الفكر والمعرفة والمجتمع وطريق التطور
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
د. إبراهيم بن سالم السيابي **
الفكر هو العملية العقلية التي يقوم بها الإنسان لتفسير الظواهر، أو طرح الأسئلة، أو صياغة الأفكار بناءً على التأمل أو التحليل أو الاستنباط ويتميز بأنه عملية ديناميكية تعتمد على الإبداع والتفكير النقدي ويهدف إلى استنتاج جديد أو فهم أعمق مثل التفكير في حلول لمشكلة معينة أو حتى إيجاد طرق بديلة أو وضع ركائز أساسية نحو التطور أو النمو في شتى المجالات العلمية الاقتصادية والاجتماعية.
أما المعرفة فهي مجموعة المعلومات والحقائق المكتسبة من التجربة، أو التعلم، أو البحث تتميز بأنها ثابتة نسبيًا وقائمة على البيانات أو الحقائق. وتُكتسب عن طريق التعليم أو الملاحظة أو التوثيق.
ولا شك أن الفكر يعتمد على المعرفة كأداة وبدون قاعدة معرفية، يصبح الفكر غير مستند إلى حقائق حيث تقوم المعرفة بتزويد الفكر بالمعلومات ليعمل عليها، بينما الفكر يطور تلك المعرفة أو يربطها بسياقات جديدة. باختصار الفكر هو عملية، بينما المعرفة هي محتوى.
تلك كانت مقدمة بتعريف مبسط عن ما هو الفكر وماهي المعرفة والعلاقة بينهما وموضوع الفكر والمعرفة هو في الحقيقة بحر من صعب أن نخوض فيه في بعض الأسطر، والذي يهمنا هو احتياج المجتمع لاجتماع هاذين المفهومين من أجل بناء مجتمع واعٍ باحتياجاته.
نحن بحاجة إلى ذلك النسيج المتناغم الذي يربط المجتمع بالسلطة وإيمان هذا المجتمع بأهمية استمرار البناء في كل المجالات وذلك من خلال ما اكتسبه أفراد المجتمع من معرفة وتسخير هذه المعرفة وتحويلها إلى فكر خلاق هادف يفيد هذا المجتمع نحو الازدهار والتقدم وإلا فما هي الفائدة من هذه المعرفة .
ولنقرأ تجارب الدول في هذا المجال ولن نذهب بعيدا بتجارب الغرب التي يمكن أن تمتلك مقاومات أكبر كما إن عامل الزمن والأسبقية لن تكون في صالحنا، وبالنظر إلى تجربة دولة آسيوية مثل اليابان ودولة مثل سنغافورة فنجد عوامل كثيرة أدت إلى هذا التقدم الذي وصلت إليه هاتان الدولتان، منها الاهتمام بالصناعة، والاهتمام بالتطوير والابتكار المستند على البحوث العلمية .
لكن نجد أهم عامل من عوامل النجاح في هاتين الدولتين هو الإنسان، ليس في ذلك الكم الهائل من المعرفة والمقرون بالتعليم فحسب وإنما اهتماها بذلك النوع هذا التعليم وخاصة التقني والمهني الذي يساير احتياجات المرحلة في ذلك الوقت والذي ينظر إليه في بعض المجتمعات بأنه تعليم أقل في المستوى من التعليم العام بالتالي لا يجد الإقبال من الطلبة ولا يجد الاهتمام من السلطات المعنية بالرغم من أهميته فكيف لنا أن نتجه إلى الصناعة ومجاراة الثورة في تقنية المعلومات بدون التعليم التقني أو المهني، هذا جانب أما الجانب الآخر والأهم هو إيمان شعوب تلك الدول العميق بأهمية الفوز بمكان في هذا السباق بين دول العالم لإيجاد موطئ قدم في طريق وعر من المنافسة للاستحواذ على حصص من السوق العالمية وماتبعه بعد ذلك من قوة اقتصادية واستغلال الموارد والفرص وتمكين القيمة المحلية المضافة مما يؤدي في النهاية أن أصبحت هاتين الدولتين من أقوى الدول اقتصاديا، فالرغبة الحقيقة للشعوب هاتين الدولتين هي من قادة هاتين الدولتين للتقدم وهذا نجاح يسجل ليس فقط للقيادات وإنما للشعوب ذاتها.
الأوطان لا تُبنى بالحكومات وحدها؛ فالشعوب شريك فاعل وأساسي في بناء الأوطان. نعم الحكومات هي التي تضع الخطط والبرامج ومراقبة تنفيذها وفق ما هو متاح من موارد، والحكومات فهي المسؤولة عن الموارد المتاحة وعدالة توزيعها بل تنميتها لتحقيق رفاهية شعوبها وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
لكن في المقابل، الحكومات بحاجة الى أفراد المجتمع المتسلح بالمعرفة والخلاق أصحاب الفكر والمؤمن بوطنه وهذا هو أحد أهم عوامل النجاح في كثير من البلدان المتقدمة، الانضباط والشعور بالمسؤولية ونكران الذات لايحتاج الى أدوات قياس أو أدوات مراقبة إذا وجدت في الأصل في كل فرد من أفراد المجتمع.
