جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-03@11:59:49 GMT

تاريخ يُكتب في أنقرة

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

تاريخ يُكتب في أنقرة

 

سالم بن سلطان العبري

 

عندما بدأت مراسمُ استقبال سلطان عُمان على أرض قصر الرئاسة التركيّ في غابات أتاتورك، عادت عقاربُ الزمن بجنود العسكر العثمانيين إلى زمن سلاطينهم الذين خلدهمُ التاريخُ في بطولاتهم وانتصاراتهم.

ولكنّ السلطان الذي اصطفوا لتحيته وأعلنوا جاهزيّتهم واستعدادهم أمامه هو قائدٌ عصريٌّ، يحملُ إرث أمجاد الفتوحات والبطولات.

فقد كانوا أمام سلطانٍ لدولةٍ عظيمةٍ، كانت في يومٍ من الأيام إمبراطوريةً خلدها التاريخُ، كما خُلّدت الدولةُ العثمانيةُ التي رفعت راية الإسلام شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوب الأناضول. وكذلك، كان العُمانيون ينشرون الإسلام في سواحل أفريقيا وكنجنيقا، ويعبرون المحيطات بشراعهم إلى كانتون الصينية.

وبينما كانت السفينةُ العُمانيةُ "سلطانة" تُبحرُ لتُرسل أول سفيرٍ عربيٍّ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أرض الديمقراطية الجديدة، كانت تركيا الحرةُ تؤسسُ دستورها الانتخابيّ. تلك المشاهدُ كلها ربما تجسدت في مخيلة العسكر الأتراك الذين وقفوا لاستقبال سلطان دولةٍ عظيمةٍ أخرى، هي سلطنةُ عُمان.

وصل حضرة صاحب الجلالة السلطانُ هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى تركيا، وكان في استقباله الرئيسُ رجب طيب أردوغان، الذي يدركُ تمامًا أن ضيفه ليس كأيّ ضيفٍ آخر. فهو ليس رئيسًا أو أميرًا أو شيخًا، بل هو "سلطان"، والسلطانُ في تاريخ تركيا هو رمزُ القيادة والحكمة والمجد والتاريخ والمستقبل.

يُدركُ الرئيسُ التركيُّ أن سلطنة عُمان ليست دولةً عادية؛ بل هي دولةٌ ذاتُ عمقٍ رفيع المستوى، بشعبها، وإسلامها، وتاريخها. وكقارئٍ للتاريخ الإسلاميّ، يعلمُ أن عُمان وأهلها قد ورد ذكرُهم على لسان رسول الله محمدٍ، صلى الله عليه وسلم، بأعظم الصفات. كما إنه يعلمُ أن السلطان هيثم بن طارق جاء من أجل الخير والسلام، وتبادل المصالح النبيلة؛ فهو سلطانُ أرضٍ لا تُنبتُ إلا الطيب، ولا يخرجُ منها إلا ما يفيدُ الجميع.

وانعكاسًا لهذه القيم، كانت الاتفاقياتُ التي جرى توقيعُها بين الجانبين تمهيدًا لعهدٍ جديدٍ من التعاون في مجالات التعليم، الصحة، الاقتصاد، التجارة، والثقافة. بل حتى الشتاء التركيّ القارس ستدفئهُ غازاتُ عُمان.

ومن بين الخطوات التاريخية التي شهدتها الزيارةُ، كان الاتفاقُ على التعاون في الصناعات العسكرية، مما يمثلُ نقلةً نوعيةً لسلطنة عُمان في عهدها الجديد. هذا العهدُ الذي يقودهُ السلطانُ هيثم بن طارق، القائدُ الذي عاهد شعبه، في اليوم المبارك 11 يناير 2020، أن يكرس حياته لرفع شأن عُمان عاليًا.

