عندما تلتقي الإمبراطوريتان
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
حمود بن علي الطوقي
تزيّنت العاصمة التركية أنقرة لاستقبال حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- في زيارة هي الأولى من نوعها إلى جمهورية تركيا، وهي زيارة وُصِفَت بـ"التاريخية"، علاوة على أنها تُجسِّد مسيرة العلاقات التاريخية؛ حيث المسافة المتحركة بين الإمبراطوريتين تمتد لنحو 5 عقود، وقد عُرفت عُمان بإمبراطوريتها التي عبرت سمعتها ما وراء البحار، وعرفت الإمبراطورية العثمانية بدورها التاريخي.
هذه المساحة المتحركة عادت من جديد مع الزيارة الرسمية التي قام بها جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- وهي زيارة بالغة الأهمية؛ حيث تُجسّد الزيارة عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون المشترك.
تاريخيًا.. تشير المصادر إلى أن العلاقات بين سلطنة عُمان وجمهورية تركيا تمتد إلى أكثر من خمسة قرون؛ حيث تطورت عبر التاريخ لتأخذ أشكالًا مختلفة تماشيًا مع الظروف السياسية والاقتصادية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، تعود العلاقات الرسمية بين البلدين إلى أكثر من 50 عامًا؛ إذ افتتحت السلطنة سفارتها في أنقرة عام 1985، بينما افتتحت تركيا سفارتها في مسقط عام 1986، مما أرسى دعائم التعاون الرسمي بين البلدين.
وخلال العقود الأربعة الماضية، شهدت العلاقات الثنائية تطورًا ملحوظًا؛ حيث اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومن أبرزها المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، التي تتصدّر أجندة البلدين، ورفضهما الصارم للعدوان الصهيوني على غزة وفلسطين.
وفي سياق التطور في الجوانب الاقتصادية، يمكن أن نلاحظ ذلك من خلال الاتفاقيات المتبادلة وجاء المرسوم السلطاني السامي الصادر في مارس الماضي ليصدّق على اتفاقية التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والفني والعلمي والثقافي بين البلدين، إلى جانب التصديق على 8 اتفاقيات رئيسية تشمل التعاون القانوني والقضائي، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتجنب الازدواج الضريبي، والنقل البري الدولي، والتعاون الجمركي، وحماية وتشجيع الاستثمارات، والخدمات الجوية، بالإضافة إلى الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا.
اقتصاديًا.. تشهد العلاقات التجارية بين سلطنة عُمان وتركيا نموًا متسارعًا؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 1.3 مليار ريال عُماني منذ عام 2020 وحتى يوليو 2024. وسجلت الواردات العُمانية من تركيا 901 مليون ريال، في حين بلغت الصادرات 460.4 مليون ريال، مع إعادة تصدير بقيمة 34.2 مليون ريال. هذا الزخم التجاري يعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويعزز الآمال بمزيد من التعاون في المجالات الاستثمارية، خصوصًا في منطقة الدقم الاقتصادية التي تمثل منصة حيوية لجذب الاستثمارات التركية في قطاعات الصناعة والطاقة.
وعلى صعيد آخر، يمثل القطاع السياحي مجالًا واعدًا للتعاون؛ حيث إن الخطوط الجوية المفتوحة بين البلدين توفر فرصة لتعزيز التبادل السياحي. ويمكن لعُمان الاستفادة من التجربة التركية الرائدة في مجال تطوير المنتجعات السياحية، ما يسهم في تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية.
كإعلام ومتابعين نرى أن هذه الزيارة تمثل علامة فارقة، في تعميق العلاقات بين البلدين وهي فرصة كبيرة لإعادة النظر في اتفاقيات سابقة تعثرت بسبب الظروف الاقتصادية ومنها جائحة كورونا، ويجب على البلدين العمل معا لإحياء التعاون في مجالات متنوعة لتحقيق المصالح المشتركة. كما نرى أن هذه الزيارة تحمل تطلعات جديدة لرسم خارطة طريق تُمكّن البلدين من تعميق الشراكة الاقتصادية والاستثمارية، لتُضيف صفحة جديدة في سجل العلاقات بين عُمان وتركيا، وترسّخ دورهما كشريكين استراتيجيين في المنطقة.
وعندما أتحدث عن تركيا تحملني العديد من الزكريات فكانت زيارتي الأولى لتركيا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حينها كانت تركيا بلدًا يُعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وكانت تركيا آنذاك تعيش ظروفًا جعلت المواطن التركي يجوب العالم بحثًا عن لقمة العيش. أما تركيا اليوم، في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، فأصبحت رقمًا صعبًا بكل المقاييس، مُحقِّقَة إنجازات ضخمة ونهضة تنموية شاملة.
العالم أجمع ينظر إلى تركيا اليوم كوجهة اقتصادية وسياحية عالمية، تستقطب نحو 40 مليون سائح سنويًا، مع خطط طموحة للوصول إلى 60 مليون سائح. ومن خلال منظومة تشريعية متقدمة، جذبت المستثمرين الأجانب وحققت توازنًا اقتصاديًا قويًا. ما يجعلنا كعُمانيين ننظر إلى جمهورية تركيا كشريك اقتصادي واستراتيجي مهم، وعلى المستثمرين العُمانيين أن يستفيدوا من هذه السوق التركية الضخمة ومن التجربة التنموية الملهمة، خاصة في القطاعات الصناعية، وإنشاء المناطق الحرة، وتعزيز التعاون السياحي والثقافي والتعليمي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير التموين يلتقي سفير كوت ديفوار لبحث سبل التعاون المشترك
في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وكوت ديفوار، استقبل اليوم السيد الدكتور شريف فاروق وزير التموين والتجارة الداخلية، السيد ألبرت جى دول، سفير جمهورية كوت ديفوار لدى القاهرة، لبحث أوجه التعاون المشترك بين البلدين في المجالات التجارية والصناعات الغذائية.
الشباب والرياضة تنقذ اللقاء السادس من برنامج تنمية المهارات وتطوير الذات بالبحيرة
تناول اللقاء استعراض سبل تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، مع التركيز على تبادل الخبرات في القطاعات ذات الأولوية، وعلى رأسها تصنيع الزيوت، الذي يمثل مجالًا استراتيجيًا للتعاون، وناقش الطرفان أهمية الاستفادة من الخبرات المصرية في تطوير الصناعات الغذائية، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي لكلا البلدين.
كما تم التطرق إلى إمكانية إقامة شراكات استراتيجية تسهم في تعزيز سلسلة الإمداد التجاري، مع التأكيد على دور القطاع الخاص في دعم الجهود الحكومية لتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين.
وأكد الدكتور شريف فاروق خلال اللقاء على حرص مصر على توطيد العلاقات مع كوت ديفوار، مشيرًا إلى الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها الدولتان لتعزيز التعاون في مجالات التصنيع وتبادل التكنولوجيا الحديثة.
من جانبه، أعرب السيد / ألبرت جى دول، عن تطلع بلاده إلى تعزيز العلاقات التجارية مع مصر والاستفادة من الخبرات المصرية الرائدة في مجال الصناعات الغذائية، لا سيما في قطاع الزيوت، مؤكدًا على أهمية الشراكة مع مصر كدولة محورية في القارة الإفريقية.
وفي ختام اللقاء، اتفق الجانبان على دراسة فرص التعاون المستقبلي ومتابعة تنفيذ المشروعات المشتركة، بما يعكس الإرادة القوية لتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين.