بين التهديد والتودد.. استراتيجية إيران مع دول المنطقة لمواجهة الضغوط
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
حينما كانت إسرائيل تستعد لتنفيذ هجوم ضد إيران في أكتوبر الماضي، أجرى وزير خارجية الأخيرة عباس عراقجي، زيارات مكوكية لعدة دول عربية، في محاولة لضمان عدم دعمها لإسرائيل في هجماتها ضد بلاده، وذلك ضمن استراتيجية تأرجحت بين التودد والتهديد.
حينها، أشارت تقارير صحفية إلى أنه بالتوازي مع تلك الزيارات، و"التقارب" مع السعودية، والتصريحات من الحكومة الجديدة في طهران عن التعاون مع دول المنطقة والبحث عن الهدوء، فإن إيران وجهت تهديدات واعتبرت أن من سيدعم إسرائيل في ضرباتها ضد إيران، "سيكون شريكا لها".
وسبق أن استهدفت إيران عبر وكيلتها في اليمن، جماعة الحوثي، أهدافا مدنية وعسكرية ونفطية في السعودية خلال السنوات الماضية، وكان للإمارات نصيب من تلك الهجمات أيضًا، قبل أن تهدأ الأمور في اليمن في ظل محاولات الوصول لاتفاق بين الحوثيين والرياض.
ومع عودة الجمهوري دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، واستمرار التوتر بين طهران وإسرائيل، تحدث موقع "الحرة" إلى محللين بشأن طبيعة استراتيجية إيران ومساعيها لضمان عدم انخراط دول المنطقة، وخصوصا السعودية، في أي أعمال تعتبرها معادية لها خلال الفترة المقبلة.
تهديدات و"تطمينات"قال الخبير في الشؤون الإيرانية، جعفر الهاشمي، إن هناك مؤشرات تدل على أن "استراتيجية النظام الإيراني في التعامل مع دول الجوار، وخصوصا الدول الخليجية، هي استراتيجية عكسية، فكلما اشتد عليه الخناق من الغرب سعى لخفض التصعيد وشراء ودهم، وكلما تنفس الصعداء من الضغط الغربي راح يصعد نحوهم".
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مسؤول كبير ودبلوماسي إيرانيين، في أكتوبر، أن طهران "حذرت الرياض من أنها لا تستطيع ضمان سلامة منشآت النفط في المملكة، إذا حصلت إسرائيل على أي مساعدة بتنفيذ هجوم ضدها".
وفي هذا السياق، رأى المحلل اليمني فارس البيل، أن "مهمة الحوثيين العسكرية هي ابتزاز دول الخليج والسعودية بالتحديد، ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية لإيران".
وأضاف في تصريحات للحرة، أن هذه "الاستراتيجية لن تتغير، حتى لو أظهرت طهران في مرحلة ما عكس ذلك".
فيما أشار الهاشمي للحرة، إلى أن إيران "تحاول أحيانا أن تجعل الدول العربية وسيطا مع الغرب لتخفيف التوتر، ولو اطمأن الغرب، تبدأ طهران بابتزاز الجيران وفرض الواقع الذي ترغب فيه".
والشهر الماضي، أعلنت السعودية أنها أجرت في بحر العرب مناورات عسكرية مشتركة مع عدة دول، من بينها إيران.
وتبع ذلك زيارة من رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، فيّاض بن حامد الرويلي، إلى إيران على رأس وفد عسكري رفيع المستوى.
وحول مساعي إيران لـ"تحييد" السعودية ودول المنطقة في أي صراع مع إسرائيل أو توتر مع الدول الغربية، قال الكاتب والمحلل السعودي، سعد الحامد، إنه "لا يتفق" مع هذا التوجه.
وأوضح للحرة: "إيران تبحث حاليا عن درع لها أمام الولايات المتحدة وإسرائيل وتعوّل على علاقات السعودية وأميركا في نزع فتيل أي حرب أو ضربات ضدها، ولا يخفى ما تواجهه من وضع هش داخليا ومخاوف النظام من أي ضغوط مقبلة"، لافتا إلى أن دول المنطقة "لا ترغب في صدام مباشر بين إسرائيل وإيران على حساب الاستقرار والأمن الإقليمي".