إنها زيارةٌ لا تنحصرُ في مظاهر الاستقبال الرسمية؛ بل تجسدُ تاريخًا عريقًا، وروابط أخويةً بين دولتين وشعبين يجمعُهما الإسلامُ، التاريخُ، والمستقبلُ المشرقُ. وها هو تاريخٌ جديدٌ يُكتبُ بأنقرة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ماذا الذي يحمله العام الجديد للمنطقة العربية؟

ما من شكّ في أن سقوط نظام بشار الأسد وحزب البعث في سوريا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 شكل الحدث المفصلي الذي أنهى العام المنصرم، وشكل مفاجأة غير متوقعة، ورغم أن هذا الحدث امتاز بسرعة قصوى في انهيار النظام، ووصول فصائل المعارضة إلى دمشق، وحمص، بعد حلب، وحماة، لكن أبعاد ما حصل وتداعياته لا تقتصر على سوريا، بل تطاول كل المنطقة من المشرق العربي، إلى الخليج، وصولًا إلى المغرب العربي.

هذا السياق، تضعه أطراف فاعلة في المنطقة على أنه سيفتح الباب بشكل متسارع أمام حركة جديدة لكل الجماعات والمجموعات الوطنية والمذهبية والعرقية التي تختزنها منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، والتي خبأت هواجسها منذ سايكس – بيكو، فيما تبين لاحقًا أن هذا التقسيم تغاضى عن بعض التناقضات الدينية والعرقية، وهكذا راكمت هذه المجموعات مزيجًا من الخوف والقلق، ما جعلها عنيفة وقاسية عندما وصلت إلى السلطة.

ومن هنا، طُرحت أسئلةٌ كثيرة حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بالإدارة الأميركية الحالية والمقبلة للخروج عن سياستها القائمة على حماية نظام الأسد في سوريا، كونه يشكل ضمانة تاريخية لإسرائيل، والموافقة على قيام سلطة تُمسك بها الأكثرية، ومن خلال تيار إسلامي سوري خاض مراجعات فكرية عارمة.

إعلان

والأكيد أن العام الجديد سيكون بمثابة اختبار حول طريقة التعاطي من الإدارة السورية الجديدة مع الفئات والجماعات والطوائف السورية خلال المرحلة الانتقالية التي من المتوقع أن تمتد أكثر من ثلاثة أشهر.

فيما الحقيقة الأهم أن التركيبة السورية والتي فرضت وقائع ميدانية لها بالدماء طيلة سنوات الحرب الماضية، باتت مقسمة بين مجموعات متعددة الولاءات، وهذا المسار طبيعي في ظل وحشية النظام، والتخلي الدولي عن الشعب السوري، باستثناء دول قليلة على رأسها تركيا، وقطر، والكويت لأسباب أخلاقية وسياسية.

من هنا يصبح السؤال الأبرز حول العقد المخفية التي أرادتها واشنطن من التطورات السورية، لكن بالتأكيد فإن الإجابة عن هذا السؤال الكبير لن تكون بالقريب العاجل، وستظهر خلال السنوات المقبلة نتيجة أن سوريا ستكون أمام ورشة إصلاح كبيرة وغير عادية، ما يحتم على القوى السورية المختلفة القليل من الشخصانية، والكثير من الوعي أكثر منه للقوة والعسكر.

وانطلاقًا من هذا الواقع، تسعى مليشيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في حركتها الانفصالية؛ سعيًا وراء تحقيق حلم الدولة الكردية المتخيلة، وخاصة أن السلطة الجديدة في سوريا هي الحليف الجديد لتركيا، وسيكون هذا المبرر ذريعة أساسية لإعلان تمردها على الدولة السورية الجديدة، بزعامة أحمد الشرع.

ومع انهيار النظام الأسدي انطلقت حملة داخل أروقة المؤسسات الأميركية، وبمساعدة اللوبي الصهيوني في الغرب، لدعم توجهات تقضي بالذهاب إلى صيغة حكم فدرالي في سوريا، ووفق المنطق الذي يروج له الأكراد بأنهم أكبر مجموعة عرقية ليس لها دولة. فهم موزعون بين تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا بعدد يتجاوز الـ 40 مليون شخص.

وتنطلق "قسد" وأخواتها من هذه الجماعات، من نظرية أنهم كانوا الأقدر على القتال بوجه تنظيم الدولة في المراحل السابقة، وهو ما يجعلهم أحق بنيل قدرة الحكم الذاتي على الأقل داخل الدول التي يوجدون فيها، وتحقيق الحلم الكردي الكبير، لكن تركيا ترفض رفضًا قاطعًا أي شكل من أشكال الحكم الذاتي والانفصال.

