هل انتصرت المقاومة في لبنان؟ وما مصير معركة الإسناد الاستراتيجي؟
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
على عكس بعض التحليلات التي تمتح من قاموس الهزيمة النفسية التي يشتغل بكثافة هذه الأيام بما فيها بعض التحليلات التي تقدم في قنوات عربية محترمة، يمكن أن نرى صورة انتصار المقاومة في لبنان بشكل واضح بمجرد إعادة تركيب الوقائع والأحداث بشكل دقيق بعيدا عن الضجيج الإعلامي السائد.
بين أهداف المقاومة المتمثلة في إسناد غزة وأهداف العدو المتمثلة في القضاء على حزب الله.
عندما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رحمه الله قرار إسناد جبهة غزة، كان واضحا أنه لا يريد جر لبنان إلى حرب شاملة مع دولة الاحتلال، ولكنه كان يرغب في تحقيق هدفين:
ـ إشغال جزء معتبر من جيش الاحتلال في معركة استنزاف طويلة للتخفيف على غزة.
ـ منع مستوطني شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة الذين يتجاوز عددهم 200 ألف مستوطن من العودة إلى مستوطناتهم.
إن عبارة تغيير وجه الشرق الأوسط ليست عبارة للاستهلاك الإعلامي وإنما هي مشروع استراتيجي حقيقي يتجاوز غزة وفلسطين ولبنان إلى الشرق الأوسط، وفي تقديري أن الهدف الحقيقي الذي اشتغلت عليه القيادة العسكرية والسياسية لدولة الاحتلال كان هو "إنهاء وجود حزب الله، واحتلال لبنان إما بشكل مباشر أو عن طريق حكومة عميلة يجري التحكم فيها من تل أبيب في أفق التغيير الفعلي لخارطة الشرق الأوسط".بالمقابل، اعتمد جيش الاحتلال على سلاح الجو وقذائف المدفعية لقصف ما كان يدعيه مواقع لأسلحة حزب الله، مهددا بحرب برية للقضاء النهائي على حزب الله ونزع سلاحه.
لكن قبل اتخاذ قرار الاجتياح البري أعلن مجرم الحرب نتنياهو عن أهدافه الحقيقية:
ـ القضاء على حزب الله بشكل نهائي ونزع سلاح المقاومة، وهي خطوة ضرورية لتحقيق الهدف الحقيقي الذي هو" تغييّر وجه الشرق الأوسط".
إن عبارة تغيير وجه الشرق الأوسط ليست عبارة للاستهلاك الإعلامي وإنما هي مشروع استراتيجي حقيقي يتجاوز غزة وفلسطين ولبنان إلى الشرق الأوسط، وفي تقديري أن الهدف الحقيقي الذي اشتغلت عليه القيادة العسكرية والسياسية لدولة الاحتلال كان هو "إنهاء وجود حزب الله، واحتلال لبنان إما بشكل مباشر أو عن طريق حكومة عميلة يجري التحكم فيها من تل أبيب في أفق التغيير الفعلي لخارطة الشرق الأوسط".
الحجة الواضحة في ذلك، أن الخطة التي جرى إعدادها كانت تهدف إلى:
ـ تصفية القيادة العسكرية والسياسية لحزب الله.
ـ ضرب المواقع الرئيسية في الهيكل التنظيمي للحزب وشل حركيته.
ـ ضرب المفاصل الأساسية للحاضنة الشعبية للحزب.
والباقي يتم استكماله في الاجتياح البري لتدمير ما تبقى من خلايا وخنادق وأنفاق ومقدرات عسكرية ولوجستية.
هذه الخطة كانت مسبوقة بإعداد استخباراتي وعسكري وتجسسي دام لعدة سنوات. هذه الخطة الجهنمية كانت قادرة على إسقاط دولة بأكملها وليس فقط تصفية تنظيم مقاوم وتفكيك قدراته العسكرية وتحطيم بنياته التحتية.
وقد كانت إرادة قادة الاحتلال واضحة وهم يعلنون على لسان مجرم الحرب نتنياهو عدم رغبتهم في تحديد موعد لإنهاء الحرب على لبنان، وإنما كانت هناك "أهدافا واضحة للانتصار فيها".
