لطالما اعتقدنا نحن البشر أن كل شيء ثابت، تشرق الشمس من نفس الموضع تقريبا كل يوم، وتتغير الفصول من الحرارة للبرودة بنمط متقارب، وعلى مدى كل عمرنا لا نلاحظ أي تغير تقريبا في مواضع نجوم السماء.
إلا أن أعمارنا قصيرة، ما الذي تعنيه 60 أو 80 سنة من عمر الأرض الذي يبلغ 4.5 مليار سنة؟ في الواقع، تشهد الأرض بشكل دوري تغيرات جذرية لا نعرف بها ولا نسمع عنها، وهي تؤثر في كل شيء بكوكبنا، بما في ذلك مناخه.


خذ مثلا ظاهرة المبادرة المحورية، وهي حركة دائرية متغيرة بطيئة للغاية للأرض حول محورها تشبه تلك التي تحدث حينما يلعب الأطفال بالنحلة الخشبية فتتأرجح حول محورها بينما تدور حول نفسها. الأرض تفعل ذلك، لكنها تكمل دورة واحدة من التأرجح كل حوالي 26 ألف سنة.
تتداخل تلك الدورة مع دورتين أكثر اتساعا للأرض، تتضمن الأولى تغيرا في ميلها (وتحصل على مدى 41 ألف سنة) وتتضمن الثانية انحرافا في مدار الأرض (وتحصل على مدى خلال 100 ألف سنة)، ويشكل ثلاثتهم “دورات ميلانكوفيتش”، نسبة إلى ميلوتين ميلانكوفيتش، الفيزيائي الصربي، والذي طوّرها عبر عمليات حسابية معقدة قبل مئة سنة تقريبا، وأثبتت الأرصاد الجيولوجية صحتها فيما بعد.
عصر جليدي
يعتقد العلماء أن هذه الدورات مرتبطة بدخول الأرض في عصور جليدية، فنحن الآن نمر بما يسمى “فترة بين جليدية”، لكن قبل أكثر من 12 ألف سنة فقط كانت الأرض في عصر جليدي.
ولفهم ما نقصده حينما نقول “عصر جليدي”، تخيل التالي: تمتد التكوينات الجليدية بسُمك ثلاثة إلى أربعة كيلومترات لتغطي نصف الكرة الأرضية الشمالي بداية من القطب نزولا إلى ما حدوده الآن نصف الولايات المتحدة الأميركية، إنجلترا، النرويج، ونصف روسيا، أما في الجنوب فقد غطت الثلوج القطب الجنوبي وصولا إلى ما حدوده الآن أطراف جنوب أفريقيا، وأجزاء من أستراليا وقارة أميركا الجنوبية.
وبين هذا بالأعلى وذلك بالأسفل انضربت الأرض بموجات متتالية قاسية البرودة، تشبه تلك التي رأيناها في شتاء الممالك السبعة من “صراع العروش”، أو في فيلم “بعد 28 أسبوع”، لكن بصورة أكثر تطرفا.