إعلان

وهذا التوجّه يدعمه العرب بأغلبيتهم، وهو ما ينطبق أيضًا على أي نظام وصل للحكم في سوريا، ونظام البعث كان أكثر الأنظمة تفسخًا وعنفًا في وجه الأكراد، الأمر الذي استغلته المجموعات الانفصالية لممارسة أدوارها الوظيفية.

لكن الأهم كان بوجود ليونة داخل أروقة ومراكز القرار الأميركية حيال التطورات السورية والتي قد تكون جعلت الظروف مهيأة لإعادة النظر في خريطة الشرق الأوسط، وعلى أنقاض سايكس – بيكو التي أصبحت غير صالحة وغير ملائمة للاستمرار فيها مستقبلًا.

وعليه فإن لبنان مضطر للتعاطي بروية وهدوء عاليين مع المشاريع الجاري درسها للمنطقة، وعدم البقاء في دائرة التناحر الطائفي والمذهبي، والتي دمرت لبنان وسببت أزمات محيطة أدت لانهيار الدولة واقتصادها وتحديدًا منذ العام 2019، وما سبقه من سيطرة حزب الله على الدولة الوطنية اللبنانية، بعد أن كان لبنان دولة أساسية في المشرق العربي قبيل العام 1969، أي منذ اتفاق القاهرة والصراع التاريخي الكبير بين اليمين اللبناني المتطرف، ومنظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها.

وخلال الأشهر الماضية، فتح حزب الله لبنان أمام إسرائيل، عبر قيام حكومة اليمين الإسرائيلي بحرب مدمرة، وتجاوزت إسرائيل أهدافها المعلنة في حماية حدودها وأمنها، وهبت بعيدًا بطرح مسارات لإخضاع لبنان للقبول باتفاق مذلّ، مع أطروحات تقتضي فتح النقاش حول الذهاب لاتفاق تطبيع مستقبلي مع انسحاب حزب الله من شمال الليطاني وجنوبه، مع وجود مخطط لتهجير سكان الضفة للأردن، وإنشاء الوطن الفلسطيني البديل، بين سيناء، والأردن، ولبنان وفق تطلعات الأحزاب اليمينية الإسرائيلية.

وخلال هذه الحرب، رفع نتنياهو ومِن على منبر الأمم المتحدة، خريطتين وهو ما يؤشر إلى خريطة النفوذ الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، كما كان ينادي به سابقًا، من هنا يمكن فهم الطموح الإسرائيلي بالبقاء بعمق محدد في جنوب لبنان، عبر تجريف نهر الليطاني إلى الداخل الإسرائيلي. وهو هدف إسرائيلي أساسي، لكنه يصطدم برفض فرنسي، وممانعة إقليمية واسعة، ستكون سوريا أكبر المتضررين منه بعد لبنان، وخاصة أنه سيرفع شهية نتنياهو بقضم أراضٍ أوسع من الجنوب السوري.

إعلان

لكن ذلك ما يرفع منسوب القلق العربي واللبناني من النوايا الإسرائيلية عبر التمهيد الدائم للبقاء في الجنوب، أو لقضم مناطق جديدة. في ظل ما يتحدث عنه نتنياهو باستعادة الحرب مع حزب الله والوصول إلى شمال الليطاني، ليقوم الجيش الإسرائيلي بتمشيط المنطقة على اعتبار أن حزب الله لا يلتزم بتطبيق القرار 1701، ولكن ظهر عكسه عبر وصول الجيش الإسرائيلي إلى وادي الحجير منذ أيام.

هذا الأمر دفع بالجانب الأميركي إلى التحرك فورًا والضغط بقوة على إسرائيل للتراجع. ما يعني فشل اختبارات نتنياهو للصدام مع لبنان، وهو ما دفعه لاحقًا للانسحاب. وترافق ذلك أيضًا مع كلام إسرائيلي بتأجيل الانسحاب من الجنوب حتى منتصف أبريل/ نيسان المقبل، وهو ما لن يقبل به لبنان.

وبالتالي فإن إجهاض هذه الأهداف الإسرائيلية يقابله دعم غربي لانتشار الجيش اللبناني، وسيترجم ذلك بزيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت، بالتوازي مع الحراك الخماسي في ملف رئاسة الجمهورية والتي قد تتوج بانتخاب رئيس في التاسع من يناير/ كانون الثاني.