لقد كشفت صحيفة واشنطن بوست، ما قالت إنها تفاصيل جديدة، تتعلق بعملية تفجير أجهزة الاتصالات "البيجر" لآلاف الأعضاء في حزب الله في لبنان، واختراق الاتصالات لسنوات طويلة والتجسس على تحركات الحزب.
وقالت الصحيفة بأن هذه الخطة تعود إلى عام 2022، حيث توقفت أجزاء منها بعد هجوم "حماس" في 7 أكتوبر 2023، وكانت هناك حاجة للتهدئة على جبهة الشمال.
وفي الوقت نفسه، قامت أجهزة المخابرات الصهيونية والأمريكية وغيرها بمراقبة الحزب، ومحاولة اختراقه عبر الرقابة الإلكترونية وزرع العملاء. وتحويل الأجهزة الإلكترونية، بما فيها الهواتف المحمولة إلى أجهزة تجسس بيد الاحتلال.
مضامين اتفاق وقف إطلاق النار بعيدا عن حملات التضليل الإعلامي..
الآن، لنعد لاتفاق وقف إطلاق النار والذي يتضمن 13 بندا، تختلف كثيرا عما يروج في تحليلات عدد من القنوات العربية، وتجنباً لأي لغط أو تأويل، نستعرض في هذه المقالة بنود النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان كما نشرته صحيفة " الشرق الأوسط"، قبل أن نعلق عليه ونبرز أين يكمن انتصار المقاومة وأين تكمن هزيمة دولة الاحتلال:
1 ـ "حزب الله" وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل.
2 ـ إسرائيل، بدورها، لن تنفذ أي عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك من البر والجو والبحر.
3 ـ تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
4 ـ يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الذاتي ضمن أطر المواثيق الدولية.
5 ـ القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات في جنوب لبنان.
6 ـ كل بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد المتعلقة بالأسلحة إلى لبنان سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.
7 ـ سيتم تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلقة بها.
8 ـ سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، وستتم مصادرة أي أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.
9 ـ سيتم تشكيل لجنة مقبولة على إسرائيل ولبنان للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
10ـ ستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات إلى اللجنة وقوة «اليونيفيل» (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان).
11 ـ ستنشر لبنان قواتها الأمنية الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود، ونقاط العبور، والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية وفقاً لخطة الانتشار.
12 ـ ستقوم إسرائيل بسحب قواتها تدريجياً من الجنوب باتجاه الخط الأزرق خلال فترة تصل إلى 60 يوماً.
13 ـ ستدفع الولايات المتحدة لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان من أجل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية.
الخلاصات الأساسية بين بنود الاتفاق والواقع الميداني..
بالقراءة المتأنية لبنود الاتفاق، نلاحظ أن هناك اعتراف بحزب الله كطرف رئيسي في الاتفاق بما يمثله من قوة عسكرية أساسا، يتعهد بعدم القيام بأعمال هجومية، وهذا طبيعي، فالمقاومة تقوم بأعمال الدفاع أساسا وصد العدوان، بينما تتعهد إسرائيل التي اعتادت على القيام بأعمال عدائية هجومية عن التوقف عن ذلك.
ثانيا، كل ما يتعلق بما سمي "بالأسلحة غير المشروعة" تمت صياغته بطريقة عامة وفضفاضة تفتقر إلى آليات التنفيذ، وعلى غرار القرار 1701 ستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات إلى اللجنة وقوة «اليونيفيل» (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان)..
هذا على مستوى الاتفاق المكتوب الذي يبقى مجرد هامش على متن قرار 1701 الذي سبقت للمقاومة الاعتراف به في إطار معادلة (الجيش- المقاومة – الشعب) ..
نمر الآن إلى الواقع الميداني الذي يبدو أصدق أنباء من الكتب:
ـ بمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار بدأ أهالي جنوب لبنان يعودون إلى ديارهم حاملين شعارات النصر ويهتفون بانتصار المقاومة، ومعظم قرى الجنوب بدأت باستقبال أصحابها رغم الخروقات المسجلة من قبل قوات الاحتلال مستغلة مدة ستون يوما التي منحت لها من أجل الانسحاب التدريجي من الجنوب.
