إن لم يكن البرهان عُطيل، فإن عبد الحي قطعاً هو أياغو
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
(لا نستطيع جميعاً أن نكون سادة، ولا طاقة لجميع السادة أن يجدوا خدماً أمناء)
تُحِيل هذه المقولة للكاتب الإنجليزي الكبير شكسبير في مسرحية عُطيل Othello لِما يمكن أن تجسده العلاقة بين الجيش السوداني والحركة الإسلامية في السودان، فإن كليهما لن يستطيع أن يكون سيّداً، نظراً لأن السيادة لا تجوز لأثنين في آنٍ معاً، إلا بشرط واحد هو أن يكونا في حالة حلول وإتحاد، وتطابق تام أو أن يكون أحدهما صدى باهت للآخر.
قد لا تتطابق الأحداث وقع الحافر بالحافر بين ما يجري في السودان بواقعه الحالي الذي يَحِمل على الأسى واللوعة على مصير أهله، وبين أحداث مسرحية عطيل بأحداثها المشوقة التي تكشف أغوار النفس البشرية على مستويات الخيانة ،الغيرة ،الحب ،الفروسية، النجاح ، الخذلان بل والندم. غير أن هنالك نوع من التطابق بين واحدية الشعور البشري عندما يصطرع الخير والشر.. وعندما يعجز بنو البشر في أن يجدوا مغزى حقيقياً لحياتهم بعيدا عما جُبِلوا عليه من نزعة لإراقة الدماء والسير بينهم بالفتنة والغواية وكلما يحيق بالنفس من آمال وطموحات.
كان (عطيل) بطل المسرحية بطلاً تحققت له كل الميزات التي جرّت عليه الحقد، وأضرمت في نفس غريمه (أياغو) نيران الضغينة والبُغض ، فلجأ الأخير لحبك خيوط مؤامرة يفسد بها حياته ليحمله على تحطيم حياته بيده حيث لا يجد في النهاية مناصاً سوى الإنتحار. فقد أوغر صدره ضد زوجته بأنها تخونه ما حمل عطيل أن يقتلها و يقتل نفسه كأقسى ما تكون النهايات مأساوية.. فبرغم أن عطيلاً قد كان قائداً عسكرياً فذاً مشهود له بالكفاءة المهنية لدرجة أنه صار محط الغيرة وتفجير منابع الخبث عند غريمه وحياكة المؤامرات ضده . ورغم أن شخصيته لا تتطابق وشخصية البرهان. إلا أن ما قال به عبد الحي يوسف حول شخصية البرهان بأنه شر وخائن وكذاب وضعيف وليس له دين وأنه شخصية غير محترمة وأنه يكاد يكون مطيّة في يد الحركة الإسلامية التي وبحسب حديثه تسيطر حتى على مكتبه، يكون بذلك عبد الحي قد لعب دور (أياغو) الذي إستفز عطيل في ذاته وأوغر صدره بأن محبوبته في هذه الحالة (السلطة) لم تعد تحبه وأنها على علاقة مباشرة بتنظيم الحركة الإسلامية التي تتسيّد المشهد الحربي بخوض غمار المعارك بساحات فدائها. وأن عناصرها وقد إنتضوا صدر المعارك ببسالاتهم. وإرتقوا في سوحها شهداءاً وأبطالاً بتضحياتهم. فالقول الفصل في تحديد مسارات الحكم مستقبلاً لن يكون لأحد سواهم. وأن الجيش بقضه وقضيضه ما هو إلا لاعب ثانوي في معركة "الكرامة".
إن ما أدلى به عبد الحي في حق البرهان قد وسع الشقة الفاصلة بين أقطاب السلطة في حتمية المواجهة بين جيشٍ منهكٍ خائر القوى، مهلهل الأركان. يحارب على جبهات مختلفة أولها المعنوي على مستوى ترميم ذاته في نفسية أهل السودان الذين يكاد يستقر رأيهم بأن الجيش قد تصير في تخلقه الأخير واجهة للحركة الإسلامية، وبين الحركة الإسلامية نفسها التي وبعد أن تحلّبتْ ماء الحياة بالجيش لحين ظهور أياغو الحركة الإسلامية - عبد الحي يوسف - بوصفه أحد المتحدثين بأسمها متحدياً ومستفزاً حميّة الجيش وقادته ليفتح المشهد على مقولة شكسبير التي صُدِر بها هذا المقال (لا نستطيع جميعاً أن نكون سادة ولا طاقة لجميع السادة أن يجدوا خدما لهم.) وبذلك يكون عبد الحي قد فتح الطريق لبرهان أن يثبت أنه عطيل زمانه، فإما أن يكون البرهان بوصفه قائدا للجيش (سيداً) ، وأما تتسيّد الحركة الإسلامية المشهد طالما زعم عبد الحي أن كعبها في الحرب أعلى من كعب الجيش. فإن لم يكن البرهان عطيل زمانه، فحتماً أن بالجيش من تجيشُ في داخله الحمية والولاء للمؤسسة العسكرية ذلك أن بالجيش ألف عطيلٌ وعطيل.ُ
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة عبد الحی أن یکون
إقرأ أيضاً:
فتوى الشيخ عبد الحي
حديث المدينة
عثمان ميرغني
فتوى الشيخ عبد الحي
انتشرت أمس في وسائط التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية فتوى منسوبة للشيخ عبد الحي يوسف.. وضع لها عنوان “جواز نشر صور هلكى المليشيا” وفي نَصها أن الشيخ أفتى (إذا توفرت المصلحة فإنه يجوز نشر الصور).
