بشكل رسمي دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن  قبول الجانين اتفاقا بوساطة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وهو ما اثار العديد من التساؤلات حول ما هي بنود الاتفاق؟، وما هي دلالة التوقيت، فلماذا لم يتم الاتفاق قبل أسبوعين وهو ما قد كان بالتأكيد سيؤثر علي مجريات الانتخابات الأمريكية أو لماذا لم يتم الانتظار حتي شهر يناير بعد تولي ترامب الحكم رسمياً بالبيت الأبيض؟  

وعلي هذا، يتعين بداية قراءة وتفنيد بنود أتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع إسرائيل الذي تكون من 13 فقرة وتضمن التزام حزب الله وجميع المجموعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية بعدم تنفيذ أي عمليات هجومية ضد إسرائيل، التي ستلتزم بالمقابل بعدم تنفيذ أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان سواء على الأرض أو في الجو أو البحر.


وقد تعكس هذه التفاهمات الاجراءات التي يلتزم بها كل من إسرائيل ولبنان من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالكامل، الذى يفرض إنهاء تسليح حزب الله وتحريك قواته إلى شمال نهر الليطانى ، مع الاعتراف بأن هذا القرار ينص أيضاً على التنفيذ الكامل للقرارات السابقة لمجلس الأمن، بما في ذلك نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان، بحيث تقتصر القوى المخولة بحمل السلاح في جنوب لبنان على القوات المسلحة اللبنانية، واليونيفيل، اما إسرائيل فستنسحب بشكل تدريجي من جنوب الخط الأزرق خلال 6 أشهر وذلك لضمان عدم قيام حزب الله بإعادة بناء بنيته التحتية.

هناك دوافع عدة عززت من قبول الجانب الإسرائيلي هذا الاتفاق، ففي تصوري جاء هذا الاتفاق بعد صمود حزب الله حيث برزت التطوّرات الميدانية في الأيام الماضية أن حزب الله نفذ عمليات استثنائية، وصلت إلى خمسين عملية في يوم واحد، يوم الأحد 24 نوفمبر، داخل العمق الإسرائيلي، في الوقت نفسه عًجزت إسرائيل علي اتخاذ إجراءات تصعيدية تستطيع من خلالها فرض مالاته وأهدافه فيما يخص إنشاء منطقة عازلة في الجنوب، حيث تتفق القراءات الإسرائيلية على أن خضوع نتنياهو لوقف إطلاق النار يأتي بعد التيقن أن لبنان جبهة ثانوية، وأن جبهة القتال الأهم والاساسية هي غزة التي نجح في تحقيق هدف استراتيجي بها يتعلق بإفشال وحدة الساحات إذ استطاع أن يحيد قوي كبيرة كانت تُساند فصائل المقاومة فالفصل بين غزة ولبنان، وقطع العلاقة بين الساحتين، وإبقاء حماس وحيدة في المعركة، مع مضاعفة الضغط العسكري، وإرسال قوات إلى غزة ، وبالتالي فتح أفق لصفقة تعيد الأسرى.
أما فيما يتعلق بدلالة التوقيت، فحكومة بايدن حريصة علي أمن واستقرار إسرائيل خاصة في ظل حالة الإنهاك المتنامي لدي الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان واستنزاف قدراته وامكاناته، فضلاً عن ذلك أراد بايدن أن يعادل فشه في الوصول لتهدئة في غزة، بنجاح في الجبهة الشمالية وهو ما يبدو متفق عليه مع الرئيس المنتخب ترامب الذي يريد التفرغ لأولوياته الاستراتيجية المتمثلة في الحرب في أوكرانيا والمنافسة الاقتصادية مع الصين خاصة في ظل ترسيخ الجبهة التي تضم روسيا والصين وكوريا الشمالية.