تفادي حرب شاملةدعا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إسرائيل إلى "احترام سيادة إيران" والامتناع عن مهاجمة أراضيها، خلال كلمته في افتتاح أعمال قمة عربية إسلامية في الرياض.
بناء على التطورات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، ذكر تقرير لوكالة رويترز، أن "القلق الرئيسي بالنسبة لإيران الآن هو إمكانية تمكين ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، من ضرب المواقع النووية الإيرانية، وتنفيذ اغتيالات وإعادة فرض سياسة الضغط القصوى".
ونقلت الوكالة عن مسؤولين إيرانيين وعرب وغربيين توقعاتهم بأن يمارس ترامب "أقصى قدر من الضغط على المرشد الإيراني علي خامنئي، للاستسلام من خلال قبول اتفاق احتواء نووي، بشروط يحددها هو وإسرائيل".
وواصل الحامد حديثه للحرة، بالقول إن إيران تسعى في هذه المرحلة إلى "تغيير سياستها الخارجية في ظل مخاوفها من عودة ترامب، الذي أثر وضغط بشكل كبير عليها، ويستطيع التأثير على الداخل الإيراني نتيجة سياسة الضغط القصوى".
واعتبر أنه "لا يوجد ما يسمى تحييد للمنطقة، لأن دولها ترغب بالفعل في أن تكون حيادية بعدما أدركت الدرس جيدا، ولا ترغب في إقحام نفسها في صراع مباشر، أو إشعال حرب إقليمية".
مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية في لندن، علي نوري زاده، رأى أن "النظام الإيراني استفاد كثيرا من المصالحة مع السعودية، بينما لا تزال الحرب في اليمن قائمة.. فالحوثي يواصل أعماله في المنطقة، ناهيك عن عدم تقديم طهران لتنازلات في لبنان أو غزة".
وأوضح في تصريحات سابقة لقناة الحرة، أن "أول شيء على إيران أن تفعله لتعزيز الضمانات بعلاقاتها مع السعودية ودول المنطقة، بأن تتوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية".
وكان التقارب السعودي الإيراني قد بدأ بوساطة صينية في مارس 2023، بعد 7 سنوات من القطيعة.
ترامب وإيرانكان الرئيس الأميركي المنتخب ترامب، قد أكد في أكتوبر الماضي، أن "على إسرائيل ضرب المنشآت النووية في إيران"، ردا على هجوم أطلقته الأخيرة على إسرائيل في الشهر ذاته.
لكنه في نفس الوقت، أكد بشكل متكرر أنه سيمنع الحروب في المنطقة، بوصوله إلى البيت الأبيض. كما يتضح من ترشيحات أفراد إدارته أن التوجه سيكون قويا ضد إيران.
ورأي الهاشمي في حديثه للحرة، أن "إيران تمر حاليا بمنعطف خطير، وتدرك بأنها وصلت إلى نقطة حرجة، وأن هناك خيارين أمامها أحلاهما مر، الأول هو الحفاظ على نفس مستوى مشروع توسعها، مما قد يؤدي إلى اقتلاع نظامها نتيجة عقوبات شديدة وضربات عسكرية من شأنها إضعاف قبضتها الداخلية".
أما الخيار الثاني، فهو "أن تقدم تنازلات، من بينها القبول مثلا بأن يكون حزب الله حزبا سياسيا فقط"، وفق الهاشمي.
تقارب بوساطة صينية في ظل ظروف جيوسياسية متوترة، تزامنًا مع بداية عهد إدارة أميركية جديدة تسعى لتحقيق السلام في المنطقة. لكن يبقى السؤال: كيف ستؤثر هذه الخطوة على موازين القوى؟ وأين تقف طهران في هذه المعادلة؟
وأشار أيضًا إلى أن ترامب إذا قرر "حشر إيران في زاوية ضيقة، فربما يتسبب ذلك في انهيار نظامها، وحينها ستسعى لتفعيل كل ما بوسعها، من تغيير عقيدتها المتعلقة بمشروعها النووي وتفعيل أذرعها في المنطقة، مهما كانت النتائج".
من جانبه، رأى البيل أنه "حتى لو كان هناك توافق مع دول الخليج والغرب، وتوصلت إيران إلى تسويات معهم أو حتى مع إدارة ترامب الجديدة، فإنها (طهران) ستنقلب عليها في اللحظة التي ترى أنها تخدم أهدافها".
