في ذكرى وفاته.. حكاية الخلاف بين رياض السنباطي وكوكب الشرق
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
لم يكن مجرد ملحن؛ بل كان موسيقارًا عبقريًا استطاع أن يحفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ الفن العربي. يُعد رياض السنباطي أحد أعمدة المدرسة الكلاسيكية في الموسيقى العربية، وتميز بقدرته الفريدة على المزج بين الطرب الأصيل والتجديد الموسيقي. شكّل ثنائيًا لا يُنسى مع كوكب الشرق أم كلثوم، حيث قدّما معًا أعظم الأغنيات التي ما زالت تتردد في وجداننا حتى اليوم.
وفي مثل هذا اليوم، تحل ذكرى وفاة الموسيقار رياض السنباطي، الذي رحل عن عالمنا في 10 سبتمبر 1981، تاركًا خلفه إرثًا موسيقيًا خالدًا يصعب تكراره.
ذكرى وفاة رياض السنباطيوُلد رياض السنباطي في مدينة فارسكور بمحافظة دمياط عام 1906، ونشأ في بيت موسيقي، حيث كان والده مقرئًا ومنشدًا، ما جعله يتشبع بالتراث الموسيقي منذ الصغر، وانتقل إلى القاهرة في شبابه، لينضم إلى معهد الموسيقى العربية، حيث بدأ مشواره الفني الذي أثبت فيه قدراته الفريدة كمؤلف موسيقي وملحن.
تميز بقدرته على المزج بين الطرب الأصيل والتجديد الموسيقي، ومن أبرز أعماله مع أم كلثوم «الأطلال»، «رباعيات الخيام»، و«الأمل»، التي تُعد علامات في تاريخ الأغنية العربية، ولم يقتصر إبداعه على أم كلثوم، فقد تعاون مع عمالقة الغناء مثل «عبد الوهاب، نجاة الصغيرة، وليلى مراد»، وأبدع ألحانًا تركت بصمة في تاريخ الفن.
خلاف رياض السنباطي وأم كلثومشكّل رياض السنباطي وأم كلثوم ثنائيًا فنيًا لا يُنسى، حيث تعاونا على مدار عقود في 282 أغنية وقصيدة، تاركين بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقى العربية، لكن هذا التعاون الفني المذهل انتهى بخلاف مثير للجدل، أنهى واحدة من أنجح الشراكات في عالم الفن، فما هو سبب هذا الخلاف؟
وفقًا لحديث تسجيلي للإعلامي الراحل وجدي الحكيم في أحد اللقات التفلزيونية كان رياض السنباطي ملحنًا استثنائيًا، وكانت أم كلثوم تثق في رؤيته الموسيقية، ما أثمر عن أعمال خالدة مثل الأطلال ورباعيات الخيام، وحدث خلاف بين رياض السنباطي وأم كلثوم أدى إلى القطيعة بينهما والتي استمرت لمدة 3 سنوات كاملة بسبب اعتراضها على فقرة غنائية في أغنية «يا طول عذابي» وطالبت بتغييرها، وذكرت السبب بأنها تكرار لـ«لحن القصبجي» كان قد قدمه لها مسبقًا، فاستاء «السنباطي» من اعتراضها ورفض تغيير المقطع مبادرا بالقطيعة.
وغضبت أم كلثوم وكانت في حيرة لعدم تمكنها من الاستغناء عن فن وموهبة رياض السنباطي، وكان من الصعب عليها استمرار تلك القطيعة وبالفعل حاولت أم كلثوم أن تنهيها بأي شكل من الأشكال، فتوسط الشاعر «أحمد رامي» ليجس نبض «السنباطي» إذا ما كان يقبل بتعاون فني جديد معها أم لا.
وجاء في حوار صحفي بأحد المجلات للموسيقار رياض السنباطي عام 1960، قوله «لن ألحن لأم كلثوم ولو على يد محضر» وذلك في فترة الخلاف بين أم كلثوم والسنباطي والذي استمر لسنوات، لأن وقت الخلاف بينهما أرادت الإذاعة أن تقدم أم كلثوم تهنئة للشعب العراقي بمناسبة الثورة المجيدة، لكنها رفضت أن يخرج صوتها إلا في أغنية، وفقًا لحديث «وجدي الحكيم».