خلال تاريخها، واجهت الأرض عدة عصور جليدية انخفضت خلالها درجات الحرارة بشكل جذري، ويعتقد العلماء أن أكثر تلك العصور الجليدية لفتًا للانتباه حصل قبل حوالي 635 مليون سنة، بوصفه واحد من أقسى موجات البرودة في تاريخ الأرض، خلاله وصلت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى أقل من مئة تحت الصفر، ووصل الأمر لدرجة أن الجليد غطى كل الكرة الأرضية من القطب الشمالي للقطب الجنوبي.
سميت تلك الظاهرة بـ “فرضية كرة الثلج الأرضية”، وهو اصطلاح صاغه عالم الجيولوجيا من معهد كالتك في الولايات المتحدة الأمريكية جوزيف كيرشفينك في الثمانينيات من القرن الماضي، ومع الوقت واجتماع الدلائل من علوم الأرض والمناخ، وجدت اهتمام غالبية العلماء.
ويعتقد الباحثون في هذا النطاق أن دخول الأرض في نوبة من الجليد بهذه القسوة كان ذا علاقة بانخفاض مستوى الغازات الدفيئة بالغلاف الجوي (مثل ثاني أكسيد الكربون) إلى حد تسبب في انخفاض درجات الحرارة بشكل جذري، الأمر الذي أدى تكون مساحات واسعة من الصفائح الجليدية، التي عكست ضوء الشمس ولم تمتصه كعادة الكوكب، ما تسبب في المزيد من انخفاض درجات الحرارة، وبالتبعية تكون المزيد من الجليد.
كرة بيضاء
ويتفق العلماء على أن تلك الفترة بالفعل شهدت تجمعا للجليد كان الأكبر في تاريخ الأرض، لكنها ربما لم تكن كرة كاملة، بل شبه كاملة، حيث إن بعضا من الأدلة التي جمعت في منطقة غابات شينونججيا الشرقية بمقاطعة هوبي الصينية تشير إلى أن الأرض لم تكن مجمدة تمامًا، بل كانت هناك بقع من المياه المفتوحة في بعض البحار الضحلة في خطوط العرض الوسطى.
إلى الآن، يعتقد العلماء أن موجة “الكرة الثلجية” لم تضرب الأرض مرة واحدة فقط، بل مرتين أو ثلاثة، ولا يوجد ما يمنع هذه الظاهرة من الحدوث مجددا خاصة وأنها تتعلق كذلك بتغيرات في مدار وميل كوكب الأرض لازالت تحدث إلى الآن. لكن على الرغم من ذلك، يعتقد الباحثون أنها على الأقل لن تحدث خلال عدة عشرات من الآلاف من الأعوام القادمة.
ولو قدر للأرض أن تدخل في طور كرة الثلج يومًا، لتسبب الأمر في كارثة لكنها لن تكون النهاية. في العصور الجليدية لا تنتهي الحياة، لكنها تنحصر في نطاقات محددة وتبذل جهدا أكبر بفارق كبير للحصول على الغذاء، ما يقلل من عدد الكائنات الحية، بحيث تتمكن أكثرها مثابرة من النجاة.
ماذا عن البشر؟
خلال حوالي 500 أو 600 ألف سنة سابقة عاش البشر خلال فترات جليدية، تخفوا في الكهوف بشكل أساسي للحصول على الحرارة، واعتمدوا في الأزمنة الجليدية إلى حد كبير على الصيد وجمع الثمار، وكانت حملاتهم للبحث عن الغذاء حذرة، سريعة الحركة، فمع المناخات القاسية جدا ينخفض توافر الطعام، فالجفاف شديد والبرد أشد، وبالتالي تكون الحيوانات المفترسة على أهبة الاستعداد بشكل دائم.
خلال تلك الفترة تطورت أدوات البشر وملابسهم لمواجهة ضربات البرد، فاستخدموا جلود الحيوانات وفرائها لحماية أنفسهم، وبالتالي كانت هناك حاجة لصنع أدوات أكثر تقدمًا، مثل الرماح ذات الرؤوس الحجرية والحراب القوية المرنة، لصيد الحيوانات الكبيرة في العصر الجليدي. رصد العلماء ذلك في رسوم الكهوف القديمة التي بينت صورت الحيوانات ومشاهد من الحياة اليومية للبشر الذين عاشوا في تلك السنوات البهيدة.
لكن فقط مع وصولنا إلى العصر الحالي، حيث تتميز الأرض بأجواء أدفأ، تمكن البشر من الخروج من كهوفهم، وتحركوا بحرية أكبر، ومن ثم بنو البيوت في العراء، والتي كانت أوسع وأكبر، واكتشفوا الزراعة، ونهلوا مما أتيح لهم من خيراتٍ هذا العصر الجديد بعد انقطاع دام لزمن طويل، وبدأوا في بناء الحضارة.
تلك العصور الجليدية ستعود مرة أخرى، ربما لا تكون بقوة كرة الثلج التي تعد فعلا حدثا استثنائيا، إلا أنها سوف تعود مع تغيرات دورات ميلانكوفيتش بعد عدة آلاف من السنوات ربما، في الواقع فإنه خلال 2 مليون سنة مضت شهدت الأرض عشرات العصور الجليدية بحسب العلماء في هذا النطاق، كان بينها فترات بين جليدية كالتي نعيشها الآن.

الجزيرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: درجات الحرارة کرة الثلج ألف سنة

إقرأ أيضاً:

مقاطع فيديو من تركيا.. حرائق غابات في الغرب وثلوج في الشرق

تساقطت الثلوج فوق شمال شرق تركيا، الجمعة، في الوقت الذي كانت به مناطق أخرى من البلاد تكافح حرائق الغابات.