وأوضح للحرة: "لا يمكن القول إن إيران ستتوقف عن حلمها بالتوسع والسيطرة ما لم تتغير تماما، أو القول إن الحوثيين سيصبحون مسالمين وسيتوقفون عن استهداف الخليج، إلا بتغير النظام الإيراني".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: دول المنطقة فی المنطقة إلى أن مع دول
إقرأ أيضاً:
(المجلس الأطلسي) إيران لم تتخلَّ عن الحوثيين.. تريد فقط أن يعتقد ترامب ذلك
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
المصدر: المجلس الأطلسي, كتبته: فاطمة أبو الأسرار، محللة أولى في مركز واشنطن للدراسات اليمنية وعضو مجلس إدارة مبادرة مسار السلام.
إذا أربكك مقال التلغراف حول “تخلي” إيران عن الحوثيين، فأنت لست وحدك. هذه الرواية تحديدًا هي نوع الغموض الاستراتيجي الذي لطالما اعتمدت عليه إيران، مُثيرةً التكهنات مع إخفاء نواياها. لكن هذه اللحظة ليست مجرد تضليل إعلامي، بل هي إشارة واضحة. يبدو أن المسؤول المجهول الذي سرّب العنوان يُظهر ضبط النفس، ليس لتغيير الحقائق على الأرض، بل لكسب الوقت، واختبار ردود الفعل، وتشكيل كيفية قراءة هذه الحقائق في واشنطن والرياض وغيرهما.
بينما قد تكون إيران قد أعادت تموضع بعض عناصرها كما تزعم صحيفة التلغراف، لا يوجد دليل موثوق على تراجع دعمها للحوثيين أو “تخليها” عنهم بشكل كامل. لا يزال لدى طهران سفيرها في صنعاء الذي يقدم المشورة للحوثيين، ويحافظ على وجود عملياتي سري كبير في اليمن من خلال الحرس الثوري الإسلامي، وتحديدًا فيلق القدس التابع له. علاوة على ذلك، فإن الجنرال عبد الرضا شهلائي، القائد البارز في فيلق القدس، والذي نشط في اليمن منذ عامي 2011 و2012 على الأقل، عضو في مجلس الجهاديين الحوثيين. يرتبط وجود الحرس الثوري الإسلامي في اليمن بما يسمى “الفرع 6000 “، الذي يشرف على العمليات في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.
إن رواية “التخلي” ليست تحريفًا معزولًا. ففي العراق، تشير تقارير رويترز الأخيرة إلى أن الميليشيات قد تنزع سلاحها، لكنها تذكر أنهم يدرسون “تحويل الجماعات إلى أحزاب سياسية ودمجها في القوات المسلحة العراقية” – مما يُرسّخ نفوذها فعليًا بدلاً من تقليصه. وهذا جزء من تصميم رقصة أوسع نطاقًا للإنكار المعقول الذي أتقنته إيران في جميع أنحاء المنطقة. ففي سوريا، وُصف وجودها بأنه “استشاري” حيث بنت مواقع عسكرية راسخة. وفي العراق، طمس الخط الفاصل بين الدولة والميليشيات. وفي اليمن، تضخ وهماً: لم تعد إيران بحاجة للدفاع عن دورها. فالآخرون يقومون بذلك نيابةً عنها.
من المحتمل أن تكون رواية طهران المزعومة، التي أوردها هذا المصدر المجهول، تسريبًا لاختبار ردود الفعل، يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية في آنٍ واحد: منح الإدارة الأمريكية فوزًا رمزيًا، وإفساح المجال لإيران للمناورة من أجل تخفيف العقوبات وتحقيق طموحاتها النووية دون تنازلات، وإرسال رسالة إلى المراقبين الدوليين مفادها أنها قادرة على ضبط النفس. هذا أبعد ما يكون عن الاستسلام والاعتراف بحدود ارتباط إيران مع وكلائها؛ إنه ببساطة دبلوماسية حسب الحاجة.
