تأمُلات
كمال الهِدَي
. إستمعت لرسالة صوتية مطولة للشريف الحامدابي قرع فيه مدرب عام الهلال خالد بخيت بأغلظ العبارات بسبب حديثه الداعم للجيش بعد فوز الهلال على الشباب التنزاني.
. قدم الحامدابي تنويراً حول مكانة نادي الهلال وكرر نفس الحديث الذي ظللت أقول منذ زمن سبق هذه الحرب القذرة بأنه صار مجرد شعار أُفرغ من مضامينه، أعني نادي الحركة الوطنية.
. صحيح أن الحامدابي طعن في الفيل (السوباط) أحد أكثر جوكية الكيزان سوءاً وقذارة وفساداً، لكنه نسي رفيقه العليقي، إلا أن هذه ليست المشكلة، فالمشكلة هي أن الرجل يلوم خالداً وكأنه من أتى بالكوز السوباط رئيساً للهلال وبالعليقي كنائب له وببقية الكيزان والمتكسبين من السطحيين كأعضاء في مجلس الإدارة.
. نعم خالد يقصد أن يرضي ولي نعمته الذي مكنه وغيره من التمتع بفنادق الخمس نجمات وبالتجول بين العواصم الأفريقية في مثل هذا الظرف بالغ التعقيد.
. وصحيح أن كل ذلك يتم بأموال مشبوهة وعبر أنشطة تزيد من مآسي القتل والتشريد التي يشهدها أهلنا.
لكن اللوم لا يقع على خالد بخيت وحده أخي الشريف بل توقعت أن يطال تقريعك الفيل الأكبر، أعني الملايين التي تناصر الهلال، وقبلهم الصحافة الرياضية التي يطبل العديد من كتابها ليل نهار للسوباط والعليقي ويجعلون منهما رموزاً ونجوماً سامقة لمجرد أنهما ينفقان على نادينا من هذه الأموال القذرة.
. فلولا هؤلاء واتكاليتهم وسلبيتهم لما صار جوكية الكيزان مسئولين عن نادي الحركة الوطنية، ولما تم تعيين أي ممن ترى أن مؤهلاتهم لا تسعفهم في أن يتولوا مناصب في هذا النادي الكبير.
. لكنك تلوم خالداً الذي لعب على الأقل للهلال وسكب العرق ثم حصل على بعض الشهادات التدريبية وتنسى أن السوباط والعليقي نفسيهما ما كان من الممكن أن يتبوآن هذين المنصبين لولا أموال الكيزان القذرة.
فاللوم الحقيقي إذاً لابد أن يوجه لجماهير ظللنا نحثها من عشرات السنين على إكتساب عضوية النادي العريق حتى لا يصبح مطية لكل من هب ودب ممكن يملكون المال
. لكن هذه الجماهير آثرت أن تصغي لبعض أرزقية إعلامنا الرياضي الذين يطبلون لكل صاحب مال ويمكنونه من هذا النادي الذي كان كبيراً قبل أن تصغره بعض شلليات المتكسسبين.
. فعلينا أن نطعن في الأفيال الكبيرة قبل الطعن في الأفيال الصغيرة أو في ظلالها.
. فموقف جماهير الهلال غير المتسق ساهم بشكل كبير في خراب نادينا، ويساهم حالياً في إستمرار هذه الحرب القذرة.
. الموقف غير متسق لأن بعض إعلاميي وجماهير الهلال ينتقدون الكيزان في شخص البرهان أو العطا ويعبرون عن رفضهم للحرب، لكنهم في ذات الوقت يصفقون، بل ويهللون للسوباط والعليقي.
. ولا أفهم هل هي سطحية متعلمين أم أنانية وضعف أمام العواطف.
. ولكي تريح نفسك يا حامدابي أنصحك بالتوقف مؤقتاً عن متابعة الهلال (مطية الكيزان) في هذا الوقت الحرج.