سبق لي أن علقت أن مثل هذه الفتاوي تمنح اختصاصا واسعا لشيوخ ليس بوسعهم أن يدركوا كل العلوم والمعلومات في جوانب الحياة المعقدة الممتدة.. وكتبت هنا أكثر من مرة عن ضرورة تحديد “اختصاص” الفتوى.
ولتوضيح الفكرة سأخذ مثلا فتوى الشيخ عبد الحي هذه.. فهو أرجع الأمر لأهل الاختصاص بقوله (إذا توفرت المصلحة فإنه يجوز نشر الصور).. انظر بالتحديد لعبارة (إذا توفرت المصلحة)..!
الشيخ عبد الحي هنا ارتكب خطأين:
الأول: أن هذه العبارة (إذا توفرت المصلحة) في غاية الخطورة.. لأنها تترك تحديد المصلحة للاجتهاد الممتد الذي قد يتسع تقديره ليشمل كل من تقع في يده هذه الصور، فيقدر أنها للمصلحة وينشرها.. وهنا تصبح فتوى الشيخ عبد الحي باب مفتوحا على مصراعيه لفوضى عارمة.. محروسة بفتوى شرعية.
الثاني: الشيخ عبد الحي، بحكم كونه ليس خبيرا في الإعلام، تصور أن الصور شيء واحد قابل لتحديد وجود أو غياب المصلحة فيه.. بينما “الصور” لا تتشابه ولا يربطها سياق واحد يجعل حكمها متحدا.. فتقدير المصلحة هنا على كل صورة منفردة.. وليس كل الصور مجتمعة.. مما يعني عمليا أن أول ضوابط هذا الأمر هو حتمية أن تخضع لمعايير مؤسسية لا فردية.. تحكم على كل صورة بمضمونها وظرفها ووقتها وتأثيرها المتوقع.
شاب يحمل في يده هاتفا متطورا له قدرة عالية على التصوير الدقيق.. وجد الفرصة أن يلتقط صورا لقـتلى بعد معركة.. هنا حسب الفتوى عليه أن يجتهد رأيه في تقدير المصلحة في كل صورة ثم نشرها.. وقد يتسبب النشر في ضرر بليغ غير قابل للجبر.
إذا قبلنا أن الشيخ عبد الحي هنا أمر بإحالة الفتوى لأهل الاختصاص فهنا الخطأ أكبر.. لأنه حاز على حق تحديد جهة الفتوى فاحتكر بذلك المرجعية.
في تقديري؛ بصورة عامة، لم يعد من حاجة لالتماس الفتوى في علماء الدين إلا في المسائل المباشرة المتصلة بعلوم الدين المختلفة حسب تخصصاتهم. بينما توجه الأسئلة دون أن تسمى فتوى، لأهل الاختصاص مباشرة.. الطبيب أو المهندس أو ضابط الجيش أو الشرطة أو الأمن أو القانوني أو الزراعي إلى آخر التخصصات مهما كثرت.
من المثال موضوع هذا العمود، لم يكن صواباً أن يوجه طلب الفتوى للشيخ عبد الحي، ولم يكن صواباً أن يرد هو حتى بالإحالة إلى أهل الاختصاص.. بل كان الأوجب أن توجه المسألة مباشرة لخبير في الإعلام أو لمختص في الحرب النفسية أو كلاهما معا.
وتنتفي الحاجة لأي غطاء ديني يمنح الاجابة أي إلزام أو قدسية.
وبصفتي خبير في الإعلام فلو وجه لي السؤال لكانت اجابتي، أنه لا يجوز نشر أي صور تختص بالمعارك مهما كان نوع الصور الا عبر ادارة الإعلام العسكري المختصة.. وأن على هذه الإدارة وضع لوائح وأسس تعتمد عليها في السماح أو عدم السماح بنشر هذه الصور.
وبالضرورة هذه الإدارة المختصة ستصدر قرارها لكل صورة منفردة وليس بصورة عامة لكل الصور.
وتسمح بالنشر حسب الظرف والتوقيت المحيط بالصورة، وحسب تأثيرها المتوقع ايجابا أو سلبا.
الخميس 28 نوفمبر 2024
الوسومالحرب السودان عبد الحي يوسف عثمان ميرغني علماء الدين