ديناميكية الحوثيين وإيران
عند مواجهة مسؤول حوثي كبير بمقال التلغراف، سخر من فكرة أن إيران أرسلت أفرادًا إلى اليمن. وصرح وزير خارجية الحوثيين، جمال عامر، صراحةً لرويترز بأن “إيران لا تتدخل في قرارنا، لكن ما يحدث هو أنها تتوسط أحيانًا”. لم يُذكر أي انسحاب إيراني للدعم، بل استمرار الانحياز ضمن شبكة ” محور المقاومة ” الإيرانية. بالنسبة للحوثيين، الذين يتباهون بدورهم في هذا المحور، فإن الاعتراف بالتبعية يُعدّ دليل ضعف. إن إنكار هذه الفرضية يعزز وهمًا يخدم كلا الجانبين.
من المفارقات أن طهران لطالما زعمت أنها لا تلعب أي دور مباشر في اليمن، وهو موقفٌ يجتهد في السذاجة نظرًا لتسليح الحوثيين المتطور وتدريبهم العسكري ورسائلهم المتقاربة. في مارس/آذار الماضي، أكد المرشد الأعلى علي خامنئي أن الحوثيين يتصرفون باستقلالية، بينما يعتبرهم في الوقت نفسه أعضاءً أساسيين في “محور المقاومة”. ومع تعمد إيران إخفاء سيطرتها وتنسيقها العملياتي، أصبح وضع الحوثيين بالوكالة بمثابة اختبار جيوسياسي، يكشف عن تحيزات المراقبين أكثر مما يكشف عن الحقائق على الأرض. هذا الغموض المدروس ليس عيبًا، بل سمة من سمات استراتيجية إيران الإقليمية.
بالنسبة للمراقبين عن كثب لديناميكيات العلاقات اليمنية الإيرانية، فإن إحدى أكثر الخرافات رسوخًا هي فكرة أن طهران تحاول كبح جماح الحوثيين. هذه الرواية، التي يرددها المسؤولون والمحللون الغربيون على حد سواء، تصور الحوثيين على أنهم متهورون أو مشاغبون، كما لو كانوا يتصرفون ضد نصيحة إيران بدلًا من أن يكونوا جزءًا من بنيتها الإقليمية. إنه ادعاء غير مثبت، ولكنه مفيد للغاية. فهو يبني أسطورة استقلالية الحوثيين، بينما يحمي إيران من عواقب تحالفها.
“انتصار” لترامب؟ خطر سوء قراءة الإشارات الاستراتيجية
يبدو أن نهج ترامب قد ولّد حسابات جديدة في طهران. فبعد أن أمر الرئيس بـ”عمل عسكري حاسم وقوي” ضد أهداف الحوثيين في اليمن في مارس/آذار 2025، محذرًا من أن ” الجحيم سيُمطر ” إذا استمرت الهجمات، ردّ المسؤولون الإيرانيون بمزيجهم المعهود من التحدي والحذر. هذا الخطاب التصعيدي، إلى جانب ” النهج الأكثر عدوانية ” لإدارة ترامب الذي يستهدف نطاقًا أوسع من أصول وأفراد الحوثيين، خلق ضغطا استراتيجيا تكافح إيران لمواجهته. وبينما تُحافظ طهران علنًا على موقف التحدي، فإن أي محاولة لسحب أفراد الحرس الثوري الإيراني من اليمن تُشير ببساطة إلى إحجام عن تعريض أصول عالية القيمة للقوة النارية الأمريكية.
تُصوّر وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية ترامب على أنه شخصية متهورة وغير استراتيجية، تُحرّكها أفعاله الأنا والاستعراض بدلاً من السياسة المتماسكة. ويُصوّر على أنه يفتقر إلى الفهم العسكري والسياسي، وينخرط في تدخلات متهورة ليس من منطلق القوة، بل من باب التبجح واليأس. وعلى هذا النحو، فإن رواية “التخلي” تمنحه فوزًا مُعدًّا بعناية، مما قد يُخفف الضغط على طهران ووكلائها. لكن فكرة أن إيران تخلت عن الحوثيين دون كبح جماحهم تكشف عن زيف موقف طهران. وقال ترامب إنه سيُحمّل إيران مسؤولية “كل طلقة أطلقها الحوثيون”، مما يجعل الانسحاب البسيط بلا معنى. ويتطلب فك الارتباط الحقيقي من إيران وقف هجمات الحوثيين. وبدلاً من ذلك، تسعى طهران إلى الحصول على الثناء لضبط النفس مع السماح لوكيلها بالاستمرارلا يمكن أن تحصل على كلا الجانبين.
