جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-03@13:35:20 GMT

الفكر والمعرفة والمجتمع وطريق التطور

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

الفكر والمعرفة والمجتمع وطريق التطور

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي **

الفكر هو العملية العقلية التي يقوم بها الإنسان لتفسير الظواهر، أو طرح الأسئلة، أو صياغة الأفكار بناءً على التأمل أو التحليل أو الاستنباط ويتميز بأنه عملية ديناميكية تعتمد على الإبداع والتفكير النقدي ويهدف إلى استنتاج جديد أو فهم أعمق مثل التفكير في حلول لمشكلة معينة أو حتى إيجاد طرق بديلة أو وضع ركائز أساسية نحو التطور أو النمو في شتى المجالات العلمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما المعرفة فهي مجموعة المعلومات والحقائق المكتسبة من التجربة، أو التعلم، أو البحث تتميز بأنها ثابتة نسبيًا وقائمة على البيانات أو الحقائق. وتُكتسب عن طريق التعليم أو الملاحظة أو التوثيق.

ولا شك أن الفكر يعتمد على المعرفة كأداة وبدون قاعدة معرفية، يصبح الفكر غير مستند إلى حقائق حيث تقوم المعرفة بتزويد الفكر بالمعلومات ليعمل عليها، بينما الفكر يطور تلك المعرفة أو يربطها بسياقات جديدة. باختصار الفكر هو عملية، بينما المعرفة هي محتوى.

تلك كانت مقدمة بتعريف مبسط عن ما هو الفكر وماهي المعرفة والعلاقة بينهما وموضوع الفكر والمعرفة هو في الحقيقة بحر من صعب أن نخوض فيه في بعض الأسطر، والذي يهمنا هو احتياج المجتمع لاجتماع هاذين المفهومين من أجل بناء مجتمع واعٍ باحتياجاته.

نحن بحاجة إلى ذلك النسيج المتناغم الذي يربط المجتمع بالسلطة وإيمان هذا المجتمع بأهمية استمرار البناء في كل المجالات وذلك من خلال ما اكتسبه أفراد المجتمع من معرفة وتسخير هذه المعرفة وتحويلها إلى فكر خلاق هادف يفيد هذا المجتمع نحو الازدهار والتقدم وإلا فما هي الفائدة من هذه المعرفة .

ولنقرأ تجارب الدول في هذا المجال ولن نذهب بعيدا بتجارب الغرب التي يمكن أن تمتلك مقاومات أكبر كما إن عامل الزمن والأسبقية لن تكون في صالحنا، وبالنظر إلى تجربة دولة آسيوية مثل اليابان ودولة مثل سنغافورة فنجد عوامل كثيرة أدت إلى هذا التقدم الذي وصلت إليه هاتان الدولتان، منها الاهتمام بالصناعة، والاهتمام بالتطوير والابتكار المستند على البحوث العلمية .

لكن نجد أهم عامل من عوامل النجاح في هاتين الدولتين هو الإنسان، ليس في ذلك الكم الهائل من المعرفة والمقرون بالتعليم فحسب وإنما اهتماها بذلك النوع هذا التعليم وخاصة التقني والمهني الذي يساير احتياجات المرحلة في ذلك الوقت والذي ينظر إليه في بعض المجتمعات بأنه تعليم أقل في المستوى من التعليم العام بالتالي لا يجد الإقبال من الطلبة ولا يجد الاهتمام من السلطات المعنية بالرغم من أهميته فكيف لنا أن نتجه إلى الصناعة ومجاراة الثورة في تقنية المعلومات بدون التعليم التقني أو المهني، هذا جانب أما الجانب الآخر والأهم هو إيمان شعوب تلك الدول العميق بأهمية الفوز بمكان في هذا السباق بين دول العالم لإيجاد موطئ قدم في طريق وعر من المنافسة للاستحواذ على حصص من  السوق العالمية وماتبعه بعد ذلك من قوة اقتصادية واستغلال الموارد والفرص وتمكين القيمة المحلية المضافة مما يؤدي في النهاية أن أصبحت هاتين الدولتين من أقوى الدول اقتصاديا، فالرغبة الحقيقة للشعوب هاتين الدولتين هي من قادة هاتين الدولتين للتقدم وهذا نجاح يسجل ليس فقط للقيادات وإنما للشعوب ذاتها.