يمكن القول بأن المقاومة الإسلامية في لبنان انتصرت بفضل الله أولا، ولازالت قادرة على الصمود بفضل الخزان الاستراتيجي الذي تقدمه إيران عبر سوريا، وهذا مدخل ضروري لفهم ما يجري هذه الأيام من تحرك احتياط المجموعات المسلحة ضد سوريا وهو ما يمثل خدمة تكتيكية للصهاينة هم في أمسّ الحاجة إليها وهو يتجرع مرارة الهزيمة.ـ بينما لم يتمكن مستوطنو شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة من العودة إلى المستوطنات بتعليمات من جيش الاحتلال الذي يتحجج باحتمال استمرار الحرب على لبنان كسبب لعدم الدعوة لعودة الآلاف لبيوتهم في الشمال، لكن الحقيقة خلاف ذلك كما سنوضح.
دولة الاحتلال تبدد أوراقها الاستراتيجية والحزب يستمر عمليا في معركة الإسناد بدون كلفة..
انطلاقا مما سبق، يمكن القول بأن دولة الاحتلال فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية، والمتمثلة في القضاء على المقاومة الإسلامية وتدمير قدراتها العسكرية، لكن الهزيمة الأكبر هي تبديدها للأوراق الاستخباراتية والأمنية التي كانت تملكها وتراهن عليها لتحقيق هدف القضاء النهائي على حزب الله والتحكم في لبنان، وهذا بالضبط ما يمنح لحزب الله ميزة استراتيجية تجعله في وضع المنتصر لأنه لا زال يملك قوة الردع التي تمكنه من تهجير مستوطني الشمال، ناهيك عن أنه أظهر قدرة حقيقية على الوصول إلى المحور الاقتصادي لكيان الاحتلال المتمثل في حيفا، واستهداف المركز السياسي للكيان المتمثل في تل أبيب بالصواريخ الدقيقة والقوية، وهو ما جعل الاحتلال بحاجة إلى التسريع بوقف إطلاق النار ناهيك عما فقدته الدولة المارقة من عنصر المباغثة وفشلت في تحقيق هدف القضاء على حزب الله، وهذا بالضبط ما يجعل جيش الاحتلال غير قادر على إخلاء مواقعه في بعض القرى اللبنانية بالشريط الحدودي بالإضافة إلى الحفاظ على فرقه العسكرية بالشمال الفلسطيني المحتل.
وهو ما يمنح لحزب الله ميزة استراتيجية ثانية وهي أنه بهذا الوضع قادر على إشغال أزيد من ثلث الجيش الإسرائيلي حتى في ظل وقف إطلاق النار، كما يتوفر على ميزة التهديد الاستراتيجي لمستوطنات الشمال والوصول إلى قلب إسرائيل السياسي والاقتصادي المتمثل في حيفا وتل أبيب وهذا هو السبب الحقيقي لإحجام دولة الاحتلال على السماح للمستوطنين للعودة إلى ديارهم واستعجالها وقف اطلاق النار.
وهو ما يعني في النهاية أن المقاومة انتصرت وإسرائيل انهزمت ومعركة الإسناد لازالت مستمرة بدون كلفة عسكرية هذه المرة..
نعم لا زال سلاح العدو الإسرائيلي قادر على شن حرب عدوانية قائمة على تدمير المنشآت المدنية وقصف المستشفيات واستهداف المدنيين، تماما كما يفعل في غزة، ولكنه فقد قدرته على تحطيم المقاومة والتحكم في لبنان وتغيير وجه الشرق الأوسط من جديد، تماما كما فشل في تحقيق أهدافه المعلنة في غزة الصامدة، والمتمثلة في القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى..
ويمكن القول بأن المقاومة الإسلامية في لبنان انتصرت بفضل الله أولا، ولازالت قادرة على الصمود بفضل الخزان الاستراتيجي الذي تقدمه إيران عبر سوريا، وهذا مدخل ضروري لفهم ما يجري هذه الأيام من تحرك احتياط المجموعات المسلحة ضد سوريا وهو ما يمثل خدمة تكتيكية للصهاينة هم في أمسّ الحاجة إليها وهو يتجرع مرارة الهزيمة.