ورغم هذا التناقض المنطقي، فقد اكتسبت حملة التضليل الإعلامي زخماً في الدوائر الإعلامية، حيث كرر الكثيرون دون تفكير رواية التخلي عن اليمن بينما تواصل إيران دعمها العملياتي لقوات الحوثيين.
التحالف الجديد بالوكالة: روسيا والصين وإيران
في حين أُثير الكثير حول انسحاب طهران المزعوم، فإن فهم ما يملأ الفراغ المُفترض لا يقل أهمية. يُتيح النفوذ الروسي والصيني المتزايد للحوثيين قنوات دعم بديلة تُكمّل الدعم الإيراني، لا أن تحل محله. وتشير التقارير إلى تزايد التعاون مع موسكو، بما في ذلك وجود خبراء عسكريين روس في صنعاء يُقدمون المشورة بشأن الأسلحة والاستهداف.
تحافظ الصين، التي لها مصالح اقتصادية في البحر الأحمر من خلال مبادرة الحزام والطريق، على توازن دبلوماسي، وتدعو إلى خفض التصعيد مع وضع وسيط. وبدلا من الابتعاد عن إيران، تعكس هذه العلاقات استراتيجية تنويع الحوثيين، مما يخلق شبكة دعم أكثر تعقيدا يصعب على الولايات المتحدة تعطيلها.
وبدلاً من النظر إلى هذا الأمر باعتباره لعبة محصلتها صفر بين طهران وموسكو وبكين، قد يفكر المرء في كيفية تكامل هذه القوى مع بعضها البعض: فإيران تقدم التماسك الأيديولوجي والدعم الإعلامي والدور القيادي؛ وروسيا توفر الخبرة العسكرية والغطاء الدبلوماسي؛ والصين توفر العمق الاقتصادي والشرعية العالمية.
يتجلى هذا الهيكل الداعم التكميلي في تدفقات المواد إلى أراضي الحوثيين. في مارس 2025، اعترضت السلطات اليمنية 800 مروحة صينية لطائرات مسيرة كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر معبر صرفيت الحدودي مع عُمان، وهو مسار طالما استغله الحرس الثوري الإيراني طوال فترة الصراع اليمني. وفي وقت سابق، في أغسطس/آب 2024، صادر المسؤولون أيضًا خلايا وقود هيدروجينية صينية الصنع، وهي تقنية تُمكّن الطائرات المسيرة من التحليق أعلى وأطول وبدقة أكبر. ويشير المحللون إلى أن هذه الطائرات المسيرة المُحسّنة يمكنها تحديد الأهداف على بُعد أكثر من 100 ميل، مما يزيد بشكل كبير من مدى ضربات الحوثيين.
وفي الوقت نفسه، نجحت الصين وروسيا بهدوء في تأمين المرور الآمن عبر البحر الأحمر، وهو الامتياز الذي لا تتمتع به معظم البلدان الأخرى، التي لا تزال سفنها عرضة لهجمات الحوثيين.
ولعلّ الأمر الأكثر دلالةً هو أنه في 22 مارس/آذار 2025، رُصد مؤثرون مقيمون في موسكو وشخصيات صينية مؤيدة للحكومة في صنعاء، يحضرون مؤتمر تضامن مع فلسطين بدعوة من الحوثيين. لم يكن حضورهم عرضيًا، بل كان إشارةً إلى تنامي التوافق الدبلوماسي بين هذه القوى، وهو توافق مُدبّر بعناية.
ما نشهده في شمال اليمن هو توسع وتطور شبكة دعم الحوثيين. إن التعاون الثلاثي الناشئ بين إيران وروسيا والصين، بهذه الطريقة شبه العلنية، هو استثمار استراتيجي في الشرق الأوسط تقوم به هذه الدول من أجل مستقبل طويل الأجل واستقرار قوتها الاستبدادية.