الأوطان لا تُبنى بالحكومات وحدها؛ فالشعوب شريك فاعل وأساسي في بناء الأوطان. نعم الحكومات هي التي تضع الخطط والبرامج ومراقبة تنفيذها وفق ما هو متاح من موارد، والحكومات فهي المسؤولة عن الموارد المتاحة وعدالة توزيعها بل تنميتها لتحقيق رفاهية شعوبها وضمان استدامتها للأجيال القادمة.

لكن في المقابل، الحكومات بحاجة الى أفراد المجتمع المتسلح بالمعرفة والخلاق أصحاب الفكر والمؤمن بوطنه وهذا هو أحد أهم عوامل النجاح في كثير من البلدان المتقدمة، الانضباط والشعور بالمسؤولية ونكران الذات لايحتاج الى أدوات قياس أو أدوات مراقبة إذا وجدت في الأصل في كل فرد من أفراد المجتمع.

وفي الختام.. إنَّ الفكر والمعرفة وطريق التطوير، مرهون بالمجتمع؛ إذ إنَّ السلطات من واجبها ومسؤولياتها تحقيق رفاهية المجتمع وتحقيق آماله وطموحات وأحلامه في العيش الرغيد، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعبة وفرص التعليم وفرص الحصول على الوظيفة المناسبة، وعلى السلطات بذل كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف.. وفي المقابل، على أفراد المجتمع تسخير ما اكتسبوه من معرفة لمصلحة الوطن عن طريق الإبداع بكل ما يخدم هذا الوطن، مع الإيمان الكامل بمقولة إن الأوطان لا تُبنى إلّا بسواعد المخلصين من أبناء الوطن، وعليهم بذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذا الهدف.

** خبير في الشؤون المالية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نبض الأصالة.. فيض المعاصرة

أحمد الفقيه

المسيرة العربية الحضارية الحديثة المعاصرة منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الآن ما زالت تحبو، ولم تستطع قطع أشواط كبيرة ومسافات شاسعة نحو الرقي الثقافي والحضاري والعلمي والتكنولوجي.

ودورها في تطوير وتحديث وتغيير أحوال الأمم والشعوب العربية نحو اللحاق بركب الثورة العلمية الهائلة في بلاد الغرب. هناك دول عربية تناست مهامها في جميع ميادين الحياة ومجالاتها، وانحرفت عن أصالتها وعاداتها وتقاليدها وقيمها، وانصهرت في بوتقة الحضارات الوافدة والدخيلة. وأمة لا تحرص على أصالتها وقيمها وتراثها هي أمة يصعب عليها البقاء. فما أولى بنا نحن اليوم في ظل هذه الفوضى الخلاقة أن نحرص على أصالتنا وعروبتنا، ونعمل على الحفاظ عليها من أي تأثيرات أو غزو فكري أياً كان.

علينا أن نأخذ الدروس والعبر من الأمم المتقدمة حضارياً وعلمياً وتكنولوجياً التي تصرخ اليوم مطالبة بضرورة المحافظة على أصالتها. ففرنسا وبريطانيا مثلاً تشكوان من أن الحضارة الأمريكية أخذت تطغى عليهما، والصين جاهدة في الحفاظ على طابعها المميز لها عن روسيا، بالرغم من أن الصين دولة متقدمة علمياً وتكنولوجياً وتقنياً.

في مطلع القرن العشرين بدأ يتبلور مفهوم المعاصرة والحداثة آخذاً بُعداً أوسع، ليشمل كل شيء في الحياة، وبمعنى أدق يشمل كل ما يصنعه الإنسان من اختراعات علمية وتكنولوجية وتقنية فائقة الدقة. فالشعوب والأمم التي تعيش وتقتات من حضارات العالم المتقدم هي شعوب ضعيفة تظل في حالة ضعف وإذلال وتخلف. لابد من تحديد أهدافنا الحاضرة والمستقبلية على ضوء واقعنا وإمكاناتنا، ولا نتخلى عن أصالتنا وقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا.