ويقول خبراء إن التغير المناخي الذي يتسبب به الإنسان يؤدي إلى حدوث ظواهر متطرفة بشكل أكثر تواترا وكثافة، من الجفاف إلى موجات الحر حتى العواصف الثلجية.

وتساقطت الثلوج على عدة محافظات في شرق الأناضول، منها ريزي وطرابزون وبايبورت وأرضروم، بحسب وسائل الإعلام المحلية.

وقال الصحفي التركي غنتشاه كرفضلي أوغلو في اتصال أجرته معه "فرانس برس"، في ريزي إن الثلوج تساقطت لعدة ساعات.

وأضاف: "عمري 65 عاما، قضيت حياتي بكاملها تقريبا في ريزي، هذه أول مرة أرى فيها الثلج في يوليو".

وأوضح أن "الثلج تساقط 4 أو 5 ساعات، وطال بصورة خاصة منطقة أرتوين (قرب حدود جورجيا). في ريزي، نحن معتادون الأحوال الجوية الشاذة. المسنون يقولون إنهم سبق أن شاهدوا الثلج في يوليو، قبل 30 أو 40 عاما، لكن ليس بهذه الكمية".

وتظهر صور لوكالة أنباء "دوغان" المحلية منزلا حجريا في ريزي، مكسوا بطبقة من الثلج تزيد على 10 سنتيمترات.

وتساقطت الثلوج على شريط طوله حوالى 10 كيلومتر في كامل أقصى شمال شرق تركيا.

وبحسب وكالة أنباء "الأناضول" الرسمية، هطلت أمطار غزيرة على محافظة طرابزون، تحولت إلى ثلوج في بعض المناطق مع هبوط درجات الحرارة.

وفي بيبورت التي خيم عليها البرد، تحول المطر الذي انهمر مساء الخميس إلى ثلوج في المناطق المرتفعة.

وفي مكان آخر، كافح رجال الإطفاء ما لا يقل عن 10 حرائق غابات كبيرة، الجمعة، حسبما أفاد وزير الغابات إبراهيم يوماكلي في مؤتمر صحفي.

وقال الوزير إن حرائق الغابات في مقاطعة إزمير، حيث توفي شخصان الخميس وتتوقع الأرصاد ارتفاع درجات الحرارة إلى 40 مئوية في الأيام المقبلة، أصبحت الآن تحت السيطرة إلى حد كبير.

أضاف أن النيران التي أججتها الرياح القوية وتهدد موغلا جنوب غربي البلاد وهاتاي في الجنوب، لا تزال تشكل مصدر قلق.

وكشف يوماكلي أن رجال الاطفاء يخوضون "صراعا عنيفا" للسيطرة على الحرائق في هاتاي، قرب الحدود مع سوريا.

وأشار إلى أن الأسبوع الماضي شهد 624 حريق غابات، العديد منها تسبب به كابلات كهربائية.

وأعلن وزير الداخلية علي يرليكايا اعتقال 44 مشتبها بهم واحتجاز 10 آخرين على خلفية حوادث حرائق، موضحا أن معظمهم من العمال والمزارعين الذي يستخدمون آلات تطلق شرارات.

مقالات مشابهة

  • فرح شعبان تعود لمكانها مجددًا من خلال فيديو رومانسي مع غزلان
  • صور من تركيا.. ثلوج تغطي شرقها وحرائق تشتعل في غربها
  • باحث سياسي: جماعة الإخوان كانت تحمل بذور فنائها من داخلها
  • حالة الطقس الآن.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة واستمرار الرطوبة
  • مقاطع فيديو من تركيا.. حرائق غابات في الغرب وثلوج في الشرق
  • تركيا تواجه حرائق في الغرب وثلوجاً في الشرق
  • المد الحراري.. ظاهرة جديدة في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة
  • العلماء يرصدون جسم فضائي يقترب من الأرض.. هل الكوكب في خطر؟
  • استشارية: تجنبوا استخدام الثلج واللحوم غير المطهوة جيدا خلال السفر
  • عباس شومان: المدينة كانت الأرض الأقل عنادا من مكة وقت الهجرة