صحيفة صدى:
2025-01-02@23:57:48 GMT

مفتاح العدالة

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

مفتاح العدالة

إن الوعي هو السمة التي تميز الإنسان، وتجعله قادراً على إدراك ذاته وما حوله؛ فهو عملية إدراكية تجمع بين فهم الذات والوعي بالكون من حولنا؛ بمعنى أن يجمع الإنسان بين الوعي بأفكاره، مشاعره، ودوافعه، وبين وعيه بالعالم الخارجي بكل ما فيه من علاقات وظواهر. وهذا المفهوم هو أساس اتخاذ القرارات التي تحدد مسار الإنسان في حياته.

وهذا يتطلب أن يجتمع في الإنسان وعي ذاتي وآخر شرعي يقوده لتنظيم وعيه بكل ما حوله؛ فقصر الوعي على الذات وإهمال الشرع، يمسخه ليتحول إلى أداة للفساد بالظلم والطغيان؛ فعلى الرغم من أهمية الوعي الذاتي، فإنه يظل قاصراً لاستناده على العقل البشري الذي لا يمكنه الإحاطة بالأمور، من حيث الأصل والعواقب، وما يغشاها من الأفعال وردود الأفعال.

ومن هنا تظهر أهمية الوعي بالشرع؛ فهو المرجعية الكاملة التي تضبط مسار الإنسان وفق القيم الإلهية. يقول الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء: ٥٩]، ليؤكد أن المرجع عند الخلاف هو كتاب الله وسنة نبيه، لا آراء الأفراد وحدها. وفي تكامل الوعي الذاتي والوعي الشرعي ما يضمن العدل في العلاقات والمعاملات؛ فالشرع يقدم للإنسان البوصلة التي تهديه للصواب، في حين أن وعي الذات يمكنه من فهم هذه النصوص وتطبيقها بمرونة وذكاء. وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهمية هذا التوازن بقوله: (تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ).

على الجانب الآخر، إذا انفصل الوعي الذاتي عن الشرعي، تحكمت الأهواء والعقول القاصرة في القرارات، مما يؤدي إلى الظلم وتدهور العلاقات الإنسانية. وفي هذا السياق قال الإمام الشافعي رحمه الله: ” كلما أدّبني الدهر أراني نقص عقلي وكلما ازددت علما زادني علما بجهلي”؛ وهذه الحكمة تذكرنا بضرورة التواضع أمام شرع الله والاعتراف بنقص إدراكنا كأفراد. وبذلك يتضح أن بناء وعي شمولي؛ يقوم على الذات والشرع معاً، هو الأساس لضمان حياة متوازنة ومستقرة؛ فالشرع يوجه الإنسان، والوعي الذاتي يعينه على تطبيقه بوعي وإدراك. وهذا التكامل هو الضمانة لعلاقات إنسانية عادلة ومعاملات تقوم على الحق، والله تعالى يقول: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: ١٥٣].

إضاءة…

لا تقل ارتأيت؛ بل دعاني داعي الله فاستقمت مكاني.

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: الوعی الذاتی

إقرأ أيضاً:

الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تأتي بخمس

سلطان بن ناصر القاسمي
الحياة ليست مجرد أيام تمضي ولا أحداث تتكرر؛ بل هي كتاب مفتوح يخط فيه كل إنسان قصته الخاصة. في هذا الكتاب، تأتي الخيارات مثل مفترقات الطرق، بعضها يضيء الدرب ويقود إلى الازدهار والسعادة، وبعضها ينحدر إلى ما يطفئ البصيرة ويثقل القلب بالندم. 
وبين هذه الطرق، تظهر لنا تلك الخمس التي تأتينا بخمس أخرى، لتفتح لنا أبواب الفهم والبصيرة. فما أروع أن نعي هذه الحقائق، ونتأمل في دلالاتها، ونستفيد من مكنوناتها لنرسم حياتنا بألوان الحكمة والجمال.
وتستمر الأحداث في مسلسل الأيام التي نعيشها، لتعلمنا من دروسها العبر والمواعظ، وليستفيق ذو الألباب من يعي تلك الدروس ويفهمها، ويسقط من لا يدرك ويعي تلك الدروس في مسلسل الأحداث اليومية. لتأتينا هذه المرة بخمس، فأول تلك الخمس هو الاستغفار الذي يأتي بالرزق، وهذا لا يعني أنه بمجرد حصول الاستغفار يحصل الرزق للمستغفر مباشرة، فهذا ليس هو المقصود؛ بل المقصود: أن الاستغفار سبب في حصول الرزق، ولا يلزم من وجود السبب وجود المسبب، فقد يكون هناك مانع، ومن موانع الرزق: المعاصي، والمؤمن الذي يُكثر من الاستغفار يجعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. والاستغفار يكون سببًا لنور القلب ومن أسباب استجابة الدعاء؛ حيث كان الاستغفار من ورد سيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لذلك تجدنا نحن كمسلمين ملتزمين بأن نبدأ وردنا اليومي بالاستغفار لنستغفر 100 مرة كل يوم في الصباح والمساء.
كما أن غض البصر يأتي بالفراسة، والفراسة عند العرب تعني علمًا من علوم الطبيعة يُعرف به أخلاق وطبائع الناس الباطنية من النظر إلى أحوالهم الظاهرة كاللون والأشكال أو حتى الأعضاء، أو تعتبر الاستدلال بالأخلاق الظاهرة على الأخلاق الباطنة. وتعتبر الفراسة مهارة ممتازة لمن يمتلكها، كما أن غض البصر يعتبر الطريق الوحيد لسد باب الفتنة وعدم الوقوع في المحرمات. والله سبحانه وتعالى أمرنا بغض البصر؛ حيث قال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30].
لنأتي إلى شيء آخر يأتي بالخير، وهو الحياء. الحياء يعتبر زينة المؤمنين؛ حيث يمنع الإنسان من إتيان القبيح. لذلك قيل عن المرء بحيائه ولا إيمان لمن لا حياء له. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «استحيوا من الله حق الحياء». قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذاك. ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء». ولذلك علينا أن نفرق بين الحياء والخجل، فالثاني يظهر في ملامح الوجه؛ حيث تتغير به هيبة الإنسان ويظهر عليه الريبة عند ذهاب الحجة. أما الحياء فيعني الارتداع بقوة الحياء عن الوقوع في المحرمات، لأن الإنسان لا تتغير هيبته، وبالتالي يقال الإنسان يستحي في الحال أن يفعل كذا، ولا يقال يخجل أن يفعله، والسبب أن هيبته تتغير منه قبل أن يفعله، وبالتالي الخجل مما كان والحياء مما يكون.
لنكمل الخمس بلين الكلام الذي يأتي بالمسألة. وعلينا أن نتجنب الكلمات الجافة الجارحة عند مخاطبة الآخرين. لذلك، يتكرر في حياتنا مواقف نرى فيها أثر الكلمة عندما تُقال في غير محلها، حتى وإن كانت على سبيل المزاح أو الطرافة. فكلمة واحدة قد تتسبب في إحراج الآخرين أو جرح مشاعرهم دون قصد، مما يؤدي إلى سوء تفاهم قد يترك أثرًا عميقًا. لذا، من الحكمة أن نزن كلماتنا ونختارها بعناية، لأن الكلمة الطيبة ليست فقط وسيلة للتواصل؛ بل هي جسر يبني العلاقات ويمنع الانقسامات.
لذلك أنصح كل من يقرأ مقالي هذا بتجنب الكلمات الجافة الجارحة، فمن بسوء كلمة أشعلت حروب، وتخاصمت دول، وتنازعت قبائل، وتشرذمت أسر، وتهاجر أقارب، وتفرق أصحاب وأحباب. لذلك حثنا المولى عز وجل على الكلام الطيب فقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83] وقال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء: 53]. فمعاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من إطعام الطعام أو إعطاء المال. فقال صلى الله عليه وسلم: «إن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة من ودعه، أو تركه الناس اتقاء فحشه» (رواه البخاري ومسلم). لذلك يعتبر لين الكلام من حسن الخلق لدى الإنسان.
لنكمل مسيرة الخمس التي تأتينا بخمس وهو الحديث عن الغضب الذي يقودنا إلى الندم. الغضب يعتبر انفعالًا أو تغييرًا نتيجة غليان الدم في جسم الإنسان. لذلك نجد الإنسان عند الغضب تتسارع دقات قلبه، ويعبر عن غضبه من خلال الصراخ والإفراط في الحركة، مما يفقد الإنسان السيطرة على مشاعره، ويقوده إلى الندم بعد الهدوء من موجة الغضب التي تحدث له. وهذه الحالة تحدث عند الأشخاص الذين يعجزون عن الدفاع عن أنفسهم أو آرائهم وأفكارهم أثناء الجدال في غالب الأحيان. وعليه، السيطرة والهدوء يبعدانك عن الوقوع في الندم في كثير من المواقف الحياتية. والغضب يجلب للإنسان العداوة والبغضاء من قبل الآخرين، مما يتولد بعد ذلك الندم والانكسار تجاه الغير.
وفي الختام.. الحياة مليئة بالدروس التي تأتي إلينا مغلفة بالتجارب اليومية، وتلك الخمس التي تأتي بخمس أخرى هي واحدة من أعظم الرسائل التي تمنحنا الحكمة والبصيرة. فإننا حين نتمسك بالاستغفار، وغض البصر، والحياء، ولين الكلام، ونتجنب الغضب، نصنعُ لأنفسنا طريقًا مليئًا بالسلام والتوازن. 
لنجعل من هذه الخمس دليلًا لحياتنا، ولنحيا بعقل وإدراك، كي نزرع بذور الخير في قلوبنا وفيمن حولنا؛ فالعيش بحكمةٍ هو السبيلُ إلى حياة مليئة بالنجاح والسكينة.
 

مقالات مشابهة

  • عالم أزهري: النية هي مفتاح تحويل العادات إلى عبادات
  • مختار جمعة يحذر: الحديث عن الذات الإلهية دون علم يهدد العقيدة
  • تمديد مهلة الستين يوماً… هل تشتعل الحرب من جديد؟!
  • خالد الجندي: مرصد الأزهر أحد الأماكن الرائدة التي تساهم في نشر الوعي
  • جلالة السلطان: أهمية التنسيق بين الجهات لتوليد فرص عمل للمواطنين
  • جلالة السلطان يؤكد أهمية متابعة تنفيذ السياسة الوطنية للمحتوى المحلي
  • حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
  • عالم أزهري يسلط الضوء على أهمية تزامن بداية العام الميلادي مع شهر رجب
  • الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تأتي بخمس
  • عالي المسمع