فعن نفسي تابعت – على مضض- جزءاً من مباريات المنتخب، أما الهلال فأسمع أو أقرأ عن نتائج مبارياته ولم يعد يهمني إن فاز أو إنهزم، فهو مهزوم في نظري بخنوع قواعده الواسعة وصمتها على هذا العبث.
. نسأل الله أن تنتهي هذه الحرب القذرة وأن يستعيد جمهور الهلال نادينا الكبير من الجوكية والأرزقية.
.
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
اقتلاع الكيزان: الوهم والحقيقة (1 مكرراً من 2)
بقلم: الريح عبد القادر
"جراب الراي في الرد على القراي"
هُرِع الدكتور الفاضل عمر القراي إلى الرد على مقالي الموسوم "اقتلاع الكيزان: الوهم والحقيقة" ولمّا أكُمِلُ جزءه الثاني، وهو الأهم، الذي وعدت به. والأمر المثير للعجب أن يكون الإخوان الجمهوريون هم الأسرع في الرد على مقال يهاجم الإخوان المسلمين. بيد أنّ هذا العجب يُبطل حين يُعرف السبب: لا يتحمل الجمهوريون أدنى نقدٍ يوجّه لمحمود محمد طه وفكره. وتكشف هرولة الدكتور القرّاي إلى الرد أن صبر الجمهوريين قد عِيل إزاء ما اعتبروه مساساً بمرشدهم الذي يمثِّل بلحمه ودمه لحم فكرهم ودمه.
أقدّرُ أن يكون الدكتور القراي قد أمضى خمس سنوات لنيل درجة الدكتوراة في المناهج التربوية؛ ولكنني أدرك أنه أمضى زهاء خمسين سنة في ممارسة الجدال والنزال والسجال.
بدأ الدكتور تعقيبه مشدداً على جهود المرحوم محمود محمد طه والجمهوريين عموماً في توعية الشعب بخطورة فكرة الإخوان المسلمين. وهنا أطمئِن الدكتور الفاضل بأني قد اطلعت على كتاب "هؤلاء هم الإخوان المسلمون". يركز الجمهوريون في جزئين من هذا الكتاب على مهاجمة الشريعة الإسلامية التي يريد الإخوان المسلمون تطبيقها وعلى الممارسات والأفكار الطرفية للإخوان المسلمين. ولو انتظر الدكتور القراي صدور الجزء الثاني من مقالي لوجد أنني أركّز نقدي على "الأسس المُوجِدة للفكر الإخواني"، وعلى لبابه وجوهره الحقيقي. يرى الجمهوريون أن الخطأ الجوهري في فكر الإخوان المسلمين هو تطبيق الشريعة الإسلامية. ومنهجياً، لا يمثل ذلك جوهراً، بل هو فرع. ولئن كان التركيز على نقد الأخطاء والممارسات قد ينطوي على إقرار بالصحة المبدئية لوجود "الفكر الكيزاني"، فإن نقدنا ينزع عن ذلك الفكر صحة وجوده من الأساس. ويبدو النقد الجمهوري متسامحاً مع الكيزان إنْ هم تخلوا عن تطبيق الشريعة وأجروا بعض الإصلاحات. أما نقدنا فيقوم على أن الفكر الكيزاني، في حد ذاته، أو" الكوزنة" في حد ذاتها، نبتٌ شيطاني يتعين اقتلاعه من جذوره.
ويجافي الدكتور القراي الحقيقة حين يزعم أنّ حديث محمود عن اقتلاع الإخوان المسلمين تحليل علمي. ليس محمود محمد طه في نظر الإخوان الجمهوريين أستاذاً إكاديمياً وإنما هو "عارف" نهل العلم كفاحاً من الله بلا واسطة. وبذلك فإن ما يسمى فكراً جمهورياً إنما هو في الحقيقة عقيدة. ولو كان الدكتور القراي والجمهوريون يتحرَّوْن الصدق لكان يتعيّن عليهم أن يقولوا إن "نبوءة" اقتلاع الإخوان المسلمين هي من العلم اللدُني والفتح الرباني لمحمود محمد طه وليست مجرد تحليل علمي.
