قال الكاتب والباحث السياسي السوداني محمد تورشين، إن المبادرة التي أعلنتها الحكومة السودانية "ولدت ميتة" كونها قامت على اعتبار قوات الدعم السريع متمردة بعد محاولة انقلاب عسكري، وأنه لا يمكن أن يكون هناك جيشان في البلاد، وهو ما لا يُتوقع قبوله من الدعم السريع.

ومع إقراره بوجود اختلاف في اللهجة بين ما طرحه "مالك عقار" نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، وخطاب رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان الذي سبقه بيوم، إلا أنه يرى أن الخطابين متسقان، وتضمنا جزئيات ترتبط بضرورة وجود تسوية ما لإنهاء الحرب.

جاء ذلك خلال الحلقة التي خصصها برنامج "ما وراء الخبر" بتاريخ (2023/8/16) للمبادرة التي قدمتها الحكومة السودانية لحل أزمة البلاد، من خلال خارطة طريق عرضها "عقار"؛ تقضي بوقف فوري للقتال، وإطلاق حوار يؤسس لمرحلة انتقالية، وذلك غداة خطاب للبرهان، كال فيه أغلظ التهم لقيادة قوات الدعم السريع وتوعدها بالحسم.

وفي مقابل دعوة "عقار" قوات الدعم السريع، لإدراك استحالة وجود جيشين بالبلاد، التي تنذر الأوضاع فيها بتوسع دائرة القتال، أعلنت القوات رفضها التعليق على المبادرة، معلنة تمسكها بمنبر جدة للتفاوض مع الجيش.

وتساءلت الحلقة عن مغزى توقيت المبادرة وبنودها، وما يعنيه عرضها مسارا انتقاليا، وما إذا كانت بديلا عن الاتفاق الإطاري، ومدى تقاطعها مع مبادرتي منظمة إيغاد الأفريقية ومسار جدة لحل الأزمة السودانية، وفرص نجاحها، وكيف يُفهم موقف الدعم السريع منها.

اتساق رغم الاختلاف

وفي حديثه لما وراء الخبر، اعتبر تورشين أن أحد جوانب اتساق خطابي البرهان وعقار، الحديث بشكل مباشر عن ارتكاب قوات الدعم السريع فظائع بحق المدنيين، مع نبرة أقل حدة في خطاب عقار، كما أن خطاب البرهان حمل إشارات جديدة لقيادات الدعم السريع.

ويرى المحلل السياسي السوداني أن خفوت حدة سير العمليات العسكرية في الخرطوم، تعكس رغبة جادة لدى المؤسسة العسكرية للتوصل إلى حل، في ظل تخوف باتساع دائرة الصراع وانهيار كامل للدولة، وهو ما قد يتوفر لدى قوات الدعم السريع كذلك، لكن الخلاف حول مسميات ما حدث يحول دون وجود مساحة توافق بين الطرفين.

ويرى أن تطبيق هذه المبادرة على الأرض يمثل تحديا كبيرا، في ظل عدم التوافق حول توصيف الأحداث الجارية، وتمسك كل طرف بتصوراته، مؤكدا على وجود مراكز مختلفة لصنع القرار في أجهزة الدولة نتيجة التناقضات بين الرؤى والمواقف وبسبب شكل الحكومة الانتقالية التي كانت موجودة قبل الأحداث الأخيرة.

وذهب إلى أن هناك مجموعات داخل المؤسسة العسكرية ترفض لهجة خطاب عقار الهادئة وترى أنه أعطى قوات الدعم السريع أكثر مما تستحق، مؤكدا في الوقت ذاته على أن البرهان راض تماما عن المبادرة ويسعى للتسوية في أقرب فرصة.

ترحيب أميركي

ويرى الدكتور وليام لورانس، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون شمال أفريقيا، أن خطاب البرهان جاء بنبرة حادة وشديدة، كونه رجلا عسكريا وليس سياسيا، مؤكدا ترحيب بلاده بالمبادرة التي أعلنها عقار.

وأوضح في حديثه لما وراء الخبر أنه رغم عدم تعليق وزارة الخارجية في بلاده على المبادرة، فإنه علم بشكل مباشر أن الوزارة تعتبر المبادرة خطوة تقنية جيدة، مع تشديدها على ضرورة أن يحترم الطرفان اتفاقات مسار جدة التفاوضي.

ويرى لورانس أن البرهان عادة ما يرسل إشارات غير واضحة في خطاباته، وهو الأمر الذي دفعه للاتفاق مع تورشين في إمكانية اتساق خطابه مع ما لحقه من إعلان عقار للمبادرة، مؤكدا على ضرورة أن تكون الحكومة السودانية أكثر وضوحا في التعبير عن موقفها.

ويشير أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية إلى أن مختلف المبادرات والمسارات التي سعت لتحقيق السلام في السودان، كانت تسعى لهدف واحد يتعلق بوقف فوري لإطلاق النار، لكن القضية تعتمد على "من وكيف" تتم من خلاله ترتيبات تحقيق هذا الهدف.

ويرى أن أحد العقبات الرئيسية أمام ذلك والتي لم تتم معالجتها حتى اللحظة هي إصرار كلا الطرفين على محو قيادة الطرف الآخر، مؤكدا على أنه إذا أراد السودانيون الوصول إلى شيء، فعليهم العمل على تغيير تلك القيادات لكن في المستقبل وليس على الفور.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحکومة السودانیة قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات

الانسحابات وإعادة التموضع

شهدت قوات الدعم السريع خلال الأسابيع الأخيرة تحولات ملحوظة في انتشارها الميداني داخل السودان. انسحبت بعض وحداتها من أجزاء من الخرطوم وولاية الجزيرة، وهو ما يراه المحللون خطوة محسوبة ضمن استراتيجية إعادة التموضع. هذه الخطوة قد تكون استعدادًا لحرب طويلة الأمد بدلاً من الاكتفاء بالمواجهات المباشرة التي قد تؤدي إلى إنهاك القوات.
الوضع في الفاشر ومعارك النفوذ
لا تزال الفاشر نقطة محورية في العمليات العسكرية، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى تثبيت نفوذها في دارفور، والتي تعد معقلًا رئيسيًا لها. تدور المعارك في محيط المدينة وسط تقارير عن تعزيزات جديدة وتحركات تكتيكية، ما يشير إلى أن الدعم السريع يسعى لتأمين موقعه هناك كجزء من خطته للحفاظ على عمقه الاستراتيجي.
التحضير لحرب طويلة الأمد
وفقًا لمحللين عسكريين، فإن الدعم السريع يعيد هيكلة وجوده العسكري بما يسمح له بخوض صراع طويل الأمد. من خلال الانسحاب المنظم من بعض المناطق والتوجه نحو مناطق نفوذه القوي، يحاول حميدتي وقادته تحويل الصراع إلى معركة استنزاف بدلاً من المواجهات المفتوحة مع الجيش السوداني. ويؤكد بعض التقارير أن الدعم السريع يتبنى سياسة "الأرض المحروقة" في بعض المناطق، ما أدى إلى تدمير بنى تحتية واستهداف مرافق حيوية.
الوضع الدولي والقانوني
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن مكتبه سيطلب إصدار مذكرات توقيف ضد المتهمين بارتكاب فظائع في منطقة غرب دارفور بالسودان. ويعكس هذا الإعلان تصاعد الاهتمام الدولي بالانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع في تلك المنطقة، وهو ما قد يكون له تداعيات على مسار الصراع مستقبلًا.
تأمين مستقبل الحكومة القادمة
في ظل غياب تسوية سياسية شاملة، يبدو أن قوات الدعم السريع تسعى إلى ترسيخ نفوذها على الأرض بحيث تكون جزءًا لا يمكن تجاوزه في أي عملية تفاوضية مستقبلية. تسعى القوات إلى فرض واقع عسكري وسياسي يجعل من الصعب استبعادها من أي اتفاق بشأن الحكم في السودان.
التحسب لخطوات الجيش والقوى السياسية
في المقابل، يراقب الدعم السريع التحركات السياسية والعسكرية التي قد يقوم بها الجيش، خصوصًا فيما يتعلق بتحالفاته مع القوى السياسية والمليشيات المناصرة له. قد يكون أحد أهداف الدعم السريع من إعادة التموضع هو تقليل فرص الجيش في فرض حل عسكري شامل. وفي هذا السياق، قامت قوات الدعم السريع بشن هجمات بطائرات مسيرة على مرافق حيوية، مثل المحطة التحويلية للكهرباء في منطقة الشوك بولاية القضارف، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدة ولايات.
معركة ود مدني والتحديات المستقبلية
في 11 يناير الجاري، تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع. وقد أشارت تقارير إلى ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين أثناء هذه العملية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من الصعب الوصول إلى حل سياسي في المدى القريب.
يتجه الدعم السريع نحو فرض معادلة عسكرية وسياسية جديدة على الأرض، تضمن له موطئ قدم قويًا في أي تسوية مقبلة. ومن خلال إعادة التموضع وتحسين انتشاره في مناطق النفوذ، يحاول الدعم السريع الاستعداد لمرحلة طويلة من الصراع، مع التركيز على تأمين دوره في مستقبل الحكم في السودان. في ظل هذه التطورات، ستظل معارك السيطرة على الأرض وتحالفات القوى المتصارعة عوامل رئيسية في تحديد مسار النزاع خلال الفترة القادمة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • أكثر من 50 قتيلاً في قصف لقوات الدعم السريع على سوق بضواحي الخرطوم
  • قوات الدعم السريع تنفي مسؤوليتها عن قصف أم درمان
  • مجلس الأمن يدين هجمات قوات الدعم السريع في دارفور
  • 54 قتيلا في قصف لقوات الدعم السريع على سوق في ضواحي الخرطوم  
  • مجلس الأمن يدين الهجمات المستمرة التي تشنها قوات الدعم السريع على الفاشر
  • الدعم السريع يعترف بالانتكاسات ويتعهد بطرد الجيش من الخرطوم  
  • الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية
  • المنتدى السعودي للإعلام يطلق مبادرة “جسور الإعلام” التي تجمع Netflix وSony وShondaland بالمواهب السعودية
  • وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات
  • في ظروف غامضة.. مقتل 8 من أبرز قادة الدعم السريع السودانية