حيث طلبت من الإعلامي «وجدي الحكيم» أن يذهب بالكلمات التي سبق وأن جهزتها الإذاعة إلى الشاعر محمود حسن إسماعيل، ليكتبها في شكل قصيدة، وبالفعل ذهب إلى الشاعر محمود الذي كان له طابع خاص، ويمنع أي شخص الذهاب إليه في منزله، لكن لم يكن هناك خيار آخر أمامه، وبعد أن ذهب إلى منزله «وبخه» لكنه كتب القصيدة في النهاية، وبعدها قالت أم كلثوم لن يحلن هذه القصيدة سوى «السنباطي».
وعلى الرغم خلافها معه، طلبت من وجدي أن يذهب إليه باعتباره ممثلاً للإذاعة للاتفاق معه على تلحين القصيدة، دون أن يخبره باسم المطرب، وبعدما وضع السنباطي اللحن أخبره أن القصيدة قوية وتحتاج إلى صوت قوي ليغنيها، وهنا عرض عليه «وجدي» أم كلثوم، فاحضر الأوراق والعقود له وأخبره أن يذهب، فوافق في النهاية تنفيذًا لأوامر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بعد أن تحدث معه هاتفيًا بنفسه وطلب منه أن يتعاون مع أم كلثوم لآداء الأغنية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: ذكرى وفاة رياض السنباطي رياض السنباطي ذكرى وفاة ریاض السنباطی فی تاریخ أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
الباحث محمد نور الدين لـ24: القصيدة عند الشيخ زايد نافذة إلى الحياة
اهتم الباحث والشاعر محمد نور الدين في تجربة القائد المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الشعرية اهتماماً بالغ الأثر، مما دفعه إلى تأليف وكتابة العديد من الدراسات حول ذلك.
محمد نور الدين: شعر الشيخ زايد جسر ثقافي بين الإمارات والعالم
وفي حوار لـ24 قال محمد نور الدين: بدأت رحلتي مع أشعار الشيخ زايد منذ الطفولة حيث كانت قصائده تصيبني بالقشعريرة الجميلة، فالقصيدة عند الشيخ زايد نافذة إلى الحياة، لقد قدم في شعره أغراضاً مختلفة كالغزل والحكمة والوطن بكل ببساطة، متجرداً من الألقاب والصفات، فجاءت مبهرة بحق، وصار شعر الشيخ زايد جسر تواصل ثقافي بين الإمارات والعالم.
وتالياً نص الحوار:
الرحلة بدأت منذ الطفولة حيث كانت قصائد الشيخ زايد تصيبني بالقشعريرة الجميلة فكنت مراراً أتساءل عن السبب، إلى أن بدأت بالفعل في منتصف التسعينات بجمع القصائد التي لم تكن في ديوانه الشعري الصادر عام 1991، ومن ثم قمت بتحليل الأبيات والقصائد لعلي أكتشف سحر تلك القشعريرة التي تتجدد مع قصائده، ولقيت بعد ذلك اهتماماً من ملف "عذب المعاني" بزهرة الخليج فقامت الشاعرة شيخة الجابري بنشر مقالاتي هناك لتنتشر في جميع أرجاء الوطن العربي، وكانت تلك المقالات أولى الدراسات والمقالات التي تنشر عن شعر الشيخ زايد، فأصبح حلمي أن أجمعها في كتاب يتصفحه الشيخ زايد، وبالفعل كان المرحوم حمد خليفة أبوشهاب مرحباً بالفكرة، وأيضاً مشجعاً لي في جمع القصائد، ولكن العمل اكتمل عام 2005 بعد وفاة أبوشهاب ورحيل الشيخ زايد طيب، وبما أن معظم الجهات الثقافية في الدولة كانت مطّلعة على هذا الجهد، حظيت بفرصة نشره حيث قامت بذلك أكاديمية الشعر في اليوم الوطني من عام 2008 في احتفاء جميل ورائع، وصدر الكتاب تحت عنوان "دراسة تحليلية في شعر الشيخ زايد" في طبعتين، ثم أضفت ملحقاً لقصائد الشيخ زايد بعد ذلك في عام 2014، ليكون في متناول الباحثين والمهتمين ومرجعاً لقصائده منذ ذلك الحين.