وبمراجعة الملابسات التاريخية، فهناك تشابه لا يمكن تجاهله بين الحرب الحالية وحرب 2006، أبرزها إخفاق الجيش الإسرائيلي في عدم امتلاكها لإستراتيجية خروج واضحة وذلك حين قام الجيش الإسرائيلي المتسلح بالدعم المالي والتقني الأمريكي، بغزو الأراضي اللبنانية بهدف تقويض حزب الله الذي كان حينها يمثل قوة صاعدة أقل عدداً وتأثيراً مقارنة بما هي عليه الآن بالرغم من هذا التباين الكبير بين الجبهتين،  لقد شهدت الحرب قيام حزب الله للمرة الأولى بإطلاق صواريخه باتجاه "الأجواء الإسرائيلية" وكان هذا أول تهديد صاروخي حقيقي لإسرائيل منذ صواريخ سكود العراقية التي أطلقها صدام حسين من العراق عام 1991، ومن ثم تًمكن حزب الله من إلحاق هزيمة بإسرائيل وأجبرها على الانسحاب في غضون 33 يوما.


وفي أعقاب انسحاب إسرائيل، ألقى حسن نصر الله خطابا شهيرا في مدينة بنت جبيل المحررة، عرف باسم "خطاب بيت العنكبوت" أعلن فيه الانتصار على إسرائيل ، بيد أن أهداف إسرائيل من الحرب كانت تتجاوز محاولة محو الإذلال الذي تعرضت له في لبنان، نحو تحقيق أهداف إستراتيجية أوسع نطاقا، حيث شملت الأهداف المعلنة الإفراج غير المشروط عن الأسرى الإسرائيليين وتدمير حزب الله ونزع سلاحه وإنهاء تهديده للحدود الشمالية للاحتلال، وفيما وراء كل ذلك، كان هناك هدف غير معلن هو استعادة إسرائيل لقدرتها على الردع العسكري، التي تضررت بشدة بعد انسحابها مجبرة من قطاع غزة عام 2005.

وكان احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية حينها هو الشرارة التي حفزت ظهور المقاومة غير النظامية الأكثر جاهزية ضد إسرائيل حتى ذلك الحين ممثلة في حزب الله، الذي أدّى دورا بارزا في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

ومع استقراء السياق السياسي حينها، وعلى الرغم من تغٌير الظروف المحيطة سواء من حيث ضعف الحزب بعد اغتيال زعيمه حسن نصر الله، ووجود حكومة إسرائيلية توصف بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، والتي يرأسها نتنياهو، لكن تظل هناك معطيات حاكمة لهذا الصراع، أبرزها أنه لا يزال صراعًا بين جيش نظامي تدعمه قوى دولية كبرى وجماعة مسلحة ذات حلفاء إقليميين، وفي سياق بيئة تعددت فيها الجبهات، ويشوبها توتر جيو استراتيجي متفاقم.


ثانياً، يعد موطن التشابه الثاني فيما يٌطلق عليها الحرب الهجينة، وهي التي تكمن في تكتيكات الحرب غير التقليدية التي أتقنها حزب الله منذ نشأته، والتي عانى منها الجيش الإسرائيلي في المقابل، كونها ترتكز على إستراتيجية تمزج بين وسائل الحرب التقليدية وتكتيكات "حروب العصابات"، والاختفاء والظهور وإعداد الكمائن وفيها لا تتحكم الفوارق في العدد والعتاد وحدها في نتائج المعركة بل تصبح المرونة التنظيمية والقدرة على التكيف عوامل مؤثرة، وحاسمة.

ختاماً، مع محاولة تحليل هذا الاتفاق فهو اتفاق هش يأتي في أعقاب الضغوطات التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته على نتنياهو، وفي الوقت نفسه خوفاً من إملاءات قد تفرضها عليه إدارة الرئيس المنتخب ترامب، وعلي صعيد الناحية الضمنية به الكثير من العبارات الفضفاضة المصاغة بغير انضباط أو تحديد للآليات التنفيذية؛ لذا فهو اتفاق مؤقت كونه لا يوفر الضمانة للتنفيذ، وهو ما برز في تحركات إسرائيل يوم الجمعة 30 نوفمبر من حيث إطلاق جنود إسرائيليين النار على سكان بلدة الخيام قرب الحدود، هذا ويظل التساؤل باقياً ماذا عن غزة؟

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة جنوب لبنان مونيكا وليم المزيد المزيد الجیش الإسرائیلی إطلاق النار حزب الله وهو ما

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تطرح مقترح هدنة جديدة في غزة وحماس تطالب بالضغط عليها

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو قدمت مقترح هدنة جديدة في قطاع غزة مقابل الإفراج عن أسرى إسرائيليين، في حين طالبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف العدوان والعودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

واليوم الأربعاء، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي توسيع عدوانه العسكري على غزة، بهدف "الاستيلاء على مناطق واسعة سيتم ضمها إلى المناطق الأمنية"، بالتزامن مع استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع بما فيها الأدوية والمعدات الطبية، مما يُفاقم من الأزمة الإنسانية.

ونقلت القناة 14 الإسرائيلية -عن مصدر سياسي إسرائيلي تعليقا على المفاوضات- أن إسرائيل تطالب بإطلاق 11 أسيرا إسرائيليا على قيد الحياة مقابل وقف إطلاق النار لمدة 40 يوما.

وبحسب القناة، فإن تل أبيب تعتقد أن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق، لكن هذا سيتطلب تصعيدا إضافيا للضغط العسكري على حماس.

وأضافت القناة 14 الإسرائيلية أن تكتيك الجيش الإسرائيلي في غزة هو محاصرة حماس من جميع الجهات وتقليص المنطقة الخاضعة لسيطرتها وممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط العسكري عليها.

وكانت وكالة رويترز نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن هناك مقترح هدنة طويلة الأمد في غزة مقابل إعادة نحو نصف المحتجزين الإسرائيليين الذين يُعتقد أنهم ما زالوا أحياء، وعددهم 24، وجثث نحو نصف المحتجزين الذين يُعتقد أنهم لاقوا حتفهم، وعددهم 35، خلال هدنة تستمر ما بين 40 و50 يوما.

إعلان موقف حماس

في المقابل، دعت حركة المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال لوقف العدوان والعودة إلى الاتفاق وتمكين عمليات تبادل الأسرى، قائلة إن "على من يراهنون على انكسار شعبنا التوقف مليا أمام عظمة وإصرار هذا الشعب وأبنائه في المقاومة".

وأضاف بيان للحركة أن "الشعب الفلسطيني يؤكد رفضه لكل محاولات إخضاعه وتصفية حقوقه، وإصراره على التمسّك بالأرض والثوابت، وحقوقه بالحرية وإنهاء الاحتلال وتقرير المصير".

ووصفت حماس رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"مجرم الحرب"، وأكدت أن ما يشجعه على مواصلة الاستهتار بالقوانين الدولية هو غياب المحاسبة وعجز المجتمع الدولي.

وقال نتنياهو إن إسرائيل مستعدة للحديث عن المرحلة النهائية في الحرب، لكنه اشترط أن تشمل تلك المفاوضات إلقاء حركة حماس سلاحها والسماح لقادتها بالخروج من القطاع.

ومطلع مارس/آذار المنقضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى بين حركة حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أميركي.

وبينما التزمت حماس ببنود المرحلة الأولى، تنصل نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية من بدء مرحلته الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم.

وفي 18 مارس/آذار، استأنفت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 164 ألفا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • باحث: إسرائيل تريد عرقلة أي مساعي للتهدئة أو وقف إطلاق النار
  • العاهل الأردني يدعو إلى ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة
  • ملك الأردن: يجب وقف الحرب الإسرائيلية على غزة فورا
  • لماذا لم تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار؟ | فيديو
  • مستشار ألمانيا: أوروبا سترد بشكل مناسب على تعريفات ترامب الجمركية
  • الأمم المتحدة: “إسرائيل” قتلت 288 من موظفينا بغزة
  • الأمم المتحدة: ” إسرائيل” قتلت 288 من موظفينا في غزة
  • الأمم المتحدة تدعو للتحقيق في إعدام إسرائيل لمسعفين ومنقذين في رفح
  • إسرائيل تطرح مقترح هدنة جديدة في غزة وحماس تطالب بالضغط عليها
  • هل أصبحت الضاحية ضمن بنك أهداف مرحلة وقف إطلاق النار؟!