لذا علينا أن ندرك خطورة تلك التيارات الفكرية المناوئة والمذاهب المتطرفة والدخيلة على أصالتنا وتقاليدنا وقيمنا الدينية والاجتماعية. فالموروث الثقافي والتاريخي والحضاري لا يُستورد كالسلع والبضائع، إنما هو مخزون تاريخي وثقافي وتراثي وحضاري عريق موغل في القدم خاص لكل مجتمع من المجتمعات، له خصوصياته ومميزاته وقداسته. المعاصرة لابد أن تقيد بقيم ومبادئ وميثاق كي لا تخترق الجانب المضيء من منظومة قيم الأصالة. وفي معمعة الفوضى، كل جيل يتلو جيلاً يردد ما كان يردده الجيل السابق حتى ليخيل للمتأمل أو الرائي أن الإنسانية في تدهور وانحلال وسقوط، وأن الاقتصاد في تقهقر وانهيار، وأن الأخلاق قد وصلت إلى مرحلة السقوط المدوي والخطير في حياة الأمم والشعوب، وأن الحياة أصبحت شيئاً لا يطاق وعبئاً ثقيلاً لا يحتمل.

صفوة القول:
يقول علماء النفس: إن الذاكرة البشرية تنتقي دائماً الجانب المشرق من الماضي وتنسى الجانب المؤلم والمظلم منه. فالإنسان إذن يقارن بين ذكريات الماضي الجميل وبين الواقع الحاضر الذي يرى فيه المصاعب والمشاق والمتاعب ويتناسى ما فيه من خير وجمال ومتعة. وهو إذ يفعل ذلك يخرج من المقارنة مترحماً مأسوفاً على “أيام زمان”، شاكياً ناحياً باكياً من الحاضر المتعب الأليم. والجدير بالذكر أن الشيوخ هم دائماً الذين يجأرون بالشكوى من الحاضر، وذكر الماضي بالخير العميم والزمن الجميل. لذا لابد أن يستقر في أذهاننا شيء واحد فقط لا ثاني له، وهو أن الأخلاق السامية والقول اللين أفعال لا أقوال، ممارسة لا شعارات. عندما قال أفلاطون “الفضيلة هي المعرفة”، ظن بعض الجاهلين أن معرفة الفضيلة هي الفضيلة، ونسوا أو تناسوا أن أفلاطون لا يعتقد أن المعرفة هي الإطلاع والقراءة فقط، بل كان يجزم أن المعرفة هي الممارسة والتطبيق. كمن يقول إن السرقة حرام ويسرق، ولا يعرف حقاً أن السرقة حرام وإلا لما سرق. وقس على ذلك بقية القيم والمبادئ والأخلاق والعادات والتقاليد.

كلمات مضيئة:
الصراع بين القوى التقليدية والقوى التقدمية صراع أزلي، فالمسار التاريخي ما زال محفوفاً بالمخاطر إذ ليس ثمة تقدم في هذا المسار. فالعالم اليوم يضيق بالهجرات المشروعة وغير المشروعة، وليس أمامنا سوى الأرض الأم. إما أن نعمرها أو ندمرها، مرددين ما قاله الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش: “على هذه الأرض ما يستحق البقاء”..!!

غزة لم تمت..!!
أحمد الفقيه
غزة لم تمت..!!
رغم الأنين والآهات…
رغم أشلاء الصبايا
وأنَّات الحزانى..
وآهات الثكالى..
غزة لم تمت..!!
حرائرها تنهشها الكلاب…
نساء العرب في خدرها لعوب.
رغم الجرح والجراح
لم يزل فجر غزة..!!
نوراً ونار..
جحيماً وسُعار..
ما أروعك غزة..!!
حينما تصنعين فجرك في قلب الظلام..!!

مقالات مشابهة

  • حب مسموم.. رواية تناقش قضية النرجسية في ضوء التطور التكنولوجي
  • ذكرى وفاة أيقونة الفكر والفن الكاتب الكبير وحيد حامد
  • الأثر الرجعي لطبقات ود ضيف الله: دورها في تقييد الفكر وتجذير الخرافة
  • نبض الأصالة.. فيض المعاصرة
  • موريتانيا.. مرحلة جديدة من التطور السياسي والاقتصادي
  • شرطة عمان السلطانية تواصل العمل والعطاء لتحقيق الإنجازات ودعم مسيرة التطور والتقدم
  • أمين عام حزب الله: الاعتداء الإسرائيلي على جنوب لبنان اعتداء على الدولة والمجتمع الدولي
  • ‏نعيم قاسم: الاعتداءات الإسرائيلية في جنوب لبنان تستهدف الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي
  • انطلاق برنامج مسح المعرفة حول تقييم المفاهيم والممارسات الصحية وسط المجتمع بالفاشر
  • القراءة وتراكم المعرفة