_توالت إصداراتك في هذا الجانب، فكم بلغ عددها؟ وما هي عناوينها؟ ومتى صدرت؟الإصدارات كثيرة وأحتاج إلى أن أتفرغ لإنتاجها ولكني نشرت بعض الكتب تباعاً منذ عام 2015 أولهما كتاب بعنوان "ذرب المعاني" وهو قراءات في شعر الشيخ زايد بعد أن كان برنامجاً تلفزيونياً يعرض في قناة الظفرة تحت عنوان "سلام يا شيخ" وقد شجعني على ذلك المرحوم الشاعر حبيب الصايغ بالرغم من انشغالي في تلك الأيام، وجاء بعد ذلك كتاب آخر بعنوان "قصائد أعجبت الشيخ زايد" وصدر في الإمارات والكويت بالتزامن وبالتعاون بين دار سعاد الصباح ودار نبطي للنشر، وضم الكتاب قصيدة الأمير جابر الصباح والملك حمد بن عيسى آل خليفة ونشر في عام زايد 2018، بالإضافة إلى كتاب "زايد في عيون الباحثين" الذي يضم مقالات كثيرة لباحثين كتبوا عن شعر الشيخ زايد وهو الهدف الذي كنت أطمح لتحقيقه أي أن يتناول النقاد هذه التجربة الفريدة بالدراسة وأن تنشأ البرامج والجوائز والمنتديات لهذه التجربة الشعرية المهمة في أدبنا الشعبي وبحمد لله تحقق كل ما كنت أحلم فيه خلال العقدين الماضيين بعدما ما كانت الأقلام والجهود تهاب تناول هذه الأثر الأدبي المهم في ثقافتنا المحلية ولكن بحمد لله اليوم أصبحت ألاحظ كيف صار شعر الشيخ زايد جسر تواصل ثقافي بين الإمارات والعالم، لذلك أصبحت ترجمة شعره مطلباً مهماً والكتابة عن أبعاده إضافة نوعية للباحثين.
_ما أهم الأغراض الشعرية التي كتب فيها الشيخ زايد طيب الله ثراه؟الشيخ زايد أحب الشعر والشعراء فأحبه الشعراء والشعر، وأجزم أن قصائده انسابت بتلقائية من قريحته الشعرية، لأنك لا تجد ذلك التكلّف في الكتابة بل تجد انعكاساً لنفس شفافة وحس مرهف في مرآة الجمال، وهنا يكمن السحر إذ كيف للمرآة أن تنقل الشفافية والصدق وهو ما استطاع الشيخ زايد تحقيقه فقدم الأغراض المختلفة كالغزل والحكمة والوطن بكل ببساطة متجرداً من الألقاب والصفات فجاءت مبهرة بحق.
ولعل ذلك يتجلّى في مساجلاته الشعرية حيث المشاكاة والمجاراة والردود كلها متقابلة وبكل تواضع إيمانا منه بأهمية الشعر وتواضع الشاعر عند الكلمة، فالكلمة من السهل أن تمحى من الذاكرة ومن الصعب أن تخلد إلا إن كانت تحمل القيم في سياقها ودلالاتها.
القصيدة عند الشيخ زايد نافذة إلى الحياة بغض النظر عن كونها في الوطنيات أو الغزليات أو المساجالات لكنها تعبر عن القيم والأخلاق والتآلف مع الوجود ككل. فالبشر والشجر والكائنات والطبيعة بمجملها تدور في عالم القصيدة بكل أريحية وجمال وهذه المعادلة هي التي كانت تسبب لي الانبهار ولا زالت إلى يوم لا تفقد هذه الميزة مهما أعدت قراءة القصائد.
لم يشعرنا الشيخ زايد أن له فضل في الإمارات، بل كانت الإمارات في شعره للجميع، فصيغة المتكلم مع الجمع أبلغ دلالة على أن الشيخ زايد حرص على أن يكون هذا الوطن ملكاً للجميع وحصانة للجميع ومسؤولية على الجميع، ليحقق لها الديمومة والنمو المستدام وهذه الأبيات تشهد وتعبر عن حب الشيخ زايد ورؤيته الجمالية لوطن الجميع حينما يقول:
دارنا جنات مزروعه بالنخل والكل يجنيها
والفواكه لي زخر نوعه في الإمارات ونواحيها
والزهر لي فايعٍ فوعه راحة النفس ومناويها
دار عز وناس مرفوعه بالجدا وكتاب باريها
خير عم الشعب وجموعه في رخا وفي خير راعيها
بالزنجنجل خضّب صبوعه بو خصر هايف ولافيها
المناظر والرخا روعه نعمةٍ من عند واليها