض المحللين العرب، أن كلا من بن عاشور وجعيط قد تأثرا بفتاوى وآراء دينية معاصرة لهما، مثل فتوى الشيخ اللبناني، رشيد رضا، الذي رأى أن تعدد الزوجات "يفسد البيت"، إلا أن الكتاب التونسيين وإن كانوا لا ينكرون ذلك، إلا أنهم يعطون دوراً أكبر للموروث التاريخي لجامعة الزيتونة.
تتميز جامعة الزيتونة بأنها امتداد للمدرسة الفقهية في المالكية، التي أسست في مدينة القيروان، والتي اعتمدت ما يعرف بعقد "الصداق القيرواني"، الذي كان عبد الله بن عباس من أشهر من التزم به، عندما كان لاجئاً في القيروان هرباً من الأمويين، وتزوج أروى القيروانية، ابنة منصور الحميري الذي هاجر إلى القيروان من اليمن.
طبقاً لعادة نساء القيروان، التي تقضي بألا يتزوج الرجل بامرأة أخرى إلا في حال الطلاق، تم عقد الزواج بين عبد الله بن عباس وأروى القيروانية، قبل أن يعود إلى المشرق ويؤسس مدينة بغداد، ويصبح أول خليفة عباسي، وليعرف لاحقا بأبي جعفر المنصور.
خلاف فقهي وسط جدل اجتماعي حادعبر الكثير من الفقهاء عن عدم قبولهم بما جاء في مجلة الأحوال الشخصية التونسية، ولقي هذا الموقف صدى متصاعداً لدى جزء من الرأي العام في تونس، خصوصاً بعد عام 2011، على الرغم من أن حزب النهضة الإسلامي لم يساند ذلكك، واختار الاستمرار في دعم "المدرسة الفقهية التونسية".
لكن الجدل حول تعدد الزوجات بقي يعود إلى الواجهة من حين إلى آخر، وسط حوارات حادة، بين مؤيدي عودة تطبيقه، والرافضين قطعياً لتغيير مجلة الأحوال الشخصية.
وكان المسلسل التونسي الرمضاني، "براءة"، الذي تناول الموضوع، قد تعرض إلى انتقادات حادة، وصلت إلى المطالبة بمنع بثه على القنوات التونسية.
مسلسل #براءة ،لاشيء فيه بريء
سامي الفهري الذي أخذ عقول شبابنا بمسلسال أولاد مفيدة.. يعود بمسلسل.. الحلقة الأولى به لا علاقة لها بباقي الأحداث، يستعمل آيات الله المقدّسة في غير مواضيعها، مسلسل يتحدّث عن الزواج العرفي و كأنّها مسألة متداولة في تونس
وفي 23 نوفمبر الجاري، جلبت الأنظار تدوينة البرلمانية فاطمة المسدي في صفحتها على منصة فيسبوك، قالت فيها إنه إذا استمر نشر إشاعة تعدد الزوجات فإنها ستتقدم بمقترح قانون المساواة التامة بين الرجل والمرأة.
تعكس تدوينة المسدي رؤية المدافعات عن حقوق المرأة، اللاتي يشتكين من عدم المساواة بين الجنسين في عدة مجالات مثل الحق في الميراث، والتشغيل وغيرها.
غير أن موقف المسدي، وهي من أكبر مساندي الرئيس التونسي قيس سعيد، في البرلمان، لا يعكس مواقف الجمهور المحافظ اجتماعياً الذي يمثل الجزء الأكبر من مؤيدي الرئيس، المعروف هو الآخر بمواقفه المحافظة. ما يفتح الباب أمام إعادة رسم الاصطفافات السياسية، في مرحلة تتميز بحراك سياسي متسارع.
