صفة من صفات عباد الرحمن فيها سر استقرارك النفسي
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق لأنه في رحاب السور القرآنيّة، نجد الكثير من الدروس التي تعزز مفهوم التوازن والاعتدال في حياتنا، ومن بين هذه الدروس، نجد صورة مشرقة لعباد الرحمن الذين يتمتعون بصفتي الاعتدال والتوازن في كل جوانب حياتهم، ومن أبرز مظاهر هذه الفضائل التي يذكرها القرآن الكريم، نجد موقفهم من الإنفاق، حيث ورد في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا" [الفرقان: 67]، هذه الآية تبرز أهمية التوازن في الحياة، سواء في المواقف المالية أو في التعامل مع القضايا الأخرى التي تقتضي الاعتدال.
وأكد جمعة أن التوازن ليس مجرد قيمة أخلاقية أو سلوكية، بل هو أحد أهم معالم هذه الأمة، التي خصها الله سبحانه وتعالى بالوسطية، حيث قال في كتابه الكريم: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" [البقرة: 143]. وقد عُرِفَت هذه الأمة بالتوازن في جميع جوانب حياتها، فتاريخها حافل بالشواهد على دورها في نشر قيم العدل والمساواة والتوازن بين الدنيا والآخرة، بين الإيمان والعمل.
وقد يوضح ابن كثير في تفسيره للآية أن الوسطية هنا تعني الخيار الأجود والأفضل، ويقول: "كما يقال: قريش وسط العرب نسبًا ودارًا، أي خيرهم". لذلك، فإن الوسطية التي تميز الأمة الإسلامية في قيمها ومناهجها تعدّ أساسًا لنشوء أمة معتدلة ومتوازنة في كل شيء، ما يميزها عن غيرها من الأمم.
التوازن في الإنفاق: من صفات عباد الرحمنووضح جمعة أنه من أبرز صور التوازن التي تمثلها هذه الأمة، نجد التوازن في الإنفاق، الذي يوازن بين التقتير والإسراف. إن القرآن الكريم يصور هذا التوازن كأحد صفات عباد الرحمن الذين أثنى عليهم الله، حيث إنهم لا يُسرفون في المال ولا يقتّرون عليه، بل يوازنونه بما يتناسب مع حاجاتهم وظروفهم.
هذه الصورة تبرز أهمية التوازن في كافة شؤون الحياة اليومية. فكما يحرص المؤمن على التوازن في إنفاقه، يحرص كذلك على التوازن في القول والعمل، ما يعكس قوة العقل وصدق النية. هذا التوازن الذي يوازن بين رغبات النفس واحتياجات المجتمع، يساعد في بناء شخصية متكاملة تعيش بسلام داخلي وتؤثر إيجابيًا في محيطها.
الوسطية: منهج حياة وتفكيروأضاف جمعة أن الوسطية ليست مجرد خيار أخلاقي، بل هي منهج حياة وفكر. إنها فلسفة تنطوي على الاعتدال والتفكير المستقيم في كل شيء، سواء في المواقف الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية. فالمسلم الذي يتبنى هذا الفكر يعيش حياة مليئة بالإنصاف والتوازن، بعيدًا عن الإفراط أو التفريط، ويعمل على تطبيق هذه المبادئ في تعاملاته اليومية.
منهج الوسطية ليس محدودًا فقط في المعاملات المادية، بل يتجاوز ذلك ليشمل التفكير العلمي والعقلي، حيث ينظر المسلم إلى قضايا الحياة بعقلية منفتحة وحكيمة، بعيدة عن الانطباعات السطحية والآراء المتعصبة. هذا التوازن العقلي يساعد المسلم على اتخاذ قرارات صائبة تؤدي إلى استقرار المجتمع وتقدمه.
الحكمة: جوهر التوازنوتابع جمعة أنه كما التوازن يُعتبر من صفات عباد الرحمن، فهو مرتبط أيضًا بالحكمة، التي هي جوهر العقل الراشد والتفكير السليم. قال تعالى: "يُؤْتِى الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتِ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" [البقرة: 269].
الحكمة هي قدرة الفرد على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، وهي أساس البناء الفكري الذي يضمن التوازن الاجتماعي والاقتصادي. ويمثل هذا النوع من الحكمة أعلى درجات الاعتدال والتوازن في الحياة، حيث يسعى المؤمن لتحقيق مصلحة نفسه ومجتمعه دون تفريط أو تطرف.