هذا الحراك الرئاسي المتصاعد يأتي بعد زيارة وزير الدولة القطري محمد الخليفي لبيروت، على أن يزور لبنان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، كأول زيارة سعودية رفيعة منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ما يعني عودة عربية مشتركة إلى لبنان، وسوريا.

والأساس أن لدى الخماسية دفتر شروط لمهمة الرئيس المقبل والتي أصبحت معروفة، أهمها إنجاز ترتيبات أمنية شاملة وإرساء الاستقرار، لا سيما في الجنوب مع تطبيق القرار 1701، بالإضافة إلى تحويل حزب الله لحزب لبناني من خلال حوار على إستراتيجية دفاعية، وبالتأكيد هناك المهمة الأخرى المتصلة بإعادة الإعمار، ووضع خطة إصلاحية على المستوى الاقتصادي.

ما تبلغته مختلف القوى السياسية اللبنانية، أن المطلوب التزام لبنان بالأجندة الدولية المفروضة، وخصوصًا مسألة السلاح والاستقرار والإصلاحات. ولذلك كل الضغوط تركز على أن أي رئيس يجب أن يلتزم بهذه المعايير والمواصفات التي تم صياغتها بين الخماسية.

إعلان

من هنا تشاغب إسرائيل في لبنان وسوريا عبر استمرار الخروقات بلبنان والدفع بقوات "قسد" لتغيير خريطة سوريا عبر المطالبة بالانفصال تحت عناوين متعددة، وخاصة أن إسرائيل وبعد إسقاط حكم الأسد كانت قد توغّلت في العمق السوري، وباتت قريبة من دمشق، أي أنها وضعت دمشق ومحيطها تحت نار مدفعيتها، تحت حجة فهم طبيعة وعقيدة الحكام الجدد في سوريا، ما يعني أنها تريد التسلل وتحقق مكتسبات ميدانية لفرض أهدافها الجديدة بعد نتائج غزة ولبنان.

لكن إيران المترقبة لكل ما يحدث حريصة على المشاغبة بطرقها المتعددة، حيث يطالب المحافظون في إيران بخوض المواجهة العسكرية إذا كانت حتمية، وخاصة بعد ما حدث في لبنان مع حزب الله، والخروج من سوريا مع فرار الأسد ونظامه. وفي رأي هذا الفريق أنها أفضل من الحلول الدبلوماسية إذا كانت ستقود إلى ما يشبه الاستسلام.

لكن هذا الخيار لا يحظى بتأييد واسع لأن عواقبه معروفة، وهو إعطاء الحجة لنتنياهو وترامب بضرب إيران، ما يعني أن إيران ستختار بين المواجهة العسكرية وطريق الدبلوماسية ووقف البرنامج النووي والانفتاح.

الأكيد أن العام 2024 أطاح بكل المعتقدات المتخيلة في السياسة الإقليمية، مع استمرار المذبحة في غزة، واضطرار حزب الله للقبول بفك الارتباط عن معركة الإسناد، وتقليم أظفار المليشيات في العراق، وسقوط الأسد وحكمه في سوريا، ما يفتح العام 2025 مع دونالد ترامب على أحداث مشوقة، عنوانها تفاهمات مع فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان وما تبقى من نظام إيراني، فيما الغائب حتى الحين هم العرب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مدير تعليم الإسكندرية: المصريين جميعًا يشكلون نسيجًا واحدًا يجمعهم تاريخ عريق
  • إسلام كابونجا: مقابلة حمو بيكا كانت حلم حياتى (فيديو)
  • هيثم العلوي: الصعود تحقق بتظافر جهود الجميع
  • ماذا الذي يحمله العام الجديد للمنطقة العربية؟
  • جلالة السلطان يترأس اجتماع مجلس الوزراء ويوجه بالتركيز على العوامل الإيجابية المحفزة للنمو الاقتصادي
  • جلالة السلطان يوجه الشكر لكافة العاملين في القطاع الصحي
  • عام جديد مع طموحات وتطلعات شعبية جديدة
  • برئاسة جلالة السلطان.. قرارات وتوجيهات جديدة من مجلس الوزراء
  • جلالة السلطان: أهمية التنسيق بين الجهات لتوليد فرص عمل للمواطنين
  • وزير الأوقاف يستقبل ممثل سلطان البهرة بالهند