ثم يلجأ الدكتور القرائ، كعادة الجمهوريين، إلى الهجوم الشخصي على الخصم، فيتساءل ساخراً عن الدور الذي قمتُ أنا به في توعية الشعب السوداني بسوء الإخوان المسلمين عندما كنت بجامعة الخرطوم. يا أيها الدكتور الفاضل لقد كنتُ في جامعة الخرطوم طالباً ثم مدرساً بسيطاً ولم يكن لي علمٌ ولا شأن بتوعية الشعوب. أما الآن فأنا أدعو إلى "مشروع التواضع الوطني: تواضعٌ على التواضع"، وبه أدركُ سوء الفكرين الجمهوري والكيزاني وأحذر منهما. يقوم كلاهما يقوم على "استعلاء الأنا الجماعية": يرى الإخوان المسلمون أنهم صحابة هذا الزمان، وهم الأجدر بالحكم، ومن خالفهم يستحق من العذاب ما يستحق، سجناً وتشريداً وقتلاً؛ ويرى الإخوان الجمهوريون أنهم دعاة الرسالة الثانية، وأن صاحبهم محموداً قد تلقى علم الرسالة الثانية كفاحاً، بلا واسطة، فأصبح يصلي صلاة خاصة به، لا تشبه صلاتنا؛ ومن خالفهم فإنه جاهلٌ، ولا يمكن له أن يتعلّم إلا حين يعلم مثل علمهم، ويرى مثل ما يرون.
ثم يصر الدكتور القراي إصراراً لا يسعنى إلا أن أصفه بالسادية على أن تجربة حكم الإخوان المسلمين "مفيدة"، موضحاً أن ما صاحبها من امتحانات عسيرة يفضي إلى هزيمة فكرة الإخوان المسلمين ويسوق الناس إلى الله. ويستشهد الدكتور بقول الصوفية "من لم يَسِرْ إلى الله بلطائف الإحسان سِيق إليه بسلاسل الامتحان". وهنا نوضح للدكتور الفاضل أنّ هذا القول الصحيح ينطبق على الأفراد حصراً، وليس على الشعوب. يتعرض الفرد للامتحان فيثوب إلى ربه ويتوب، فيكون مستفيداً. أما الشعوب، أيها الدكتور الفاضل، فإن مَن مات من أفرادها مفتوناً في دينه، قاتلاً أو سارقاً، أو مغتصِباً، فقد خسر الخسران المبين.
ثم يدلف الدكتور القراي إلى فقرة أثيرة لدى الجمهوريين، وهي رفع قميُص عثمان، مُمثلاً في إعدام محمود. من طوام الرئيس الأسبق نميري إعدامُه محموداً. وهنا نربأ بإخواننا الجمهوريين أن يحرفوا تاريخناً القريب. لقد ظل محمودٌ والإخوان الجمهوريون مؤيدين لحكم الديكتاتور نميري حتى عام 1983. وقد أعدم محمود ظلماً، ولكن ليس لأنه كان يدافع عن حرية الشعب السوداني، بل لإصراره على دعاوى اعتبرها قضاة ذلك العهد ردةً وزندقة.
وبعد التهجم على الرمز الوطني المرحوم محمد أحمد محجوب، الذي سبق محمود محمد طه بعشر سنوات في توقع سوءات حكم الإخوان المسلمين، يعود الدكتور القراي إلى عدم المنهجية العلمية فيقول إنّ نقد حركة الإخوان المسلمين لا يمكن أن يتم إلا بنقد الشريعة الإسلامية. وهنا يترك القراي الفيل ويطعن ظله، ويترك الإخوان المسلمين ليواجه عامة المسلمين الذي يجلّون الشريعة الإسلامية. ويطيش سهم القراي في توصيف خطورة الإخوان المسلمين حين يجعلهم مجرد فكر سلفي.
إن الإخوان المسلمين أخطر من ذلك بكثير و"ألعن"، أيها الدكتور الفاضل.
وهذا ما سنبينه في الجزء الثاني من هذا المقال بحول الله تعالى.
alrayyah@hotmail.com