كل هذا يمنح الحوثيين ميزةً لأنهم يديرون شبكة معقدة من التحالفات المتشابهة في التفكير،، كلٌّ منها يُقدّم موارد مُكمّلة: التوافق الأيديولوجي الإيراني والدعم الجيوسياسي القوي، والخبرة العسكرية الروسية، والقدرات الاقتصادية والتكنولوجية الصينية. قد يُمثّل هذا النموذج من الرعاية المُوزّعة مستقبل الحرب بالوكالة في المنطقة، إذ يخلق التكرار والمرونة والقدرة المُوسّعة مع تفكيك مبدأ الإسناد والمساءلة.
ماذا بعد؟
في الوقت نفسه، يُخفي الغموض الاستراتيجي الإيراني قلقًا متزايدًا إزاء تقلبات ترامب وعدائه المُعلن للنظام. عندما ضربت القوات الأمريكية مواقع للحوثيين في مارس/آذار، أصدر قائد الحرس الثوري الإيراني سلامي تصريحات متناقضة، مُهددًا بردود “حاسمة ومدمرة”، مُتنصلًا في الوقت نفسه من السيطرة على وكلائه في اليمن. وكعادته، يكشف هذا كيف تُبرز إيران قوتها خطابيًا، مُتجنبةً بحرص أي مواجهة مباشرة قد تُهدد بقاء النظام.
أصبح هذا التوازن الدقيق أكثر صعوبة مع انهيار استراتيجية إيران الرمادية تحت وطأة اختلالها الاقتصادي واضطرابها السياسي. في مواجهة الضغوط الاقتصادية الداخلية وتدمير حلفائها الإقليميين كحزب الله وحماس، لا تستطيع إيران تحمل مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، ومع ذلك لا يمكنها التخلي عن استراتيجيتها بالوكالة دون أن تفقد ماء وجهها. إن رواية “التخلي” تمنح إيران فرصةً لإنقاذ ماء وجهها، فتبدو وكأنها تستجيب للضغوط الأمريكية مع الحفاظ على أهم أصولها الاستراتيجية ونفوذها.
بالنسبة لواشنطن، ليس من السهل إيقاف إيران دون النأي بنفسها عن المخاطر التي قد تُهدد المنطقة بأسرها. لقد تآكلت منذ زمن طويل عقيدة الرئيس السابق رونالد ريغان في مواجهة النفوذ المعادي بالتواجد المستمر وبناء التحالفات. ورغم موقف إدارة ترامب الحازم تجاه إيران من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2015 وحملة الضغط الأقصى، فقد نجحت طهران في استغلال التحولات السياسية اللاحقة بين الإدارات لتوسيع نفوذها الإقليمي من خلال وكلائها مثل الحوثيين، الذين يسيطرون الآن فعليًا على نقاط الاختناق البحرية الحيوية ويهددون ممرات الشحن العالمية بأقل قدر من العواقب.
بدلاً من تفسير التحول في الرواية الإيرانية على أنه انشقاق، قد نراه تناقضًا مُصطنعًا، حاضرًا مُشوّهًا يُشجع على سوء الفهم مع الحفاظ على السلطة. ما يبدو ضبطًا للنفس غالبًا ما يكون مجرد حل رمزي بدلًا من تغيير استراتيجي. هذا ليس فكاكًا، بل هو سرد تكتيكي.
والقصة تعمل.
يمن مونيتور11 أبريل، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام تصالح فرقاء اليمن مقالات ذات صلة
تصالح فرقاء اليمن 10 أبريل، 2025
منتخب اليمن للناشئين يودع نهائيات كأس آسيا تحت 17 سنة 10 أبريل، 2025
شرطة تعز تلقي القبض على الجاني في قضية قتل المساعد مالك الرازقي 10 أبريل، 2025
السودان يتهم الإمارات بـ”انتهاك معاهدة منع الإبادة الجماعية” أمام محكمة العدل الدولية 10 أبريل، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةطيب ايها المتصهين العفن اتحداك كمواطن يمني ان تقول لسيدك ترا...
رعى الله أيام الرواتب حين كانت تصرف من الشركة. أما اليوم فهي...
اتحداك تجيب لنا قصيدة واحدة فقط له ياعبده عريف.... هيا نفذ...
هل يوجد قيادة محترمة قوية مؤهلة للقيام بمهمة استعادة الدولة...
ضرب مبرح او لا اسمه عنف و في اوقات تقولون يعني الاضراب سئمنا...