التوازن في الإسلام ليس مجرد مبدأ أخلاقي بل هو منهج حياة، وهو سبيل لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي. من خلاله، يتعلم المسلم كيفية الحفاظ على الاستقرار بين الإفراط والتفريط، ويطبق هذا التوازن في جميع جوانب حياته. والوسطية هي سمة تميز الأمة الإسلامية، وتجعلها أمة شهادات على الناس، باعتدالها ووسطيتها في جميع شؤونها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة علي جمعة الدكتور علي جمعة التوازن الانفاق صفات عباد الرحمن هذا التوازن التوازن فی
إقرأ أيضاً:
الشفاء النفسي.. تحويل الحيل الدفاعية إلى قوة داخلية
د. خلود بنت أحمد العبيدانية **
يمُرُّ كُل مِنَّا بمواقفَ كثيرةٍ وتحدياتٍ تجعلنا نستخدم حيلًا دفاعية نفسية للتشافي، تُعرف بأنها استراتيجيات نفسية يستخدمها العقل الباطن لحماية الفرد من التوتر والقلق، الناتج عن المواقف الصعبة أو المشاعر غير المرغوب فيها.
وتشمل هذه الحيل التبرير؛ حيث يجد الشخص أسبابًا منطقية للسلوكيات أو المشاعر غير المقبولة لتجنب الشعور بالذنب أو الخجل، والإسقاط، حيث ينقل الشخص مشاعره أو أفكاره غير المقبولة إلى شخص آخر. كما تشمل الكبت، وهو محاولة دفن أو إخفاء الأفكار أو المشاعر المؤلمة من الوعي والإنكار؛ حيث يرفض الشخص الاعتراف بوجود مشكلة أو حقيقة مؤلمة، والتعويض. ويُركِّز الشخص على نقاط القوة لتعويض نقاط الضعف أو الفشل في مجالات أخرى. استخدام هذه الحيل بشكل معتدل يمكن أن يكون مفيدًا، ولكن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى مشاكل نفسية وصعوبات في التكيف مع الحياة اليومية.
واستخدام الحيل الدفاعية جزءٌ طبيعيٌ من التجربة الإنسانية، ولكن من المهم أن يكون الفرد واعيًا بها ويعمل على تطوير طرق صحية للتعامل مع الضغوط النفسية. ويمكن أن يكون له آثار إيجابية وسلبية على الجانب الإيجابي، تساعد هذه الحيل في تقليل القلق والحفاظ على التوازن النفسي. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي إلى تجنب مواجهة المشاكل الحقيقية وتأخير الحلول الفعالة، مما يزيد من تعقيد المشكلات على المدى الطويل.
وتحسين الوعي الذاتي يتطلب التزامًا وجهدًا مُستمريْن. ويمكن أن تبدأ بتخصيص وقت يومي للتأمل والتفكير في مشاعرك وأفكارك؛ مما يساعدك على فهم نفسك بشكل أعمق. كتابة اليوميات تعد وسيلة فعَّالة للتعبير عن مشاعرك وتحليلها. بالإضافة إلى ذلك، طلب الملاحظات من الأشخاص المقربين يمكن أن يوفر لك وجهات نظر جديدة تساعدك على رؤية نفسك من زاوية مختلفة. لا تنسَ أهمية التعلم المستمر من خلال قراءة الكتب والمقالات حول النمو الشخصي. وإذا كنت تشعر بالحاجة إلى دعم إضافي، فإن التحدث مع مختص نفسي أو مدرب حياة يمكن أن يكون خطوة مفيدة. وممارسة التأمل يمكن أن تساعدك في تهدئة العقل وزيادة التركيز على اللحظة الحالية، مما يعزز من وعيك الذاتي.
أما التشافي من الاضطرابات النفسية فيتطلب مزيجًا من الجهد الشخصي والدعم الروحي. ومواجهة هذه المشاعر والضغوط بشكل مباشر والعمل على معالجتها بطرق صحية. ويمكن أن يبدأ الشخص بالبحث عن السلام الداخلي من خلال الصلاة والتأمل في آيات القرآن الكريم. على سبيل المثال، يمكن أن يجد الشخص الراحة في قول الله تعالى: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28)؛ حيث يشير إلى أن ذكر الله يبعث الطمأنينة في النفس. والجمع بين الدعم الروحي والعلاج النفسي، يُمكِن أن يكون وسيلة فعّالة لتحقيق الشفاء والتوازن النفسي.
الحيل الدفاعية النفسية والتشافي يمكن أن يكونا مرتبطيْن بشكل وثيق بعملية التعامل مع الضغوط النفسية. والحيل الدفاعية مثل الإنكار، والإسقاط، والتبرير، تعمل كآليات مؤقتة لحماية النفس من المشاعر السلبية والضغوط. ومع ذلك، الاعتماد المفرط على هذه الحيل يمكن أن يمنع الشخص من مواجهة مشاكله بشكل فعال بهذا الشكل يمكن أن تكون الحيل الدفاعية خطوة أولى في عملية التشافي، ولكن من المهم أن يتبعها خطوات أكثر عمقًا لمعالجة الجذور الحقيقية للمشاكل النفسية. وأخيرًا، حاول دائمًا تحليل تصرفاتك وأفكارك بشكل نقدي لتفهم الأسباب الكامنة وراءها.
** باحثة تربوية في مجال علم النفس والإرشاد، وعضو المجلس الاستشاري الأسري العُماني