مونيكا وليم تكتب: وقف إطلاق النار.. ما بين ديناميات المرحلة ودلالات التوقيت
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
بشكل رسمي دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن قبول الجانين اتفاقا بوساطة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وهو ما اثار العديد من التساؤلات حول ما هي بنود الاتفاق؟، وما هي دلالة التوقيت، فلماذا لم يتم الاتفاق قبل أسبوعين وهو ما قد كان بالتأكيد سيؤثر علي مجريات الانتخابات الأمريكية أو لماذا لم يتم الانتظار حتي شهر يناير بعد تولي ترامب الحكم رسمياً بالبيت الأبيض؟
وعلي هذا، يتعين بداية قراءة وتفنيد بنود أتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع إسرائيل الذي تكون من 13 فقرة وتضمن التزام حزب الله وجميع المجموعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية بعدم تنفيذ أي عمليات هجومية ضد إسرائيل، التي ستلتزم بالمقابل بعدم تنفيذ أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان سواء على الأرض أو في الجو أو البحر.
وقد تعكس هذه التفاهمات الاجراءات التي يلتزم بها كل من إسرائيل ولبنان من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالكامل، الذى يفرض إنهاء تسليح حزب الله وتحريك قواته إلى شمال نهر الليطانى ، مع الاعتراف بأن هذا القرار ينص أيضاً على التنفيذ الكامل للقرارات السابقة لمجلس الأمن، بما في ذلك نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان، بحيث تقتصر القوى المخولة بحمل السلاح في جنوب لبنان على القوات المسلحة اللبنانية، واليونيفيل، اما إسرائيل فستنسحب بشكل تدريجي من جنوب الخط الأزرق خلال 6 أشهر وذلك لضمان عدم قيام حزب الله بإعادة بناء بنيته التحتية.
هناك دوافع عدة عززت من قبول الجانب الإسرائيلي هذا الاتفاق، ففي تصوري جاء هذا الاتفاق بعد صمود حزب الله حيث برزت التطوّرات الميدانية في الأيام الماضية أن حزب الله نفذ عمليات استثنائية، وصلت إلى خمسين عملية في يوم واحد، يوم الأحد 24 نوفمبر، داخل العمق الإسرائيلي، في الوقت نفسه عًجزت إسرائيل علي اتخاذ إجراءات تصعيدية تستطيع من خلالها فرض مالاته وأهدافه فيما يخص إنشاء منطقة عازلة في الجنوب، حيث تتفق القراءات الإسرائيلية على أن خضوع نتنياهو لوقف إطلاق النار يأتي بعد التيقن أن لبنان جبهة ثانوية، وأن جبهة القتال الأهم والاساسية هي غزة التي نجح في تحقيق هدف استراتيجي بها يتعلق بإفشال وحدة الساحات إذ استطاع أن يحيد قوي كبيرة كانت تُساند فصائل المقاومة فالفصل بين غزة ولبنان، وقطع العلاقة بين الساحتين، وإبقاء حماس وحيدة في المعركة، مع مضاعفة الضغط العسكري، وإرسال قوات إلى غزة ، وبالتالي فتح أفق لصفقة تعيد الأسرى.
أما فيما يتعلق بدلالة التوقيت، فحكومة بايدن حريصة علي أمن واستقرار إسرائيل خاصة في ظل حالة الإنهاك المتنامي لدي الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان واستنزاف قدراته وامكاناته، فضلاً عن ذلك أراد بايدن أن يعادل فشه في الوصول لتهدئة في غزة، بنجاح في الجبهة الشمالية وهو ما يبدو متفق عليه مع الرئيس المنتخب ترامب الذي يريد التفرغ لأولوياته الاستراتيجية المتمثلة في الحرب في أوكرانيا والمنافسة الاقتصادية مع الصين خاصة في ظل ترسيخ الجبهة التي تضم روسيا والصين وكوريا الشمالية.
وبمراجعة الملابسات التاريخية، فهناك تشابه لا يمكن تجاهله بين الحرب الحالية وحرب 2006، أبرزها إخفاق الجيش الإسرائيلي في عدم امتلاكها لإستراتيجية خروج واضحة وذلك حين قام الجيش الإسرائيلي المتسلح بالدعم المالي والتقني الأمريكي، بغزو الأراضي اللبنانية بهدف تقويض حزب الله الذي كان حينها يمثل قوة صاعدة أقل عدداً وتأثيراً مقارنة بما هي عليه الآن بالرغم من هذا التباين الكبير بين الجبهتين، لقد شهدت الحرب قيام حزب الله للمرة الأولى بإطلاق صواريخه باتجاه "الأجواء الإسرائيلية" وكان هذا أول تهديد صاروخي حقيقي لإسرائيل منذ صواريخ سكود العراقية التي أطلقها صدام حسين من العراق عام 1991، ومن ثم تًمكن حزب الله من إلحاق هزيمة بإسرائيل وأجبرها على الانسحاب في غضون 33 يوما.
