أبواب الخير لا تغلق: كيف يمكن للمؤمن أن يحقق مرضاة الله؟
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
في حديثه عن السعي نحو مرضاة الله، قال ابن بطال رحمه الله: “المؤمن إذا لم يقدر على باب من أبواب الخير؛ فعليه أن ينتقل إلى باب آخر يقدر عليه؛ فإن أبواب الخير كثيرة، والطريق إلى مرضاة الله تعالى غير معدومة"، هذه الكلمات تحمل في طياتها دعوة عظيمة للمؤمنين في كل زمان ومكان، حيث تفتح أمامهم آفاقًا واسعة لتحقيق الخير والبر، مهما كانت الظروف أو التحديات التي قد يواجهونها.
يعيش المسلم في عالم مليء بالتحديات التي قد تعوقه أحيانًا عن فعل الخير، لكن ما يميز المؤمن الحق هو قدرته على التكيف مع ظروفه والسعي المستمر نحو مرضاة الله. فكما بين ابن بطال، إذا كان أحد أبواب الخير مغلقًا أمام المؤمن، فلا يعني ذلك نهاية الطريق، بل هو دعوة للبحث عن سُبل أخرى للتحسين والتقرب إلى الله.
إن الحياة مليئة بفرص الخير التي قد يغفل عنها البعض، إلا أن المفهوم الصحيح للإيمان يشمل استشعار الحكمة الإلهية والمرونة في التعاطي مع الواقع. فكل لحظة يمكن أن تكون فرصة جديدة للفرد لكي يمارس الخير: من خلال عمل طيب، صدقة، نصيحة صادقة، أو حتى عبادة خالصة لله. وكلما تذكَّر المسلم أن الطريق إلى الله مفتوح في كل وقت، كلما اقترب أكثر من مرضاة الله.
التنوع في أبواب الخيرأبواب الخير كثيرة ومتنوعة، ولا تقتصر على العبادة فقط، بل تشمل جميع مجالات الحياة. فكما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا"، فإن الوفاء بالوعود والأمانات، بر الوالدين، والقيام بالواجبات اليومية هي أبواب خير عظيمة يمكن أن يسلكها المؤمن في حياته. إضافة إلى ذلك، فإن الرحمة مع الآخرين، والمساعدة في الأوقات الصعبة، ونشر السلام بين الناس، كلها أعمال صالحة يمكن أن تسهم في تقوية العلاقة بين المؤمن وربه.
مجمع البحوث الإسلامية: دعوة للاستمرار في السعي نحو الخيرمن جانبه، يشدد مجمع البحوث الإسلامية على أهمية استمرارية المؤمن في السعي نحو الخير بغض النظر عن العوائق. ويرى المجمع أن النصوص الإسلامية تُشجع المسلمين على البحث عن أفضل الطرق التي تُمكنهم من التقرب إلى الله، وتعزيز القيم الإنسانية والإيمانية في حياتهم.
ويؤكد المجمع على أن الحياة مليئة بالفرص التي يجب على المسلم استغلالها في فعل الخير، وأن أبواب رحمة الله مفتوحة دائمًا أمام من يسعى للتوبة والتقرب إليه. ولا يُشترط أن يكون الطريق إلى الله ممهَّدًا بسهولة دائمًا، ولكن يجب على المسلم أن يستمر في محاولاته ويثق أن رحمة الله واسعة.
الطريق إلى مرضاة الله مفتوحإن ما يعلمه ابن بطال من خلال كلامه هو دعوة دائمة للمؤمنين للاجتهاد في فعل الخير، حتى في أصعب الظروف. فالتوقف عن العمل الصالح أو التوقف عن السعي لرضا الله ليس خيارًا، بل يتعين على المؤمن أن يواصل سعيه ويبحث عن أبواب جديدة للخير. فكل باب هو بداية لطريق جديد نحو مرضاة الله، وكل خطوة في هذا الطريق تساهم في تحقيق السلام الداخلي والاستقرار النفسي، وتحقيق الأجر العظيم في الدنيا والآخرة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مجمع البحوث الإسلامية أبواب الخير المؤمن الله أبواب الخیر الطریق إلى إلى الله
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: الكون كله بيد الله ومن سواه لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، المسلمين بتقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة اليوم إن المقرر في عقيدة كل مؤمن أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ تَحْتَ قَهْرِ الله وَغَلَبَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فجَمِيعُ أنْواعِ القُوى ثابِتَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَهُ تَعالى وهو المتفرد بالقوة جميعًا؛ فيجب أن يتعلق قلب المؤمن بالقوي المتين، فقدرته فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة: ﴿إن ربك هو القوي العزيز﴾ فيوقن المؤمن بأن الله عز وجل لا يعجزه ولا يغلبه ولا يعزب عنه شيء، القادر والمالك لكل شيء، والمحيط والعالم بكل شيء، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وبين أن من فقه القوة أن تدبير هذا الكونِ كلِّه بيد الله سبحانه، وأن ما سواه لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة، ولا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.. فكيف يملك ذلك لغيره؟! ومن فقه القوة أن كل من أعجب بقوته من الخلق فاستعظمها واعتمد عليها خسر وهلك.
وأكد الدكتور غزاوي أن الإنسان ضعيف من جميع الوجوه وفي كل أموره، قال تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)، وكيف للعبد الضعيف أن يغتر بقوته وقدرته، وينسى كيف كان حاله، وما هو إليه صائر، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن يُري العبدَ ضعفَه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا. وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه."
وأوضح انه مما يدفع عُجْبَ المرء بقوته أن يعلم أنها فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليقوم بحقها، وأن العجب بها كفران لنعمتها، مشيرًا إلى إن المؤمن يستمد قوته وعزيمته من ربه سبحانه ويتبرأ من حوله وطوله، ويعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولا يَقوى على فعل شيء إلّا بتأييد مِنه سبحانه، وهذا ما يقر به المخبتون إلى الله، مبينًا أن ذكر الله يُقوي القلب والبدن، فهو يزيد النفس ثباتًا، والقلبَ طمأنينة، والإنسانَ رباطةَ جأش، كما أنه يقوي الجسد.
وأكد على أن المؤمنون لا يعتَدُّون بقوتهم مهما بلغت ولا يغترون بما لديهم من عدد وعدة ولا يعتمدون عليها، مع أنهم مأمورون بالأخذ بأسباب القوة المعنوية والمادية، وعدم الركون للضعف، ومتى كان الاغترار بالقوة والكثرة لم يغن ذلك عنهم شيئًا، وأن النصر والغلبة مرتبطة بميزان القلوب لا بميزان القوى، كما أن قوة أمة الإسلام وصلابتَها تقوم على وحدتها واجتماع كلمتها، وأن التفرق والشتات هو من أسباب الفشل وذهاب الهيبة والغلبة، ففضّل النبيّ عليه الصلاة والسلام المؤمن القوي على المؤمن الضعيف، على الرغم من وجود الخيريّة في كلٍّ منهما، ذلك أن المؤمن القوي أكثر نفعًا وأعظم أثرًا؛ إذ يُنتج ويَعمل بما يعود عليه بالنفع لنفسه ويُحقّق مصالح المسلمين، ويعود عليهم بالخير والنصر على الأعداء والدفاع عن الدين ودحر الباطل وأهله، ويُنتفع بقوته البدنية، وبقوته الإيمانية، وبقوته العملية. ومما ينبغي أن يعلم أن قوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، فإن استعمل الإنسان هذه القوة فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة وفيما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والطاعات صارت محمودة، وإن إستعان بهذه القوة على معصية الله كالبطش بالناس وإيقاع الضرر بهم صارت مذمومة ومن فقه القوة، فالقويُّ الشديدُ حقيقة هو الذي يجاهد نفسَه ويقْهَرُها حينما يَشتدُّ به الغضبُ؛ لأنَّ هذا يدل على قوّة تَمَكُّنِهِ من نفسه وتَغَلُّبِه على الشيطان ومن الفقه أيضًا أن القوة ليست دائمًا فيما نقول ونفعل بل تكون أحيانًا فيما نصمت عنه وفيما نتركه بإرادتنا وفيما نتجاهله ونتغافل عنه.
وشدد على حاجة المرء إلى قوة وعزيمة ليَأخذَ الحقَّ بجد واجتهاد، مبينًا إنّ هناك أسبابًا وعوامل تؤدّي بمجموعها إلى تكوين مقوّمات قوّة المسلمين فمن ذلك: التمسّك بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والعملُ بشرع الله القويم في شتى جوانب الحياة، وتركُ الأهواء ونبذُ البدع والانحرافات، واستحضارُ التاريخ الإسلامي؛ ليُستذكر من خلاله تاريخُ الأمّة المجيد وماضيها التليد، مما يشحذ النفوس، ويبعث العزائم، ويدعو إلى التفاؤل بأنّ التمكين لهذا الدين والنصرَ حليفُ المؤمنين، فيستشعرون المسؤولية المنوطة بهم، ويسعون في إصلاح مجتمعاتهم، ويتحرون ما هو خَيْرٌ وأصْلَحُ في كُلِّ ما يأْتُونَ وما يذَرُونَ، وإن للقوة مظاهر عدة في حياة المسلم منها: قوة الإيمان وقوة الأخذ به، وقوة الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم، وقوة الثبات على الدين والتمسك بالحقّ، وقوة البصيرة الناشئة عن العلم النافع، وقوة العبادة والطاعة واستباق الخيرات، وقوة الصبر على الأقدار المؤلمة والمصائب واحتمال المشاق في ذات الله، وقوة العزيمة والإرادة وقوة الامتناع عن الشهوات وكبح جماح النفس، وقوة الرأي ووضع الأمور مواضعها، وقوة أداء المهمات وحفظ الأمانات، وقوة الدعوة إلى الله وبذل النصيحة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما أعظمَ نعمةَ الله على من صرفَ جهده وطاقته في الوجه المشروع، ومُتع بجوارحه وأعضائه وقواه مدة بقائه في الدنيا، واغتنم قوته ونشاطه قبل الضعف والعجز.
واختتم خطبته قائلًا نحن في شهر شعبان وهو كالمقدمة بين يدي رمضان وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الصيام، قال ابن رجب رحمه الله: في سياق بيان حكمة الصوم في شعبان: "إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن".