صراع الإسلاميين والجيش في السودان: خلفيات المشهد وتوقعات الصدام القادم
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
زهير عثمان
تصريحات عبد الحي يوسف، القيادي بالحركة الإسلامية السودانية، التي تضمنت هجومًا لاذعًا على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ليست مجرد خطاب عابر، بل تمثل انعكاسًا لصراع عميق ومتعدد الأبعاد بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية. هذا المقال يحلل خلفيات هذا الصراع، أبعاده الإقليمية والدولية، وتوقعات المرحلة المقبلة.
خلفيات الصراع بين الإسلاميين والجيش
أ. العلاقة المعقدة بين الجيش والحركة الإسلامية
منذ انقلاب 1989 الذي أوصل الإسلاميين بقيادة عمر البشير إلى السلطة، ظل الجيش السوداني في علاقة متوترة مع الحركة الإسلامية. على الرغم من التعاون الأولي، تفاقمت الخلافات مع الزمن
تهميش الجيش: الإسلاميون سعوا إلى بناء قوة موازية (الدفاع الشعبي) وتقليص نفوذ الجيش التقليدي.
إقصاء الإسلاميين: بعد سقوط البشير في 2019، سعى الجيش، تحت قيادة البرهان، إلى النأي بنفسه عن الإسلاميين، ما أدى إلى تصعيد الصراع.
ب. تصعيد الإسلاميين ضد البرهان
التصريحات الأخيرة لعبد الحي يوسف تكشف عن استراتيجية الحركة الإسلامية لتقويض شرعية البرهان، واتهامه:
بالكذب وغياب النزاهة الشخصية: محاولة لإضعاف مصداقيته داخليًا وخارجيًا.
بالتطبيع مع إسرائيل: استثمار الحساسيات الشعبية لتشويه صورته.
الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع
أ. موقف القوى الإقليمية
مصر ودول الخليج: تدعم البرهان باعتباره ضمانة لاستقرار السودان، لكنها تعارض عودة الإسلاميين للحكم.
تركيا: تلتزم موقفًا حذرًا تجاه الحرب السودانية، مما يعكس تقييمًا بأن مصالحها في السودان لا تستحق التدخل المباشر كما في ليبيا.
ب. النفوذ الدولي
الولايات المتحدة: ترى في الجيش بقيادة البرهان شريكًا استراتيجيًا، لكنها تنتقد عدم التزامه بالتحول الديمقراطي.
إسرائيل: العلاقة مع البرهان وحميدتي تعكس تقاطع المصالح، لكنها قد تُستخدم لتقويض شرعية أي طرف محليًا.
تداعيات التصعيد على مستقبل السودان
أ. انقسامات داخل الجيش
تصريح عبد الحي بأن الإسلاميين موجودون "داخل مكتب البرهان" يسلط الضوء على احتمالية وجود جناح داخل الجيش متعاطف مع الإسلاميين. هذه الانقسامات قد تؤدي إلى:
محاولة انقلابية داخلية: حيث قد يتحرك جناح إسلامي في الجيش ضد قيادة البرهان.
إضعاف الجيش كمؤسسة: مما يفتح المجال لمزيد من الفوضى الأمنية.
ب. تعميق الأزمة السياسية
تصعيد الإسلاميين ضد البرهان يعقّد أي جهود للوصول إلى تسوية سياسية شاملة، حيث يرفض الإسلاميون إقصاءهم من المشهد، بينما تسعى القوى المدنية والعسكرية لإبعادهم.
. توقعات الصدام القادم
أ. احتمالية انقلاب داخلي
السيناريو الأول: الإسلاميون داخل الجيش قد يحاولون استغلال حالة الضعف السياسي التي يواجهها البرهان لإزاحته.
السيناريو الثاني: قد يشهد الجيش انشقاقات أوسع تؤدي إلى صراع مفتوح بين الفصائل المتنافسة داخله.
ب. تصعيد الحرب السياسية والإعلامية
الإسلاميون سيكثفون جهودهم لتشويه البرهان وتقويض شرعيته داخليًا ودوليًا.
القوى الإقليمية قد تضاعف دعمها للبرهان لإحباط أي تحركات إسلامية.
ج. استمرار العزلة الدولية
الهجوم على البرهان بسبب علاقاته مع إسرائيل واتهامه بفقدان الدعم الدولي يُعقّد مساعيه للحصول على اعتراف أوسع، مما يضعف موقفه السياسي.
. السيناريوهات المحتملة
أ. بقاء الوضع على ما هو عليه
البرهان يواصل التمسك بالسلطة، مع استمرار محاولاته لإضعاف الإسلاميين، دون تحقيق تقدم سياسي واضح.
ب. انقلاب داخلي أو تحرك عسكري
في حال فشل البرهان في إدارة الأزمة الداخلية، قد يشهد السودان تغييرًا مفاجئًا في قيادة الجيش أو حتى انقلابًا جديدًا.
ج. تصعيد الحرب الأهلية
مع تزايد الانقسامات داخل الجيش، قد تتحول المواجهات السياسية إلى صراع مسلح بين الفصائل المتنافسة.
وتصريحات عبد الحي يوسف تمثل نقطة تحول في الصراع بين الجيش والإسلاميين، وتعكس تعقيدات المشهد السوداني الذي يتداخل فيه المحلي بالإقليمي والدولي. ما لم يتمكن السودان من الوصول إلى تسوية شاملة تُراعي مصالح كافة الأطراف، فإن البلاد قد تشهد مزيدًا من التصعيد السياسي والعسكري، مما يهدد وحدتها واستقرارها.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: داخل الجیش عبد الحی
إقرأ أيضاً:
صراع سياسي وتوترات إقليمية تهدد استقرار دولة جنوب السودان
شهدت العاصمة الجنوب سودانية جوبا اشتباكات مسلحة أثارت تساؤلات حول استقرار جنوب السودان، وسط صراعات سياسية واقتصادية متفاقمة، وتأثيرات إقليمية متزايدة على حكومة سلفاكير وخطط الانتخابات المقبلة..
التغيير: أمل محمد الحسن
أعادت أحداث إطلاق النار بحي المطار بالعاصمة الجنوب سودانية جوبا للأذهان بداية الحرب الأهلية التي اندلعت بسبب اشتباكات مماثلة في القصر الرئاسي مما دفع المواطنين والعاملين بالمؤسسات الأممية للتساؤل حول احتمالية تكرارها أو استمرارها وسط أجواء سياسية محتقنة إثر تأجيل الانتخابات المقرر انعقادها في ديسمبر المقبل.
في 21 نوفمبر الماضي من الشهر الحالي، بدأت الأحداث بإطلاق نار كثيف استمر ساعة كاملة حول مقر رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور، بحي قريب من مطار جوبا.
ووفق مصادرجنوبية عليمة، فإن القوات التابعة للدولة ذهبت لتطلب من كور المقيم في منزله تحت الإقامة الجبرية الانتقال إلى حي الجبل لأان وجوده بحراسات أمنية كبيرة أقلق سكان الحي الذي يقطنه الدبلوماسيين والمنظمات الأممية.
فوراً، أدى هذا الطلب إلى حدوث اشتباك بالأسلحة النارية راح ضحيته أربعة أفراد من بينهم أحد أقرباء مدير المخابرات السابق. ووفق المصدر فإن تدخلا من رئيس الاستخبارات أدى إلى وقف الاشتباك ولاحقا زاره في منزله وأقنعه بالانتقال. وأكدت المصادر عدم وجود إذن بالاشتباك.
أدت الاشتباكات المسلحة نتيجة لهذه الواقعة إلى انتشار الجيش في الطرقات بهدق التأمين وتطمين المواطنين قبل أن يتم سحبه، ويعود الهدوء الحذر للمدينة.
صراع سياسيفي أكتوبر الماضي، أقال الرئيس سلفاكير ميارديت رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور، بينما كان خارج البلاد وفقاً للمحلل السياسي، محمد لطيف وعينه في منصب حاكم واراب وفور وصوله مطار جوبا تمت إقالته مرة أخرى من منصبه.
وقال مصدر مطلع لـ«التغيير»: “تم تعيين أكيج تونق الذي تولى في السابق مناصب حاكم واراب، ووكيل وزارة الدفاع خلفاً لكور”.
” يشبه ما حدث مع رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية في دولة جنوب السودان يشبه ما حدث مع مدير المخابرات السوداني الأسبق صلاح قوش الذي كان قد أقيل بعد صراعات سياسية داخل حزب المؤتمر الوطني.
وأفاد مصدر بأن صراعات داخل قيادات الحركة الشعبية أدت إلى إقالة كور الذي تولى هذا المنصب منذ انفصال الجنوب في العام 2011.
مصادر جنوبية: شائعات عن تخطيط مدير المخابرات للانقلاب على سلفاكير تسببت في إقالته ووضعه تحت الإقامة الجبرية
وأكد المصدر تصاعد نفوذ مدير المخابرات المقال ولاحقا سرت شائعات تفيد بعزمه القيام بانقلاب عسكري ضد الرئيس سلفاكير الأمر الذي جعله يسارع بتعيين حليف له.
الرئيس الجنوب سوداني، سلفاكير ميارديتمن جانبه قال المحلل السياسي محمد لطيف في مقابلة مع «التغيير»، إن الحركة الشعبية أقصت عددا من الرموز منذ تأسيس الدولة وهو الأمر الذي أثر بشكل كبير على أداء الحزب، وعلى أداء الكوادر المتمرسة التي تدربت على يد الجنرال الراحل جون قرنق طوال سنوات النضال، وفي المقابل بقيت قلة منهم، بينما ظهرت كوادر جديدة حول الرئيس فرضت سيطرتها.
وأشار المحلل السياسي إلى وجود صراعات بين هذه الكوادر أوصلت الدولة إلى المشهد الحالي.
وأوضح لطيف بأن الأحداث الأخيرة تكشف عن تعقيدات وصراعات يمكن وصفها بالإثنية أو السياسية أو الشخصية “لكن المشهد بأكمله يعكس شكلا من أشكال عدم استقرار الدولة وعدم القدرة على إدارتها”.
تشهد دولة جنوب السودان توترات سياسية متصاعدة بسبب قرار تأجيل الانتخابات، وسط أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت نتيجة الحرب المشتعلة في السودان منذ منتصف أبريل 2023. وقد أثر هذا الصراع بشكل كبير على تدفق النفط، الذي يعد المورد الرئيسي لاقتصاد الجنوب، مما أدى إلى تدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي.
توترات بسبب النفطوقال المحلل السياسي محمد لطيف إن التدفقات النفطية في بداية الحرب كانت مستمرة، لكن قيادة الدعم السريع في مرحلة ما وضعت جوبا أمام ثلاثة خيارات؛ إما أن توزع رسوم العبور مناصفة بينه وبين حكومة بورتسودان، أو يتم تجميد هذه الأموال، وتوضع في حساب منفصل برعاية دولية مثلما حدث في العراق حتى انجلاء الأزمة والخيار الثالث هو إيقاف الضخ.
محمد لطيف: أتوقع أزمة وشيكة بين الدعم السريع وجوبا
وأضاف:جرت مفاوضات مطولة وصلت في نهاية الأمر إلى حصص بين حكومة السودان وبين الدعم السريع تستأنف بناء عليها عمليات الضخ.
يتوقع لطيف ظهور أزمة جديدة، حيث قد يجد الدعم السريع نفسه مضطراً لتحمل عبء تأمين هذا المسار، مما قد يدفعه إلى طرح مطالب إضافية. كما كشف لطيف عن أزمة كامنة أخرى بين جوبا وحميدتي تتعلق بمديونية لم تُسدّد بعد.
دفاع عن الأوضاع“نشعر بذعر” هكذا قال أحد المواطنين لـ «التغيير» حول الأوضاع في مدينة جوبا عقب حادثة إطلاق النار.
لكن رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الفصيل الذي بقي في جنوب السودان، محمد مصطفى محمد فضل نفى بشدة وجود أي توترات.
وأوضح أن المدينة تشهد استقرارا وأن المواطنين يمارسون أنشطتهم اليومية بصورة طبيعية: وأردف: “ليس هناك ما يقلق”!
وقال في مقابلة مع « التغيير» :”إن الدولة اقتربت من توقيع اتفاق سلام مع المجموعات المعارضة المتبقية في العاصمة الكينية نيروبي”. وأضاف:”دولة جنوب السودان منذ توقيع اتفاقية السلام المنشطة أصبحت هادئة ومستقرة أكثر من أي وقت مضى”
لكن مصدرا مطلعا في جوبا أشار إلى وجود تباينات بين بعض الحركات التي تشارك في الحكومة متوقعا إطاحتها بنائب الرئيس حسين عبد الباقي أكول أبرز قيادات الحركة الوطنية بقيادة كاستلو قرنق، والذي يشغل حاليا منصب نائب الرئيس لشؤون الخدمات، فيما كشفت مصادر متطابقة عن مطالبة أحد زعماء الحركات المعارضة تأجيل مفاوضات نيروبي بسبب أن قواته تقاتل حالياً إلى جانب الدعم السريع.
تدخلات إقليميةتعيش الدولة الحديثة في محيط قلق؛ أبرز ما فيه حرب السودان التي أثرت في جوبا اقتصادياً مع وصول آلاف اللاجئين السودانيين فيما عادت أعدادا هائلة من الجنوبيين الذين لجأوا للسودان إبان الحرب الأهلية.
من جهة ثانية تعيش دول المنطقة توترات تمثلت في التحالف المصري الإريتري الصومالي مقابل التحالف الأثيوبي مع أرض الصومال وحربا باردة تدور حول المياه.
لكن من جهته قطع رئيس الحركة الشعبية شمال بقدرة حكومة الجنوب على السيطرة على علاقاتها الخارجية: وقال: “لن تستطيع أي جهة إقليمية أو دولية التدخل في الشؤون الداخلية للجنوب، وتحقق تأثيرٱ في الأمن القومي للدولة”.
رئيس الحركة الشعبية شمال: لن تستطيع أي جهة إقليمية أو دولية التأثير في الأمن القومي للدولة.
اختلف محمد لطيف مع ما ذهب إليه رئيس الحركة الشعبية شمال لافتاً إلى وجود تأثيرات كبيرة على جوبا من المحيط الإقليمي يؤثر في استقرارها وسياساتها من جهة كونها دولة حديثة ونامية.
وقال لطيف إن أحد التحولات الكبيرة في الفترة الأخيرة تمثلت في موافقة جنوب السودان على اتفاقية “عنتبي” التي تعتبر أن اتفاقيات 1929 و1959 حول المياه تهضم حقوق دول المنبع لصالح مصر والسودان، وتصادر حقوقهم في التحكم في مواردهم.
أشار لطيف إلى حالة التردد التي تعيشها جوبا بين القبول والرفض، نظراً لعلاقاتها القوية مع القاهرة التي قدمت لها مساعدات كبيرة، مما أثر على موقفها من الاتفاقية التي كانت مشروطة بموافقة جنوب السودان.
وأوضح أن “جوبا التزمت بمصالحها كدولة جديدة ذات موارد محدودة، ما يجعل لها الحق في اتخاذ قرارات تخدم هذه المصالح”.
وأضاف أن اتفاقية عنتيبي تمثل فرصة مهمة لإعادة توزيع الحصص المائية بين الدول الموقعة، مما يوفر موارد مائية ملحّة تحتاجها جنوب السودان بشكل خاص لدعم البنية التحتية، والقطاعات الزراعية والحيوانية الحيوية.
واختتم محمد لطيف حديثه بالقول إن الأزمات الداخلية والخارجية تتشابك وتلقي بظلالها على حكومة جنوب السودان، مع تزايد الأصوات الداعية إلى إجراء تغيير جذري في القيادة. ويرى كثيرون أن الوقت قد حان لإفساح المجال لدماء جديدة تضخ الحيوية في شرايين السلطة، سواء كان ذلك بوجود الرئيس الحالي أو غيابه، من أجل تحقيق تطلعات الاستقلال وبناء الدولة.