كما لا يُعرف موقف السلطات من مروجي الأخبار المتعلقة بالسماح بتعدد الزوجات في تونس، وهل سيتم اتخاذ إجراءات قضائية ضدهم، مثل ما كان عليه الحال مع بعض صانعي المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، أم أنها ستلتزم الصمت ما يفتح الباب أمام الكثير من التأويلات.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: تعدد الزوجات فی تونس
إقرأ أيضاً:
جولد بيليون تعدد أسباب ارتفاع أسعار الذهب العالمي اليوم
سجل سعر الذهب عالميا خلال تداولات اليوم الجمعة حالة من الارتفاع الطفيف بعد انخفاض في مستويات الدولار الأمريكي، بالإضافة للتوترات الجيوسياسية، بالرغم من ذلك فيقدم الذهب بتسجيل أكبر انخفاض شهري خلال نوفمبر منذ أكثر من عام.
وأوضح التقرير الصادر عن جولد بيليون المتخصصة في أسعار الذهب، أن سعر أونصة الذهب العالمي سجل ارتفاعا اليوم بنسبة 0.9% ليسجل أعلى مستوى في 5 جلسات عند 2666 دولارا للأونصة وذلك بعد أن افتتح تداولات اليوم عند المستوى 2639 دولار للأونصة، وفق التحليل الفني لجولد بيليون.
وبالرغم من تعافي أسعار الذهب إلا أنه في طريقه إلى تسجيل انخفاض أسبوعي حتى الآن بنسبة 2%، واليوم يختتم تداولات شهر نوفمبر الذي شهد انخفاض في سعر الذهب العالمي بنسبة 3% ليظل أكبر انخفاض شهري منذ 14 شهر، وكان قد سجل أدنى مستوى خلال نوفمبر عند 2536 دولار للأونصة وهو أدنى مستوى في شهرين.
التعافي الذي شهده سعر الذهب اليوم جاء بدعم من انخفاض مستويات الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات الرئيسية، ليسجل انخفاض بنسبة 0.2% مسجلا أدنى مستوى منذ أسبوعين، وبالتالي عمل هذا على دعم أسعار الذهب في ظل العلاقة العكسية التي تربط بينهما.
ساعدت تلك العوامل على تقليص الذهب لخسائره التي سجلها مطلع هذا الأسبوع، ولكن تظل الخسائر التي سجلها الذهب منذ بداية الشهر سائدة، لأنها كانت نتيجة فوز المرشح الرئاسي دونالد ترامب بفترة رئاسة جديدة وما قد يترتب على هذا من العديد من التشريعات والسياسات الجديدة التي تزيد من قوة الدولار وارتفاع التضخم.
وحتى الآن فمن المتوقع أن الأسواق المالية ستخفض أسعار الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي في ديسمبر المقبل بمقدار 25 نقطة أساس وتضع احتمال بنسبة 68% كما تضع احتمال آخر بنسبة 32% أن يثبت البنك الفائدة دون تغيير.
فرض تعريفات جمركية جديدة على الصينوبشكل عام يطغى حاليا حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل السياسة النقدية للبنك الفيدرالي ومسار أسعار الفائدة، خاصة بعد تهديد ترامب مطلع هذا الأسبوع بفرض تعريفات جمركية جديدة على الصين بنسبة 10% وعلى كل من المكسيك وكندا بنسبة 25%، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدعم ارتفاع الدولار ومعدلات التضخم بشكل قد يحد من قدرة البنك الفيدرالي على الاستمرار في خفض الفائدة.
وبالنسبة للطلب الفعلي على الذهب، فقد عاد إلى الارتفاع خلال الأسبوع المنتهي في 22 نوفمبر وفقاً لما أعلن عنه مجلس الذهب العالمي، ليظهر أن التدفقات الواردة إلى صناديق الاستثمار العالمية المدعومة بالذهب قد ارتفعت خلال الأسبوع الماضي بمقدار 3.4 طن ذهب.
جاء التراجع الكبير في التدفقات النقدية للصناديق خلال الأسبوع السابق بمقدار 3.6 طن ذهب، بسبب خروج تدفقات كبيرة من صناديق الاستثمار في منطقة أوروبا وآسيا بحثا عن استثمارات مرتفعة العائد.