أما المقاومة الفلسطينية المجيدة في غزة، فإن صمودها الأسطوري لمدة تزيد عن 400 يوم هو انتصار كبير جدا يحتاج لوحده لمتابعة دقيقة، واستخلاص ما يلزم من الدروس والعبر..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير المقاومة لبنان الاحتلال وقف إطلاق النار لبنان احتلال مقاومة رأي وقف إطلاق النار أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وجه الشرق الأوسط وقف إطلاق النار إسرائیل ولبنان هذه الالتزامات دولة الاحتلال جیش الاحتلال على حزب الله القضاء على لحزب الله فی لبنان فی تحقیق وهو ما
إقرأ أيضاً:
كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟
تعمل الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة ضمن ثلاثة أَسقُفٍ أو مستويات: أعلى، ووسط، وأدنى بحسب إمكانية التحقيق. وفي كل الأحوال، فإن المشترك، على ما يبدو، في الأسقف الثلاثة، أي الحد الأدنى المستهدف، هو أن تكون غزة بلا سلاح، وبلا حماس!!
أما السقف الأعلى فهو مرتبط بمشاريع احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، وضمه أو ضمّ أجزاء منه، وإعادة تفعيل برامج الاستيطان، وحكمه بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهو ما يعني ضمنًا القضاء على حماس، ونزع أسلحتها وأسلحة المقاومة. وثمة الكثير من الحديث حول هذا السقف في أوساط اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، وهو مدعوم بغطاء أميركي حيث كرر ترامب الدعوة لتهجير سكان القطاع.
أما السقف الوسط، فيتضمن الإبقاء على نقاط سيطرة في القطاع، والتحكم الظاهر أو غير الظاهر في المعابر، واستباحة أجواء القطاع وإمكانية عمل اقتحامات وضربات محددة، كما يحدث في الضفة الغربية، وحكم غزة بوجود قوات عربية ودولية أو سلطة رام الله، ولكن بمعايير إسرائيلية. مع سحب فكرة التهجير والضم والاستيطان، وتسهيل دخول الاحتياجات الأساسية للقطاع، وبعض من مستلزمات إعادة الإعمار، وبوجود برنامج حثيث لنزع أسلحة المقاومة، وتحييد حماس عن المشهد السياسي ومشهد إدارة القطاع.
إعلانسيسعى الطرف الإسرائيلي لتحقيق ما يمكن تحقيقه في السقفين؛ الأعلى والوسط، وفق ما يوفره الواقع الميداني والمعطيات على الأرض، غير أنه سيستخدم هذين السقفين كأدوات تفاوضية ضاغطة، إذا ما استمرت المقاومة في أدائها، سعيًا للوصول إلى الحد المستهدف، مع إيجاد بيئات ضاغطة دولية وعربية وحتى فلسطينية داخلية (وتحديدًا من سلطة رام الله ومؤيديها)، وربما محاولة المراهنة على اصطناع دائرة احتجاج ضد المقاومة في القطاع نفسه والسعي لتوسيعها؛ بحيث تتضافر حملات سياسية وإعلامية عربية ودولية لإظهار حماس وكأنها هي الطرف المتعنِّت والمُعطِّل للاتفاق، والمتسبِّب بمعاناة القطاع.
كما سيتمُّ تقديم وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ووقف مشروع التهجير، والفك الجزئي للحصار والسماح لإدارة فلسطينية (بمواصفات سلطة رام الله) باعتبارها "تنازلات" إسرائيلية كبيرة، وبالتالي محاولة "تبليع السكِّين" لحماس، وربط إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع بموافقة حماس والمقاومة على نزع أسلحتها، والخروج من المشهد السياسي والمؤسسي الفلسطيني.
تكمن خطورة هكذا إستراتيجية في السعي لتحقيق الهدف الأساس من الحرب، مع محاولة إظهاره في الوقت نفسه كمطلب عربي ودولي، وإظهاره وكأنه "إنجاز" وطني وقومي للدول العربية المطبّعة الرافضة للتهجير، التي تتقاطع في الوقت نفسه، مع الإسرائيليين والأميركان، في العداء لخط المقاومة ولتيار "الإسلام السياسي". كما تُظهر سلطة رام الله وكأنها بديلٌ يُنهي معاناة الفلسطينيين.
أبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيليةمن خلال القراءة الموضوعية والتحليلية لما صدر عن الجانب الإسرائيلي من تصريحات ومواقف، ومن خلال استقراء سلوك نتنياهو وحكومته وجيشه على الأرض، يمكن استخلاص النقاط التالية، كأبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع قطاع غزة ومستقبله:
إعلان محاولة استعادة الصورة التي فقدها الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت لها نظرية الأمن الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقدان قوة الردع، وتزعزُع ثقة التجمع الاستيطاني الصهيوني بها. محاولة إعادة تسويق الدور الوظيفي للاحتلال، كقلعة متقدمة وعصا غليظة للنفوذ الغربي في المنطقة؛ وكقوة جديرة بالثقة والاعتماد عليها لدى دول التطبيع العربي، خصوصًا في إدارة صراعها مع منافسيها في البيئة الإقليميّة. محاولة إحداث أقسى حالة "كي وعي" لدى الحاضنة الشعبية في قطاع غزة ولدى المقاومة، عبر استخدام القوة الساحقة الباطشة والمجازر البشعة للمدنيين، والتدمير الشامل للبيوت والبنى التحتية والمؤسسات الرسمية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمزروعات وآبار المياه.. وغيرها؛ بعيدًا عن أي معايير قانونية أو أخلاقية أو سياسية، لمحاولة ترسيخ "عقدة" عدم تكرار هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. استغلال بيئة الحرب لفرض تصورات "اليوم التالي" لحكم القطاع، وفق المعايير والضوابط الإسرائيلية. السعي للاستفادة من بيئة الحرب، لتمرير وتسريع مشاريع التهويد والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة. السعي لتوسيع النظرية الأمنية الإسرائيلية، لتشمل في إطارها الرادع الفعَّال المحيط الإستراتيجي للكيان الصهيوني، لضمان استقرار الكيان وديمومته، حتى بعد إغلاق الملف الفلسطيني، حيث سبق أن كرر نتنياهو هذه الرؤية أكثر من مرة. رفع السقف التفاوضي مع المقاومة إلى مديات عالية جدًا، وإن لم يكن من الممكن تحقيقها، بهدف استخدامها كأدوات ضغط، وتوظيفها في العملية التفاوضية. محاولة تخفيف تأثير قضية الأسرى الصهاينة على الأثمان المدفوعة للمقاومة قدر الإمكان، سواء بمحاولة تحريرهم، أم بإطالة أمد التفاوض عليهم، أم بالتركيز على المنجزات المحتملة من استمرار الحرب، ولو تسبب ذلك بخسارة المزيد من الأسرى. الاستفادة من النفوذ والغطاء الأميركي قدر الإمكان، في البيئة الدولية ومجلس الأمن، وفي البيئة العربية، وفي الدور كوسيط، وفي مجالات الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي. الاستفادة قدر الإمكان من الضعف والخذلان العربي، وتقاطع عدد من الدول العربية مع التوجهات ضد المقاومة وضد "الإسلام السياسي"، وكذلك الاستفادة من عدم فاعلية البيئة الدولية ومؤسساتها وفشلها، لتمرير الأجندة الإسرائيلية. إطالة أمد الحرب ما أمكن، سعيًا لتحقيق أكبر منجز ممكن ضد المقاومة، وكذلك للإبقاء على تماسك الائتلاف المتطرف الحاكم لكيان الاحتلال، وتمرير أجنداته الداخلية، والتّهرب من السقوط وإمكانية المحاسبة. تعمد إخفاء الخسائر الحقيقية للجيش الإسرائيلي، واصطناع أكاذيب عن منجزاته، ومحاولة التعمية عن حالات التهرب الواسعة من الخدمة لدى قوات الاحتياط، والأزمات المرتبطة بالتجنيد وغيرها؛ سعيًا للإبقاء على بيئة داخلية داعمة للحرب. تعمُّد نقض العهود والاتفاقات مع المقاومة، واستخدام ذلك في الابتزاز العسكري والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من حالة الإنهاك والمعاناة في القطاع؛ لتشديد الحصار لتحقيق مكاسب إستراتيجية وتفاوضية، خصوصًا على حساب المقاومة. إعلان نزح سلاح المقاومةكثر الحديث في الأيام الماضية عن ربط ترتيبات "اليوم التالي" في القطاع بنزع أسلحة حماس وإخراجها من المشهد السياسي، وتحدث عن ذلك قادة أوروبيون مثل الرئيس الفرنسي ماكرون بالرغم من إظهار حماسته لحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما حاول بعض المحسوبين على سلطة رام الله استغلال حالة المعاناة الهائلة للحاضنة الشعبية في القطاع، ومحاولة تنفيس الغضب باتجاه حماس وقوى المقاومة وتحميلها المسؤولية، بدلًا من الاستمرار في تحميل الاحتلال مسؤولية عدوانه وجرائمه.