وفي أعقاب انسحاب إسرائيل، ألقى حسن نصر الله خطابا شهيرا في مدينة بنت جبيل المحررة، عرف باسم "خطاب بيت العنكبوت" أعلن فيه الانتصار على إسرائيل ، بيد أن أهداف إسرائيل من الحرب كانت تتجاوز محاولة محو الإذلال الذي تعرضت له في لبنان، نحو تحقيق أهداف إستراتيجية أوسع نطاقا، حيث شملت الأهداف المعلنة الإفراج غير المشروط عن الأسرى الإسرائيليين وتدمير حزب الله ونزع سلاحه وإنهاء تهديده للحدود الشمالية للاحتلال، وفيما وراء كل ذلك، كان هناك هدف غير معلن هو استعادة إسرائيل لقدرتها على الردع العسكري، التي تضررت بشدة بعد انسحابها مجبرة من قطاع غزة عام 2005.
وكان احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية حينها هو الشرارة التي حفزت ظهور المقاومة غير النظامية الأكثر جاهزية ضد إسرائيل حتى ذلك الحين ممثلة في حزب الله، الذي أدّى دورا بارزا في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.
ومع استقراء السياق السياسي حينها، وعلى الرغم من تغٌير الظروف المحيطة سواء من حيث ضعف الحزب بعد اغتيال زعيمه حسن نصر الله، ووجود حكومة إسرائيلية توصف بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، والتي يرأسها نتنياهو، لكن تظل هناك معطيات حاكمة لهذا الصراع، أبرزها أنه لا يزال صراعًا بين جيش نظامي تدعمه قوى دولية كبرى وجماعة مسلحة ذات حلفاء إقليميين، وفي سياق بيئة تعددت فيها الجبهات، ويشوبها توتر جيو استراتيجي متفاقم.
ثانياً، يعد موطن التشابه الثاني فيما يٌطلق عليها الحرب الهجينة، وهي التي تكمن في تكتيكات الحرب غير التقليدية التي أتقنها حزب الله منذ نشأته، والتي عانى منها الجيش الإسرائيلي في المقابل، كونها ترتكز على إستراتيجية تمزج بين وسائل الحرب التقليدية وتكتيكات "حروب العصابات"، والاختفاء والظهور وإعداد الكمائن وفيها لا تتحكم الفوارق في العدد والعتاد وحدها في نتائج المعركة بل تصبح المرونة التنظيمية والقدرة على التكيف عوامل مؤثرة، وحاسمة.
ختاماً، مع محاولة تحليل هذا الاتفاق فهو اتفاق هش يأتي في أعقاب الضغوطات التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته على نتنياهو، وفي الوقت نفسه خوفاً من إملاءات قد تفرضها عليه إدارة الرئيس المنتخب ترامب، وعلي صعيد الناحية الضمنية به الكثير من العبارات الفضفاضة المصاغة بغير انضباط أو تحديد للآليات التنفيذية؛ لذا فهو اتفاق مؤقت كونه لا يوفر الضمانة للتنفيذ، وهو ما برز في تحركات إسرائيل يوم الجمعة 30 نوفمبر من حيث إطلاق جنود إسرائيليين النار على سكان بلدة الخيام قرب الحدود، هذا ويظل التساؤل باقياً ماذا عن غزة؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: غزة جنوب لبنان مونيكا وليم المزيد المزيد الجیش الإسرائیلی إطلاق النار حزب الله وهو ما
إقرأ أيضاً:
قتيلان من الجماعة الإسلامية وحزب الله بغارتين اسرائيليتين على لبنان
قُتل قيادي بارز في الجماعة الإسلامية في لبنان وعنصر في حزب الله جراء غارتين نفذتهما إسرائيل في بلدة تقع جنوب بيروت وأخرى في جنوب البلاد أمس الثلاثاء.
وطالت الغارة الأولى الثلاثاء سيارة في قضاء الشوف جنوب بيروت، ما أسفر عن مقتل شخص وفق وزارة الصحة اللبنانية.
ونعت الجماعة الاسلامية في بيان "القيادي الأكاديمي والأستاذ الجامعي الدكتور حسين عزات عطوي"، مضيفة أنه قتل بضربة من مسيّرة اسرائيلية "استهدفت سيارته أثناء انتقاله صباح الثلاثاء من منزله في بلدة بعورتا إلى مكان عمله في بيروت".
وكان مصدر أمني لبناني أفاد في وقت سابق بمقتل عطوي "بغارة اسرائيلية على سيارته" في البلدة القريبة من مدينة الدامور الساحلية التي تبعد حوالى 20 كيلومترا عن بيروت.
وأعلن الجيش الاسرائيلي لاحقا أنه "قضى" على عطوي الذي قال إنه شارك في "تخطيط وتنفيذ هجمات من لبنان باتجاه إسرائيل"، و"نفّذ هجمات صاروخية خلال السنوات الماضية وساهم في محاولات التسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية".
وبحسب المصدر الأمني اللبناني، فإن عطوي رجل دين وقيادي في قوات الفجر، الجناح العسكري في الجماعة الاسلامية. وكان يُعرف بنشاطه العسكري ضد اسرائيل منذ سنوات، وسبق أن استهدفته إسرائيل خلال مواجهتها الأخيرة مع حزب الله التي امتدت بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى سريان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2024.
إعلانوخلال الأشهر الأولى من المواجهة بين حزب الله واسرائيل التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تبنّت الجماعة الاسلامية مرارا عمليات إطلاق صواريخ باتجاه شمال إسرائيل. وشكلت الجماعة وجناحها العسكري هدفا لضربات إسرائيلية عدة خلال تلك الفترة.
غارة قرب صوروبعد ساعات من الغارة التي أودت بعطوي، شنّت إسرائيل غارة جديدة في قضاء صور في جنوب لبنان، أسفرت عن مقتل شخص.
وأوردت وزارة الصحة اللبنانية في بيان أن الغارة التي شنها العدو الإسرائيلي على بلدة الحنية قضاء صور أدت إلى سقوط قتيل. وقالت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية إن الغارة استهدفت شاحنة صغيرة ودراجة نارية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه "قضى على قائد في مجمّع مجدل زون (بلدة في جنوب لبنان) التابع لحزب الله ".
ورغم سريان وقف لإطلاق النار منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر، تواصل إسرائيل شنّ ضربات دامية تؤكد أنها تستهدف عناصر في الحزب أو "بنى تحتية" عائدة له لا سيما في جنوب لبنان. كذلك، طالت بعض الضربات عناصر في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو فصائل لبنانية متحالفة معها ومع الحزب، تتهمهم الدولة العبرية بالضلوع في المواجهة التي امتدت لأكثر من عام على جانبي الحدود.
وأتت غارتا الثلاثاء بعد يومين من مقتل شخصين الأحد في ضربات جوية إسرائيلية بحسب وزارة الصحة اللبنانية. وأعلن الجيش أنه هاجم منشأة عسكرية لحزب الله و"قضى" على عنصرين من الحزب.
ومنذ سريان وقف إطلاق النار، يعمل الجيش اللبناني على تفكيك بنى عسكرية تابعة لحزب الله تقع جنوب نهر الليطاني، وهي المنطقة التي نص اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب الحزب منها في مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل) فيها.
وأوقعت الضربات الاسرائيلية منذ سريان وقف إطلاق النار 190 قتيلا على الأقل في لبنان، وفق السلطات. وقالت الأمم المتحدة الاسبوع الماضي إن 71 مدنيا على الأقل في عداد القتلى.
إعلانوكان الجيش اللبناني أعلن الأربعاء الماضي توقيف ضالعين في عمليتي إطلاق صواريخ في مارس /آذار. ولم تتبنَّ أي جهة العمليتين، ونفى حزب الله أي علاقة له.
وفي حين لم يحدد الجيش انتماء الموقوفين، أفاد مصدر أمني الأربعاء بتوقيف ثلاثة منتمين إلى حماس التي سبق أن أعلنت مسؤوليتها عن إطلاق صواريخ من لبنان خلال الحرب.
كذلك، أعلن الجيش اللبناني الأحد توقيف أشخاص كانوا يعدّون "لعملية جديدة لإطلاق صواريخ" نحو إسرائيل.
وأضاف في بيان أن قواته دهمت "شقة في منطقة صيدا-الزهراني وضبطت عددا من الصواريخ بالإضافة إلى منصات الإطلاق المخصصة لها، وأوقفت أشخاصا عدّة متورطين في العملية".
يذكر أن إسرائيل لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ومددت مهلة تنفيذ الاتفاق حتى 18 فبراير/شباط الماضي. ولا تزال مناطق عدة في جنوب لبنان وشرقه تتعرض لغارات إسرائيلية بشكل شبه يومي. كما لا تزال القوات الإسرائيلية موجودة في عدد من النقاط في جنوب لبنان.