وفي الختام.. إنَّ الفكر والمعرفة وطريق التطوير، مرهون بالمجتمع؛ إذ إنَّ السلطات من واجبها ومسؤولياتها تحقيق رفاهية المجتمع وتحقيق آماله وطموحات وأحلامه في العيش الرغيد، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعبة وفرص التعليم وفرص الحصول على الوظيفة المناسبة، وعلى السلطات بذل كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف.. وفي المقابل، على أفراد المجتمع تسخير ما اكتسبوه من معرفة لمصلحة الوطن عن طريق الإبداع بكل ما يخدم هذا الوطن، مع الإيمان الكامل بمقولة إن الأوطان لا تُبنى إلّا بسواعد المخلصين من أبناء الوطن، وعليهم بذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذا الهدف.
** خبير في الشؤون المالية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أحد مرفع الجبن.. ذكرى "طرد آدم من الفردوس في الفكر الآبائي الأرثوذكسي"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في إطار الاستعدادات الروحية لصوم الأربعين المقدس، يحيي المؤمنون في الكنيسة الأرثوذكسية “أحد مرفع الجبن”، الذي يصادف الأحد الأخير قبل بداية الصوم. ويُعرف هذا اليوم أيضًا بـ “أحد الغفران”، حيث تذكرنا الكنيسة بحدث طرد آدم وحواء من الفردوس، وتدعو المؤمنين للتوبة والغفران استعدادًا للرحلة الروحية التي تبدأ مع الصوم.
وتعتبر هذه المناسبة لحظة للتأمل في الفقدان الروحي الذي أصاب الإنسان بعد السقوط، وكيف أن العودة إلى الله عبر التوبة والغفران تمثل الطريق الوحيد لاستعادة النعمة المفقودة. في هذا السياق، يتناول العديد من الآباء القديسين دلالات الطرد من الفردوس، حيث يوضح القديس يوحنا الذهبي الفم أن “الطرد لم يكن عقابًا انتقاميًا، بل تدبيرًا رحيمًا حتى لا يأكل الإنسان من شجرة الحياة وهو في حالة السقوط”. بينما يصف القديس غريغوريوس النيصي الطرد كصورة للانفصال الروحي عن الله، موضحًا أن “الإنسان لم يعد قادرًا على رؤية الله وجهًا لوجه بعد السقوط، لأن الخطيئة غطّت عينيه”.
كما يبرز القديس باسيليوس الكبير الصوم كوسيلة لاستعادة الفردوس المفقود، مؤكدًا أن “آدم خسر الفردوس بسبب الأكل بشهوة، ونحن نحاول استعادته من خلال الصوم”. ويعتبر الصوم في هذا اليوم، الذي يتضمن الامتناع عن الأطعمة الحيوانية، دعوة لتجديد النقاء الروحي والعودة إلى الله، كما كان الحال مع آدم قبل السقوط.
وفي “أحد مرفع الجبن” أيضًا، تقام صلاة الغفران في الكنائس، حيث يتبادل المؤمنون الغفران فيما بينهم، في خطوة تمهد لتوبة صادقة قبل بداية الصوم. وقد أشار القديس سمعان اللاهوتي الحديث إلى أن “من يرفض الغفران يغلق على نفسه أبواب الفردوس”، بينما دعا القديس مكاريوس المصري إلى أن “القلب الطاهر من الحقد والكراهية هو المدخل الحقيقي إلى الفردوس”.
يستعرض هذا اليوم أيضًا المقارنة بين آدم والمسيح، حيث يُظهر الآباء كيف أن آدم وحواء خالفا وصية الله وتسببوا في طردهم من الفردوس، في حين أن المسيح، من خلال صومه وصلبه وقيامته، فتح لنا طريق العودة إلى الفردوس والملكوت السماوي.
وفي ختام هذا اليوم، يوجه الآباء دعوة للمؤمنين للتحضير للصوم عبر التوبة الصادقة، الغفران الحقيقي، والاعتدال في الطعام، مع تكثيف الصلاة كسبيل للعودة إلى الله والعودة إلى الفردوس الذي فقدناه.
ختامًا، يُعتبر “أحد مرفع الجبن” ليس مجرد تحضير للصوم، بل هو تذكير بضرورة العودة إلى الله من خلال التوبة والغفران، كما قال القديس يوحنا الدمشقي: “كما فتح آدم باب الموت للعالم من خلال الطعام، كذلك بالصوم والصلاة نفتح باب الحياة الأبدية”