التصعيد الإسرائيلي بخرق الهدنة، وإحكام الحصار على القطاع، ومنع دخول أي من الاحتياجات الضرورية، تبعها عدوان دموي ومجازر وحشية كان معظم ضحاياها من النساء والأطفال، وأعاد احتلال أجزاء من القطاع، مع إعادة تهجير أعداد كبيرة من أبناء القطاع المنهكين أصلًا والمستنزفين في دمائهم وأموالهم ومساكنهم، ليرفع وتيرة الضغط إلى مديات لا تكاد يحتملها إنسان؛ مع إعادة الحديث عن أجنداته بسقوفها العليا.
غير أن المقاومة عادت لتفاجئ العدو بتفعيل أدائها العسكري المؤثر، ولتقوم بحملة سياسية موازية تؤكد صلابتها في الثوابت، كما تؤكد مرونتها القصوى في ملفات تبادل الأسرى وغيرها، بما يحقن دماء الشعب الفلسطيني، وينهي الحرب، ويضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
سلاح المقاومة خط أحمرأمام هذه الإستراتيجية "الصفرية" لنتنياهو وحكومته المتطرفة، لا تبدو ثمة بوادر حقيقية لإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع وفك الحصار (على الأقل إعادة الوضع على ما كان عليه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول)، وفتح المجال لإعادة الإعمار، إلا إذا صمدت المقاومة وواصلت استنزاف الجيش والاقتصاد والأمن الإسرائيلي، والدفع لإيجاد بيئات داخلية إسرائيلية أكثر قوة وضغطًا، ورفع الأثمان التي يدفعها الاحتلال إلى مديات لا يستطيع احتمالها.
إعلانوقد قطعت المقاومة شوطًا كبيرًا في ذلك، مع تزايد المأزق الإسرائيلي، خصوصًا بعد استئناف المقاومة عملياتها النوعية، واعتراف رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بأن الحرب في غزة قد تأخذ شهورًا أو سنوات.
كما أن طبيعة ترامب النَّزقة والمتقلبة والمستعجلة للإنجاز لا توفر لنتنياهو وقتًا مفتوحًا لاستمرار الحرب، يترافق معها حاجة ترامب لتحقيق اختراقات في ملفات التطبيع في المنطقة، وفي الملف النووي مع إيران. كما يترافق ذلك مع بيئة عربية قلقة تحمل بذور التغيير والانفجار، وبيئة دولية تآكل فيها الدعم للكيان إلى حده الأقصى، حتى في محيط حلفائه الأوروبيين.
وليس ثمة ترف خيارات أمام المقاومة في خوض هذه المعركة "الصفرية" التي تستهدف اجتثاث الشعب الفلسطيني وقضيته، وبالتالي تظل المراهنة على المقاومة وسلاحها شرطًا أساسيًا وخطًا أحمر في مواجهة الاحتلال وإفشال مشاريعه.
والتجربة التاريخية طوال أكثر من مائة عام تشهد أن الشعب الفلسطيني تمكن من إفشال عشرات المشاريع التي تستهدفه، وقادر أيضًا، بعون الله، على إسقاط هذه الإستراتيجية وعلى إفشال هذا العدوان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline